نقدم للقراء والمهتمين الجزء الأول من ملف "التجديد" عن هذه الجريمة الحداثية الدولية، ويتضمن عرضا للحالة الدولية في سياقها الغربي منذ البدايات الأولى إلى ركوبها فوق حصان العولمة الجامح، والغزو البورنوغرافي مع التفقير الاقتصادي والتعرية الأخلاقية العاتية، كما أن في الملف حوارا مع الأستاذة فاطمة الزهراء ازريويل باعتبارها امرأة مثقفة وصحافية وباحثة اجتماعية كتبت في الموضوع، وتصريحات لفعاليات نسائية ثقافية وجمعوية. على أننا سنعود لاستكمال الموضوع والتطرق للجانب المغربي فيه والأطراف المنشطة له والمستفيدة من مداخيله في أجل قريب. الدعارة ظاهرة عالمية، عرفتها كل المجتمعات والشعوب الإنسانية، وظلت تمارسها في مختلف العصور والأزمان، ولتنافيها مع كل الأخلاق والقيم الإنسانية، ولأضرارها الجسدية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد حرمها الإسلام، بل قطع كل السبل وجفف كل المنابع التي تؤدي إلى احترافها أو تعاطيها. كما ظهرت عبر مر التاريخ أصوات تنادي إلى القضاء على هذا الفيروس الناخر لجسد الأمة، هذه الأصوات تبلورت في شكل جمعيات وقفت على حقيقة هذه الظاهرة فدعت إلى محاربتها، ومحاربة أباطرتها المستغلين للظروف الاجتماعية والاقتصادية للأفراد للزج بهم في سلك الدعارة، ولتحقيق أرباح بطرق غير مشروعة ...متحللين من كل قيمة أو خلق أو انتماء حضاري. والمغرب ككل البلدان شهد ميلاد جمعيات عديدة، اهتمت بتطهير المجتمع من كل أشكال الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية التي تهدد بناء وسلامة المجتمع، ولمعرفة كيفية تعاطي هذه الجمعيات، وكذا بعض الوجوه النسائية المعروفة في مجال الدفاع عن المرأة وحقوقها مع ظاهرة الدعارة، ، اتصلنا بمجموعة منهن، لكن الاستجابة لم تعبر عن عمق وخطورة هذه الظاهرة. فهناك جمعيات لا تعير اهتماما لهذا الموضوع، وأخرى لا تفرد هذه الظاهرة بالدراسة والتحليل، بل تعتبرها من جملة الانحرافات التي تتخبط فيها الأمة، وجمعيات أخرى لا وقت لديها للإدلاء بتصريح صحافي. الأستاذة لطيفة العكل (عضو المكتب التنفيذي، والكاتبة العامة لقطاع المرأة العاملة بالاتحاد العام للشغالين بالمغرب):لا يجب إغفال القيم الأخلاقية والإنسانية التي يدعو إليها الدين الإسلامي في معركة محاربة ظاهرة الدعارة مجتمعنا المغربي لم يسلم من انتشار هذه الظاهرة اللاأخلاقية ... وبالنظر إلى أسباب استفحالها داخل المجتمع المغربي، نجد أنها أسباب سوسيو اقتصادية بالدرجة الأولى، فالفقر والبطالة والتهميش والأمية، خاصة في العالم القروي، تعمل على قيام هجرة للمدن كمصدر للرزق، ولا يفوتني الحديث عن العولمة وحرية الاقتصاد وأثرهما السيء على الحياة الاجتماعية للمواطن، وعلى سوق الشغل، عولمة عملت على زيادة غنى الأغنياء، وبالمقابل الزيادة في تفقير الفقراء، فعلى مستوى سوق الشغل أغلق العدد الكبير من مؤسسات القطاع الخاص، وتم طرد العديد من العاملات والعمال وتشريدهم، وأوصدت أبواب الرزق أمامهم، حتى أن عددا من النساء أرغمن على تعاطي الدعارة لإعالة أسرهن، بحيث يصبح المبرر (عاملا اقتصاديا)، ومصدرا للعيش. والأخطر في الأمر أن الدعارة انتشرت بشكل مخيف بين أطفال الشوارع الذين يرغمون على قبول الاغتصاب، والتعاطي للدعارة مقابل توفير الحماية لهم من طرف جماعات تحكم الشوارع من أجل الحصول على المال، و من أجل الحصول على المخدرات والخمور التي أصبحوا يدمنون عليها، وتسبب انتشار ظاهرة الدعارة في الانحدار الأخلاقي المستمر داخل المجتمع، وتجاهل المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية والدينية، بالإضافة إلى انتشار أمراض جنسية معدية، كمرض السيدا وغيره، وللقضاء على هذه الظاهرة لابد من سن استراتيجية عملية وذلك بالتأسيس لسياسة اجتماعية من أولى أولوياتها محاربة الفقر والبطالة، وإعادة النظر في السياسة التعليمية، والأخذ بعين الاعتبار القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية التي يدعو إليها الدين الإسلامي، وبتطبيق العقيدة الإسلامية والحفاظ على الهوية المغربية، ونحن في الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، نؤمن بأن الفقر من الأسباب الرئيسية لاستفحال الدعارة ونربط الأمر بسوق الشغل، ولذا فإننا نناضل باستمرار من أجل إحقاق حقوق العمال والعاملات انطلاقا من مرجعيتنا المذهبية المبنية على شراكة حقيقية بين المال والعمل من أجل تحقيق تكافل اجتماعي، ونعمل من أجل تطبيق الاتفاقات الدولية التي تنص على احترام حقوق الإنسان، خاصة حق المرأة في الشغل، وأيضا من أجل القضاء على التحرش الجنسي. وللقضاء بجدية على الدعارة لابد من تجنيد كل الطاقات الفاعلة من حكومة وأرباب عمل، ونقابات وفعاليات المجتمع المدني للحيلولة دون الزيادة من انتشارها، ولإيجاد حلول عملية استراتيجية وواقعية تتضمن الحق الأدنى من العيش الكريم للمواطنين رجالا ونساءا وأطفالا. وتجنيد وسائل الإعلام لمحاربة الظاهرة، وذلك بحملة للتوعية ضد هذا السرطان الذي ينخر المجتمع المغربي الأستاذة لطيفة بناني السميرس (رئيسة الجمعية المغربية لحماية الأسرة):الاهتمام بالأسرة هو الحل الناجع للقضاء على كل الانحرافات الأخلاقية التي يتخبط فيها المجتمع نحن في جمعية حماية الأسرة المغربية نشتغل على أساس أن الأسرة هي الخلية الهامة جدا في ضمان استقرار المجتمع، ولهذا فمن الأهداف الأولى للجمعية هو البحث عن كيفية الحفاظ على استقرارالأسرة واستمراريتها، إذن في هذا الإطار نحن نفتح المجال متعدد الواجهات، بالاهتمام أولا بكل مكونات الأسرة، وبجميع فئاتها العمرية أي من الطفولة إلى الشيخوخة، على هذا الأساس نعتبر أن الحفاظ على المجتمع و على استقراره يأتي يالاهتمام بالأسرة لأنها البوقثة التي تكون أو تنشيء الفرد الصالح لبناء هذا المجتمع، وهي البوثقة التي في إطارها يكمن تكوين وإنماء أفراد بقيم أولا ثم بمواصفات لا تجعل المجتمع يسقط في متاهات الانحراف بأشكاله، فنعتبر أن توفير الأجواء الملائمة لنمو هذه الأسرة هو الذي من خلاله يستطيع المجتمع أن يضمن إن لم يكن القضاء على الانحراف نهائيا، فعلى الأقل التقليل منه، ونعتبر في إطار الجمعية دائما أن إشكالية الانحراف لا يمكن أن تعالج بعلاجات هكذا نقول إنها علاجات يمكن أن تأتي لمواجهة ظاهرة ما، ولكن يجب استئصال الظاهرة وذلك من خلال البحث في جذورها، وبالنسبة لنا فإن الجذور الأولى للانحرافات التي يعيشها المجتمع المغربي تكمن في التفكك الذي أصبح يطال الأسرة، لأن الأسرة كلما كانت سليمة لا يمكنها إلا أن تخرج أفرادا يخافون على مستقبل الأسرة ويخافون على المجتمع، وتكون لديهم قيما منبثقة طبعا من قيمنا الأساس (الدينية والأخلاقية)، وتساهم في بلورة مجتمع سليم يضمن لأفراده السلامة النفسية والسلامة العامة بشكل خاص، فنحن نسهر ما أمكن على محاولة الالتفاف على كل الظواهر وهي ظواهر مرتبطة بصفة خاصة ولو أنه ليست لدي إحصاءات في هذا المجال من ظاهرة الانحراف عموما، ليس من جهة مشكل اقتصادي صرف، لكن أيضا مرتبطة بانعدام تكوين، وتقلص تكوين في ميدان القيم، وعدم وجود مجالات خصبة