برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    الحكومة تعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



امحمد طلابي يكتب عن فكر الوسطية والتأسيس لمصالحة وطنية
نشر في التجديد يوم 26 - 05 - 2009


تعرض هذه الورقة التي تمثل الجزء الثاني لمداخلة الأستاذ محمد طلابي في الملتقى التأسيسي لمنتدى المغربي للوسطية أربع تهديدات كبرى انولدت مع عصر العولمة تعيق التنمية الشاملة للشعوب الإسلامية وهي: تهديد الغزاة وتهديد الطغاة وتهديد الغلاة، وتهديد الشتات.. ويستحضر محمد طلابي عناصر أو فرص النهضة وهي سنن تاريخية تمثل قوة دفع في ارتقائنا الحضاري في المقبل من العقود.و هي أربع فرص لأربع هجرات:بداية هجرة البشرية إلى الله، بداية هجرة البشرية نحو الحرية السياسية، بداية هجرة الحضارة المادية من الغرب نحو الشرق، و بداية هجرة الدولة القومية أو القطرية نحو الدولة العابرة للقوميات أو الأقطار. (الوعي بتهديدات وفرص نهضة أمتنا قال الفيلسوف الألماني هيجل: (( شرط الحرية وعي الضرورة)).فالضرورة هي مجموع السن التي تحكم نشاط الظواهر. سواء كنت ظواهر مادية أوظواهر اجتماعية.فالعلم هو اكتشاف الضرورة. وعندها يمكنك تسخير تلك السنن في اتجاه يخدم مصالحنا في المعاش والمعاد وفي النهضة.والقدرة على التسخير للضرورة هو الحرية الإنسانية بالضبط. فعالم الذرة بعد اكتشافه لسننها سخرها وفق إرادته وحريته، إما في اتجاه العمران، بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية، أوفي اتجاه العدوان بإنتاج أسلحة الدمار الشامل. ولتمتلك الأمة حريتها في تقرير مصيرها التاريخي فلابد أن تكتشف السنن المتحكمة في سير الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية وغيرها وترصد اتجاهات تطورها. عندها يمكنها تسخيره في اتجاه يخدم حلم النهضة والتقدم الحضاري للأمة.وهذه الصناعة الثقيلة في عالم الفكر والمعرفة هي من مهام المثقف الرسالي اليوم في بلاد المسلمين.واتجاهات التطور والسنن التاريخية الجارية قد تكون سننا تعيق النهضة أي تهديدات. وقد تكون سننا تدفع نحو النهوض أي فرص. .1 التهديدات: نعيش اليوم عصراً يحكمه نظام العولمة. عصر تعاني فيه أمتنا من أربع آفات كبرى هي تهديدات حقيقية للتنمية الشاملة للشعوب الإسلامية: تهديد الغزاة وتهديد الطغاة ووتهديد الغلاة، وتهديد الشتات.والتهديدات عوامل كبح معيقة للنهضة ومعطلة لها. فمع الغزاة استفحل التدافع في مجتمعاتنا في مجالين مهمين: مجال القيم والمعتقدات، ومجال الاختيارات السياسية للدول.فالغرب الغازي لنا يريد استبدال حزمة قيم الإسلام والوطنية في قلوب وعقول الشباب المسلم بحزمة قيم الحداثة الرثة والتغريب الرث . وفي مجال السياسة عمل الغزاة على تهجير صناعة القرار السياسي لبلداننا من موطنه في الدولة القطرية نحو الخارج، لتمارسه بدلاً عنا المؤسسات الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجلس الأمن الدولي ومنظمة التجارة العالمية.وهذا إحدى التهديدات التي تواجهنا في النهضة والتقدم.تهديد يمارس علينا في العالم الإسلامي من خلال أربع آليات:بواسطة الدبابة أوالغزوالعسكري، وبواسطة السلعة أو الغزوالاقتصادي، وبواسطة الكلمة أوالغزوالثقافي والتربوي، وبواسطة السلطة أوالغزوالسياسي. هذا التهديد الأول، والعلاج أسلوب تدافع برأسين: رأس مسلح في الأرض المحتلة بالدبابة كالعراق وفلسطين والصومال وغيرها. ورأس مدني، التدافع فيه سلمي بالديمقراطية في الأرض التي يتم فيها الغزوبالكلمة والسلعة في باقي بلاد المسلمين.