بوعياش تحظى بدعم إفريقي لرئاسة التحالف العالمي لمؤسسات حقوق الإنسان    صادرات الفلفل المغربي إلى أوروبا تسجل قفزة كبيرة بنسبة تفوق 65%    توقيف طبيب وشخص من ذوي السوابق ببركان للاشتباه في ترويج المؤثرات العقلية    بركان.. توقيف طبيب وشخص من ذوي السوابق بتهمة ترويج المؤثرات العقلية    تحذير من أمطار قوية ورعدية غدا الثلاثاء بعدد من الجهات    الدار البيضاء: المحكمة تقرر تمتيع أخت جيراندو بالسراح المؤقت وتسليم ابنتها 'ملاك' لها    بعد استهدافها بهجوم إلكتروني.. لجنة مراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ترد    المغرب وفرنسا يوقعان إعلانا مشتركا لتعزيز التعاون القضائي والقانوني    الرئاسة السورية تعلن توقيع اتفاق مع الأكراد يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة    شفشاون تتصدر مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية.. وهذه توقعات الثلاثاء    قصر الفنون يحتضن سهرة روحانية ضمن فعاليات "رمضانيات طنجة الكبرى"    زيلينسكي يصل جدة للقاء ولي العهد    1068 قتيلا مدنيا في الساحل السوري    ندوة صحفية لوليد الركراكي الجمعة    الأمم المتحدة: افتتاح الدورة ال69 للجنة وضع المرأة في نيويورك بمشاركة المغرب    اجتماع "لجنة المالية" يشعل غضب مكونات المعارضة في مجلس النواب    وزارة السياحة: المغرب يستقبل نحو 2,7 مليون سائح عند متم فبراير    "تساقطات مارس" تحيي آمال المزارعين في موسم فلاحي جيد بالمغرب    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    المغرب يحيي ذكرى محمد الخامس    الانتقادات تلاحق الإنتاجات الرمضانية .. حضور موسمي في غياب للإبداع    كلية الآداب والعلوم الانسانية بالمحمدية تنظم احتفالاً باليوم العالمي للمرأة    دراسة أمريكية.. قلة النوم تزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم لدى المراهقين    حماس تقول إن إسرائيل "تواصل الانقلاب" على اتفاق الهدنة في غزة    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    اعتقال سائق سيارة أجرة بتهمة الإخلال بالحياء    الجزائر تغازل إدارة ترامب وتعرض معادنها النادرة على طاولة المفاوضات    فالفيردي يصل إلى 200 مباراة في "الليغا"    فتح باب الترشح لنيل جائزة التميز للشباب العربي 2025 في مجال الابتكارات التكنولوجية    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    "البيجيدي" يطلب رأي مجلس المنافسة في هيمنة وتغول "الأسواق الكبرى" على "مول الحانوت"    أوضاع كارثية وأدوية منتهية الصلاحية.. طلبة طب الأسنان بالبيضاء يقاطعون التداريب احتجاجا على ضعف التكوين    "نساء متوسطيات" يمنحن مراكش أمسية موسيقية ساحرة    من وهم الاكتفاء الذاتي إلى استيراد مليون رأس غنم بشكل مستعجل! أين اختفت السيادة الغذائية يا تبون؟    إدارة السجن بني ملال تنفي ما تم تداوله حول وفاة سجين مصاب بمرض معدي    حقيبة رمضانية.. فطور صحي ومتوازن وسحور مفيد مع أخصائي التغذية محمد أدهشور(فيديو)    كيف يتجنب الصائم أعراض الخمول بعد الإفطار؟    قلة النوم لدى المراهقين تؤدي إلى مشاكل لاحقة في القلب    الكوكب يبسط سيطرته على الصدارة و"سطاد" يستعد له بثنائية في شباك اليوسفية    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    أدت ‬ببعضها ‬إلى ‬الانسحاب.. شركات مالية ‬مغربية ‬تواجه ‬أوضاعا ‬صعبة ‬بموريتانيا    في رثاء سيدة الطرب المغاربي نعيمة سميح    هَل المَرأةُ إنْسَان؟... عَلَيْكُنَّ "الثَّامِن مِنْ مَارِسْ" إلَى يَوْمِ الدِّينْ    غاستون باشلار وصور الخيال الهوائي :''من لايصعد يسقط !''    