بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي، وزير الخارجية السابق لبيرو: الجمهورية الصحراوية المزعومة لا وجود لها في القانون الدولي    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحولات المشهد الصحفي... أزمة القراءة والمضمون وسؤال الدعم
صحف تراجعت وأخرى اقتحمت «قلاع» نخب القرار بالمغرب
نشر في المساء يوم 01 - 06 - 2009

تبقى نسبة قراءة الصحف بالمغرب من أدنى النسب في العالم العربي، وهو ما ينعكس سلبا على نسبة المبيعات، وبالتالي على تطور الصحافة ببلادنا رغم الاجتهادات المبذولة على مستوى المضمون والشكل؛ فالفئة القارئة بالمغرب لا تتطور بقدرما تتقاسم عددا من العناوين. لكن، ثمة معطى جديد يؤكد اقتحام بعض الصحف الصادرة بالعربية لفئات قارئة تصنف ضمن النخبة التي عُرفت بقراءتها للصحف الصادرة بالفرنسية. قضية الدعم هي الأخرى تُطرح بحدة من خلال الحاجة إلى دعم ممأسس.
الحديث عن مبيعات الصحف في المغرب يحيل مباشرة على أزمة القراءة. لكنه يطرح كذلك أزمة المضمون الإخباري، أو الصحافي بشكل عام. فالملاحظة الأولى التي تنطق بها أرقام جهاز مراقبة النشر (OJD) تؤكد حصول تراجع في عدد المبيعات بين سنتي 2007 و2008، يختلف حجمه باختلاف العناوين؛ إذ عانت بعض اليوميات والأسبوعيات دون غيرها من انخفاض يكاد يكون حادا، بينما سجلت أخرى تراجعا طفيفا.
أزمة قراءة أم أزمة مضمون؟
إذا كان ترتيب العناوين الثلاثة الأولى في السوق المغربية لم يطرأ عليه تغيير، فإن الفارق بينها على مستوى المبيعات ما فتئ يزداد حدة بعد تراجع «الأحداث المغربية» خلال السنوات القليلة الأخيرة، بعدما تبوأت مبيعاتها الصدارة لفترة من الزمن، وتطور مبيعات «المساء».
على مستوى الأسبوعيات، يتراوح معدل التراجع شبه العام بين 1000 و3000 نسخة، والصادرة بالعربية منها هي الأكثر تأثرا، وذلك في الوقت الذي تشير فيه آخر الإحصاءات الصادرة عن الجمعية العالمية للصحف إلى انتعاش مبيعات الصحف في العالم، سنة 2008، بنسبة 1.3%. وهو ما يرفع مجموع المبيعات إلى 540 مليون نسخة في اليوم. ويعود الفضل في هذا الارتفاع إلى أسواق البلدان السائرة في طريق النمو التي عوضت التراجع الذي سجل في البلدان المتقدمة على إثر انتعاش الصحافة الإلكترونية.
وإذا كانت أزمة القراءة بالمغرب تحصيل حاصل، فالقول بأزمة مضمون صحافي تبقى من قبيل الشيء غير المؤكد لغياب معطيات ملموسة في الموضوع. إلا أن ثمة ملاحظات يشترك فيها الكثير من العارفين بالشأن الإعلامي، أولاها أنه «ليس هنالك فرق كبير بين مضامين الصحف، بل إنها تتشابه، مثلا، من حيث الأركان والزوايا وغياب التحاليل السياسية المعمقة وسيادة الفلاشات الإخبارية التي تأتي بها وكالات الأنباء» حسب عبد المجيد فاضل، أستاذ اقتصاد وسائل الإعلام بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط. وهو ما يعني وجود ما سماه الباحث ب«التنوع الأحادي» في المعالجة الصحافية بالمغرب، إلا أنه استثنى من هذه القاعدة بعض العناوين دون أن يحددها.
