الأستاذ محمود معروف إسم صحفي فلسطيني معروف في صحيفة "القدس العربي". قدم المغرب في بداية الثمانينات مراسلا لوكالة "القدس بريس" بعد أن عمل لها في بيروت قبل ذلك. انتقل للعمل في مجلة "الأفق" اللبنانية في قبرص بعد الاجتياح الصهيوني للبنان. و يعمل اليوم مديرا لمكتب «القدس العربي» بالرباط. ساهم في بناء هذا المشروع الصحفي الفلسطيني الفريد مند بداياته. «التجديد» استضافت الأستاذ محمود معروف، فحكى لها كيف جاء في البداية إلى المغرب مراسلا ل"القدس بريس"، ثم صحفيا مراسلا ومديرا لمكتب «القدس العربي». كما حكى كيف بنى هم الأربعة: عبد الباري عطوان وأمجد نصر وسناء العلول وهو، مشروع صحيفة فلسطينية دولية تصدر في لندن ونيويورك، كما ويدلي الأستاذ محمود معروف للتجديد ببعض آرائه حول قضايا تتعلق بالعمل الصحفي وبتجربته من خلال «القدس العربي». الأستاذ محمود معروف، كيف جئتم إلى المغرب لامتهان مهنة المتاعب؟ إسمي محمود معروف، فلسطيني الجنسية، أعمل مديرا لمكتب صحيفة "القدس العربي" بالمغرب. جئت إلى المغرب عام 1989 عن طريق الصدفة، ذلك أن صديقا لي، كان يملك دارا للنشر، زار المغرب في صيف هذا العام. كانت دار النشرالتي يملكها دارا حديثة ويريد من وراء زيارته للمغرب فتح السوق المغربي أمام مؤسسته، إذ كان المغرب في أواخر السبعينات والثمانينات بلدا عربيا وقارئا. عندما عاد صديقي هذا من المغرب إلى لبنان، حدثني كثيرا عن المغرب، وكنت أعمل في تلك الفترة في وكالة "القدس بريس" ببيروت، وهي وكالة تقوم بإنجاز مقالات وتحقيقات وتحليلات وترسلها إلى الصحف المشتركة لديها. كنت وصديقي هذا نتحدث سويا رفقة الأستاذ حنا مقبل في مكتبه. وكان هذا الأخير هو صاحب وكالة «القدس بريس»، وكان حينها أيضا أمينا عاما لاتحاد الصحفيين العرب. ونحن نواصل حديثنا عن المغرب دخل علينا الملحق الصحفي المغربي الأستاذ محمد السماك، وهو من الصحفيين المغاربة، يحمل الجنسية اللبنانية ويعمل مستشارا صحفيا للسفارة المغربية في بيروت، ولما شاركنا في الحديث طرح على حنا مقبل أن يوفد مراسلا للوكالة للعمل في المغرب، لأن هذا البلد في اعتقاده بلد عربي غيرمعروف في المشرق، وبالتالي فالمواد الوافدة على الوكالة منه ستجد متلقين كثر خاصة في دول الخليج التي بدأت الصحافة فيها تزدهر. وكهذا طرح علي أن أدخل هذه التجربة. وبالفعل جئت إلى المغرب وتعرفت على العديد من الأصدقاء والزملاء وكان هدفي يومها اكتشاف المغرب ثم العمل بصحيفة مغربية بالإضافة إلى عملي في الوكالة التي أوفدتني، فاشتغلت في جريدة الاتحاد الاشتراكي. ومما شجعني لأن أقدم مادة صحفية ناجحة تهم الشأن المغربي هو ذلك الدور الذي بدى واضحا أن المغرب بدأ يحتله على الصعيد العربي والإسلامي بعد أزمة كامب ديفيد واشتعال الحرب العراقية الإيرانية وعزلة مصروانحسار دورها. استمرت تجربتي مع «القدس بريس» في المغرب أربع سنوات. وبعد استشهاد حنا مقبل توقفت وتوقف الزملاء الذين كانوا يعملون معي في بيروت، لنلتحقبعد ذلك بمجلة «الأفق» بقبرص. كان المقر الرئيسي للمجلة ببيروت وعندما وقع الإجتياح الصهيوني للبنان نقل المقر الرئيسي إلى قبرص وصار مكتب بيروت مكتبا فرعيا، وبقيت أعمل في "الأفق" حتى العام 1989. أستاذ هل للقارئ أن يعرف كيف بدأ مشروع «القدس العربي» وكيف جئتم إليها؟ كانت «القدس» الصحيفة الفلسطينية الوحيدة التي تصدر في مدينة القدس، وكان يديرها محمد أبو الظروف. بعدما توقفت الصحيفة عن الصدور انتقل صاحبها إلى تونس بجوار عرفات، وقرر من جديد إصدار طبعة فلسطينية دولية من هناك. لإنجاز هذا المشروع تم اختيار شخص فلسطيني الصحافة بالنسبة له مهنة وابتلاء، وسوف لن يكون هذا الشخص إلا الأستاذ بعد الباري عطوان، الذي كان يعمل مديرا للتحرير بصحيفة «الشرق لأوسط». وعندما فاتح أبو الظروف الأستاذ عبد الباري في الموضوع، كانت علاقات الأخير ب»الشرق الأوسط» قد توقفت وبدأت له مفاوضات مع جريدة «الحياة» اللندنية. ولما طرحت عليه فكرة صحيفة فلسطينية لم يتردد بحكم انتمائه لفلسطين، ولكنه وهو يقبل بالفكرة اشترط أن يكون هو المسؤول عن اختيار المحررين. فاختارمن لندن الزميل أمجد نصر؛ وكان مدير تحرير لجريدة «العرب» اللندنية، وسناء العلول وكانت مراسلة لمجلة الدستورالأردنية، واختارني أنا بحكم علاقتي التاريخية به وبأمجد نصر الذي كان قد عمل معي في «القدس بريس» ومجلة «الأفق». وبدأنا مشروعنا رغم الإكراهات والاستحقاقات التي كان يفرضها علينا مشروع إعلامي كهذا. وكنا نعلم أننا دخلنا تجربة هي ضرب من المغامرة، ودفعنا لأجل ذلك ثمنا باهضا اقتطعنا بعضه من قوت عيالنا. ما هي الأسباب التي قادتكم إلى تحقيق المكانة المتميزة بين باقي الصحف العربية العريقة؟ خرجت الصحيفة دون أن تلقى رعاية من أحد، واستطعنا رغم ذلك أن نجعل اسمها يتم تداوله في العالم بأسره بعد ثلاث أشهر من صدورها وذلك من خلال مكتب الرباط. وللاستشهاد فقط على إنجاز الصحيفة وهي في بداياتها، أذكر من بين عمل مكتب الرباط، ذلك التقرير السري الذي أعدته اللجنة الثلاثية العربية المكلفة بالوضع اللبناني سنة 1989، كانت اللجنة التي أعدت هذا التقرير مكونة من الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله والملك فهد والرئيس الجزائري الشادلي بن جديد. ولم يكن من السهل على أي من الصحف العربية العريضة أن تخرج بمثل هذا الإنجاز وغيره. وبعد عام كانت صحيفتنا تأخذ طريقها نحو التوازن والاطمئنان. بدأنا نشعر بالراحة عندما أصبحت بعض وسائل الإعلام تقارن بيننا وبين «الشرق الأوسط»، وكان مجرد مقارنتنا بهذا المنبر الضخم في تلك الفترة مكسب كبير حققناه، قياسا مع الوضع المادي الغير المدعوم لجريدتنا. ثم إنه وبدخول العراق دولة الكويت قطعت كل الصحف دعمها لنظام العراق الذي كان بدوره يدعمها ماديا، وبالنسبة لنا واصلنا دعمنا لشعب العراق في حربه ضد الظلم الماقع عليه من أمريكا، رغم أننا لم نكن على علاقات ودية مع نظام العراق. موقفنا هذا كان صادرا من موقع إيماننا بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ولقد تميزنا به وجعلنا صوتا للإنسان العربي، الشيء الذي زادنا شعورا بمسؤولية أكبر اتجاه القارئ العربي. طبعا هزم العراق، وتمسكنا بموقفنا، ولم نتخل عن شعب العراق، علنا نرد الجميل الذي كنا نحمل، ولا زلنا منذ 1948، اتجاه العراق، وليس لذلك علاقة لا بنظام العراق ولا بصدام حسين ولا بحزب البعث، إنما له علاقة بشعب العراق، عراق الحضارة والتاريخ. واستمرارنا في الدفاع عن شعب العراق وعن حقه في العيش، والمناداة بضرورة رفع الحصار عنه، عرضنا نحن كذلك لحصار شديد، لكنه لن يغير من موقفنا شيئا. وجاءت كذلك اتفاقية أسلو، وكانت كل الأعين علينا وعلى الموقف الذي سنتخذه بشأنها، وتبنينا موقفا ضد أسلو، من موقع الإيمان بحق شعبنا في فلسطين في الحياة وفي التحرير والكرامة. وها هي "القدس العربي" مستمرة. إن القارئ والفضائيات وحضور عبد الباري عطوان فيها بشكل مكثف ضمن لنا أن نكون الصحيفة العربية الأولى من خارج العالم العربي. ثم إن ذلك ضمن لنا أن نكون جريدة معروفة على المستوى العالمي، خاصة بعد قصة هجمات 11 سبتمبر وقصة بن لادن، والتزامنا بالحقيقة إزاء ذلك دون أن نضع دائما في حساباتنا الخوف من أحد. هل تعرضتم لمشاكل مادية حقيقية كادت تعصف بمشروعكم؟ عندما تحاورت وعبد الباري عطوان بخصوص مشروع صحيفتنا وبخصوص المشهد الإعلامي العربي، تقرر لدينا تصور يفيد بأن بعض الصحافة ذات الإشعاع العربي، سواء تلك التي تصدر من داخل الوطن العربي أو من خارجه، هي صحافة تعطي نموذجا من العمل الصحفي يعتمد على النفاق والارتزاق، وبالتالي فهم يمحورون العالم العربي حول الخليج طمعا في أمواله. وبالنسبة لنا مرت صحيفتنا من فترات مادية عصيبة، لولا صبر العاملين فيها لكنا ضمن المشهد السالف الذكر، ولرضخنا مثل غيرنا لإغراءات عديدة، عرضت علينا مؤسسة وأفرادا، ولكن الأخوة الزملاء ظلوا يكابدون ويؤدون أعمالا موازية فتحتها أبواب السماء عليهم رزقا لهم ولعيالهم. ومن بين ما عرض علينا بيع المؤسسة. إلا أننا رفضنا علما منا بأن الغرض لم يكن شراء المؤسسة ولكن اسكات الأقلام والأصوات العاملة بها، وكان خيارنا أن نمسك بالجمر. وها نحن اليوم نسعى أن نكون في "القدس العربي" صحفيين مهنيين ننطلق بعملنا من قيم نحملها، وهي ليست قيم الانتماء إلا لشيء واحد هو الإنتماء لفلسطين، التي هي بالنسبة لنا رمز مصغر لوطن أكبر هو الوطن العربي. بما أنكم صحافة أجنبية تعمل في المغرب، هل تشكون من أي ضغوطات أمنية تعرقل عملكم؟ على الصعيد الشخصي لم تحصل لي أية ضغوطات أمنية. أما فيما يخص الصحيفة فكانت هناك بعض الضغوطات، ولكن لم نراجع على شيء نشرناه إلا مرتين: مرة كنا قد نشرنا تقريرا ل»أمنستي» حول حقوق الإنسان بالمغرب، وكنت قد نشرت تقارير مماثلة عن كل الدول العربية، فمنعت الصحيفة من التوزيع. لكن عندما تقدمت للمسؤولين المغاربة وساءلتهم لماذا تمنع صحيفتنا بسبب هذا الأمر، وقد تعرضنا لكل الدول العربية، فما كان من السلطات المغربية إلا أن تجاوزت الأمر، فواصلنا التوزيع بعد خمسةأيام. وفي سنة 1992 حدث خلاف بين الأحزاب المغربية حول التعديلات الدستورية، فحكمّت الملك الحسن الثاني رحمه الله بما يرضي وبما لا يرضي الأحزاب، وقمت بتغطية ضمنتها تصريحا للأستاذ علي يعته ينتقد فيه التحكيم الملكي، ونشر التصريح في «فرنس بريس» وفي «الحياة» و»الأهرام» وفي «القدس العربي»، ومنعنا نحن من التوزيع فيما تجاهل المسؤولون باقي المنابر. وبصفة عامة، نحن الصحفيين العرب العاملين بالمغرب لا نشكو من الضغوطات الأمنية، بل نشكو من إهمالنا. فمن المفروض أن يفتح المسؤولون لقاءات مع الصحافة العربية ليبسطوا بين أيديهم قضايا بلدانهم بكل ما يقتضيه الأمر من جدية كي يجعلك تستوعب وجهة نظره بشكل واضح. بماذا تبررون التأخر الحاصل في وصول الصحيفة في الوقت المناسب؟ الصحيفة لا تصل مطار الدارالبيضاء إلا في الساعة العاشرة، ولذلك فشركة التوزيع لا يمكنها توزيع الصحيفة لوحدها بعد هذا التأخر، فتضطر لتوزيعها مع الجرائد الوطنية في اليوم الموالي. ماذا عن مبيعاتكم وهل هي في تزايد؟ الآن نوزع حوالي 5000 نسخة ولو شئنا أن نلبي رغبة شركة التوزيع لوصلنا إلى توزيع 10000 نسخة. ونحن نرفض ذلك لأن أي زيادة في عدد النسخ ستسبب لنا خسارة أكثر، ففي الأصل نخسر عن كل عدد نبيعه درهما، والذي يعوضنا عن هذه الخسارة هي مبيعاتنا في أوروبا. والفضل يعود كله للقارئ المغربي في أوروبا، لأننا ونحن نكتب عن المغرب نضع في أذهاننا القارئ المغربي المهاجر في أوروبا، ولسنا نكتب بالأساس لأجل القارئ المغربي في الداخل لأنه يعرف بلده وقضاياه من خلال الصحف الوطنية. هل أنتم راضون على الوضع الحالي لصحيفة "القدس العربي" ؟ بالنسبة لي، فوضعية «القدس العربي» في توازن، ونحن نشعر بالأمان المعنوي - وليس المادي، ولذلك فنحن نواصل العمل في هذه الصحيفة، ولن نجد أي مؤسسة أخرى غيرها تحتوينا. إذا توقفت «القدس العربي» فلن نعمل في أي منبر إعلامي آخر. نحن نعتقد أننا أنجزنا مشروعا صحفيا ناجحا لا يمكن أن ننجز مثله، ولنا في ذلك شهادة الأستاذ مهدي بنونة في حوار أجرته معه «الميثاق الوطني» حول الصحافة الوطنية والوضع المادي للصحفيين المغاربة، قال ،وهو ينتقد الصحافة المغربية، بأن "القدس العربي" أعطت للمشهد الإعلامي العربي نموذجا في كيفية خلق منبر إعلامي ناجح دون الاعتماد على إمكانيات مادية كبيرة. بماذا تنصحون أي مشروع صحفي ناشئ؟ أنا من الذين يؤمنون بوجوب استقلالية العمل الصحفي عن التحزب. فالابتعاد عن لغة التحزب قدر الإمكان ضرورة، وإذا كان للحزب من حيز في الجريدة فله الإفتتاحية فقط. ولكن تبقى معالجة كل القضايا في الإطار العام لتصور الحزب، بمعنى ضرورة تعاطي الصحفيين العاملين في جريدة ما مع القضايا من موقع مهني ومن زاوية مهنية وبسلوك مهني. وإذا كانت هناك جرأة فلابد أن يرافقها تطور على مستوى المهنة، وإلا أصبحت تلك الجرأة كلاسيكية لا يلبث القارئ أن يملها. فليس من الضروري أن يعرف القارئ موقف الحزب أو الحركة من بعض القضايا، ولكن يجب أن يصبح القارئ عاشقا لما يكتب في الصحيفة. كيف جاء اختيارإسم صحيفتكم وهل يفي بشعار القضية الفلسطينية؟ أولا أقول إن اختيارنا لشعار "القدس العربي" إسما لصحيفتنا لم يكن اختيارا إيديولوجيا، ولكن بني على كون هذا الإسم سيميزنا. وأما بالنسبة لاختزال هذا الإسم لقضية فلسطين في العرب دون باقي المسلمين، فأقول لك رأيي وليس بالضرورة رأيا للصحيفة: أنا من الناس اللذين يؤمنون بالأمة العربية ولا يؤمنون بالأمة الإسلامية، فمقياسي وعقلي برمج على شيء واحد إسمه فلسطين. وفي رؤيتي السياسية للقضية، أعتقد أن القضية ليست صراعا بين اليهودي والمسلم، ولكنها صراع بين العربي والحركة الصهيونية، يعني أنها صراع قومية صهيونية تحاول خنق قومية عربية. وبهذه الرؤية أسعى إلى حصر العدو وتحديده والتقليص من جبهته. فإذا كنا نقول بالأمة الإسلامية، فإنه سيقابلها على الجبهة الأخرى الأمة المسيحية والأمة اليهودية، وبذلك سيكون ضدي كل الغرب وكل اليهود، وفي نفس الوقت ليس معي كل الأمة الإسلامية. لذلك أقول إن الصراع هو صراع عربي صهيوني لأحافظ على جبهة الأصدقاء المحتملينفي كلا الجانبين، وفي نفس الوقت أخلق من خلال قومية قضيتي وعدالتها داخل العدو بدور الصراع والخلاف. فلسطين لن تحرر بهجوم مسلح للعرب على الأراضي المحتلة، ولكنها ستحرر عبر ضغط فلسطيني عام وعمل مسلح ومقاومة داخلية حتى ينفجر العدو من الداخل. كيف تبررون صور الإثارة الجسدية في الصحف الأخيرة؟ وهل يتوافق ذلك مع مبادئ الصحيفة؟ نحن في «القدس العربية» نسعى لأن نكون صحيفة فلسطينية وليس صحيفة للقضية الفلسطينية، نحن نؤمن أن خدمتنا للقضية الفلسطينية يجب أن تكون ناجحة، والصحيفة الناجحة هي صحيفة كل القراء، ولكي تكون كذلك يجب أن تحترم كل القراء وتكتسبهم بشكل محترم ودون ابتزاز. وصورة البنت الحلوة التي تظهر في الصفحة الأخيرة تأتي في هذا السياق، وهي لغرض "الفرفشة" وتنويع الأركان. ع. الهرتازي