نسوة تشبثن بستر أجسادهن ووضع غطاء على رؤوسهن وفق ما أمر به الله تعالى، لكن لم يجدن سوى الصد والإقصاء كلما بحثن عن عمل يناسب مؤهلاتهن العلمية، ومنهن من عشقن العمل العسكري أو المجال الأمني، ولما اقتنعن بأن يرتدين لباسا ساترا فوجدن أنفسهن في ورطة قوانين تجاوزتها دول غربية، وأخريات طردن من شركات خاصة بعد أن عملن لمدة لا يستهان بها، هذه الشريحة تتمنى أن يأتي يوم يرفع هذا التمييز ضدهن ويكون المقياس المحدد لعملهن هو الكفاءة والمهنية، وليس اللباس وشكله. "التجديد" استمعت لمعاناة بعضهن كما استقت تصريحات بعض المهتمين بالموضوع، ولم تظفر بأي رأي من المسؤولين. يرفضون تشغيلي بسبب الحجاب مغربيات مسلمات اقتنعن بارتداء الحجاب، لكنهن لم يجدن سوى الصد والإقصاء كلما طرقن باب عمل يناسب مؤهلاتهن العلمية. تقول فاطمة خريجة مدرسة علوم الإعلام بالرباط: «توصلت باستدعاء من شركة خاصة بمدينة الدارالبيضاء لإجراء مقابلة بهدف التوظيف، غير أن سكرتيرة مدير المؤسسة أخبرتني أنه من الأفضل ألا أقابله وأنا مرتدية الحجاب، لأن الرفض سيكون مصيري». وتنقل الضحية عن السكرتيرة قولها: «إنهم لم يكونوا على علم بأنك (الضحية) محجبة، لأن ملف الترشيح لم يكن يحتوي على صورة، ولو علموا بذلك لما طلبوا منك المجيء». معاناة خريجة معهد علوم الإعلام لم تنته عند هذا الحد فقط، بل تجاوزتها إلى حالات عديدة من رفض طلبات عملها بسبب الزي الشرعي، تؤكد الفتاة ذلك بقولها: "ما تزال معاناتي مستمرة، إذ يتم رفضي من قبل الأبناك والمؤسسات الخاصة بسبب الحجاب". عائشة فتاة أخرى حرمت من حقها في الظفر بمنصب شغل يعينها على قسوة العيش، ليس بسبب كفاءتها، فصاحب الشركة قد شهد لها بذلك، بل لأنها أرادت أن تكون حرة في اختيار نمط لباسها الموافق لما يدعو إليه الدين الحنيف، تروي لنا زينب قصة مساومة ذلك الإسباني لها من أجل قبول ملف ترشيحها شريطة نزعها الحجاب، تقول الضحية الثانية: «قدمت ملف عملي لشركة فلاحية يسيرها مواطن إسباني بإقليم اشتوكة آيت بها، فاستدعيت لأجل العمل، وعندما أجريت معه مقابلة، بعد أن اطلع على ملفي، قال لي إنه مستعد لأن يشغلني بمبلغ مادي هام، كما أنه مستعد أن يوقع عقد عمل منذ تلك اللحظة، غير أنه يشترط أن أنزع حجابي، فأجبته بأن الأرزاق بيد الله، ولن أعصي أمر ربي لأجل هذا العمل»، وتضيف زينب في مروءة عالية «تركت هذا العمل وانصرفت رغم أنني كنت في ظروف مادية سيئة»، إصرار زينب على عدم الرضوخ لطلبات أرباب الشركات بشأن نزع الحجاب جعلها تظفر أخيرا بعمل بعد شريط طويل من المعاناة، تؤكد زينب ذلك في حديثها إلينا بالقول: «تكرر أمر رفضي مع شركات أخرى إلى أن عملت بإحداهن». وتخبرنا المتحدثة ذاتها أن إقليم اشتوكة أيت بها، وغيره من الأقاليم، يشهد على رفض العديد من الشركات تشغيل الفتاة المحجبة، ليس لانعدام الكفاءة، ولكن بسبب الحجاب، وتختم زينب حديثها بصرخة مدوية في وجه المسؤولين والحقوقيين والجمعيات النسائية «أين حقوق المرأة التي