أما أزمة قراءة الصحف فلا تنفصل عن أزمة القراءة بشكل عام، والتي تمس «الكتاب والنصوص المكتوبة، حسب الباحث، ويتبدى المشكل أكثر إذا قارنا وضع القراءة في المغرب بنظيره في تونس، مثلا، أو مصر رغم فارق القدرة الشرائية».
وبينما كان من المفروض أن تتطور نسبة الفئة القارئة للصحف المغربية مع تطور النمو الديموغرافي، ظلت الأخيرة تراوح مكانها، وهو ما يعني أن شريحة القراء الأوفياء يبقى حجمها محدودا، بل قد تتراجع في ظل غياب شروط التشجيع على القراءة والتربية على القراءة.
إلا أن العلاقة بين الصحيفة والقارئ قد تخضع كذلك لحركية الخطوط التحريرية، التي تتأرجح بين الوفاء لنفسها وبين الانجذاب إلى المواضيع التي يمكنها أن تخلق الإثارة، فتسقط في «الابتذال وتنحرف عن المعطى الأساس الذي هو الخبر والرصانة التحريرية» كما يرى عبد الوهاب الرامي، الباحث والأستاذ في المعهد نفسه. إلا أن الأخير يستثني بعض الصحف الأسبوعية من هذا التأرجح باعتبارها تنجح في أن «تحافظ على مستوى معين من الوفاء بين القراء»، وهو ما يجعل نسبة تراجع مبيعاتها لا تتأثر بنفس الحدة التي تتأثر بها الصحف اليومية. ويلتقي الباحثان في نفي أن يكون للأزمة الاقتصادية العالمية تأثير مباشر على تراجع نسبة قراءة الصحف في المغرب. غير أن ثمة من يذهب في اتجاه اعتبار أزمة الصحافة المغربية جزءا من الأزمة العالمية. فرئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، خليل الهاشمي الإدريسي، يعتبر أن «أزمة الصحافة المكتوبة أزمة عالمية، إلا أنها تنعكس بحدة أكبر في المغرب حيث تقليد القراءة ضعيف». ويفصل الهاشمي في ذلك من خلال سرده عددا من العوامل الإضافية من قبيل «الأمية وأزمة التعليم وثقافة كراء الصحف وثقافة المجانية».
مكامن الخلل
في مقاربته لأسباب انحسار قراءة الصحف بالمغرب وتأثير هذا الانحسار على أرقام المبيعات، يعود عبد الوهاب الرامي إلى ما عرفه المشهد الإعلامي المغربي من تغيرات تمثلت، بالخصوص، في «التراجع الهيكلي للصحافة الحزبية» التي تركت بعضا من مجالها الصحفي للعناوين الجديدة. نفس الخلاصة يتوقف عندها محمد حفيظ، مدير نشر أسبوعية «الحياة الجديدة»، الذي ضرب مثالا على ذلك بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» والتراجع الذي سجلته مبيعاتها بعد مشاركة الحزب في تدبير الشأن الحكومي، وأضاف أن «ظهور العناوين الجديدة غالبا ما يتم على حساب جرائد أخرى، بينما من المفروض أن تجلب العناوين الجديدة قراء جددا، سواء على مستوى الصحف اليومية أو الحزبية». وذكّر بفترة الانتشاء التي شهدتها صحيفة الحزب الاتحادي قبل أن تظهر «الأحداث المغربية» لتترك المكان، بدورها، لصحف أخرى. إلا أنه يرى في حركية السوق الصحافية بالمغرب إفادة نوعية باعتبارها تؤسس لأجيال جديدة من الصحافيين.
ورغم هذا التفاؤل، يقر حفيظ بأن «الصحافة ضحية لهذا الوضع المختل، الذي يرتبط أساسا بتقاليد القراءة عند المغاربة وبكون المجتمع المغربي مجتمع شفهي أولا، الأمر الذي يفرض على الصحف أن تساير هذا المعطى على حساب أشياء أخرى».