لاحتواء بعض المشاكل، التي إن لم يكن من السهل احتواؤها، فعلى الأقل يمكن معالجة بعض خصائصها، إذن فنحن في الجمعية نعتبر أنه يجب تقوية التماسك العائلي، والاهتمام بهذا المجال اهتماما كبيرا، وهو المحور الذي من خلاله نأمل الدخول في محاربة مجموعة من الظواهر الانحرافية ومنها ظاهرة البغاء أو الدعارة أو كما نريد أن نسميها، لأننا نعتبر أنه ليست هناك أية ميولات لتعاطي هذه الانحرافات وإنما الذي يدفع إليها القهر المادي، والقهر الاجتماعي، وانتشار الأمية، لذلك أقول إنه يجب القضاء على الفوارق الاجتماعية، والقضاء على إشكالية الفقر وكذلك الاهتمام على الخصوص بالتربية والتكوين بالنسبة للجميع. وبلورة مسألة أن الأسرة هي أساس يجب أن نهتم به لأن مشاكل التفككات العائلية سواء فيما يتعلق بوجود أسر متصدعة بسبب النزاعات الداخلية الدائمة، مما يخلق انعكاسات نفسية على المراهقين والمراهقات، وكذلك مسألة الطلاق وما يرتبط بها من أشكاليات انعدام الإنقاف، والصدمات النفسية بالنسبة للأطفال، وهذه ظواهر يجب أن تعالج ليس فقط من الناحية القانونية، ولكن على الخصوص من ناحية التكوين الفكري والاجتماعي، لأنه بدون معالجة هذه الظواهر كل العوامل مثلا (الردع أو الإجراءات القانونية الأخرى الرادعة) لن يكون لها مفعول حاسم في القضاء على هذه الظاهرة. الأستاذة نادية ياسين (القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان):إرادة الإقلاع عن البغاء تنطلق من إعطاء جميع الحقوق للمرأة كما أعطاها لها الشارع لا كما قررها بعض الفقهاء ذوي القصور في النظرة و النظر. إن تفشي الدعارة في بلا دنا ناتج في نظري عن وضع مركب يلخص في لغة القرآن بالفتنة. فالفتنة عبارة عن اختلاط الحق بالباطل . لهذا أريد أن لا تختزل هذه الظاهرة في تجليها اللاأخلاقي المتنافي مع الدين و المروءة بدون شك. منهاجية المقاربة الشاملة تستدعي أن يربط الفرع بالأصل، و التفصيل بالإجمال. فالاسلام كل لا يتجزأ ولا يفهم الخلل في مجتمعاته إلا اذا اعتبرنا عراه متماسكة تؤدي الرجة في أعلاها (الحكم) تصدعا في أدناها وهي الصلاة أوالطاعات بشكل أوسع. الانحطاط المعيش على المستوى الاخلاقي أسبابه ذاتية مرتبطة بالمناخ السياسي الموروث، والواقع الاقتصادي المزري كما هو مرتبط بعوامل خارجية منها التارخية مثل الاستعمار، والحالية مثل العولمة و ما تحمله من استشراف إعلامي على مجتمعات تتبنى الإباحية كمبدإ مؤسس. ففي الحين الذي يعاني شبابنا من تعليم يبلد الحس، وينمي الذهنية الرعوية، والهمة الساقطة هو معرض لموجة عارمة من الميوعة لعل أقبح تجلياتها المسلسلات المكسكية التي تبرع في تزيين المنكر وتشجيع التفاهة وتغريق المحرومين في أحلام اليقظة، لله ضر فتياتنا الضحايا.. تفقير و تجهيل وتنقيص و تنكيل. لعل هذا الوضع يستوجب علينا أن نقرأ الاية الكريمة "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا " بأعين جديدة شاملة لا تجزيئية. أما عدم إكراههن فبإصلاح الشأن العام وإنشاء بيئة سياسية لها رؤيا اقتصادية تنموية لا نخبوية, أما عن إرادة الإقلاع عن البغاء فبالتعليم الحي الهادف، وبالدعوة، والإهتمام، وبإعطاء جميع الحقوق للمرأة كما أعطاها لها الشارع لا كما قررها بعض الفقهاء ذوي القصور في النظرة و النظر. الأستاذة لطيفة ويرزكان(مسؤولة مركز الترشيد الأسري و العمل الحقوقي بمنظمة ثجديد الوعي النسائي):أطفال بعض الخيريات، و أطفال الهجرة السرية، ضحايا شبكات الدعارة تتعدد أسباب انتشار الظاهرة تعاطي الدعارة، فمثلا الشباب ينظرون