وشعار الغزاة في بلادنا اليوم هو ((إجهاض أي محاولة للنهضة في أي قطر إسلامي كان)). أما التهديد الثاني لنهضتنا فيمثله طغيان الأنظمة السياسية غير الديمقراطية في عالمنا الإسلامي. فإرادة الشعوب الإسلامية مغيبة أوشبه مغيبة في جل الدول الإسلامية. فتغييب الاحتكام لإرادة الأمة هو تعطيل لطاقتها الحضارية الخلاقة.فالاستبداد السياسي في عالمنا الإسلامي هو غلو وتطرف، يساعد على توفير البيئة النفسية والفكرية لميلاد الغلو الأهوج غير العاقل.والعلاج هو الديمقراطية فكرا ونفسية وممارسة ونظاماً. أما التهديد الثالث للتنمية الشاملة فهو ميلاد غلاة الفكر والممارسة في بلاد المسلمين ومن ضمنها المغرب. والغلاة مدرستان في الداخل: غلاة المدرسة الإسلامية وغلاة المدرسة العلمانية.أما مدرسة الغلو الكبرى فموطنها الغرب الغازي لنا، فهي المسؤول التاريخي اليوم عن الميلاد الجديد لخوارج عصر العولمة بعد أن انقرض خوارج عصر الفتنة الكبرى.مما يتطلب إصلاح العقل الغربي القائد للحضارة اليوم. والعلاج هو التبني لمنهج الوسطية في العلاقات الدولية فكراً وممارسة. وهو عنوان تصالح الحضارات بدل تصادمها.فالغزاة الغربيون اليوم وحكام العالم الإسلامي وغلاة المدرسة الإسلامية وغلاة المدرسة العلمانية مجمعون عل منع ترسيخ بنيان الديمقراطية في بلاد المسلمين.فمنهم من كفرها شرعاً ومنهم من كفرها سياسياً. وهذا تهديد في وجه الإبداع الحضاري لأمة الإسلام. أما التهديد الرابع والأكثر خطورة فهو حالة الشتات والتجزئة الجغرافية والاقتصادية والسياسية المهولة للحوض الحضاري الإسلامي: فالحوض الحضاري للمسيحية الغربية له دول ترعاه، وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بالأساس.وللحوض المسيحي الشرقي دولة راعية وهي روسيا الاتحادية، وللحوض الحضاري الكونفوشيوسي دولة ترعاه وهي الصين، ودولة الهند هي الراعية للحوض الحضاري الهندوسي.يبقى الحوض الحضاري الإسلامي هو الحوض الوحيد اليتيم من دولة ترعاه وتدود عنه. فالدولة فيه أشتات. فالعصر اليوم هو عصر التكتلات الكبرى، ولا حياة مستقبلية لأقزام الدول حسب الدراسات للتنمية الشاملة.إننا نعيش عصر تجاوزالدولة القومية والقطرية إلى الدولة العابرة للقوميات والأقطار. وأحسن مثال لها دولة الاتحاد الأوروبي.بل إن بداية هجرة الحضارة المادية نحو الشرق إلى كتلة الصين الكونفوشيوسية بمليار ومائتا مليون من السكان وعشرة ملايين كلم2 من المساحة، وإلى كتلة الهند الهندوسية بمليار نسمة. فالعلة الكبرى في الهجرة هو عنصر التكتل. من هنا تأتي أهمية المثقف في صياغة برنامج ورسالة الدولة العابرة للأقطار دولة الكتلة. من هنا أيضاً تأتي أهمية استثمار الرصيد التاريخي للمغرب في بناء كتلة الغرب الإسلامي في الماضي وضرورة تجديدها غداً إن شاء الله. وتأتي أهمية اتحادنا المغاربي واتحادنا مع إفريقيا الغربية الإسلامية، وغيرها من التكتلات الجهوية ببلاد المسلمين. بدل تفتيت المفتت تحت طائلة الصراعات العرقية والطائفية في القطر الإسلامي الواحد وهو تهديد ماثل لا قدر الله، وعملية تغذيته جارية بقوة من طرف أعداء الأمة. بالمناسبة فالخبراء يرجحون كون الصين ستحتل المرتبة الأولى في الاقتصاد العالمي والهند المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة التي يرجح أن تتقهقر للمرتبة الثانية سنة 2030م.