هنا، لا بد من طرح السؤال حول صواب وخطأ هذا الانسياق الذي تسير فيه الصحف رغبة منها في رفع سقف المبيعات والانزلاقات التي تسقط فيها جراء التشبث بهذا المبتغى الذي يجعلها مسكونة ب»هاجس الصدور اليومي وليس بهاجس الإخبار اليومي»، على حد تعبير الرامي. وهو ما يعكسه محمد حفيظ في حديثه عن المخاطر التي تذهب الصحافة ضحية لها من خلال قوله إن «أخطر ما يمكن أن تتعرض له الصحافة المكتوبة هو التخوف من انحسار عدد القراء وانعكاس ذلك التخوف على مهنيتها».
إلا أنه قد لا يكون للسؤال جواب يحظى بكامل القوة الإقناعية اعتبارا لأن عينة القراء الأوفياء لخط تحريري واضح المعالم ومضامين مبنية على اعتبارات واضحة مازالت ضعيفة، ولأن هنالك «قراء هامشيين لا يخضعون في قراءاتهم لأي منطق معين، يقول عبد الوهاب الرامي، بقدر ما يخضعون لمنطق قراءة غير مبرمجة؛ وهو لا يمكنه أن يخلق رأيا عاما حقيقيا»، يختم الرامي.
ثمة عوامل أخرى تزيد من تأزيم وضع القراءة في المغرب، وترتبط أساسا بالتطورات التكنولوجية الحديثة وبالمجالات التي فتحتها. فالمغاربة، شأنهم في ذلك شأن بقية شعوب العالم، انتقلوا إلى اكتشاف أبعاد أخرى للقرب الإعلامي، الذي لم يعد جغرافيا كما في السابق، بل أصبح وجدانيا؛ فأزمة قراءة الصحف عند المغاربة وتراجع مبيعات الكثير منها استفحلت في ظل «ظهور قنوات فضائية جديدة،يقول الرامي، خاصة وأن هذه القنوات لها جاذبيتها وحضورها.» ويركز الرامي على أننا «مجتمع لم يؤصل لفعل القراءة، بل إننا انتقلنا من الشفهي إلى الصورة مباشرة». يُضاف إلى هذا وذاك الانتعاش الذي يعرفه المشهد السمعي ووفرة العرض الإذاعي والتنويع في البرامج والقرب من المستمع وتوفير فرص التواصل عن طريق وسائل الاتصال الحديثة كالأنترنيت الذي يوفر فرص الاطلاع على الصحافة الإلكترونية، كما يؤكد ذلك الباحث في مجال الإعلام الذي أثار قضية أخرى تتعلق بالإكراهات التي تعاني منها الصحف اليومية مقارنة بالصحف الأسبوعية، فالأولى «تراعي عامل الزمن واحترام موعد الطبع والصدور»، بينما تملك الأسبوعيات وقتا أطول، وهو ما يتيح لها إمكانية التمعن أكثر في مواضيعها وتقديم تحليلات وتعليقات قد تتميز بها عن الصحف اليومية».
ويُفصّل الرامي في الأسباب غير المباشرة التي تجعل نسبة قراءة الصحف تبقى متدنية في بلادنا بدءا من تخلف المجتمع عن تشجيع وتأصيل فعل القراءة وانتهاء إلى الممارسات التقليدية العتيقة التي اعتبرت دائما مطالعة الصحف نوعا من الإجرام في حق الأجهزة الرسمية، مرورا بالقصور الحاصل على مستوى التربية والتعليم في المجتمع. فبعد أن ساد نوع من «التقليد الإيجابي تجاه القراءة عندما ظهرت شريحة من القراء الإيديولوجيين (نهاية الستينيات والسبعينيات)، يقول الرامي، وشكل الاطلاع على الأفكار الإيديولوجية باعثا على القراءة»، تراجع الإقبال على قراءة الصحف في العقود الموالية. وذهب الباحث إلى أبعد من هذا عندما شدد على أنه «لا يمكن عزل الإعلام عن بقية مؤسسات التكوين، فيجب أن تؤسس المدرسة لفعل قراءة الإعلام المكتوب والسمعي البصري كذلك» من أجل تغيير السائد من العادات السلبية المرتبطة بالقراءة وما تراكم من سلبيات العهود السابقة، «فنحن مازلنا نجتر تبعات منع الصحف داخل الثانويات، إذ كانت الجرائد تحارب داخل الفضاءات التربوية، وهو ما يتناقض وأصل الخطاب التربوي. فالخطاب الإعلامي والتربوي وجهين لعملة واحدة»، يختم الباحث.