ترامب: التعليم في أمريكا هو الأسوأ في العالم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    نهضة بركان على بعد خطوة من تحقيق أول لقب له بالبطولة    كوريا الجنوبية/الولايات المتحدة: انطلاق التدريبات العسكرية المشتركة "درع الحرية"    عمر هلالي يعلق على أنباء اهتمام برشلونة    الصين تعزز الحماية القضائية لحقوق الملكية الفكرية لدعم التكنولوجيات والصناعات الرئيسية    دراسة: الكوابيس علامة مبكرة لخطر الإصابة بالخرف    أبطال أوروبا .. موعد مباراة برشلونة ضد بنفيكا والقنوات الناقلة    إسرائيلي من أصول مغربية يتولى منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي    مباراة الوداد والفتح تنتهي بالتعادل    بطل في الملاكمة وبتدخله البطولي ينقذ امرأة من الموت المحقق … !    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز
نشر في التجديد يوم 12 - 03 - 2015

عرف المغرب تحولا وتطورا هاما في مجال تكريس الحقوق و ترسيخ المساواة بين الرجال و النساء، ورفع كل أشكال التمييز المبنية على أساس الجنس، ولم يقف دستور 2011 عند هذا الحد، بل أسس لمبدإ السعي نحو المناصفة باعتبارها آلية كمية لتحقيق المساواة بين الجنسين. ولحماية هذا المكسب الحقوقي وترسيخ جذوره نَص الدستور في الفقرة الثانية من الفصل 19 مِنْه على أن "تحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز"، وهي هيئة محدثة بمقتضى الدستور، ولا تحتاج لقانون آخر يحدثها كما ظن البعض ممن يحلو لهم الخوض في الحديث عن الهيئة ومشروع القانون المتعلق بها.
إن مشروع القانون المتعلق بالهيئة و المعروض حاليا على مسطرة المصادقة، لا يتعلق بإحداث الهيئة بل يَأْتِي في سياق تنزيل الفصل 171 من الدستور الذي ينص على أن " يحدد بقوانين تأليف وصلاحيات وتنظيم، وقواعد تسيير المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الفصول 161 إلى 170 من هذا الدستور، وكذا حالات التنافي عند الاقتضاء". إنه إذن مشروع قانون محدد الأهداف والغايات والمضامين بمقتضى هذا الفصل، وليس من شأنه أن يتناول بعض القضايا الأخرى كتحديد أو تعريف "المساواة" و"المناصفة" و "التمييز ضد المرأة" كما ورد في بعض البيانات أو المذكرات من قبل بعضهن أَو بعضهم، ذلك أن هذه المفاهيم وغيرها من المقتضيات ذَات الصِّلة بالمناصفة و التمييز، وإن كانت في حاجة إلى تحديد، فإنه يجب أن تكون موضوع قانون آخر، أي قانون معياري، يكون مرجعا أساسا لعمل الهيئة.
وفي هذا الإطار لابد من التذكير بأن للهيئة ولاية خاصة في محال حماية حقوق النساء و النهوض بها، وهو اختصاص لا يمكن أن يمتد بحال من الأحوال ليشمل ما يدخل ضمن اختصاص المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي منحه الدستور ولاية عامة في هذا المجال. إنها حدود رسمها الفَصل 164 من الدستور عندما تناول اختصاصات الهيئة، وأكد على أن "تسهر الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، المحدثة بموجب الفصل 19 من هذا الدستور، بصفة خاصة، على احترام الحقوق والحريات المنصوص عليها في الفصل المذكور، مع مراعاة الاختصاصات المسندة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان".
إن المشرع الدستوري ميز بين المؤسسات والهيئات من حيث الاختصاصات و الصلاحيات، فليس مطلوب من البرلمان مثلا، أن يحل محل السلطة القضائية فيصدر الأحكام والقرارات القضائية على الرغم من كونها تصدر بناء على التشريعات القانونية التي هو مخول بوضعها، باعتباره سلطة تشريعية. وهكذا، فلا يمكن للهيئة أن تُمارس الرقابة على الحكومة، بمعناها الدستوري، إذ الجهة المخولة لممارسة الرقابة على الحكومة في الديمقراطيات، هو البرلمان، وهو اختصاص حصري تم التنصيص عليه في الفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور، حيث "يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية"، لذا وجب مراعاة هذا عند انتقاد المشروع، أو إصدار البيانات أو الخوض في الاختصاصات، بل وجب التفطن إلى ذاك من قبل الجميع، و من قبل أولئك اللواتي رفعن شعار الرفض لما تضمنه مشروع القانون رقم 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز على الخصوص.