فما طبيعة الاستجابة الحضارية على هذه التحديات الحضارية الكبرى بمفهوم أرنولد تونبي؟ فصياغة الجواب الفكري والعملي من مهام الصفوة المثقفة ببلادنا. .2 الفرص: لكن في مقابل التهديدات الأربع الكبرى انولدت مع عصر العولمة فرص للنهضة. والفرص هي سنن تاريخية تمثل قوة دفع في ارتقائنا الحضاري في المقبل من العقود.وهي أربع فرص لأربع هجرات:بداية هجرة البشرية إلى الله، بداية هجرة البشرية نحو الحرية السياسية، بداية هجرة الحضارة المادية من الغرب نحو الشرق، وبداية هجرة الدولة القومية أوالقطرية نحو الدولة العابرة للقوميات أوالأقطار. فأول سنة تاريخية هي فرصة للمسلمين يمكن تسخيرها لصالح نهضتهم هي بداية هجرة البشرية إلى الله.إنها الصحوة الدينية العالمية. صحوة في كل الديانات. صحوة تعيد الاعتبار لفكرة الدين في وعي الآدمي. مفادها أن لهذا الخلق العجيب في الكون خالق وقوة غيبية تحكم نظامه المحكم. لقد تعرض الدين لنفي مند قيام الثورة الفرنسية العلمانية في القرن 18م. وحكم عليه بالإعدام مع الثورة الشيوعية الأكثر علمانية، حينما أعلن في العالم الشيوعي أن الدين الرسمي للدولة والمجتمع هو الإلحاد.لكن في العقد الخير من القرن الـ20م ، ومع سقوط العالم الشيوعي عاد الدين من منفاه وخرج منتصراً من زنزانة الإعدام.وأصبح له تأثير متزايد في مسرح الأحداث العالمية. لكن السؤال المركزي الذي على الصفوة المثقفة تقديم جواب صحيح له هو: لماذا العودة إلى الدين في الغرب والشرق معاً؟رأساً أجيب أنها رسالة احتجاج من البشرية جمعاء ومن الغرب بالخصوص تقول الرسالة: ((نعم لقد حقت لنا حضارة فلسفة الحداثة المادية حاجاتنا المادية لدرجة الإفراط في الغرب، لكن مع ذلك لم تتحقق لنا السعادة والسكينة والطمأنينة.والسبب إهمالها وتفريطها في إشباع حاجاتنا الروحية في الغرب بالخصوص.فكانت النتيجة شقاء تحول إلى إحباط والإحباط إلى يأس واليأس إلى إدمان على المخدرات والانتحارات والجريمة، لقد أحدثت فينا الحداثة غير المبصرة مجاعة روحية رهيبة)). فالبشرية تبحث عن سكينة وطمأنينة ليس لها من مصدر غير الإيمان الديني.ولكن في نفس الوقت البشرية لا تريد التفريط في إشباع حاجاتها المادية في العيش الكريم.فمن هو الدين الذي يمكن أن يحقق لها حاجاتها الروحية وحاجاتها المادية بلا تفريط أوإفراط بل وسط؟إنه الإسلام كعقيدة وشريعة معاً. وهذه فرصة تاريخية ثمينة لإنقاذ أنفسنا، وإنقاذ الحضارة الغربية والإنسانية من العوزالمادي والجوع الروحي. ومن هنا تأتي أهمية منهج الوسطية كرسالة عالمية اليوم. ومن هنا أيضاً تبرز مسؤولية الصفوة المثقفة في صياغة رسالة الوسطية المستجيبة لها الطلب العالمي العميق للتدين. لا ننسى أن الهندوسية قد تزدهر في حوضها والكونفوشيوسية قد تزدهر في حوضها. لكن الإسلام، إن امتلك أهله الوعي التاريخي للمرحلة التاريخية، وخططوا وثابروا في العمل خلال هذا القرن، فقد يزدهر بإذن الله في الحوض الحضاري الإسلامي، وفي الحوض الحضاري الغربي معاً، بسبب الخلل البنيوي في الديانة المسيحية. فهي عقيدة بدون شريعة أوقوانين تنظم العمران المادي، لقد فرطت في الشأن الدنيوي وبناء الحضارة والعمران في العصر الوسيط. وهو السبب الرئيسي لثورة العلمانية عليها في العصر الحديث.