النشر المجاني شكل، هو الآخر، عاملا آخر من العوامل التي أثرت على قراءة الصحف. فقد شهدت سوق المنشورات المغربية بروز عناوين متعددة توزع بالمجان لأغراض دعائية، بل إن منها ما يحمل مضامين إخبارية ومقالات قد تنافس ما يُنشر في الصحف المؤدى عنها.
الصحف العربية تقتحم النخبة
رغم هذا الوضع استطاعت صحف أن تقتحم خانات قارئة ظلت وفية لبعض المعايير الخاصة. والمقصود بذلك خانة النخبة القارئة، التي اعتادت قراءة الصحف الناطقة باللغة الفرنسية. ويشكل هذا الاقتحام معطى جديدا في الصحافة المكتوبة كما تؤكده دراسة أجرتها «ميديا سكان» (فرع تابع لمكتب الدراسات «كريارجي المغرب») خلال أشهر غشت وشتنبر وأكتوبر من عام 2008. الدراسة شملت 2100 شخص كل شهر حسب كوطا تمثيلية معينة طالت فئات عمرية تفوق 15 سنة، واستغرقت مدة الاستطلاع أسبوعا من كل شهر، كما أنها شملت 5 مدن تمثيلية هي الدار البيضاء والرباط وسلا وفاس ومراكش، فيما بلغ مجموع الأشخاص المستطلعة آراؤهم حول قراءة الصحف بالمغرب 200 25 شخص.
الدراسة بينت أن صحيفة «المساء» تستحوذ على نسبة 18.7% من عدد القراء المشمولين بالاستطلاع ضمن الفئة (A/B) وهي الفئة السوسيو- مهنية الأولى، تليها الفئة (C) ثم الفئة (D/E)، علما بأن نفس الصحيفة تستحوذ على نسبة قراءة توازي 24.2% ضمن الفئة الثانية و14.1% ضمن الفئة الثالثة، وحلت «المساء» ثانية بعد «لوماتان» (21.1%) في الفئة السوسيومهنية الأولى، قبل صحيفة «ليكونوميست» (17.3%) و«لوبينيون» (16.3%) ثم «أوجوردوي لو ماروك» (16.0%). وقد أُنجز خلال هذا الاستقراء 6407 استجوابا، علما بأن الفئة السوسيومهنية الأولى تضم نخبة المهن الحرة وأرباب المقاولات وصناع القرار.
