لم تفلح مساءلة بعض نواب مدينة سلا لوزارة الداخلية، وإنذارها بخطورة الوضع الأمني المنفلت بمدينة سلا، سيما جماعة لعيايدة حيث معقل مروجة المخدرات الشهيرة الجبلية، في حث الوزارة الوصية على التعامل بجدية وحزم مع هذا الملف. فقد توالت الأسئلة الكتابية إليها في آخر سنة ,2002 وأواسط 2003 من عبد القادر اعمارة، وهو نائب عن فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، ويمثل سكان الدائرة التشريعية لسلاالجديدة حيث توجد جماعة لعيايدة. وفي كل رسالة، كان يشير إلى مؤشرات ميدانية مقلقة، كتزايد عدد الجرائم، والترويج العلني والكثيف للمخدرات والخمر في الجماعة، في ظل غياب شبه مطلق للسلطات الأمنية. ولم تكن إجابات وزارة الداخلية المتأخرة جدا في ردها، حسب الوثائق الرسمية، تشفي الغليل بخصوص التدابير المتخذة لإغلاق أوكار ترويج أم الخبائث والمخدرات، خاصة وكر الجبلية في زنقة العطاوية، التي حولت منزلها إلى حانة لبيع الخمور ومعاقرتها، وكذا إلى مرقص تجلب إليه العاهرات، وهو ما نفت وزارة الداخلية وجوده في مراسلة بتاريخ 27 مارس 2003 موجهة إلى النائب عبد القادر اعمارة تقول فيها إن عناصر الدرك الملكي ألقت القبض على صاحب المنزل الكائن بزنقة الكواكب (شارع ابن الهيثم)، وأحيل على المحكمة الابتدائية بتهمة الاتجار بالخمور والمخدرات، في حين نفت وجود محل بزنقة العطاوية فيه نشاط من ذلك القبيل، مع أنه كان يعد مركزا لنشاط المدعوة الجبلية. وقد عرفت جماعة لعيايدة منذ سنوات بكونها بؤرة لظاهرة بيع المخدرات والخمور، وتحولها بفعل انتشارها إلى تجارة رائجة تستقطب العديد من الشباب، فبشارع ابن الهيثم، وبالضبط في منزل يحمل رقم 113 بزنقة الكواكب بالحي المذكور، يوجد دكان لبيع الخمور بكافة أنواعها وأشكالها، وبالرغم من إلقاء القبض على أصحابه في فترات من السنوات الماضية إلا أن نشاطه سرعان ما استئنف على يد أسماء من أبرزها المدعو بوغابة. وفي زنقة العطاوية، هي الأخرى بحي وادي الذهب، حيث تقطن المدعوة فتيحة الجبلية، عرف بيع واستهلاك ترويج المخدرات نشاطا متناميا رهيبا صارت معه المنطقة، والزنقة على وجه الخصوص، إمبراطورية كبيرة ألقت الرعب والخوف في نفوس الأهالي، وراح ضحيتها العشرات من المواطنين، أصبحوا مدمنين على المخدرات، أو تورط بعضهم في شبكة الجبلية. والغريب في الأمر، أن قوات الأمن عوض الانكباب على القضاء على الخطر الحقيقي المحدق بصحة وحياة المواطنين (المخدرات والخمور والجرائم)، انشغلت بشيء آخر، بحيث شهدت لعيايدة في سنتي 2002 و2003 حملات مكثفة لمراقبة ورصد رواد المساجد والجماعات الإسلامية، وأقدمت على إغلاق بعض المساجد. وذكرت مصادر إعلامية، بأن المدعوة فتيحة الجبلية استطاعت خلال السنوات الست المنصرمة أن توسع نشاطها الخبيث بمساعدة أشقائها الأربعة، وشبكة المتعاونين معها، وأنها كانت توزع أزيد من 200 كيلوغرام من مخدر الشيرا أسبوعيا، كما توزع بين 400 و500 كيلوغرام من سنابل القنب الهندي (الكيف) يوميا. وكانت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قد أحالت في نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري المتهمة فتيحة الجبلية (39 سنة) وأحد مساعديها، الذي كان معتقلا في سجن سلا، على النيابة العامة بتهم المتاجرة في المخدرات وترويجها، وأحيل الملف على غرفة التحقيق، ومن المرجح أن يباشر قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالرباط، التحقيق التفصيلي في ملف شبكة الجبلية ومن معها بداية شهر أكتوبر المقبل. ولعل ما وقع، يؤشر على وجود خلل لأنه لا يتم الاتعاظ إلا بعد وقوع المصيبة، بحيث لا تعطى أهمية لشكاوى المواطنين، وما حادثة مجزرة تارودانت عنا ببعيدة، وتبقى سياسة التطمينات والتغطية على الحجم الحقيقي للمشكل، هي الجواب. محمد بنكاسم