ينادون بها، ومن للفتيات اللواتي يعانين في بلد مسلم؟». رفضت نزع الحجاب فطردوني أقدمت العديد من الشركات، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر وهجمات 16 ماي الإرهابية بالدارالبيضاء، على طرد عاملات، ليس على خلفية ارتكابهن أخطاء مهنية أو أخلاقية، بل لأنهن محجبات، فلا المحجبة التي هي بصدد البحث عن عمل تحظى بالمساواة أمام الشركات المشغلة، ولا المحجبة العاملة تسلم من قرارات الطرد والتعسف، كلهن مخيفات وكلهن غير مواطنات. تسرد فاطمة، عاملة سابقة بشركة خاصة بالدارالبيضاء، حكاية طردها وزميلات أخريات لها من العمل بعد رفضهن طاعة رب الشركة وعصيان رب الخلائق أجمعين، فتقول: «فوجئت باستدعائي من لدن إدارة الشركة التي كنت أعمل بها، وتوجد بمدينة الدارالبيضاء، والتي طلبت مني نزع الحجاب لأكون قدوة لزميلاتي، لأنني كنت أكبرهن سنا، كما كنت أحظى بالتقدير والاحترام داخل هذه الشركة، غير أنني تتابع فاطمة رفضت طلب الإدارة وقلت لهم إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». وتؤكد فاطمة أن عشرات من زميلاتها في العمل القديم جوبهن بالطلب نفسه، فاستجاب بعضهن اضطرارا، فيما امتنعت أخريات بإصرار وقوة، فكان مآلهن المغادرة. تقول فاطمة: «من بعدي نودي على عشرين عاملة، واحدة تلو الأخرى، وخيرتهن الإدارة بين العمل والحجاب، فمنهن من استجابت لطلب الإدارة، ومنهن من طردت من العمل»، فاطمة في نهاية تصريحها لنا استنكرت ما فعلته إدارة الشركة، وتساءلت عن حق النساء المغربيات في ارتداء ما شئن: «إنني أقول بهذه المناسبة إنه من حقنا كنساء أن نرتدي أي لباس شئنا.. ولماذا لا تحاسب الفتيات اللواتي يرتدين لباسا يخالف دين الدولة المغربية»، واستطردت فاطمة بالقول «نحن نشعر وكأننا في بلد غير مسلم مادامت فريضة الحجاب تحارب علنا ولا من مغيث أمام المسؤولين» ثم أطلقتها مدوية: «إلى متى هذا الوضع؟». لم تكن العاصمة الاقتصادية أو إقليم اشتوكة أيت باها وحدهما اللذان عرفا نماذج من طرد العاملات بسبب الحجاب، بل ومدينة تمارة المتاخمة للعاصمة الرباط هي الأخرى سجلت تسريح الكثير من الفتيات، فقد وجهت عشر نسوة متضررات شكاية إلى النائب البرلماني شكيب بناني عن المدينة نفسها، يؤكدن فيها أن مدير الشركة قام بطردهن من العمل بعد إصرارهن على ارتداء الحجاب، في وقت قبلت بعض زميلاتهن التخلي عن الحجاب ليتم التراجع عن قرار طردهن، وذكرت العاملات في رسالتهن أن الفقر والحاجة كانا دافعين قويين لحمل هؤلاء النسوة عل نزع حجابهن، مثلما هو الأمر بالنسبة لمن يرغمن على مزاولة أنشطة غير شرعية من شأنها أن تمس بكرامة الإنسان». ميادين محظورة على المحجبات كثير من الفتيات المغربيات اللواتي يرتدين الحجاب يردن ولوج الأكاديميات أو المدارس العسكرية، ومعاهد تدريب الشرطة والقوات المساعدة والوقاية المدنية، ومؤسسات تكوين مضيفات بالطائرات وغيرها من المؤسسات الأمنية، لمقاسمة زميلات لهن غير محجبات هم الدفاع عن حوزة البلاد