المعطى الجديد الذي كشفت عنه الدراسة يستدعي طرح عدد من الأسئلة منها: هل الفئة القارئة المغربية آخذة في الارتقاء نحو التغيير النوعي؟ هل الصحافة المكتوبة بالعربية تطورت نحو ملامسة آفاق جديدة تستقطب اهتمام قراء جدد؟ هل النخبة فطنت إلى أن الصحافة العربية يمكنها أن تكون حاملة لخطاب جديد يستجيب لطبيعة انتظاراتها الفكرية؟ هل أدرك المعلنون أن الصحافة العربية يمكنها أن تصلح إطارا لترويج دعايتهم التجارية؟ إلخ. جوابا على هذه الأسئلة، يرى يونس الياموني، المسؤول المسير لشركة التوزيع وسيط بريس، أن المعطى الجديد» نتيجة طبيعية لنوعية المضامين المعالجة في هذه الصحف، فال«المساء» مثلا خلقت قراء جدد وجعلت فئة من النخبة تقرأ الصحف العربية.» ما يعني، في نظر الياموني، أن «المساء» استطاعت أن تضيف قراء إلى قاعدة القراء الموجودين خلافا لما يقال من أن القراء لا يتجددون.» ويضيف أن ثمة عوامل أسهمت في هذا التحول منها «طرح مواضيع صحافية جديدة، الجرأة، الاستجابة لانتظارات فئات عريضة من القراء، والنجاح في التجاوب مع هموم القارئ البعيد جغرافيا عن مدن المركز...» بالنسبة إلى عبد الوهاب الرامي، فإن المعطى الجديد يؤكد أن «هنالك تحولا نوعيا على مستوى الازدواج اللغوي في المغرب.» ويبقى عامل انجذاب المعلنين إلى الصحف الأكثر مبيعا حاسما في هذا التحول كما يؤكد ذلك الباحث حين يوضح أن «المعلنين يبحثون عن نوعية الزبائن من خلال متابعة قراء صحيفة معينة». التفسير ذاته يتبناه خليل الهاشمي الذي يرى أن «الصحف الصادرة بالعربية بدأت تدمج في منتوجها الإعلامي معطيات تستجيب للحاجة الإخبارية لمختلف الفئات السوسيو مهنية، خاصة الطبقات غير الشعبية، والتي تتميز شروطها بالصرامة». ويأتي هذا التطور في إطار الامتداد الطبيعي للهاجس التجاري لدى المعلنين، والذي يعتبره رئيس فيدرالية ناشري الصحف «عاديا، لأن المعلنين يسعون إلى توسيع قاعدة مخططاتهم التسويقية عبر الصحف إلى أقصى الحدود الممكنة».
أما محمد برادة، الرئيس المدير العام لشركة التوزيع سبريس فقد أكد أن اقتحام الصحف الصادرة بالعربية لفئات قارئة نخبوية «يندرج في إطار منظومة الصحافة التي تتطور في المغرب في ظل التقدم النوعي للممارسة الديمقراطية، وأن هذا التحول هو تحول منطقي جدا لأن الصحف تتجاوب مع القراء».
أزمة قراءة الصحف في المغرب تطرح كذلك السؤال حول مستقبل الصحافة ومآل طموح المقاولة الإعلامية وحدود مساهمة السوق المغربية في إنعاش مبيعات الصحف العالمية. وهو السؤال الذي يبدو أن برادة متفائل في شأنه اعتبارا لأن «مبيعات الصحف في المغرب لا يمكنها أن تتراجع إلى ما دون مستواها الحالي المتدني، بل لا يمكنها إلا أن ترتفع في المستقبل، وأن الممارسة الصحافية بالمغرب بينت أن لدينا طاقات هائلة من شأنها أن تطور الأداء الصحافي؛ ثم إن انفتاح المغاربة على الصحافة الأجنبية يعني أن هنالك أمل كبير في المستقبل».