إلى الشرف نظرة استهزاء، و يعتبرونه مفهوما متخلفا عن عصرنا هذا، وبأن الحرية وخاصة الحرية الجنسية هي ما يثبت شخصية الشباب، هذه كنقطة أولى، أما النقطة الثانية فتتعلق بالجانب الاقتصادي، وقد رصدنا هذه االأسباب من خلال الحالات التي ترد علينا في المركز، فغالبا عندما نتحدث إلى النساء اللواتي مشين في هذه الطريق يقلن إن الجانب الاقتصادي، (العوز والفقر) هو الذي جعلهن يلجأن إلى الدعارة، ولا يقصدن بالعوز انعدام قوت اليوم، ولكنهن يحصرنه في الكماليات (يعني سيدة لديها بيت ولها ما تقتات به، ولكن تقول إن صديقاتها لديهن السيارات وأرصدة في البنوك و هي تلجأ للدعارة مؤقتا حتى تجمع رأسمال، فهاتين النقطتي هما اللتان استطعنا رصدهما في المركز بخصوص أسباب انتشار الدعارة. ونحن عندما نقول الدعارة بصورتها التقليدية نعني بها أن سيدة لا تملك قوت يومها اضطرت إلى الذهاب إلى المتاجرة بجسدها مقابل مبلغ مادي، وطبعا تكون هناك واسطة ما بين الزبون وما بين صاحبة السلعة (المرأة) ، لكن لم تعد الدعارة كما كانت سابقا بل أصبحنا نرى دعارة وسط المدارس لدرجة الافتخار بها، بل أصبحت نوعا من الشخصية الجديدة للفتاة المغربية في بعض الثانويات، بحيث إن التي تمارس الجنس خارج الإطار المشروع أي خارج إطار الزواج، ينظر إليها على أنها إنسانة متحررة، وإنسانة سائرة على القيم الغربية وإنسانة توافق شخصيتها روح العصر، كذلك رصدنا بعض الظواهر الخطيرة في هذا المجال وهي دعارة شباب يقر أنه لا يستطيع تحمل تكاليف الزواج فيلجأ إلى الدعارة، كما رصدنا دعارة الأطفال وذلك من خلال حالتين: دعارة أطفال الخيريات، حيث يشجعون على ممارسة الدعارة وذلك بالسماح لهم بالخروج إلى الشارع وأقصد يشجعون إما بغض النظر أي لا تتم مراقبتهم وإما أن القائمين على الخيريات يعلمون بما يقوم به هؤلاء الأطفال فيتاجرون بهم. ( وسمعت أن مسؤولي بعض الخيريات يرون الطفل وهو يتسلق الحائط، ويركب سيارة ،ويعرفون أين ستتجه به ثم يغضون الطرف، وهذا يعني أن هؤلاء المسؤولين يتقاضون مبالغ مالية مقابل غض الطرف، هذا ما أفهمه أنا)، ثم هناك دعارة أطفالنا الذين يهاجرون عبر قوارب الموت إلى إسبانيا وإيطاليا و لا تمون لديهم أوراق إقامة فيستغلون في دور الدعارة . ثم هناك صور أخرى للدعارة: كالدعارة المثلية أي بين رجل ورجل، وهذه أصبحت منتشرة كثيرا في الدارالبيضاء ومدينة أ?ادير وخصوصا بالنسبة للسياح الأوروبيين، ثم هناك ما يسمى بالسياحة الخليجية، ونغض الطرف عنها، وهناك أيضا دعارة أخرى ومن نوع آخر ونغض الطرف عنها، وهي دعارة زوجات الأعمال فلكي يبرم رجال الأعمال صفقاتهم يقيمون حفلات وليالي مجون ويتبادلون زوجاتهم من أجل الحصول على صفقات مالية. و هناك صور أخرى للدعارة لا يسع المجال لبسطها. إن أول شيء نبدأ به في تعاملنا مع متعاطي هذه الظاهرة، خاصة من بعض النساء اللواتي يجبرن من طرف أزواجهم على تعاطيها، وخاصة مع السياح الخليجيين، أننا نقوم باستدعاء الأزواج للاستماع إليهم، و إذا رفضوا الاستجابة لدعوتنا و يستحيل على نسائهن الاستمرار في مباشرة حياتهم من جديد مع أولئك الأزواج، نحيلهم على محامين لطلب التطليق، أما بالنسبة للنساء اللواتي يباشرن الدعارة لسبب اقتصادي فإننا نحاول تغيير مفهوم الحرية والحق في المتاجرة بالجسد لديهن ثم نقوم بجلسات مستمرة في الحديث معهن، لأن جلسة واحدة لا تكفي مع امرأة قضت سنوات في ممارسة الدعارة. كما قمنا في المركز بتنظيم ندوة حول البغاء عام 2000 بمشاركة فعاليات ناقشت الموضوع من مختلف جوانبه.