يرى الدكتور أحمد الريسوني الخبير القماصدي وعضو الاتتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الحجاب قديما كان شيئا وراثيا تقليديا تلقائيا، ليس من الصعب الالتزام به، بل الصعب هو التخلي عنه، فهو عادة من العادات السائدة المسلم بها عند الجميع، لكن الحجاب اليوم أصبح الالتزام به يتم عن وعي وتفقه وإرادة. وأصبح عنوانا للعفة والاستقامة. بل أصبح نوعا من المقاومة لسياسات التغريب والتفسيخ وتذويب الشخصية والذاتية الوطنية. ويعتبر الريسوني في حوار لـ التجديد ترشيد الحجاب جزءا من ترشيد التدين والوعي الديني بصفة عامة، وأن حركة التدين الجديدة في هذا العصر بحاجة إلى الترقية والترشيد أكثر من حاجتها إلى التوسيع والتمديد. والطريقة المثلى لذلك كله هي رفع المستوى العلمي والفكري والتربوي، لدى المتدينين ولدى الدعاة والمربين. وفي ما يلي نص الحوار: كيف ترى انتشار ارتداء الحجاب لدى النساء في المغرب بين الأمس واليوم؟ لا شك أن الحجاب ـ بمعنى اللباس الساتر لجسد المرأة بما فيه شعرها ـ كان منتشرا بالأمس أكثر بكثير مما هوعليه اليوم. ثم مررنا بفترة من الزمن بقي فيها الحجاب محصورا في النساء كبيرات السن، أما الفتيات والطالبات والتلميذات، وبصفة عامة الشابات المتعلمات، فقد اختفى الحجاب بينهن، في المدن على الأقل، وسيطرت عليهن موجة التبرج ونزع الحجاب منذ الستينيات من القرن الميلادي المنصرم. وحين وصلتُ إلى الجامعة في مطلع السبعينيات ، لم تكن هناك ولا متحجبة واحدة. ثم جاءت البداية الجديدة والانطلاقة الجديدة للحجاب، فظهرت متحجبة واحدة، وكانت بكلية الآداب بالرباط، هي الطالبة - آنذاك - فاطمة المرمري. ومن غريب الأقدار أنها كانت طالبة بشعبة الفلسفة، أشدِّ الشُّعَبِ معاداة للدين والتدين آنذاك!! وقد تخرجتْ الأستاذة المرمري من هذه الشعبة بجهد جهيد ومعاناة مريرة. ومن ذلك الوقت بدأت موجة الحجاب الجديدة تشق طريقها في صفوف الشابات والمتعلمات، في ظل ضغوط ومضايقات متعددة. فللأسف ما زالت المتحجبات يلقين من ذلك الشيئ الكثير، في عدد من الإدارات المغربية، ومؤسسات القطاع الخاص، بل حتى في بعض الفصول الدراسية. ومعنى هذا أن الحجاب اليوم لم يعد مجرد تدين وسلوك اجتماعي عادي، كما هو في معظم أنحاء العالم، ولكنه في المغرب، وفي بعض الدول القريبة منه، أصبح نوعا من النضال الحقوقي والثقافي والسياسي. ومن المؤسف أن يكون المغرب داخلا في هذه الدائرة. ومن الفروق الواقعة بين الحجاب بالأمس والحجاب اليوم، أن الحجاب قديما كان شيئا وراثيا تقليديا تلقائيا، ليس من الصعب الالتزام به، بل الصعب هو التخلي عنه، فهو عادة من العادات السائدة المسلم بها عند الجميع. لكن الحجاب اليوم أصبح الالتزام به يتم عن وعي وتفقه وإرادة. وأصبح عنوانا للعفة والاستقامة. بل أصبح نوعا من المقاومة لسياسات التغريب والتفسيخ وتذويب الشخصية والذاتية الوطنية. ما هو تقييمكم لمواصفات الحجاب في الواقع لمعاصر؟ الحجاب مثل كثير من أحكام الشرع، فيه القدر الأساسي المتفق عليه من الأحكام والمواصفات، وفيه ما هو دون ذلك من الأمور التفصيلية، مما يتسع لاختلاف التقديرات واختلاف التطبيقات واختلاف العادات. ويمكن أن نقول أيضا: أحكام الحجاب أو اللباس عموما، منها ما هو من قبيل الفرائض والضروريات، ومنها ما هو من قبيل التكميليات والمستحبات، ومنها ما هو من المحرمات، ومنها ما هو من المكروهات. والالتزام الفعلي بالحجاب اليوم ليس على درجة واحدة، وليس على نمط واحد ومواصفات واحدة. فمنه ما هو قوي ومنه ما هو ضعيف، ويوجد فيه اتزان اعتدال، وهو الأفضل، كما يوجد فيه إفراط واحتياط، أو تفريط وتقصير. ما هي في نظركم التحديات التي تواجه المحجبات؟ لا شك أن أكبر التحديات التي يواجهها الحجاب اليوم هي الاضطهاد الرسمي المسلط على الملتزمات به، وهو الاضطهاد التي يبلغ أقصى درجاته في تونس ثم تركيا ثم فرنسا. ثم نجده بدرجات أخرى مختلفة، في عدد من الدول العربية والأوروبية. فهذا هو التحدي الأساس، أقصد الاضطهاد السياسي والتشريعي، وهو الذي تتفرع عنه وتتبعه تحديات وتضييقات أخرى اجتماعية وإعلامية وإدارية، وحتى عائلية... ما هي قراءتكم لموجة التمييع والمحاصرة التي يتعرض لها الحجاب في الآونة الأخيرة؟ لا شك أن سياسة التمييع والتفسيخ لها ضغطها وأثرها السلبي على الالتزام بالحجاب. وهي بالمناسبة موجهة ضد مجمل مظاهر التدين والالتزام الخلقي. ولكن كما أشرت من قبل، لولا الاضطهاد الرسمي والتضييق الرسمي على المتحجبات وعلى حركة التدين، لما كان لها نفس التأثير ونفس الدرجة من التحدي. ما هي في نظركم الطريقة المثلى لترشيد الحجاب وربطه برسالته؟ ترشيد الحجاب هو جزء من ترشيد التدين والوعي الديني بصفة. وحركة التدين الجديدة في هذا العصر بحاجة إلى الترقية والترشيد أكثر من حاجتها إلى التوسيع والتمديد. والطريقة المثلى لذلك كله هي رفع المستوى العلمي والفكري والتربوي، لدى المتدينين ولدى الدعاة والمربين. كيف ترى الإجراءات الدولية التي تتخذ تجاه الحجاب خصوصا في الدول الأوروبية؟ محاربة الحجاب في كثير من دول العالم هو ردة حقوقية ونكسة حضارية، وهي انحطاط سياسي وقانوني. ما كنت أتصور ـ على سبيل المثال ـ أن دولة كفرنسا، برئيسها وبرلمانها وحكومتها وعدد من محاكمها، تنحط وتنزل إلى درجة التجند والتكتل لمحاربة الحق في الحجاب، أي الحق في ستر شعر الرأس. وقد سمعت من الكاتب المغربي الأستاذ الدكتور بنسالم حميش قبل سنوات، أن الأكاديميين والسياسيين الفرنسيين، كانوا يسألونه كلما لقيهم عن موقفه من قضية الفولار، لأنهم على أساسها يختبرون ويصنفون أصدقاءهم... وما كنت أتصور أن ضباط الجيش التركي وقادته الكبار، والمحكمة الدستورية بقضاتها المبجلين، ستصبح رسالتهم الأولى هي منع الحكومة والبرلمان من السماح بارتداء الحجاب. وما كنت أظن أن بلدا إسلاميا عريقا آخر كتونس، يصبح الحزب الحاكم فيه وأجهزته البوليسية والإعلامية جنودا مجندين لمحاربة الحجاب، الذي يشكل بزعمهم خطرا على نظامهم وأمنهم واستقرارهم... الحقيقة أن هؤلاء وأمثالهم في عدد من الدول، هم الذين أعطوا للحجاب مغزى جديدا وأبعادا جديدة... نريد منكم قراءة لفقه الزي والحجاب. الحجاب واللباس أمره بسيط في الأصل، فهو نداء الفطرة، وهو مقتضى الحياء الطبيعي في الإنسان، وهو مظهر لكرامة الجسد البشري وصونه عن الابتذال وسوء الاستعمال. وهو ثمرة للتمدن البشري. ولذلك فالأديان كلها تحث على اللباس الساتر المتعفف. أما العري فهو خاصية حيوانية، وهو من سمات الحياة البدائية المنحطة. ولذلك فهو مذموم ومستهجن في جميع الأديان والقيم المتحضرة. لكن للأسف بعض السياسيين المهووسين بكراهية التدين، والمهووسين بالإسلاموفوبيا، أبوا إلا أن يجعلوا من الحجاب قضية سياسية وعدوا سياسيا، ولله في خلقه شؤون!!