منذ إعلان نهاية التاريخ وسقوط الاتحاد السوفياتي وانفراد الولاياتالمتحدة بالقطبية في العالم وإعلان مشروع العولمة أو الهيمنة اتجهت الأنظار في العالم إلى الولاياتالمتحدة كيف ستتصرف، وكيف تباشر جبروت القطب الواحد؟ وكانت ردود الفعل منذ البداية من لدن الأوروبيين ردودا قوية وحذرة في نفس الوقت ولكن أوروبا عرفت كيف تتكيف لكيلا يفوتها نصيبها من السيطرة وتوزيع المكاسب والمغانم، الا أن الدول الضعيفة والفقيرة انخرطت مكرهة فيما بدا يأخذ طابعا عالميا بل أن البعض يسارع ليركب قطار العولمة قبل فوات الأوان. وإذا كانت أوروبا في كل المراحل التي جاءت بعد القطبية الأمريكية تأخذ مسافة لها ولخصوصياتها ومصالحها، فان الدول الضعيفة نسيت خصوصياتها أو كادت وبدأت من خلال بعض الإجراءات ومن خلال الطوابير الخامسة التي تخدم التعاليم الامبريالية الجديدة، وهكذا تدخل الاستعمار الجديد في برامج التعليم وتدخل في أنظمة الحكم، اما من الناحية الاقتصادية فقد بدأت الدول الضعيفة تتحرر من المؤسسات الصناعية والاقتصادية التي بنتها الشعوب بتضحياتها بدعوى الخصخصة، وجلب الاستثمارات الخارجية وكان كل ذلك مصحوبا بغزو فكري وبالدعاية الفارغة والمبشرة بالجنة في مجال الاقتصاد وفي مجال الثقافة والتطور، ولكن الواقع ان كل تلك الشعارات المبشرة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفقر والتقدم وغيرها من الشعارات أفضت إلى الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها الإنسانية حاليا. لقد تمكنت بعض الشركات وبعض الأشخاص سواء كانوا معنويين أو ذاتيين من اكتساب الثروات على حساب الشعوب أما الشعوب فقد ازداد فقرها وارتباطها بالاقتصاد الأجنبي. وهذا ما عالجه كثير من الكتاب والباحثين الذين بينوا من خلال الدراسات والأبحاث التي كتبوها خلال السنوات الأخيرة ومن خلال ما كتبوه من قبل في سعي الدول الاستعمارية القديمة للمحافظة على هيمنتها وكيف ان كل ما يقال و يكتب من طرف الحكومات الاستعمارية السابقة والقوة المهيمنة الجديدة لا أساس له وأنه مجرد ذر الرماد في العيون والتغطية على الأهداف الحقيقية للاستعمار الجديد ومن بين الباحثين الذين تناولوا هذا الموضوع وليام ايسترلي صاحب كتاب (مسؤولية الرجل الأبيض) الذي قدمنا في حديثين سابقين بعض أفكاره في الموضوع. والملاحظ ان العنوان مثير ويذكرنا بالعناوين التي كانت تكتب في الستينيات لكشف ما يعانيه الملونون في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والمؤكد انه يمكننا أن نقول ان الإنسانية المعذبة والمستغلة ليست من الناس الملونين فقط ولكن المأساة شملتهم وغيرهم حتى من ذوي البشرة البيضاء غير أن الذي بيده مقود سياسة التفقير والتجويع هو الإنسان الأبيض. وقد خصص فصلا تحدث فيه عن الامبريالية الأمريكيةالجديدة وقد كتب المؤلف كتابه من طبيعة الحال قبل الأزمة الحالية غير أنه يكشف نوايا أمريكا وغايتها في فرض هيمنة الإمبراطورية الأمريكية على العالم وفي فصل بالعنوان أدناه يتحدث قائلا: من الاستعمار إلى امبريالية ما بعد الحداثة الإمبريالية تعود إلى واجهة الأحداث في الغرب.