فكان رد فعل الحداثة متطرف فأفرطت في الشأن الدنيوي وفرطت في الشأن الديني. والإسلام كعقيدة لم يفرط في الشأن الديني وكشريعة لم يفرط في الشأن الدنيوي أي العمران، وذلك هو منهج الوسطية في الإسلام. أما الفرصة الثانية التي على المسلمين تسخيرها لتقدمهم ولتقدم البشرية فهي بداية هجرة الشعوب نحو الحرية السياسية. إنها الصحوة الديمقراطية العالمية. صحوة بدأت منذ منتصف القرن العشرين في أوروبا المتوسطية ثم انتقلت نحو أمريكا اللاتينية فنظفت القارة من الفاشيات، ثم اتجهت كريح عاصفة في عقد التسعينات نعو الاستبداد الشيوعي فأسقطته، ثم نحو جنوب إفريقيا فخلصتها من نظام الميز العنصري هناك.وهبت عندنا نسيما وما زالت، فتحققت معها هوامش ديمقراطية مهمة في عالمنا العربي والإسلامي ومنه المغرب بحمد الله.فهذه السنة التاريخية نعمة سياسية علينا وعيها والعمل على ترسيخها كآلية لإدارة شؤون دولنا وشعوبنا. ستساعدنا على تفجير الطاقات الكامنة في المليار و500 مليون مسلم اليوم.فبها تسترجع الشعوب الإسلامية والعربية إرادتها. وإرادتها الدفينة وحدة شعوبها في الجغرافية والاقتصاد والسياسة والعقيدة.وهي إرادة تتطابق مع عصرنا، عصر التكتلات الجهوية الكبرى. وهي تهديد كما أسلفنا ولكنها الفرصة الثالثة لنا إن استثمرت برشد ووعي في بلاد المسلمين، لتبنى على أساسها تكتلات جهوية نتجاوز فيها كيان الدولة القطرية نحو كيان الدولة المتعددة والمتعدية للأقطار. ككتلة المغرب الكبير، وكتلة حوض النيل وكتلة غرب أفريقيا وشرقها الإسلامييتين غيرها في الهلال الخصيب والجزيرة وآسيا الوسطى وآسيا الموسمية. أما الفرصة الرابعة لارتقائنا الحضاري فهو الاستثمار والتسخير الراشد لظاهرة بداية هجرة الحضارة المادية من الغرب نحو الشرق. لقد كان الغرب يسيطر على اكثر من 84% من النشاط الصناعي العالمي سنة 1928م. الغرب قبل نهاية القرن العشرين لم يعد يسيطر إلا على 54% منه. والنسبة تقل مع توالي السنين.وكما قلت فالصين يرجح أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى سنة 2030م، تليها الولايات المتحدة ثم الهند. وهو تحول كبير للغاية في مسار الحضارة العالمية.فالبصمة الصينية والهندية في الحضارة العالمية آتية لا ريب فيها. فهل تكون للمسلمين في الانتقال الحضاري نحو الشرق بصمة إسلامية؟ ممكن إن فكرنا بجد في الزواج الكاثوليكي بين الصحوة وبناء الكتلة الجهوية. ولكن كيف؟ هذا سؤال حيوي موجه للصفوة المثقفة في بلادنا عليها أن تحرر فيه جواب نظرياً وعمليا. ثالثاً: مثقف الوسطية بالمغرب: مبادئ وأهداف رسالة الوسطية رسالة عالمية بالتأكيد، تشمل بلاد المسلمين والأقليات المسلمة في كل بلدان العالم. لكن يستحيل تبليغ رسالة الوسطية بدون فقه واقع البيئات المحلية. ستبقى هذه الرسالة بلا معنى إذ هي تجاهلت الخصائص المحلية لكل بيئة. فبيئة الساحات الإسلامية في جنوب شرق آسيا بإندونيسيا وماليزيا والفيليبين قد تختلف كثيراً عن بيئات المسلمين في قلب آسيا بكازاخستان وأفغانستان وباكستان وغيرها. وهذه كلها قد تختلف عن بيئات المسلمين في قلب أفريقيا بنيجريا والنيجر وتشاد وغيرها. كما أن البيئة العربية بخصائصها قد تختلف عن ما ذكرناه من بيئات إسلامية.