ليل القوات الأمريكية في العراق ليس كنهارها، إذ تبقى تلك القوات في انتظار القذائف التي تنهال كل يوم على الكثير من مقارها العسكرية ليلا ومن أماكن مجهولة، غالبا تعاود عليها بعشوائية، وتقول إنها طالت بردها مصدر النيران المعادية لها، ويبقى الإعلام حيران لا يدري أين؟ وكيف؟ ومتى؟ يمنع ليل بغداد أبناء البلد من التجوال في أزقته وشوارعه خوفا من مصير مجهول على يد جند الاحتلال أو اللصوص وقطاع الطرق وكذلك حال الصحافيين والذين ربما يكونون من غير العراقيين، الأمر الذي يتيح للآلة الإعلامية الأمريكية عند وقوع انفجارات الليل المعتم الانفراد، بعد ذلك، بوصف الحدث والتعليق عليه واصفة إياه بعبارات القوة والعظمة التي تمتلكها، كعملية الغضب والقبضة الحديدية. وإن كان شهود عيان يؤكدون على أن صدامات دارت ليلا بين مقاومين وأمريكيين، إلا أن الإدارة الأمريكية تغض الطرف عن مثل هذه التصريحات. القادة الأمريكيون عمدوا إلى إظهار أنفسهم من على شاشات التلفزة، بل وزادوا على ذلك بأن وضعوا قياداتهم العليا كناطقيين إعلاميين بعد أن كان هذا الدور من نصيب صغار القادة، مظهرين مدى انتصارتهم التي تنقص إعلاميا رجال المقاومة في العراق، الذين لا يمتلكون من يتكلم عنهم بل وزادوا حتى مرات الظهور كأنهم يعيدون إلى الأذهان صورة الحرب الأخيرة. فبعد أن كانوا يدعون إخبار المقاومة على ذمة الوكالات أضحوا الآن يعقدون كل يوم، هم أو البريطانيون، مؤتمرات صحفية، ناقلين غالبا أخبار المقاومة من جانبهم. أعداد القتلى والجرحى والأماكن المستهدفة كلها تأتي أخبارها من قبل القوات الأمريكية، إلا رتوشات بسيطة تصل إليها أيادي الصحافيين، إذ دأب الأمريكيون على القول إن قواتهم تتعرض في اليوم الواحد إلى عشرين عملية عسكرية كمتوسط، بيد أنهم لايذكرون في الغالب سوى عملية أو عمليتين والباقيات لا تسمع لها خبرا. حساسية الوضع الأمني في العراق تكبل الكثير من حراك الصحافيين، حيث المخاطر التي قد تودي بحياتهم لا من جانب القوات الأمريكية فحسب، بل من جانب العراقيين أنفسهم. فالمشهد السياسي الذي يحمل الكثير من التناقضات ينعكس هو الآخر على الصحافي الذي قد يضرب في المكان الذي صفق له فيه قبل قليل، وإن كان ولايزال صحافيون يقبعون في سجون الاحتلال حيث تعرض كادر قناة الجزيرة فقط إلى 22 عملية اعتقال وما يزال مصورها صهيب السامرائي يقبع في سجن أبو غريب إلا أن بول بريمر يقول إننا نؤمن بحرية الصحافة وأنها بمثابة الحجر الأساس، والصحافيون هم من المواطنين، وهناك قوانيين تحذرهم من التحريظ على العمليات الإرهابية، وحين يحرضون سيتعرضون بدورهم إلى العقوبة، بينما تقول إيمان أحمد خماس، مديرة المركز الدولي لرصد الاحتلال، لالتجديد أن اعتقال الصحافيين قد لايحرج أمريكا التي لم تحرجها كذبة أسلحة الدمار الشامل. إلا أنها تكشف عن حقيقتها بضرب الصحافيين ومصادرة شرائطهم وكاميراتهم حتى لا ينقلوا الصورة التي لا تريد. ومن المفارقات أن الاحتلال الذي طالما أهمل الكثير مما يتعرض له على يد المقاومة يجد نفسه مضطراآخر المطاف إلى ذكر تعرض قواته لهجوم من مجهوليين، كما هو الحال مع عدة طائرات أسقطت له ولم يعترف بذلك إلا بعد ورود الخبر عبر وسائل الإعلام من قبل شهود العيان الذين يؤكدون مشاهدة الطائرة وهي تحترق جوا بعد تعرضها للنيران. وهذه الحالات تتكرر يوميا في العراق. وفي خان ضاري تعرضتآليتيين عسكريتيين أمريكيتين إلى التدمير بالكامل ولم يخرج منها أحد حسب رواية ضرار جمال أحد الصحافيين العراقيين، ولم تقم القوات الأمريكية بذكر شيء عن الخبر بينما تذكر هي بعض الأخبار التي تقول أنها تعرضت إلى قذائف صاروخية ولم تصب جنودها بأذى. وكذلك زعمت القوات الأمريكية بأنها قتلت العشرات من أبناء سامراء، بينما يصر أبناء المدينة وأطباء المستشفى على أن عدد القتلى لم يتجاوز العشرة بحال من الأحوال. وتبقى المقاومة العراقية هي الأخرى مانعا لتصدرها الإعلامي فهي مجهولة الوجه، وإن كان أغلب الظن يشير إلى عراقيتها وإسلاميتها إلا أنه لا ينفي ضلوع آخرين فيها. فالمقاومة العراقية لم تخرج رموزا بعد يتبنون توجهاتها ولا ناطقين رسميين بها، بل وحتى واجهة حقيقية تدلك عليها وإن كانت قد أصدرت بعض البيانات التي تتبنى عمليات بعينها، كالمقاومة الإسلامية الوطنية والتي تبنت إسقاط الطائرة التشينوك أو نفي قتل المدنيين عنها كمقتل الحكيم وتفجير مقر الأممالمتحدة. وبين المقاومة وتداعيات الظهور الإعلامي تبرز احتملات ثلاثة، أولها إنهاء المقاومة من قلبل الأمريكيين بالقضاء عليها وهذا ما يستبعده المحللون، وإما أن تحقق المقاومة هدفها من إخراج الأمريكيين من العراق، وهو مستبعد الآن كذلك، وإما أن تجد القوات الأمريكية بعد مدة واجهة تتبنى المقاومة يمكن التفاوض معها، وعند ذاك سيكون للمقاومة ما تستحقه من الإعلام الأمر الذي قد يكون مستقبلا. مراسل "التجديد" ببغداد: عامر الكبيسي