قصة "ر" إحدى القصص التي تجد مثيلاتها في كل مكان، وإن كانت قد ازدادت رقما إلى أرقام الدعارة فلابد أن تعطينا نوعا آخر من أنواعها وهي الاغتصاب والدعارة في صفوف الأطفال، ذلك العالم البريء الذي لم يسلم من تخطيط أباطرة الدعارة... في منزل ذات العينين الحمراوين: أنت التي تريدين الحمقاء؟ سألتني إحدى النساء وهي تبدي نظرة ملؤها الريبة "ستجدينها مخمورة كعادتها" أضافت امرأة أخرى "وربما ستؤذيك بكلامها الفاحش" "أو تجدينها مع أحدهم..." علقت النسوة وهن يتغامزن فيما بينهن... أيمكن أن تجمع "ر" بين الدعارة والشر؛ كل الجيران يعرفون طبعها القاسي وكلامها الفظ، حتى الأطفال لا يسلمون من ضربها... أخيرا وجدت المنزل المنزوي في إحدى الزقاقات المظلمة، وطرقت الباب ففتحت لي عجوز تبتسم عن فم خال من الأسنان.. "أريد أن أتكلم معها" أجبتها، فدعتني أخيرا للجلوس.. في هذا الركن الضيق تسكن "ر" هي تكتريه من العجوز بثمن زهيد، به بعض الفرش التي ذهب لونها من كثرة الاستعمال، لا يمكن أن يجذبك في هذا البيت إلا الطاولة المنقوشة من خشب الآبنوس وكأنها هدية من أحد عليها صحن لرماد السجائر وبعض زجاجات الخمر الفارغة وصور بالأبيض والأسود أظنها لعائلة "ر".. "هيه أنت التي اتصلت بي بالهاتف؟" سألتني وهي تخرج من الحمام، نظرت إلى هاتين العينين الحمراوين من كثرة احتساء الخمر والشفتين الزرقاوتين من جراء الاحتراق المسترسل للسجائر، والجسد الطويل العريض لامرأة في الثلاثينات والوجه الذي تخترقه بعض الندب لجرح قديم، كيف تجمع هذه الشخصية بين القوة والضعف، بين الصحو واحتساء الخمر. هي تعد من المومسات المدربات والقديمات في المدينة، ألقت بها الأقدار في ذلك اليوم الممطر إلى محطة الحافلة فأخذت طريق هذه المدينة من دون أن تعرف إلى أين تتوجه، كانت يائسة وحزينة لقرب خروجها من سجن النساء.
اغتصابي هو الباب الذي دخلت فيه إلى الدعارة سألتها عن طفولتها فردت ثائرة "ليست لي طفولة كانت زوجة أبي ترغمني على أشغال البيت منذ الصغر وفي النهاية رمتني إلى الشارع وأنا ابنة 12 سنة بعد أن توفي أبي" كانت تتحدث بمرارة وهي تذكر الأيام التي عاشتها متجولة في شوارع المدينة الكبيرة وتبحث عن لقيمات تسد الرمق بين سلات القمامة، وأكبر حادث حز في نفسها هو ذلك اليوم الذي تعرضت فيه للاغتصاب من طرف رجل مجهول تقول "عندما وقفت سيارة فخمة ناداني صاحبها وكأنه يريد أن يعطيني بعض النقود، فلما اقتربت منه أدخلني إلى السيارة قسرا وذهب بي إلى ركن بعيد من المدينة" كان يوم اغتصاب "ر" نقطة تحول في حياتها إلى الدعارة الرسمية التي تعلمت ثقافتها مع مرور الأيام فوظفت تقاطيع جسدها في اصطياد الذكور من جميع الطبقات، هي لا تعرف لماذا دخلت إلى هذا العالم، لكن حب الحياة كان هو الحافز، وكذا رفيقات السوء اللواتي أطرين على جمال جسدها ووجوب استثماره في هذا الميدان تقول "تعرفت على صديقة تشتغل في أحد المعامل وكنت أتساءل عن مصدر تلك الثياب الفاخرة والذهب الذي تلبسه ووجدت الجواب عندما دعتني إلى الانضمام إلى المجموعة الرسمية التي تشرف على إدارة وتنظيم عملية الدعارة قبلت عرضها المغري وبدأنا ننظم عملية الخروج إلى "البارات" والكازنوهات الكبيرة التي تستقبل الزوار الأجانب والأغنياء».
