ابتكرت النساء أشكالا جديدة من الحجاب تفتقد إلى كثير من مواصفات الحجاب، فقد أصبح الحجاب عندهن تقليعة موضة لا أقل ولا أكثر، يقلدن فيها بعض محتجبات الفضائيات ممن خضعن لضغوط الإعلام والموضة فانحرفن بالحجاب عن صورته الأصلية الناطقة بالستر والحشمة إلى صورة مشوهة هي أقرب إلى العري منها إلى اللباس الشرعي. فما هو تفسير الظاهرة، وما موقف الأسرة؟ شهادات تعيش الفتيات خاصة حالة من الحيرة تجاه الالتزام بشروط الحجاب من جهة، واتباع الموضة من جهة ثانية، وتتأرجح كل واحدة من حالة إلى أخرى حسب المحيط الذي يتيح لها السير في اتجاه دون الآخر. تقول التلميذة أمينة: السنة أولى بكالوريا علوم تجريبية: لقد أعجبت بشكل الحجاب فارتديته دون أن أبحث عن فرضية هذا اللباس وشروطه ومدى ازدياد عدد المحجبات في المجتمع؟، فالمسألة مسألة إعجاب فقط. وتقول التلميذة (أسماء. ر) وهي تدرس تلميذة في السنة الأولى بكالوريا علوم تجريبية: ارتديت الحجاب في السنة الأولى إعدادي وقد نشأت في وسط متدين؛ أمي وعماتي وخالاتي لهن الدور في احتجابي. وقد ربوني منذ صغري على أن الحجاب فريضة مع سن التكليف أو البلوغ. نعم كان حجابي فضفاضا وطويلا إلا أنني في السنوات الأربع الموالية أصبحت ارتدي حجابا قصيرا نوعا ما يصف جسدي.. فقد تأثرت بزميلاتي اللواتي كن ينتقدن حجابي وشجعنني على أن ألبس لباس الموضة الذي يوافق مرحلتي العمرية الشباب. وتقول التلميذة (أميمة.ب) وهي تدرس بالسنة الثانية باكلوريا علوم اقتصادية: أنا ارتديت الحجاب في السنة الأولى إعدادي قبل سن التكليف بسنتين أو ثلاث سنوات. نعم في بادئ الأمر كنت ألتزم بلباس طويل وفضفاض بالرغم من صغر سني إلا أن شكله تراجع في السنوات الأخيرة، وأظن أن السبب هو المحيط، فعندما أخرج إلى الشارع يستهويني حجاب الموضة. نعم توجد ملابس في نفس الوقت للحجاب وتابعة للموضة. وتلاحظ الطالبة مغار خولة أن الحجاب الذي أصبح سائدا الآن هو موضة فقط، أو إرضاء من الفتيات لرغبات أولياء أمورهن، خاصة بالنسبة للفتيات المنتميات إلى وسط متدين أومحافظ. قيمة الحجاب تقول الطالبة أسماء الركراكي، شعبة إدارة المشاريع في تصريحها ل الجديد: بالنسبة لي لا تعرف قيمة الحجاب الشرعي إلا الفتاة أو المرأة الرسالية التي تحس في قرارة نفسها أن هذا الزي هو تعبير عن قيم وهوية وليس شكلا فقط. والحمد لله أنه مع الصحوة الإسلامية وانتشار القنوات الفضائية الملتزمة وبروز مايسمى بالدعاة الجدد أصبحنا نرى في المجتمع بجانب الحجاب المائع حجابا يوافق ما أمر به الله عز وجل. وأضافت أسماء: هذا إن دل على شيء فإنما يدل على الخير أو الفطرة التي توجد في الشباب، لكن دعاة التغريب أو أعداء هذا الدين عندما عجزوا عن التصدي لظاهرة الحجاب خططوا لتمييعه وتقصيره وتضييقه. إذن يجب على كل واحدة منا مراجعة نفسها وحجابها وجعله دائما موافقا للشروط الستة التي أجمع عليها علماء الأمة. ونظرا لأن أسماء قضت مدة طويلة في الساحة الجامعية فإنها ترى أن الشيء الطاغي ليس هو الحجاب الملتزم، لكن، كما قالت: على الأقل أصبحنا نرى أن هناك مجموعة من الفتيات والطالبات يرتدين الحجاب، لكن الخلل هنا هو أن الحجاب لم يعد موافقا لشروط الحجاب الملتزم (لا يشف لا