عبد المجيد فاضل : ليس هنالك فرق كبير بين مضامين الصحف، بل إنها تتشابه، مثلا، من حيث الأركان والزوايا وغياب التحاليل السياسية المعمقة وسيادة الفلاشات الإخبارية التي تأتي بها وكالات الأنباء
عبد الوهاب الرامي : لا يمكن عزل الإعلام عن بقية مؤسسات التكوين، فيجب أن تؤسس المدرسة لفعل قراءة الإعلام المكتوب والسمعي البصري كذلك من أجل تغيير السائد من العادات السلبية المرتبطة بالقراءة
خليل الهاشمي : الصحف الصادرة بالعربية بدأت تدمج في منتوجها الإعلامي معطيات تستجيب للحاجة الإخبارية لمختلف الفئات السوسيو مهنية، خاصة الطبقات غير الشعبية، والتي تتميز بصرامة شروطها
محمد حفيظ : ليس هنالك مجهود حقيقي من طرف الدولة لتوسيع قاعدة القراء في الوقت الذي نجد فيه أن فرنسا، مثلا، لا يمكنها أن تستغني عن بعض عناوينها الصحافية
مسؤولية الدولة ومأسسة دعم الصحف والتوزيع
أزمة القراءة ومعاناة عدد من العناوين من أجل ضمان استمراريتها في المشهد الإعلامي يطرح قضية الدعم والدور الذي ينبغي أن تلعبه الدولة من أجل تمكين الصحف من أداء دورها كاملا في تنمية المجتمع. صحيح أن الصحف تستفيد من قدر من الدعم المادي من الدولة (500 مليون سنتيم)، إلا أنه مازال بعيدا عن أن يضمن تأسيس مقاولات إعلامية توفر هامشا كبيرا من الاستقرار المادي والنفسي.
وفي تبريره للدعم الذي تمنحه الدولة للقطاع الإعلامي يؤكد خالد الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، أن «الدعم تجسيد للموقف السياسي والاستراتيجي للدولة، والذي يتلخص في دعم الصحافة من أجل تكريس التعددية، أولا؛ ثم المساعدة على تحديث المقاولة الصحافية في إطار الضوابط القانونية والمهنية.»
من جهته، يعتبر خليل الهاشمي الإدريسي أن الدعم «ضرورة أساسية على غرار البلدان الديمقراطية»، بل إن «مستقبل الديمقراطية والتعدد يرتبط أيضا بدعم الصحافة». واستشهد في حديثه بالمشهد الإعلامي الفرنسي الذي «يستفيد من 1.5 مليار أورو لضمان استمرارية وتقدم القطاع وتكيفه مع التطورات ومواجهة التزاماته، بينما مازلنا نحن في المغرب بعيدين عن هذا المستوى». وضع كهذا يتطلب «بدل مزيد من المجهود من قبل الجميع بمن فيهم الناشرون، يقول رئيس فيدرالية الناشرين».
المجهود الذي تحدث عنه الهاشمي أعاد التأكيد عليه محمد حفيظ، لكن من حيث كون الصحف بذلت حتى اليوم مجهودا كبيرا على مستوى الشكل والمضمون والخطوط التحريرية بينما «ليس هنالك مجهود حقيقي من طرف الدولة لتوسيع قاعدة القراء في الوقت الذي نجد فيه أن فرنسا، مثلا، لا يمكنها أن تستغني عن بعض عناوينها الصحافية» باعتبارها جزءا من هويتها الحضارية ومظهرا من مظاهر الديمقراطية والتعدد. الطرح نفسه دعمه الياموني ومحمد برادة حين اعتبرا أن الدعم «غير كاف وأن الصحافة غير المدعومة لا يمكنها أن تساير الانتقال الديمقراطي لبلادنا.» إلا أن الأخير يطالب بخلق أشكال أخرى من الدعم كأن تلتزم المؤسسات العمومية باقتناء عدد مهم من نسخ الصحف المغربية على غرار المعمول به في بلدان أجنبية رغم الدعم الكبير المرصود لها، فيما طرح الأول «مشكل تدني أسعار الإعلانات الدعائية في التلفزيون وتلك المشهرة في الشارع العام وهو ما ينعكس سلبا على إيرادات الصحف واستمراريتها، ثم فرنكفونية جل وكالات الإشهار...»
في السياق نفسه، دعا عبد المجيد فاضل إلى «مأسسة نظام الدعم»، التي تتطلب إجراء سياسيا كما هو الحال في بلدان أجنبية، إذ «يناقش دعم الصحف في البرلمان الفرنسي، مثلا، ضمن قانون المالية، يؤكد فاضل».