وأداء واجب من واجبات المواطنة إلى جانب الرجال، وكثير من هؤلاء الفتيات تحدوهن رغبة جامحة في دخول مدارس لتكوين أطر المستقبل كالمدرسة المحمدية للمهندسين ومدرسة تكوين أطر وزارة الداخلية، لكن أحلامهن وأحلام ذويهن، تكسرت على واقع تلزم فيه هذه المؤسسات التكوينية المستفدين بالانضباط لنظام داخلي لا يترك الحرية للفتيات في ارتداء الحجاب. تؤكد إحدى الطالبات بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط أنها ترتدي الحجاب خارج المدرسة، فيما تكون مجبرة على نزعه في الداخل مخافة أن يصيبها مكروه، أو أن تجد نفسها وراء أسوار المؤسسة وقد حطم مستقبلها إلى الأبد، وتضيف الطالبة أنها تعيش واقعين اثنين، أولهما داخل المدرسة، حيث تكون بدون حجاب، وثانيهما حيث تتمتع بهذا الحق. وغير بعيد عن معاناة هذه الطالبة تعيش إحدى الأمهات بين رغبتها الجامحة في أن ترتدي ابنتها الحجاب، وبين قناعتها التامة، وهي زوجة لأحد ضباط الصف، في أن هذا الحجاب سيقف حاجزا أمام تحقيق حلم فلذة كبدها في ولوج الأكاديمية العسكرية، تقول الأم المسكينة بعبارات مؤلمة: «أريد أن تكون ابنتي محجبة، لكنني أرغب أيضا في أن تصير ضابطا في القوات المسلحة الملكية»، مضيفة بالقول «إنني في حيرة من أمري». ومما يقوي شكوك الفتيات والعائلات وتخوفاتهن من أن ترفض طلبات ولوج هذه المدارس العسكرية والأمنية بسبب الحجاب إلى واقع معيش، شهادة إحدى الموظفات بالأمن الوطني، التي أكدت أنها وقعت على دورية تمنعها من ارتداء الحجاب، عقب أحداث 16 ماي. تقول الموظفة «اشتريت لباس الحجاب لأرتديه غير أنه وبعد أحداث 16 ماي وقعنا على دورية تحول دون ذلك»، وتتابع الموظفة حديثها إلينا بالقول: «أنا مازلت أنتظر يوما يسمح فيه للمرأة المغربية بكل الميادين أن تلتزم بفرض إسلامي هو (الحجاب)»، وتشير الموظفة إلى أنها تعرف صديقات لها «يرغبن في ارتداء الحجاب، غير أن الالتزام بالزي النظامي يقف حاجزا دون ترجمة ذلك»، و لم تنف وجود موظفات في الأمن الوطني يرتدين الحجاب، وقالت: «هذا لا يعني عدم وجود محجبات موظفات في الأمن الوطني، غير أنهن يلبس اللباس المدني فقط». في المحاكم والبرلمان هناك من النساء المحجبات من يحمدن الله على طردهن من العمل بسبب الحجاب، ومنهن من يضعفن أمام قسوة العيش وصلف الحياة، فينزعن سترة الرأس كرها ليعدن إلى عملهن، لكن هناك من النساء من يضعن كل ثقتهن في القضاء المغربي لينصفهن، ذلك ما تشير إليه المعطيات التي استقيناها، على سبيل المثال، من منظمة تجديد الوعي النسائي، هذه المنظمة استقبلت خلال السنتين الأخيرتين أربعين امرأة تشتكين من فصلهن من العمل بسبب الحجاب، أغلبهن موظفات في القطاع الخاص، وضمنهن مضيفة بالخطوط الملكية الجوية أصرت على ارتداء الحجاب فكان مصيرها الفصل، بل وخصم راتبها، بعض هذه الملفات، يؤكد المسؤولون بالمنظمة، عرفت طريقها إلى المحاكم. وحيال هذا الوضع تعتقد عزيزة البقالي، الأمنية العامة للمنظمة المذكورة، «أنه لا مجال للتمييز