ويرسل الصحفيون الغربيون تقرير عن حنين مخفي إلى الاستعمار في سيراليون أو حتى أنظمة الأقلية البيضاء في زيمبابوي. ويكتب صحفيون غربيون بارزون آخرون عن «حالة الإمبراطورية الأمريكية» كتب عالما السياسة البارزان «جيمس فيرون» و «ديفيد ليتين» من ستانفورد في ربيع سنة 2004: تتحرك الولاياتالمتحدة الآن نحو شكل من الحكم العالمي يمكن وصفه بالوصاية الجديدة، أو بشكل أكثر استفزازا امبريالية ما بعد الحداثة. وتشير المعايير إلى خليط معقد من بنى الحكم المحلي والعالمي التي تتطور في البوسنة، كوسوفو، تيمور الشرقية، سيراليون، أفغانستان، وربما على المدى الطويل، في العراق وكما كانت الإمبريالية التقليدية، تتضمن هذه الجهود درجة عالية من السيطرة على السلطة السياسية المحلية والعوامل الاقتصادية الأساسية من قبل الدول الخارجية. خلص «فيرون: و»ليتين» إلى نتيجة مفادها أنه «ينبغي إعادة تشكيل الاتفاقيات الحالية ذات الصلة التي تم تجاهلها نحو اعتماد شكل الوصاية الجديدة. وضعت خمسة مقالات مختلفة في فورين أفيرز (العلاقات الخارجية)، دليل نخبة صنع القرار، في السنوات القليلة الماضية بعض أنواع «امبريالية ما بعد الحداثة» للدول الحليفة.وفي السياق نفسه، كتب عالم السياسة «ستيفن كرازنر» (من ستانفورد أيضا) في خريف سنة 2004. اذا تركنا تلك الدول المنهارة ذات الحكومات السيئة على هواها، لن تصلح نفسها لأن قدرتها الإدارية محدودة، أقله فيما يتعلق بالأمن الداخلي. ولا تستطيع القوى المهيمنة التغاضي عن خيرات ما ستكون عليه بنية الحكم الجديد وكيفية إنشائه وبقائه. وللتخفيف من المخاطر العالمية وتطوير حياة الأفراد في مثل أنظمة الحكم تلك، ينبغي إضافة حكومات مؤسساتية بديلة مدعومة من قوى خارجية،مثل الوصاية والحكم المشترك القائمين حاليا، إلى قائمة خيارات السياسة. كانت النتيجة التي توصل إليها: «ستزود أشكال الوصاية القائمة حاليا، وخصوصا الحكم المشترك، القادة السياسيين بخيار أفضل في تحقيق السلام والازدهار لشعوب الدول التي تعاني الحكم السيء». وعينت وزيرة الخارجية الأمريكية «كوندوليزا رايس» ستيفن كرازنر» رئيسا للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية في 4 شباط/ فبراير 2005. كتب «نعومي كلين» في دانيشن (الأمة) في 2 أيار /مايو 2005 أن وزارة الخارجية الأمريكية لديها مكتب جديد مثير للاهتمام. في 5 آب /اغسطس2004، أنشأ البيت الأبيض «مكتب التنسيق لإعادة البناء والاستقرار» الذي ترأسه سفير الولاياتالمتحدة السابق لدى أوكرانيا «كارلوس باسكوال». ومهمة المكتب الجديد وضع خطط تفصيلية لمرحلة «ما بعد النزاعات» في حوالي خمسة وعشرين بلدا مضطربا... وقال «باسكوال» أمام جمهور... في تشرين الأول/أكتوبر، سيكون لدينا عقود «منجزة مسبقا» لإعادة بناء البلاد غير المنهارة بعد... وتدور الخطط التي وضعتها فرق «باسكوال»... حول تغيير «النسيج الاجتماعي لكل امة»... ليست مهمة المكتب إعادة بناء أي دولة قديمة... لكن إنشاء دول «ديمقراطية تعتمد اقتصاد السوق»,,, وشرح أن إعادة البناء تعني أحيانا تمزيق القديم». المساعدات الخارجية في سياق دعم الاستعمار الجديد كتب «ستيفن كرازنر» و «كارلوس باسكوال» مقالة في فورن افيرز في تموز/ يوليوز / آب/اغسطس 2005 يشرحان فيها بشكل أوسع كيف يستعمل كل ذلك. إن «كرازنر» و «باسكوال»، مثل نظرائهم في المساعدات الخارجية، هما مخططان: والجيش. وكجزء من جهد التخطيط العسكري، سيتم نشر فرق الوكالات المدينية في مناطق الصراع لتطوير استراتيجيات تحقيق الاستقرار وإعادة البناء. وسوف يساعد هذا النوع من العمل في التأكد من بقاء الإدعاءات حول قدرات إعادة البناء المدني واقعية. وبعد مرحلة التخطيط، سيتم نشر فرق مدنية متطورة مع الجيش