مناقشة الدعم في البرلمان هذه التي طرحها الباحث تبقى إجراء واردا في انتظار إعادة النظر في الوضع الحالي للدعم، اعتبارا لأن وزير الاتصال لا يستبعد أي فرضية من هذا النوع «لأن كل فكرة جديدة سنناقشها ونتعمق فيها لنجد الجواب المناسب لها.» من جانبه، يعتبر عبد الوهاب الرامي أن المجهود الضئيل الذي تقوم به الدولة في هذا الباب «لا يمكنه أن يجعل الصحافة المغربية تلعب دورها كاملا على مستوى خلق نخب جديدة ورفع مستوى النقاش الوطني وتأهيل الرأي.»
وإذا كان جل المتدخلين يتفقون على ضرورة تقديم الدعم الكافي إلى الصحافة الوطنية، فثمة من يشدد على ضرورة أن تبحث هذه الأخيرة عن آليات ذاتية لتمويل نفسها بنفسها. هذا الطرح يدافع عنه فاضل بالقول إنه «يجب على الصحف أن تجد التوازن الذاتي وتضع لنفسها وسائل تسيير فعالة ومخطط تدبير».
لكن الناصري يعود إلى التذكير بضرورة التوقف لحظة، لتقييم تجربة الدعم، متسائلا «هل يذهب الدعم إلى من يستفيد؟ وهل المقاولات الصحفية توظف هذا الدعم لتكريم صحافييها والعاملين لديها؟» قبل أن يضيف «هذه التساؤلات لن نجد جوابا عليها إلا بعد القيام بوقفة موضوعية تسمح بإلقاء الضوء على الوضع لأن الأمر يتعلق بالمالية العمومية». تساؤلات الناصري لها ما يبررها داخل الواقع المتردي الذي يعاني منه الصحافيون والعاملون في عدد من المؤسسات الإعلامية، التي لا تسعى إلى تأهيل نفسها بما يستجيب لروح مبدإ الدعم، وهو الوضع الذي ألمح إليه الناصري من خلال قوله إن «ما حصل لحد الساعة هو أن الدولة تدعم الصحف من دون أن تعمل (الأخيرة) على إعمال (بنود) العقد البرنامج».
ويتطلب الوقوف على هذا الوضع سن إجراء فعال لخصه وزير الاتصال في «ضرورة أن يُعهد لمؤسسة محايدة تتمتع بالكفاءة المهنية اللازمة القيام بتقييم مهني في الموضوع.»
المطالبة بالدعم لم تعد مقتصرة على الصحف فحسب، بل طالبت به أيضا شركة التوزيع سبريس التي برر رئيسها المدير العام هذه المطالبة ب«ضرورة إعادة الاعتبار للموزع وللدور الذي يلعبه في نشر الصحافة والرفع من مبيعات الصحف.» ونفى برادة أن يكون المبرر اقتصاديا بالدرجة الأولى، لأنه» لو كان الأمر كذلك، يقول برادة، لاقتصرنا فقط على التوزيع في محور الدار البيضاء القنيطرة، الذي يغطي 80% من المبيعات بتكلفة لا تتجاوز 20%»، غير أن الياموني لا يشاطر برادة هذا المطلب لأنه يرى أنه من واجب المقاولة الصحافية أن تعمل على «تحسين وتطوير منتوجها وأن الموزع لا ينبغي أن يكسب من وراء الدعم، بل من وراء حجم المبيعات»، مؤكدا على أن «شركة التوزيع يجب أن تشتغل على معادلة خفض التكاليف وتطوير المنتوج.» وأشار المسؤول عن وسيط بريس إلى أن» الدعم في فرنسا، مثلا، لا يتوجه إلى الموزعين بقدر ما يهدف إلى دعم الكشكيين، وهو ما يندرج في إطار نوع من الدعم الاجتماعي لهذه الفئة المساهمة في نشر الصحف.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.