إن المشروع الذي تناولته بعض الألسنة و الأقلام بالنقض أو التبخيس لازال في مراحله الجنينية الأولى، إذ أُحيل على مسطرة المصادقة، لكنه لَمْ يعرض بعد على مجلس الحكومة ليتخذ بشأنه القرار المناسب كما جرى ويجري بذلك العمل من قبل هذا المجلس، ولن يصبح مشروع قانون كامل الخلقة إلا بعد المصادقة عَلَيه من قبل المجلس الحكومي، وفي هذه المرحلة بالذات، يمكن للمؤسسات والهيئات المخولة دستوريا بإبداء الرأي، بطلب من جهات معينة أو بمبادرة منها، أن تبدي رأيها في المشروع، ولا يليق بمؤسسة تحترم نفسها أن تبدي رأيها بمبادرة منها بِنَاء على مسودة للمشروع مسربة ومؤرخة في 7 ابريل 2014، وهي مسودة كانت يومها موضوع تداول حصري بين وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية و المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، بل لم توضع بعد على موقع الأمانة العامة للحكومة طلبا للرأي، فهل يا ترى أصبحت المؤسسات ذات الطبيعة الوطنية المستقلة تعمل في الظلام بعيدا عن الشفافية؟، أم أن بعض أعضائها لَمْ يستوعب بعد المكانة الاعتبارية التي وضع فيها؟، أم أن الطبع يغلب التطبع كما يقول المثل؟، أم أن الايدولوجيا أعمت القلوب قبل الأبصار؟.
ولم يتوقف الانتقاد عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى الاعتراض على عدم تمكين الهيئة من الاختصاص الضبطي أو الاختصاص شبه-قضائي كما كَانت تريد بعض الجمعيات أو غيرهن ممن يهتم بالمجال.
وفي هذا السياق يمكن القول بأن الجهة الحكومية المعنية بوضع مسودة المشروع راعت الدستور ومقتضياته على خلاف ما تتهم به زورا وبهتانا بكونها غير ملتزمة به. فالمتأمل للدستور المغربي وللموقع الذي وضع فيه هذه الهيئة، يقف بجلاء لا يخالطه غبار المزايدة؛ ولا ضعف المعرفة الدستورية؛ ولا …، أن الهيئة مدرجة ضمن هيئات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها وليس ضمن هيئات الحكامة الجيدة والتقنين المحددة على وجه الحصر في الفصول 165 و166 و167من الدستور، ولا يمكن استخراج واستنباط الاختصاص شبه-قضائي من مجرد التسمية الدستورية لهذه المؤسسة ب"الهيئة".
إن الحكومة لم ولن تجرؤ قط على مخالفة النص الدستوري الذي صوت عليه الشعب المغربي لتتجاوب مع أماني جمعيات وغيرها، ولو فعلت ذلك لكانت موضوع محاكمة دستورية من قبل أهل الاختصاص، لكنها حكومة آلت على نفسها أن لا تزج بنفسها في المتاهات أو مواضع التهم والشبهات. كما أن االنص الدستوري لم يترك المجال للاماني، أي كنّا تنمى أن تكون هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ذات اختصاص شبه- قضائي مثلا، بل طارد مثل الأوهام ولم يدع لها مجالا للتشويش على أولي النهى. إن هذه الأماني كان من الممكن أن تكون مقبولة قبل أن ترفع الأقلام التي كتبت النص الدستوري؛ أو تجف الصحف التي كتب عليها، بل كان من الممكن تدارك الأمر قبل التصويت على مشروع النص الدستوري من قبل الشعب المغربي، أما و الأمر أصبح مرسما، فإن أي حديث بعده سيكون خارج النص، وغير مشمول لا بعبارته ولا بإشارته، بل بعيد المنال، ولا سبيل للدفع بِه في مثل هذه المواطن، ذلك أن الدفع به لا يليق بالعوام فكيف بمن يدعي الاهتمام بحقوق النساء والهيئات ذات الصِّلة، بل كيف بِه إذا صدر، ولو بالخطإ، عمن ينسب نفسه لأهل الاختصاص في الميدان.
عبد الكريم لهوايشري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.