مع انطلاق الحملة الانتخابية أخذت تتضاعف المسؤولية الملقاة على الأحزاب والقوى السياسية بالبلاد سواء منها المشاركة وغير المشاركة، وبعد أن توقفنا في افتتاحية سابقة على الامتحان العسير للسلطة في هذه الانتخابات نتوقف الآن على امتحان الهيئات السياسية ومرشحيها في هذه الانتخابات. ما انفكت الأطراف المشاركة تطالب السلطة بتطبيق القانون بصرامة بدون محاباة في وجه كل مرتكبي التجاوزات الانتخابية، وهو مطلب عليه أن يتوجه وبشكل أقوى إلى المؤسسات الحزبية نفسها لتقدم القدوة في مناهضة الاستعمال الحرام للمال، وعدم اللجوء إلى الإشاعة وترويج الاتهامات الباطلة في مواجهة الخصوم، والوقوف بصلابة في وجه أي خرق قانون يقوم به مرشحوها بما قد يؤدي إلى أن تسحب تزكيتها ودعمها لهذا المرشح أو ذاك إذا ما ثبت عليه ارتكاب مخالفات جسيمة تطعن في العمق مصداقية ونزاهة الانتخابات، والمسؤولية هنا ليست فقط مرتبطة بالأجهزة القيادية، بل مرتبطة بكافة المناضلين والمتعاطفين مع الأحزاب، بما يؤسس لتقليد جديد في تقديم الطعون الانتخابية ليس فقط إلى المجلس الدستوري بل حتى إلى الهيئات المسيرة للأحزاب والتي من المفروض أن تقدم القدوة من جهتها في الانضباط للقانون وفي الصرامة والنزاهة في تطبيقه على ذواتها. أما المسؤولية الثانية المطروحة على أحزابنا المغربية فهي إعادة الاعتبار للحملة الانتخابية بما هي حملة توعية وشرح للبرامج وتقديم للتوجهات والاختيارات الحزبية، وحملة تجديد للصلة مع عموم المواطنين وتمتين للعلاقة معهم وتطوير الإدراك لقضاياهم ومشاكلهم وفهم الواقع الحقيقي بتعقيداته وإكراهاته، أي أنها مسؤولية تأطير وتواصل تستعيد معه الحياة السياسية المغربية عافيتها بما قد يؤدي إلى إدماج عموم الفئات فيها. ويمكن القول إن من المؤشرات الإيجابية هو حصول ما يشبه الإجماع في البرامج الانتخابية على إعطاء اعتبار للمرجعية الإسلامية وإعادة الاعتبار لها في الحياة العامة بل والدعوة إلى أن تأخذ موقع التوجيه والريادة في السياسات الوطنية وهو ما نعتبره إذا بقي الوفاء له المكسب الأول ليس فقط للحركة الإسلامية بل للمغرب ككل ليكون المنتصر الأول في هذه الانتخابات ليس هو هذا الحزب أو ذاك بل هوية هذا الوطن وعقيدته وسيادته، وهو ما نعتبره أيضا رسالة للجهات الفرنكو صهيونية التي تخوض معركة شرسة ضد قوى الأصالة ببلادنا من أجل القضاء على الصفة الإسلامية للدولة وانتهاج سياسات علمانية إباحية تغريبية. إن المعركة حاليا ليست معركة ضد هذا الحزب أو ذاك، بل هي معركة ضد الفساد ورموزه يتحمل مسؤوليتها كافة شرفاء هذا الوطن، وليس هناك من عذر لأي أحد أن يترك الميدان خاليا ويستنكف عن مساندة قوى الإصلاح والخير بدعوى بعض الحسابات السياسية الضيقة. والحملة الحالية مناسبة كاشفة لأحوال أحزابنا ولحقائقها، ولشعاراتها ولرموزها ولمرشحيها، فهي إذن فرصة لتشريح المغرب وفحصه فحصا يسيرا. تشريح يظهر العيوب والأمراض العامة والخاصة، كما يظهرالحاجة الماسة إلى حملات طويلة من التخليق والتوجيه والوعظ والإرشاد في صفوف الأحزاب ورجال السلطة والمواطنين، وذلك من صميم العمل السياسي الرسمي والمدني والشعبي. فهل تدرك هيئاتنا السياسية حجم الواجب الملقى على عاتقها لتتحمل مسؤوليتها كاملة؟