بين المواطنات المغربيات بسبب العقيدة، خاصة وأننا في بلد مسلم، ينص دستوره على أن دين الدولة هو الإسلام»، منبهة إلى أنه «من غير المعقول أن نجد نساء مغربيات يتعرضن للإقصاء من العمل أو للتضييق عليهن داخل العمل أو حرمانهن من الترقية داخل المؤسسات التي يعملن بها، أو حرمانهن بشكل كلي من العمل بسبب الحجاب». وقد ألقت قضية حرمان العديد من النساء من حقهن في الشغل وامتلاك جوازات وتأشيرات السفر بسبب ارتدائهن الحجاب بظلالها على البرلمان في العديد من المحطات البارزة. وهكذا عرضت بسيمة حقاوي، عن فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، في نهاية شهر أبريل من السنة الماضية (2003) لحالات عديدة من النساء اللواتي منعن من الحصول على جواز السفر تحت طائلة ضرورة الإدلاء بصورهن وهن مكشوفات الرأس، وأخريات سرحن تعسفا من العمل. وقالت النائبة في مداخلة لها في إطار المادة 111 من القانون الداخلي لمجلس النواب: «إننا جميعا نعتبر أن لباس المواطن حق من حقوق الإنسان، وأن الزي الإسلامي، خصوصا في دولة مسلمة، هو كذلك حق من حقوق الإنسان تثبته المواثيق والاتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقية منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة، غير أننا نشهد اليوم التمييز ضد المرأة المحجبة بسبب غطاء رأسها»، معربة عن ألمها الشديد لوضعية العديد من النساء «اللواتي لحقهن الحيف وطالهن التعسف بسبب ممارسات لا تمس إلى دولة الحق والقانون بصلة». ونقلت النائبة صورة مختصرة عن هؤلاء النساء، من خلال إشارتها إلى أن فريقها يتوصل يوميا بالعديد من الملفات لمغربيات حرمن من حقهن في العمل، وكذا الحصول على جوازات السفر والتأشيرة، وأضافت أنه «في القطاع الخاص نجد حالات عديدة من الفصل عن العمل والطرد»، متابعة قولها: «أما بخصوص السلطات المحلية فهناك حالات عدة للمنع من الحصول على جواز السفر تحت ذريعة الإدلاء بصورة دون غطاء الرأس، وكذا في الدوائر العسكرية، إذ يفرض اللباس العسكري بصرامة على الطبيبات الممارسات بالمستشفى حتى تمنع النساء المحجبات من ارتداء الحجاب»، وتزيد بسيمة حقاوي في التوضيح أن ما سلف ذكره «يتزامن مع اشتراط عدد من السفارات تقديم صور دون حجاب ضمن ملفات طلب تأشيرة السفر». بسيمة حقاوي، بعد أن فرغت من الحديث عن معاناة المحجبات هؤلاء، استغربت كيف أن العديد من الدول الغربية المتقدمة سمحن للنساء المسلمات بارتداء الحجاب حتى في أسلاك الشرطة والخدمة العسكرية، مثل بريطانيا، بخلاف الوضع عندنا وقالت: «مثلا في بريطانيا نجد شرطيات يرتدين الحجاب ولا يمنعهن لباسهن العسكري من أداء مهمتهن بنجاح»، مضيفة: «هذا نموذج حداثي لما نتبعه ونقتدي به». مصطفى الرميد، عن الفريق نفسه، كان هو الآخر قد وجه سؤالا شفويا إلى وزير الشؤون الخارجية والتعاون محمد بن عيسى حول رفض القنصليات الفرنسية منح المغربيات تأشيرة شينغن بسبب غطاء الرأس، من بينهن نساء بعض البرلمانيين، ليؤكد له