الأطفال عملة صعبة في تجارة الدعارة وبدخول "ر" إلى عالم الدعارة أصبحت نفسها تطمح إلى المزيد من المال، والتفكير في الطرق التي تجلبه منها فالحرمان الذي تعرضت له في الماضي علمها حب النفس أولا وأخيرا والآخرون إلى الجحيم واتجهت إلى عالم الطفولة البريء لاصطياد الفرائس الضعيفة منه وكأنها تنتقم من طفولتها الكئيبة، وزوجة الأب القاسية، لكنها بدل أن تكون الضحية أصبحت الجلاد، وفاقت زوجة الأب قسوة وأصبحت واحدة من الرائدات التي تشرف على إدارة وتنظيم عملية تجارة الدعارة في صفوف الأطفال. سألتها عن سبب لجوئها إلى الأطفال فأجابت ببرودة وهي تنظر إلى حلقات الدخان المتصاعد من السجارة "الأطفال عملة صعبة بالنسبة لكثير من الزبناء خاصة الأجانب، ما أقبضه على طفلة يفوق عشرين مرة ما كنت آخذه في أسبوع» كانت تنظر فقط إلى الربح المادي بغض النظر عن أمور أخرى تربوية واجتماعية بل حتى قانونية. فإن كانت المؤسسات الاجتماعية الخاصة بالطفولة لا تبلغ مستوى الاهتمام الجيد والكافي بالأطفال المشردين أو المتخلى عنهم، فإن "ر" قد استفادت من هذه الثغرة بالذات ووجهت إليها كامل ذكائها، هي تعرف كم تطلبه هذه التجارة من سرية وحرص وتعرف أيضا أن الصفقات الكبيرة التي تجلبها مغرية إلى حد تذوب فيه كل المثل تقول "شكلنا مجموعة من الرجال والنساء تهتم بالتنقيب عن الأطفال المشردين والجائعين، نغريهم بالطعام أولا ثم المال ثانيا حتى يطمئنوا لنا ثم نعرض عليهم الإقامة التي تحتوي على كافة أسباب الراحة بعيدا عن برودة الرصيف وجوع الليالي" هكذا تبرمج "ر" لأهدافها المادية مستخدمة جسد الطفلات الصغيرات والأطفال أيضا الطعم الذي تصطاد به زبناء مهمين أغلبهم من خارج البلاد، وإن كان الزبناء يتفقون حول نفس اللذة فإنهم يختلفون حول نوعيتها تقول "هناك طبقة من أصحاب الخليج يحبذون الطفلات أما أغلب زبناء الغرب فإنهم يختارن الأطفال".
ليلى والذئب إن كان زمن المادة الكئيب يطغى على زمن المثل فلا بد أن تظهر من حين لآخر خيرية الإنسان وإن كان في أوج أنانيته، تتحرك فطرته الصافية وإحساسه بكونه إنسانا وليس ذئبا، هكذا تحكي "ر" عن ليلة سلمت فيها طفلة لأحد الزبناء، لكن الطفلة لم تكن من النوع المسالم، فبدأت تبكي وهي تتشبث بذيول "ر" تستنجدها ألا تتركها لهذا الذئب تقول "حز في نفسي مشهد الطفلة المسكينة، لم أدر إلا وعاطفة تشبه الأمومة تظهر بين جوانحي، تذكرت طفولتي وبكائي وأنا أجلد من طرف زوجة أبي حينها صرخت في الزبون، هذه ليست للكراء يمكن أن نرجع لك نقودك فأخذتها من يدها ومسحت دموعها وأنا أبكي معها".
عندما كان موعدي مع السجن كانت نية "ر" خالصة لكنها لم تؤت القدرة، وكذا الطاقة على تغيير نفسها، والخروج من هذا الميدان، استسلمت ثانية للأرباح التي يسيل لها اللعاب واستمرت في تجارتها غير آبهة بصوت الضمير الذي يرن مرات متباعدة، فكانت على موعد مع السجن لأن الشرطة قبضت على الشبكة بكاملها ومن بينها "ر" تقول: "كانت ليلة سيئة كنت كعادتي أستقبل الزبناء ولم أدر إلا والشرطة تحيط بالشقة من جميع الجوانب" أخذت للتحقيق ومن ثم للسجن بتهمة التجارة في دعارة الأطفال، كانت أيام السجن الباردة كافية لتزيد من برودة قلبها، فإن كان هدف السجن تأهيلا وإصلاحا، ففي الواقع يؤهل لمزيد من الآفات لضعف أو انعدام تخليق حياة السجن ولاختلاط الحابل بالنابل ووجود الحوافز التي تدفع إلى التعلم والاكتساب المتبادل لإمراض المجتمع. هذا ما عبرت عنه "ر" عندما سألتها عن دور السجن في تغيير سلوكها. فقالت وهي تتلذذ بالسحب الطويلة لدخان السجارة إلى صدرها ثم تخرجه من أنفها وفمها في حلقات بطيئة وكأنها لم تذق طعم سجارة من قبل "بعد دخولي إلى السجن وجدت أن ما كنت أفعله في الماضي هين بالمقارنة مع ما كنت أسمعه من نزيلات السجن وكنا نتبادل المعلومات والتجارب أيضا، وإن كانت هناك بعض النسوة المغرورات الشبقات فلم أكن أعطيهن فرصة للسيطرة علي وكنت أشبع ضربا من تقترب مني..". الأيام التي قضتها "ر" في السجن جعلتها أكثر حدة، هذه الحدة التي كانت تظهر من حين لآخر في طريقة كلامها وحركاتها الانفعالية لكنك تلمس الندم الذي يعتري سحنتها وهي تتحدث عن الأطفال الذين آذتهم وقالت بعباراتها "عندما أرى في طريقي طفلا مشردا على الرصيف أتوق إلى الاقتراب منه ومعانقته، وأقترح عليه أن أكون أمه، وأعطيه الحنان الذي فقده من عائلته" قالت هذه الكلمات وعيناها تشعان من أمل قريب عسى أن يرزقها الله القدرة على ذلك وتغيير حياتها إلى أفضل، وتحقيق الصلح معه. عزيزة