يصف....) وقد أصبحنا نرى هذه المظاهر بكثرة في الجامعة. وتؤكد أسماء أن الحجاب قبل أن يكون شكلا فهو في البداية مضمون يعني أن أي طالبة أو أخت عندما ترتدي الحجاب فيجب أن تلتزم بمجموعة من السلوكيات والمعاملات (أن لا تغش في الامتحان وتحترم الوالدين وتلتزم بالأخلاق الفاضلة)، يعني أنه سلوك قبل أن يكون شكلا. لكن في الساحة الجامعية نجد طالبات محتجبات يربطن علاقات غير شرعية مع الجنس الآخر أو تقمن بتصرفات مشينة. ضغط الواقع (س. م) موظفة بالقطاع الخاص، تقول إن ضغط الواقع هو الذي أفرز حجاب الموضة، والواقع هنا تقصد به الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، موضحة أن الجانب الاقتصادي يتمثل في كون محلات الملابس الجاهزة، نظرا للإقبال الكبير على لباس التبرج، فإنه قليلا ما تجد المحجبة لباسها، وحتى إن وجد فإنه يكون بمواصفات أقرب إلى التبرج منه إلى الحجاب، ويتمثل الجانب الاجتماعي في كون العلاقات الاجتماعية يغلب عليها طابع المظاهر أكثر من الجواهر، لذلك ترى الناس يجتهدون في الاهتمام بمظهرهم، مما يؤثر على بعض المحجبات اللواتي يسمحن في بعض مواصفات الحجاب لإرضاء الرغبة الاجتماعية، أما الجانب السياسي فيتجلى في كون بعض المحجبات لا يرغبن في أن ينعتن بأنهن من تيار إسلامي، وفي ذات الوقت يردن ارتداء الحجاب، لذلك يبدين شيئا من التمرد على مواصفات الحجاب بغية عدم تصنيفهن من هذا التيار أو ذاك. التقليد أيضا، حسب (س. م) له دوره في مسايرة الحجاب للموضة وليس العكس، ويكون هذا التقليد من الشارع أو من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، دون إغفال رغبة كثير من الجهات في التضييق على الحجاب ولو بتمييعه إذا عجزت عن منعه. القدوة خديجة الهيقي أم لثلاث بنات؛ الكبرى 21 سنة والوسطى 16 سنة، تقول في حديث ل التجديد إنهما لبستا الحجاب وعمرهما 11 سنة، مباشرة بعد ولوجهن المستوى الإعدادي وقبل بلوغهن، لم تخبرني الأولى التي كانت في مخيم مع جمعية الرسالة وجاءت بالحجاب، أما الثانية فقد أخبرتني أثناء العطلة بأنها سترتدي الحجاب مع حلول الدخول المدرسي، أما الصغرى فما تزال تدرس بالقسم السادس ابتدائي. تؤكد الهيقي أن القدوة لها أثر كبير في التزام ابنتيها بالحجاب ومواصفاته قائلة: الحمد لله ليس لدي أي مشكل مع انحراف الحجاب، من قبيل ضيق اللباس أو قصره أو وضع الماكياج أو نمص الحاجبين، أغلب لباس بناتي قميص طويل وتنورة طويلة وعريضة، ولم يسبق لي أن تدخلت في اختيار لباسهن ما دمن على الطريق الصحيح، وأنا أظن والله أعلم أنهما تقتديان بي في لباسي. أما فلسفة الحجاب ورمزيته، تقول الهيقي، فإنهما اكتسبتاها من المجالس التربوية التي تواظبان عليها إلا في حالات خاصة لها علاقة بالدراسة. وعن رأيها في الفتيات اللواتي يتبعن الموضة رغم انتسابهن إلى أسر ملتزمة، قالت الهيقي: أنا أظن أن ضغوط الوالدين ربما في بعض الأحيان تؤتي نتائج عكسية، لأن الفتيات اللواتي نشأن في بيئة ملتزمة بالحجاب، ربما حين يبلغن سنا معينة 16 إلى 18 سنة يرغبن في محاكاة زميلاتهن في المدرسة، وهنا تنقلب الفتاة على ما كانت عليه في أسرتها. وترى خديجة الهيقي أن أبناء الملتزمين يعيشون تحديات كبيرة، نظرا لما يعايشونه مع