الوزير أنه يقوم شخصيا بمساعي حثيتة لدى السلطات الفرنسية في عدد من المناسبات بهدف إيجاد صيغة تحترم الخصوصية الأخلاقية والدينية للمغرب، بخصوص شروط منح التأشيرة أو أي وثيقة أخرى تتعلق بالجوانب القنصلية، ثم ليعقب الرميد بالقول «إننا نتفهم الإشكالات والدوافع الأمنية والإجراءات الوقائية والاحتياطية (طرح السؤال بعد أحداث 11 شتنبر)، لكن بشكل لا يضايق قناعات الآخرين في لباسهم»، داعيا إلى بلورة صيغة توافقية لتفادي إلزام المغربيات المحجبات بنزع غطاء الرأس». ارتداء الحجاب حق من حقوق الإنسان يعتبر الحجاب حقا من حقوق الإنسان، وفق المواثيق الدولية التي تعتمدها مجموعة من الجمعيات الحقوقية والمنظمات النسائية المغربية كمرجعية لها للمطالبة بالمزيد من الحقوق ورفع التحفظات. ففي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نجد أن المادة 26 منه تنص على أن «جميع الأشخاص متساوون أمام القانون ومن حقهم التمتع دون تمييز بحمايته، ويحرم القانون في هذا المجال أي تمييز، سواء كان على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين»، وبهذا يكون واضعو بعض القوانين المنظمة لبعض المؤسسات يقفون ضدا على حقوق وكرامة المرأة المغربية التي تمارس قناعتها الشخصية في لباسها دون أن يعيق ذلك تطوير كفاءاتها ومؤهلاتها العلمية. ومن المواثيق التي صادق عليها المغرب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) بتاريخ 21 يونيو ,1993 حيث تكفل هذه الاتفاقية الحقوق المتساوية في العمل للمرأة. فحسب بعض بنود المادة 11 من الاتفاقية، فإن للمرأة «الحق في العمل بوصفه حقا ثابتا لجميع البشر»، ولها أيضا «الحق في التمتع بنفس فرص التوظيف، بما في ذلك تطبيق معايير اختيار واحدة في شؤون الاستخدام»، وكذا «الحق في حرية اختيار المهنة ونوع العمل، والحق في الترقية والأمن على العمل وفي جميع مزايا وشروط الخدمة، والحق في تلقى التدريب وإعادة التدريب المهنى، بما في ذلك التلمذة الحرفية والتدريب المهني المتقدم والتدريب المتكرر». يقول عبد الحميد أمين رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: «رأيي شخصيا كرئيس للجمعية أنني مع حرية اللباس وحرية الهندام، إذ لا يجوزحرمان أي امرأة من لباس الحجاب، كما لا يجوز فرض الحجاب على أي منهن، والشيء نفسه بالنسبة للحية»، ويرى أمين، أنه «حتى وإن كان هناك قانون يفرض عدم لبس الحجاب فسيكون جائرا، فهذا موقف عام يتعلق بحق الإنسان أن يفعل في لباسه ما يشاء وأن تكون له حرية التصرف في هندامه كما يشاء»، مضيفا أنه «سواء في مؤسسة عسكرية أو أمنية أو غيرها، يبقى حق ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه حقا ساري المفعول». أين هي الجمعيات النسائية؟ في الوقت الذي نجد فيه منظمات حقوقية غربية تدافع عن حق المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب أيا كانت ظروف العمل، نجد صمتا مطبقا تلزمه بعض الجمعيات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة حيال الموضوع ببلادنا، وقد اتصلنا بالأستاذة لطيفة الجبابدي، لكنها اعتذرت عن الإدلاء برأيها الحقوقي بمبرر السفر. أما مناضلات أخريات فأبين إلا أن يشاركننا الموضوع، وفي هذا السياق قالت رشيدة برجال، عضو هيئة المحامين الشباب، والجمعية المغربية لحماية الأسرة والطفولة، إنه «في مجال حقوق الإنسان وفي إطار العولمة والحداثة، للإنسان حرية تامة في التصرف في ذاته وفي كل ما يتعلق بمحيطه مادام هذا التصرف لم يمس حقوق الغير، أما في ما يتعلق بالزي، فإنني أرى أنه، ومن هذا المنطلق، وكذا منطلق العقل، فالإنسان إذا لم يخدش بلباسه شعور الغير، وكان هذا اللباس محترما ولا يشكل عائقا أمام العمل الذي يقوم به، فهو يظل حرا في قناعاته»، وتضيف المناضلة الحقوقية وعضو حزب الاتحاد الدستوري أن «المضايقات التي تتعرض لها المحجبات في العمل أو في حياتهن الشخصية من قبل المسؤولين تعد إجحافا في حقهن، مادمن مواطنات لهن كفاءات علمية وعقلية لا يحدها اللباس»، إنه يجب تزيد برجال على المسؤولين أن يتعاملوا مع هؤلاء المحجبات من منطلق الكفاءة وليس من خلال المظهر، كما أدعو إلى أن يُتعامل مع الإنسان من خلال قدراته وليس من خلال توجهاته الفكرية وقناعاته الشخصية». وبخصوص الصعوبات التي تهم ارتداء النساء الحجاب بالمؤسسات والمعاهد العسكرية والأمنية، طالبت برجال المسؤولين بأن «يتعاملو بذكاء مع ظاهرة المحتجبات، التي هي في تزايد مضطرد، وأن يحسنوا تصريف هذا اللباس»، ومثلت لذلك بالقول «في القطاع الأمني حبذا لو أوجدوا لباسا موحدا يأخذ في الاعتبار الحجاب، وهو شيء في المتناول، للخروج من هذا المأزق، على غرار البلدان العربية والإسلامية التي أخرجت بعض قطاعاتها العامة لباسا موحدا يوحي بالنظام والانضباط ، يلبسه الجميع حتى المحجبات». ولفتت برجال الانتباه إلى «أن منع ارتداء الحجاب أو طرد النساء بسبب سترة الرأس يجري خارج القانون، لأنه ليس هناك بصريح العبارة ما يجرم لبس الحجاب، اللهم تلك الأنظمة الداخلية لبعض المهن التي تستوجب لباسا موحدا، كما هو الأمر بالنسبة للأمن والمضيفات في الطيران»، وهي أنظمة، تؤكد برجال، «ليست ناتجة عن القانون بل عن إيديولوجيات». وتوضح المحامية برجال أن أي طرد يقع في حق من ارتدت الحجاب في أي مهنة من المهن يعد طردا تعسفيا تحكمه إيديولوجيات لن تعمل إلا على إثارة التفرقة والضغينة»، وقالت المناضلة إنه يمكن إحكام قبضة سترة الرأس بشكل لن يؤثر سلبا على جمالية اللباس الموحد»، وختمت قولها «إننا في الوقت الراهن بحاجة إلى تضميض الجراح وتوحيد الصفوف، وتبديد الاختلافات، وليس إلى إثارة مزيد من التفرقة، إذ قد تلجأ هؤلاء المحتجبات إلى تشكيل جمعية لمناهضة العنف الذي يمارس ضدهن، ومن تم سندخل دوامة يكون المجتمع هو الخاسر الأكبر فيها»، إنه على المسؤولين أن يحتضنوا هذا المشكل قبل أن يتفاقم». سمية بن خلدون رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية كان لها رأي آخر، إذ أكدت أن