وكل هذه البيئات تختلف عن أحوال المسلمين كأقلية في الغرب. وهذه الأقلية ستختلف بتأكيد في أحوالها عن الأقليات المسلمة في الشرق بالهند والصين الشيوعية وما جاورهما. ورسالة الوسطية بالمغرب الأقصى ستراعي في تقديري خمس خرائط كبرى عند التنزيل وهي بمنزلة المبادئ عند الوسطيين بالمغرب: أذكر منها ثلاث: الخريطة الدينية والخريطة المذهبية والخريطة السياسية. .1 خرائط المغرب الثابتة: أول المبادئ، المغرب خريطة دينية منسجمة: إن أهم خاصية من خصائص المغرب الأقصى، وهي من خصائص المغرب الكبير الإسلامي. أننا شعب مسلم بنسبة تفارب 99%. فنسبة اليهود كأقلية لا تتعدى 25,0%، أما نسبة النصارى فلا تتعدى 1% وهم ليسوا أقلية، بل جالية مقيمة بالمغرب. فهذا الانسجام المطلق في الدين عند المغاربة قوة هائلة وفرصة معتبرة لرسالة الوسطية. فالمغاربة على هذا الدين العظيم منذ أربع عشر قرن من الزمان. ولكن مع ذلك فالوسطية كدين ومنهج إسلامي أصيل تدعونا لضرورة الانفتاح عن باقي الديانات من أهل الكتاب ومن غير أهل الكتاب. فالحقيقة والعدل ضالة المسلم. ففي أي العقائد والثقافات والحضارات وجدهما أخذ بهما ورعاهما. فما أكثر الملفات المشتركة بين الديانات اليوم. وهي ملفات حوار حقيقي بينها. فالتعدي على الشعوب الآمنة اليوم من طرف الغزاة ملف ترفضه أكثر من ديانة، يرفضه المسلم والمسيحي والهندوسي والبوذي وغيرهم، والتعدي على الأخلاق النبيلة قضية ترفضها أكثر من ديانة وفلسفية اليوم، كالإدمان على تعاطي المخدرات والإجهاض للنفس البريئة، والزواج المثلي، والتعاطي للجريمة المنظمة وغير المنظمة. وتبييض الأموال وغيرها من الملفات الأخلاقية التي توجب الحوار والتعارف بين الديانات والعقائد والفلسفات. بل والحوار الجاد بين كل الأحواض الحضارية الكبرى والملتزمة بإنقاذ العمران البشري من الضلال الروحي والفقر المادي وخطر الانتحار الجماعي. لكن منهج الوسطية المنفتح بالمغرب جاد أيضاً في الحفاظ على انسجام المجتمع المغربي في عقيدته الدينية. نحن نرفض أن نتحول إلى طوائف دينية متناحرة في حروب أهلية مدمرة، كما حدث سابقاً بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، أوما حدث سابقاً وقد يحدث اليوم بين المسلمين والمسيحيين في السودان، وكما حدث بالأمس واليوم في الهند بين المسلمين والهندوس. وكما يحدث من حروب طائفية في العراق. فحق أجيال المغرب العربي الإسلامي القادمة في الاستقرار والأمن من الحروب الأهلية أمانة في عنق جيل المغاربيين اليوم. لدى فمنهج الوسطية جاد في الحفاظ على إسلامية المجتمع والدولة في الغرب الإسلامي. ثاني المبادئ، المغرب خريطة مذهبية فقهية منسجمة: فإلى جانب انسجام الشعب المغربي والمغاربي في عقيدته الدينية، وهو الإسلام، فهو أيضاً منسجم في مذهبه الفقهي. فالمغرب الكبير الإسلامي مجتمع سني من أهل السنة والجماعة، وعلى مذهب مالك منذ القرن الحادي عشر الميلادي، فلا وجود للفرق الإسلامية المنشقة عن الأمة، كفرقة الخوارج وفرقة الشيعة. وهذا يزيد من قوة وانسجام المجتمع في هذه المنطقة من العالم الإسلامي. بل لا وجود لباقي المذاهب الفقهية السنية الأخرى، كالمذهب الشافعي والحنبلي والحنفي. لكن، مع ذلك، فالوسطية كمنهج يدعو للانفتاح على كل المذاهب الفقهية الإسلامية، والبحث عن ضالة المجتمع المسلم في كل هذه المذاهب. وضالته هي استخراج الكنوز المشتركة بين هذه المذاهب وتسخيرها لما يخدم نهضة أمة الإسلام من جديد، وتحقيق المصالحة