زملائهم وما ينتظره منهم آباؤهم الراغبون في التزامهم، مؤكدة أنه يجب أن يعي آباء المحجبات أنهن تقاومن أنفسهن وتتحدين المجتمع الذي يسود لدى أغلبيته التبرج والسفور وما يليهما من سلوكات، وهذه مسألة ينبغي للمربين أن يأخذوها بعين الاعتبار أثناء عملية الإقناع بالسلوك الصحيح، لأن قليلا من الآبناء هم من يدركون النتائج السلبية للانفلات والانحراف السلوكي، وعلى الآباء أن يحسنوا المرور بأبنائهم إلى بر الأمان باعتماد أسلوب الحوار المتبادل والإقناع بالتي هي أحسن، ويتأتى ذلك عبر فهم نفسيات الأبناء أثناء كل مرحلة يعيشونها. حجابي عفتي أطلقت حركة التوحيد والإصلاح، جهة الشمال الغربي ما بين نونبر 2008 ويونيو 2009 حملة حجابي عفتي وكانت غايتها إصلاح مظاهر الحجاب الذي ساير الموضة أو الأهواء وحاد عن فلسفته الشرعية، وصرحت مليكة البوعناني المشرفة على الحملة حينها ل التجديد: طلعت علينا في هذه السنوات الأخيرة أنماط وأشكال متعددة من الحجاب غابت فيها المقاصد التربوية والأخلاقية، وتم تفريغه من كل دلالات الستر والحياء، وبهت فيه كونه طاعة ربانية يرمز إلى العفة والطهر، وأصبحنا لا نرى في الأغلب الأعم غير حجاب الموضة والمتعة الذاتية أو العادة الاجتماعية. وبناء على غياب مقاصد الحجاب شكلا ومضمونا، قلبا وقالبا، وقياما بواجبنا في النصح والإصلاح والتوجيه، ننظم هذه الحملة المباركة، إسهاما منا إلى جانب شركائنا من أهل الخير وعشاق الطهر والعفة من أجل تصحيح المفاهيم والتصورات حول مواصفات لباس المرأة المسلمة وإعادة الاعتبار لشروطه الشرعية بما يحقق مقاصده ويرجع الأمور إلى نصابها. دعوة يتأسف محمد بنينير في مقال له عن الحجاب نشرته التجديد سابقا لما وصل إليه الحجاب بسبب الموضة ويقول: لم يبق من تسمية الحجاب لدى هؤلاء المحتجبات الجديدات سوى غطاء الرأس، أما باقي أعضاء الجسد فهي بارزة للعيان من وراء اللباس الضيق الذي صار عبارة عن سروال ومعطف ملتصقين بالجسم وينطقان بكل تفاصيله، والأدهى والأمر في هذا الحجاب الموضوي الإعلامي إن صح التعبير أنه يستر الرأس بينما صدر المرأة وخصرها الذي هو أشد فتنة، والذي هو مركز عورتها بارز بشكل مفضوح، حيث صار الفرق بين المحتجبة وغير المحتجبة يختزل في غطاء الرأس، وكأن السراويل والأقمصة والمعاطف الضيقة هي من ابتكار الشريعة الإسلامية ولا ينقصها سوى غطاء الرأس لتكون وتصير حجابا ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقال بنينير: هنا نهيب بنساء وبنات المسلمين أن يتقين الله في حجابهن، وأن يستجبن لله وللرسول بستر أجسادهن وفق ما أمرت به شريعة الإسلام في غير إفراط ولا تفريط، ولا ينخدعن بسفاسف الإعلام، وصرعات الموضة، وأبواق الإباحية المغرضة، لأنها كلها كاسدة في ميزان الله يوم القيامة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال (2524) وفي السياق ذاته يرى الدكتور أحمد الريسوني أن ترشيد الحجاب هو جزء من ترشيد التدين والوعي الديني بصفة عامة. وحركة التدين الجديدة في هذا العصر بحاجة إلى الترقية والترشيد أكثر من حاجتها إلى التوسيع والتمديد. والطريقة المثلى لذلك كله هي رفع المستوى العلمي والفكري والتربوي لدى المتدينين ولدى الدعاة والمربين.