تبذل السلطات المغربية جهودا كبيرة في مجال مكافحة ظاهرة الهجرة السرية، ويؤشر لذلك بقوة من جهة اعتقال المصالح الجهوية للشرطة القضائية بأكادير خلال عمليتين قامت بهما الجمعة والسبت ما قبل الماضيين بأكادير لتسعة مهاجرين سريين من بينهما امرأتان ينحدرون من دول جنوب الصحراء واعتقال 5 آخرين بنفس المدينة من جنسية تركية أثناء محاولتهم الفرار إلى انجلترا بجوازات مزورة، وقيام فرقة مكافحة الهجرة السرية التابعة للمصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بالعيون بتفكيك شبكة لتنظيم الهجرة السرية إلى الجزر الخالدات تضم 18 عضوا شاركوا في أكثر من 40 عملية للهجرة السرية، ومن جهة أخرى، تراجع أعداد المرشحين للهجرة السرية نحو إسبانيا عن طريق البحر بنسبة 23.66% خلال الربع الأول من السنة الحالية حيث انخفض العدد من 8226 إلى 6356 مهاجرا سريا. لكن كعادتها تجاهلت إسبانيا هذه الجهود المبذولة من طرف المغرب لمحاصرة ظاهرة تهريب البشر عبر قوارب الموت، مؤكدة أن تقلص عدد ضحايا الهجرة السرية يعود إلى اليقظة الفائقة للحرس الإسباني والمجهودات التي ينفقها في هذا الميدان. وفي هذا الصدد استغلت إسبانيا حادث مدينة طريفة الأخير والذي ذهب ضحيته 31 مهاجرا سريا ذكرت العلم في عددها ليوم الأربعاء 7 غشت «لتلقي بتبعاته على المغرب، حيث طالب النائب الأول لرئيس الحكومة الإسبانية المغرب بتحمل مسؤوليته إزاء هذه الحادثة المفجعة» منبها خلال اجتماع لمجلس الوزراء الإسباني نهاية الأسبوع ما قبل الماضي إلى «أنه أمام أحداث من شاكلة حادثة طريفة التي تقع بانتظام بين الحين والآخر يتعين على جميع الأطراف تحمل المسؤوليات أمام الرأي العام.. ومكافحة مافيا تهريب البشر التي تتاجر بالإنسانية». ويشكل ملف الهجرة السرية أحد الملفات الشائكة في العلاقة بين الرباط ومدريد بالنظر إلى التوجه الذي تعتمده إسبانيا في مقاربتها لهذا الملف حيث تعمد إلى استغلاله من جهة كورقة للضغط على المغرب من أجل تقديم تنازلات بشأن ملف الصيد البحري، ومن جهته ثانية «لضمان دعم إضافي من صناديق الاتحاد الأوروبي» بدعوى أنها تشكل جذارا أمنيا ضد المهاجرين المتسربين إلى عمق الديار الأوروبية. ولاقناع الاتحاد الأوروبي بضرورة الرفع من الدعم المالي لمعالجة ظاهرة الهجرة السرية تعمد إسبانيا كعادتها إلى أسلوب تضخيم الأرقام والتهويل منها، إذ توهمه بأن عدد المغاربة المقيمين بإسبانية من دون صفة قانونية يتجاوز ربع مليون مهاجر بيد أن الحقائق تؤكد أن عدد المهاجرين المغاربة من هذا الصنف لا يتجاوز 06 ألف في الوقت الذي يقارب فيه عدد أفراد الجالية المغربية الذي يتمتعون بصفة قانونية هناك 001 ألف مهاجر. ويدعو المغرب في كل مرة إسبانيا ومعها الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد منظور تنموي لمعالجة ملف الهجرة السرية ذي مقاربة اقتصادية واجتماعية في إطار نوع من الشراكة والتعاون. وتجاوز بالتالي المقاربة الأمنية الاختزالية التي لا تزيد الظاهرة إلا استفحالا. ويحذر المغرب إسبانيا في العديد من المناسبات من تبعات هذه المقاربة الأمنية داعيا إياها إلى الالتزام ببرامج التنمية التي كان قد وعد بها الاتحاد الأوروبي