للمساعدات في تحقيق الاستقرار وإعادة البناء بشكل مباشر. تكلمنا أيضا، عن وجود تنسيق مع النوع الآخر من المساعدات الخارجية الذي يتضمن وكالة المساعدات الأمريكية، صندوق النقد والبنك الدوليين. وعرض «كرازنر» و «باسكوال» الأمل بأن «الولاياتالمتحدة ستمكن المزيد من الناس الاستمتاع بفوائد السلام، الديمقراطية واقتصاديات السوق. بدا أن الجميع متفقون على أن الاستعمار كان سيئا. وقاد الإحباط من النتائج الكارثية للحقبة الاستعمارية في افريقية الكثيرين إلى تخيل ماض استعماري يسوده السلام والرخاء. واعترض العديد من الأساتذة المرموقين أيضا على الفكر التقليدي الذي يربط الاستعمار بالشر. ويقول مؤرخ هارفرد «نيال فيرغسون»، الذي تعجبني كل أعماله عدا هذا، إن هناك «شيئا مثل الإمبريالية الليبرالية، وسنجد عند إمعان النظر جيدا أنها كانت جيدة... وفي العديد من حالات «التخلف» الاقتصادي، تستطيع إمبراطورية ليبرالية تحقيق نتائج أفضل ما تستطيع الدولة الوطنية». خبير اقتصادي يبرر الاستعمار دفعت مثل تلك الإدعاءات الطموحة هذا الاقتصادي للخروج عن المعايير الاقتصادية العادية، واعتبار أنه يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية عبر الاحتلال العسكري، الغزو وبناء الدول. وينظر هذا الجزء من الكتاب بالتأكيد إلى مجموعة من العوامل التي تختلف عن تلك الموجودة في باقي الكتاب _معظم المدافعين عن المساعدات الخارجية خائفون من فكرة الإمبريالية والاستعمار، الجديد أو القديم، ولهذا لا علاقة لهذا الفصل بهم. ويعتمد الامبرياليون الجدد منهجا مؤثرا في إنهاء الفقر في العالم ينبغي أخذه بعين الاعتبار. لاحقا لمتلازمة التزايد المألوفة، تقدم تطفلات الغرب الفاشلة الحافز للغرب ليصبح أكثر تطفلا. وفشلت المساعدات في الستينيات والسبعينيات لأن الحكومات كانت سيئة، واستعمل الغرب تلك المساعدات لتبرير إعادة الهيكلة البنيوية في محاولة لإغراء الحكومات على تغيير سلوكها في الثمانينيات والتسعينيات. وفشلت إعادة الهيكلة البنيوية في تغيير الحكومات في الثمانينيات والتسعينيات، ولهذا يفكر البعض الآن في الغرب باستبدال الحكومة الوطنية كلها بنوع من «الوصاية» أو «الحكم المشترك» لتغطية ذلك الفشل. يجادل هذا الفصل بأن الحكمة التقليدية القديمة كانت على حق _لم تحقق الحقبة الإمبريالية السابقة التنمية الاقتصادية. وبدلا من ذلك، ساهمت في نشوء بعض الشروط التي غذت الحاجة للقيام ببعض التداخلات (التدخلات) الفاشلة اليوم: دول فاشلة وحكومات سيئة. ونشر الغرب بذور الفوضى بتفكيكه الفوضوي لنظام الاستعمار، خصوصا الطريقة الاعتباطية التي رسم بها الغرب الحدود. ورغم أن العديدين سينكرون علاقة التجربة الاستعمارية بالتجارب التي يزعم انها أكثر إنسانية اليوم، إلا أنني أشك في الحصول على الكثير من العبر من موجة التدخلات السابقة للغرب في باقي العالم _ظهرت الكثير من المشاكل نتيجة عدم كفاءة المستعمرين واستغلالهم. ويبدو الأمر ساخرا عندما يعرض البعض العبء الجديد للرجل الأبيض لتنظيم الفوضى التي خلفها العبء القديم للرجل الأبيض. الغرب هو الذي أوجد الحكومات السيئة غني عن القول إن الغرب كان القوة المحركة الوحيدة التي أنشأت الحكومات السيئة في باقي العالم _سيزيد ذلك من تأثير الغرب السلبي مثلما يزيد مسؤولية الرجل الغربي من التوقعات الإيجابية من الغرب. وكان هناك الكثير من أنظمة الحكم الاستبدادية والسياسات الفاسدة قبل أن يظهر الغرب حتى. ولو لم يكن الغرب المصدر الوحيد للفتوحات الإمبريالية _هل تذكرون الأزتك، المسلمين والمغول؟ ترك المستعمرون خلفهم دولا مستقلة لها حدود اعتباطية لا تتمتع بأي فرصة حقيقية في الحصول على شرعية شعبية. وتكون هذه الحكومات أحيانا أكثر من مجرد شكل مستقل للحكم مع جيش وميزانية للمساعدات الخارجية. ورغم جذورها الضحلة، إلا أن الدول الجديدة أفادت قادتها الجدد. واستطاع الحكام الجدد استعمال الجيش الذي ورثوه عن الحقبة الاستعمارية لجباية ضرائب عالية على الموارد الطبيعية أو أي نشاط اقتصادي آخر، وكانوا يتبعون تقليدا من الحكم الاستعماري الاستبدادي والتخطيط الاقتصادي. ولم يكن مفاجئا أن تناصب معظم تلك الدول الجديدة العداء للحريات الاقتصادية والسياسية. رعاية الطغاة والمحليين لجعل الأمور أسوأ، كانت قد عززت إدارة الاستعمار حكم الفرد الاستبدادي. وكانت الوسيلة المفضلة في إدارة الاستعمار «الحكم غير المباشر»، والاعتماد على حكام محليين أو وسطاء. وأشار الأستاذ في جامعة كولومبيا «محمود مدني» إلى هذا النظام في إفريقيا باسم «الاستبداد اللامركزي». وكان الحكم غير المباشر أمرا محتويا نظرا إلى أن المستعمرين لم يكونوا راغبين أو قادرين على وضع الكثير من الأوروبيين في المستعمرات لإدارتها. وكان هناك ما يكفي من الأوروبيين الذين يمتلكون السلطة اللازمة لإحداث الفوضى في أنظمة ما قبل الاستعمار (التي كانت بعيدة جدا عن اللوح الفارغ الذي افترض الأوروبيون وجوده)، لكن عددهم لم يكن كافيا لإنشاء أي شيء مشابه للمؤسسات الخيرية. التدمير أسهل من البناء دائما. لم يكن البريطانيون يشغلون سنة 1893 سوى 898 منصبا في جهاز الخدمة المدنية في الهند يحكمون من خلال قارة يبلغ عدد سكانها 300 مليون نسمة. وكان يبلغ تعداد كادر جهاز الخدمة المدنية بأكمله (البقية موظفون هنود)4849 موظفا. وبعد حركة العصيان الهندية سنة 1857، زادت الحكومة عدد القوات البريطانية، التي وصلت إلى 78.000 جندي بحلول سنة 1885 (إلى جانب 154.000 جندي هندي). وصف «إدموند بورك» في وقت سابق، فيما يتعلق بشركة الهند الشرقية في القرن الثامن عشر، كيف نشر البريطانيون المتغطرسون الفوضى في الهند» «بعض الشباب الغامضين، الذين أمسكوا بزمام السلطة بطرق لم يستطيعوا إدراكها، والتي لم يروا فيها لا الغاية ولا الحدود، عاثوا فسادا وخربوا... المؤسسات الموقرة الغارقة في القدم. ان الفوضى التي يتحدث عنها الكاتب والتي خلقتها بريطانيا في الهند كان الهدف منها هو استئصال النفوذ الإسلامي والقضاء نهائيا على وجود الحكم الإسلامي مع إعطاء كل الامتيازات للمواطنين الهندوس على حساب المسلمين الذين كانوا يحكمون الهند منذ قرون ويلاحظ كذلك أن ثورة 1957 م بالهند قادها المسلمون في محاولة منهم للإبقاء على حكمهم ومنذ ذلك التاريخ سعت بريطانيا لإضعاف المسلمين بتمكين الهنود غير المسلمين من كل الامتيازات مع التحريض على المسلمين والسعي إلى خلق جماعات تنسب إلى الإسلام ولكنها في الواقع تخدم المصالح البريطانية كما هو الحال مع القاديانية والبهائية وجماعة السير احمد خان رغم ما تظاهر به من الدعوة إلى التجديد والإصلاح وهذا ما دفع بجمال الدين الأفغاني إلى كتابة كتابه الرد على الدهريين ولاشك ان الامبريالية الجديدة تسعى إلى خلق ما يشبه ذلك من خلال تشجيع التصرف في هذا الجانب أو ذاك ويأتي في مقدمة ذلك كتابه ما يسمى (بالفرقان) سعيا لتحريف القرءان.