الموضوع يحتاج إلى نوع من الحكمة والتبصر، تقول سمية: «نحن في منتدى الزهراء للمرأة المغربية نعتبر أن اللباس يدخل ضمن الحريات، ونحن في المغرب كدولة مسلمة تضمن للمرأة المسلمة أن ترتدي اللباس الذي هو من صميم قناعتها ومن صميم هويتها»، وتستطرد بالقول: «هناك محجبات في جميع مرافق الحياة العامة، سواء بالنسبة للطب أو تحت قبة البرلمان... هناك حق في ارتداء هذا الزي وهناك اعتراف به وليس هناك مشكل كبير، إذا ما قورن ببعض المجتمعات المسلمة مثل تونس وتركيا أو في دول أوروبية كفرنسا»، لكن المتحدثة نبهت إلى أن الحجاب «يبقى مطروحا في بعض المجالات والقطاعات، ربما ستتم معالجته بنوع من التأني والحكمة والتبصر، وربما ارتبط الأمر ببعض الأذهان سابقا كون مثل هذا اللباس معيقا للمرأ ة»، وتنهي بسيمة قولها بالإشارة إلى أن مشكل نزع الحجاب «بالنسبة للقطاع الخاص ليس موجودا على إطلاقه، فنحن نعرف العديد من الشركات بها نساء محجبات يشتغلن ولهن مناصب مهمة». الحل بين يدي المسؤولين لا يوجد نص قانوني يمنع الحجاب ببعض القطاعات، غير أن الالتزام بزي نظامي معين يجعل وضع غطاء الرأس ممنوعا في بعض المؤسسات، فمثلا في النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني، نجد أن الفصل 41 مكرر، الذي يندرج ضمن الباب الثالث المتعلق بالواجبات والحقوق يقول، كما أوردته مجلة الأمن الوطني العدد 213 أنه «يلزم موظفو الإدارة العامة للأمن الوطني بارتداء الزي النظامي، ولا تستثنى من ذلك إذا كانت ضرورات المصلحة تقتضي ذلك، إلا الحالات التي يمنح ترخيص بشأنها بموجب مقرر للمدير العام للأمن الوطني تحدد الخصائص المميزة للزي النظامي ومكوناته ولوازمه بمقتضى قرار للمدير العام للأمن الوطني»، ويتضح جليا من خلال هذا المقتضى أن حل الأمر يتعلق بالمدير العام للأمن الوطني الذي له صلاحية تحديد خصائص الزي، كما أنه هو الذي يمنح الترخيص بهذا الشأن، لذلك فإن الأمر يتطلب إذنا عاما للمحجبات بوضع غطاء الرأس أثناء ارتداء الزي النظامي، أو أن يغير الزي ليناسب المرأة المسلمة. ولمعرفة رأي المسؤولين حول حدود تمتع المرأة الموظفة في المجال الأمني والعسكري بارتداء سترة الرأس راسلت التجديد كلا من وزير الداخلية مصطفى الساهل، والوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد الرحمن السباعي، والمدير العام للأمن الوطني حميدو لعنيكري، وذلك منذ 12 ماي المنصرم، لكننا لم نتوصل من هؤلاء المسؤولين حتى كتابة هذه السطور بأي رد رسمي في الموضوع. وتأمل العديد من النسوة الموظفات اللواتي يتطلعن إلى لباس سترة الرأس، أو المحتجبات اللواتي يرغبن في الالتحاق بالمعاهد العسكرية والأمنية، أو اللواتي يطردن ويمنعن من العمل بسبب سترة الرأس، أن يجد المسؤولون حلولا تكفل لهؤلاء النسوة حقهن في ارتداء الحجاب، ومن ذلك الحرص على تطبيق القانون بالمؤسسات الخاصة واقتراح مذكرة أو دورية بالمؤسسات الأمنية والعسكرية تسمح بلبس الحجاب. خديجة عليموسى/ محمد أفزاز