المغرب في إطار برنامج المساعدات «ميدا 1» و»ميدا 2»، خاصة وأن برنامج «ميدا 1» الذي تم الاتفاق عليه خلال سنة 1996 بغلاف مالي قدره ب620 مليون أورو لم ينفذ منه سوى 20%. وفي هذا الإطار سبق لرئيس الحكومة الإسبانية الأسبق فيلبي غونثالت أن أكد أن "سياسة الاتحاد الأوروبي الأوروبي في مجال الهجرة خاطئة لأنها تريد تحويل هذه القارة إلى قلعة، الأمر الذي يتنافى مع القيم الإنسانية. ولا تكتفي إسبانيا بإثارة ملف الهجرة السرية وضحايا قوارب الموت للإساءة للمغرب بل تتعداه إلى استغلال قضية المغاربة القاصرين القابعين في مراكز اجتماعية بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين مستعملة في ذلك العديد من وسائل الإعلام المحلية لإظهار صورة الأطفال وهم يعيشون حياة متردية بين المزبلات والشوارع، كمحاولة من جانبها «لاستقطاب عطف الاتحاد الأوروبي لرفع الاعتمادات المخصصة للجانب الاجتماعي». ونشير في هذا الصدد إلى أن هؤلاء الأطفال والشباب والذين يبلغ عددهم 4000 طفل حسب ما أكدته التقارير الأخيرة لمؤسسة محامي الشعب الإسباني لازالوا يتعرضون لاعتداءات جنسية متكررة بهاتين المدينتين المحتلتين. وبحسب جمعية أصدقاء وعائلات ضحايا الهجرة السرية فقد تم العثور على 3286 جثة عند شواطئ المضيق ما بين 1997 ونونبر من عام 2001. وهو الرقم الذي أصبح يغري الشركات الإسبانية المتخصصة في نقل الأموت، حيث وجدوا فيه فرصة سانحة لتحقيق أرباح مهمة. وإلى ذلك أشار أحد عمال شركة "سيفوبا" ببلدة "لوس باريوس" في تصريح لجريدة البايس قائلا «بدأنا الاهتمام بالمهاجرين لأننا رأينا في ذلك تجارة مربحة». وجدير بالذكر أن جمعية أصدقاء وعائلات ضحايا الهجرة السرية" بمدينة خريبكة تحاول جاهدة «إقناع المرشحين للهجرة السرية باستثمار الأموال المفترض تسليمها إلى المهجرين في مشاريع محلية، بالإضافة إلى سعيها إدماج هؤلاء عبر خلق أوراش العمل. وضبطت السلطات الإسبانية بتعاون مع السلطات المغربية حوالي 44841 مهاجرا سريا في وضع غير قانوني خلال سنة 2001 ينتمون إلى جنسيات مختلفة على رأسها الأكواتور وكولومبيا ثم المغرب، بالإضافة إلى مرشحين ينحدرون من دول إفريقية تسللوا عبر الأراضي الجزائرية. ومع دخول قانون الهجرة حيز التطبيق في 23 يناير 2000 استقبلت الإدارة الإسبانية حسب المجلس الأوروبي حوالي 246000 طلب لتسوية أوضاع المهاجرين ما بين مارس ويوليوز من سنة 2000، ورفضت 90% منها. ونشير إلى أن هذا القانون لقي معارضة شديدة من طرف فرنسا والسويد بينما كان رد فعل المغرب الدعوة إلى تشكيل لجنة مشتركة لدراسة الموضوع عقب زيارة قام بها وزير الداخلية الإسباني أوريخا إلى المغرب في نفس الفترة قيل إنها جاءت بهدف الضغط على المغرب لتقديم تنازلات بشأن ملف الصيد البحري. ويبقى السبيل الأوحد إلى معالجة آفة الهجرة السرية هو السعي نحو خلق مشاريع اقتصادية وبخاصة في المناطق الشمالية، ولن يتأتى هذا إلا من خلال وفاء الاتحاد الأوروبي بالتزاماته اتجاه المغرب في إطار برنامج الميدا 1 الذي لم يتحقق منه إلا القليل وكذا تجاوز المقاربة الأمنية والاتجاه نحو اعتماد مقاربة الاتحادية كما صرح بذلك وزير الخارجية المغربي. محمد أفزاز