مع الذات داخل المجتمعات الإسلامية. لكن منهج الوسطية في المغرب جاد أيضاً في الحفاظ على انسجام المجتمع بالحفاظ على سنيته ومالكيته معاً. فحق الأجيال القادمة في المغرب الكبير الإسلامي في الاستقرار والأمن من الفتن والحروب الأهلية المذهبية واجب على جيل المغاربة اليوم. فمنهج الوسطية جاد في تفادي المشهد المرعب للحرب الطائفية الطاحنة بين الشيعة والسنة في العراق اليوم. فانا لا أريد حتى أن أتصور مذابح العاصمة بغداد الطائفية تتكرر في عواصم المغرب الكبير في منتصف هذا القرن وما يليه. إنه الكابوس حقاً .وما دامت الوسطية حريصة على التصالح مع الذات فمن التصالح مع الذات سد باب الذرائع على المقبل من الحروب الأهلية. ومنها تفادي التشيع في عالم السنة. كما لا ضرورة لدعوة أهل الشيعة في إيران أو غيرها للمذهب السني، رغم إيماني بالانحرافات العميقة في المذهب الشيعي. ولا ضرورة لدعوة أهل السنة في المغرب وغيره للمذهب الشيعي، فذلك من حكمة الوسطية والاعتدال. ثالث المبادئ، المغرب خريطة مذهبية سياسية منسجمة: وإن كان شعب المغرب مالكي المذهب الفقهي، فهو ملكي المذهب السياسي. فالملكية كشكل للنظام السياسي بالمغرب ليس أمراً طارئاً. فعمر المخزن كمصطلح تاريخي للملكية يعود إلى أكثر من 13 قرن من الزمان. فنظام الدولة هذا حاضر عند المغاربة حتى في أفراحهم حيث يلقبون العريس بالسلطان ونائب العريس بالوزير. ((روحوه أيا إسلام روحو مولاي السلطان)). وبالفعل فالملكية هي لحمة المجتمع المغربي وضامنة الأمن والاستقرار إليه. والحمد لله اليوم أصبح الكل ملكيين حتى غلاة اليساريين. وهذا من رحمة الله على هذا البلد.والحرس على الملكية في هذا البلد هو عنوان الوسطية في الفكر السياسي عند المغاربة. .2 المصالحة الوطنية بالمغرب عنوان الوسطية الراشدة عصر العولمة هو غزو جديد لبلاد المسلمين ومنها المغرب. لكن الغزو ببلادنا لا يتم بواسطة الدبابة كما يحدث بالعراق وأفغانستان والصومال. بل يتم عن طريق الغزوالاقتصادي والثقافي والسياسي. ومواجهة طوفان العولمة يملي علينا بناء الجبهة الوطنية الداخلية. فلمواجهة الغزوالثقافي المتمثل في طوفان قيم الخلاعة والإباحية والشهوة المنفلتة من عقالها، فلابد من إعادة تركيب تراثنا الإسلامي المغربي لصد هكذا هجوم. فقيم الزهد والعفة في التراث الصوفي السني قد تفيد في المواجهة هذه.فلنحييها بدون السقوط في بدع المتصوفة.لكن كل ذلك يجب أن يتم وفق ميزان الشرع والعقل والتاريخ وفق قاعد التركيب لأطراف الخير في تراثنا. ولمواجهة الغزوالسياسي لبلادنا والمتمثل في محاولة التهجير الكامل لصناعة قرار الدولة الوطنية، فلابد من مصالحة حقيقية بين التيارات السياسية الكبرى وهما التيار الإسلامي والتيار العلماني الوطني تحت رعاية المؤسسة الملكية. مصالحة تنتهي بالتوافق الديمقراطي على خطة لمواجهة آفتين خطيرين: آفة الإرهاب والغلو الفكري والسياسي عند البعض في المدرسة الإسلامية وعند البعض في المدرسة العلمانية. وآفة الفساد الكبير في البلاد: السياسي والإداري والاقتصادي والأخلاقي.وهذا يتطلب خطة وطنية لتجفيف منابعه. كل هذا من مهام المثقف المغربي العامل في كل مناشط الحياة.وتلك هي الوسطية ببلادنا. منسق اللجنة التحصيرية مداخلة في الجمع التأسيسي لمنتدى الوسطية بالمغرب

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.