شرعت القناة التلفزية الأولى أول أمس الأربعاء في تقديم برامج تحسيسية لفائدة المواطنين والمواطنات، من أجل تبسيط وتيسير فهم مجموع الآليات المرتبطة بعملية التصويت في انتخابات 27 سبتمبر المقبل، وذلك في إطار الحملة الإشهارية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية بشأن نمط الاقتراع الجديد باللائحة مع أكبر بقية. ويتأكد يوما بعد آخر من خلال التصريحات الرسمية، كما تصريحات الأحزاب السياسية التي يتقاطر مسؤولوها على القناتين التلفزيتين للمشاركة في البرامج والحوارات الأسبوعية عن الانتخابات وآفاقها وعن الحصيلة الحكومية وبرامج الأحزاب والتنظيمات السياسية، العزم على الانخراط في فصل جديد من فصول العمل السياسي بالمغرب عبر التأكيد على نزاهة وشفافية العمليات الانتخابية، وطي صفحة التزوير والتلاعب والغش. وقد تأكدت هذه الإرادة الرسمية في دخول تجربة انتخابية مخالفة لسابقاتها في خطب وتصريحات جلالة الملك، كان آخرها خطاب العرش الأخير في شهر يوليوز الماضي عندما طالب جلالته بأن تكون الديمقراطية هي الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات، وأن ترتبط هذه الأخيرة بالمصلحة العليا للبلاد، كما أكد على ضرورة "التعامل النبيل مع الانتخابات ، باعتبارها استثمارا سياسيا". وقد أعلنت وزارة الداخلية، الجهة المشرفة على العمليات الانتخابية، عن لعب دور الوسيط الإيجابي والمحايد من أجل ضمان أن تمر الانتخابات المقبلة في جو من الثقة والشفافية، كما أعلنت عن إعطاء تعليماتها للمصالح الأمنية بالتزام الحياد في عملية الاقتراع. لكن، يبدو أن التزوير والغش والفساد الانتخابي أصبحت اليوم ثقافة سياسية راسخة تسير جنبا إلى جنب مع المعلن عنه من مواقف المسؤولين والأحزاب السياسية، وتتحدى هذه المواقف المعلنة بقوة الواقع والرسوخ الاجتماعي، فطوال الأيام الماضية لم تكف الجرائد الوطنية عن نقل أخبار وتقارير من جل مدن وأقاليم المملكة، تتحدث عن حملات انتخابية سابقة للأوان، كما أعلنت مصادر مسؤولة بوزارة الداخلية عن إلقاء القبض في الأسابيع الأخيرة على بعض الأشخاص الذين تم ضبطهم في حالة تلبس وهم يحاولون استدراج مواطنين للتصويت لصالح بعض الجهات. ويعرف المواطنون جيدا، كل في مدينته أو بلدته أن الحملات الانتخابية السابقة لأوانها انطلقت منذ عدة أسابيع خلف الحيطان وفي البيوت واللقاءات الخصوصية، وتشكل المناسبات العائلية والحفلات مناسبات لمثل هذه التحركات غير السليمة لشراء الأصوات وتوزيع الغنائم والأعطيات، بل إن بعض الدوائر شهدت تكوين لجان الدعم الخلفي لبعض المرشحين منذ الآن، يتحرك أفرادها في الأحياء بين المواطنين لتعبئتهم لصالح هذا المرشح أو ذاك. ولا يخطئ الملاحظون هذه الأيام مشاهد الإصلاحات في بعض الدوائر الانتخابية، حيث تم نفض الغبار عن عشرات المشروعات كإصلاح الطرقات وتدشين بعض المشاريع التنموية، بعد سبات طويل خلال السنوات الماضية كان هؤلاء المرشحون منشغلين خلالها بقضاء مصالحهم الخاصة، قبل أن يفزعهم موعد الانتخابات المقبلة ليتذكروا أن هناك ناخبين. مثل هذه الممارسات التي تعودنا عليها في الماضي لم تندثر، وإنما تغيرت الأساليب التي يتم توظيفها لإفساد الانتخابات، وأصبحت تعتمد السرية والتكتم حتى لا ينفضح أمرها، خصوصا بعد التأكيدات الرسمية على تحريك المساطر القانونية في حق كل من يثبت عليه التزوير أو الغش الانتخابي، فتوزيع المال الحرام ما زال ساريا، كما أصبحت التعليمات واللقاءات تتم على الهواء عبر الهواتف المحمولة. النزاهة الانتخابية ونظافة المرشحين ويقظة المواطن ليست معركة يتم ربحها بين يوم وليلة، لأن الأمر يتعلق بتراكم سياسي يتطلب وقتا كافيا لمحو سلبيات المرحلة السابقة، وانتشار ثقافة سياسية تجعل من العمل السياسي عملا حضاريا ونبيلا ومن الانتخابات عملية لها قدسية وحرمة. لكن الذي يثير حفيظة المواطنين والملاحظين أن ما يجري الآن من حملات انتخابية سابقة لأوانها يقوم بها مرشحون وممثلون ليسوا من خارج الأحزاب السياسية، وقد أجمعت جميع هذه الأحزاب على الإرادة السياسية بممارسات بعض أعضائها، وهو ما يتطلب الارتقاء في الثقافة السياسية ومحاربة المفسدين داخل الأحزاب الوطنية، أم أن كل ذلك يجري تحت سمع وبصر هذه الأحزاب وبمباركتها. إدريس الكنبوري