بنعلي.. الوزارة ستواصل خلال سنة 2025 العمل على تسريع وتطوير مشاريع الطاقات المتجددة        الأمريكيون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس ال47    إسرائيل تعين يوسي بن دافيد رئيساً جديداً لمكتبها في الرباط    الاحتقان يخيم من جديد على قطاع الصحة.. وأطباء القطاع العام يلتحقون بالإضراب الوطني    "البيجيدي": دعم استيراد الأبقار والأغنام كلف الميزانية العامة 13 مليار درهم دون أي أثر يذكر    مستشارو فيدرالية اليسار بالرباط ينبهون إلى التدبير الكارثي للنفايات الخضراء و الهامدة بالمدينة    "متفجرات مموهة" تثير استنفارًا أمنيا في بولندا    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    الأرصاد الجوية تتوقع ارتفاع الحرارة خلال الأيام القادمة في المغرب    غير بعيد على الناظور.. حادث سير مروع يخلف عشرة جرحى    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة        القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    مندوبية التخطيط : ارتفاع معدل البطالة في المغرب    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    لهذه الأسباب.. الوداد يتقدم بطلب رسمي لتغيير موعد مباراته ضد اتحاد طنجة        آس الإسبانية تثني على أداء الدولي المغربي آدم أزنو مع بايرن ميوني    إلياس بنصغير: قرار لعبي مع المغرب أثار الكثير من النقاش لكنني لست نادما عليه على الإطلاق    أداء إيجابي يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    الانتخابات الأمريكية.. نحو 83 مليون شخص أدلوا بأصواتهم مبكرا    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    القضاء يرفض تعليق "اليانصيب الانتخابي" لإيلون ماسك    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    حملة لتحرير الملك العام من الاستغلال غير المرخص في أكادير    كيوسك الثلاثاء | المغرب يواصل صدارته لدول شمال إفريقيا في حقوق الملكية    هلال: تقييم دور الأمم المتحدة في الصحراء المغربية اختصاص حصري للأمين العام ولمجلس الأمن    المغرب ‬يحقق ‬فائض ‬المكتسبات ‬بالديناميةالإيجابية ‬للدبلوماسية    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا    استنفار أمني واسع بعد العثور على 38 قذيفة في ورش بناء    ترامب يعد الأمريكيين ب"قمم جديدة"    هاريس تستهدف "الناخبين اللاتينيين"    استقرار أسعار النفط وسط غموض حول الانتخابات الأميركية    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    الهجوم على الملك والملكة ورئيس الحكومة: اليمين المتطرف يهدد الديمقراطية الإسبانية في منطقة الإعصار    على بعد ثلاثة أيام من المسيرة الخضراء ‮ .. ‬عندما أعلن بوعبيد ‬استعداد ‬الاتحاد ‬لإنشاء ‬جيش ‬التحرير ‬من ‬جديد‮!‬    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    نجم الكرة التشيلية فيدال متهم بالاعتداء الجنسي    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    نوح خليفة يرصد في مؤلف جديد عراقة العلاقات بين المغرب والبحرين    التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي جيد    دراسة: المغرب قد يجني 10 ملايير دولار من تنظيم "مونديال 2030"    دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



افتراءات أحداثية في قضية اختطاف الصحافيين الفرنسيين
نشر في التجديد يوم 06 - 09 - 2004

طلع علينا كاتب الأحداث المغربية بمقال تحت عنوان الإسلاميون يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، وقال كذبا وبهتانا إن الإسلاميين - بهذا التعميم - حرضوا ضد فرنسا عقب قرارها بحظر كافة الرموز الدينية في المدارس الحكومية الفرنسية، وإن التيارالإسلامي اعتبر القرار الفرنسي مؤامرة ضد المسلمين واعتداء على الإسلام، ومن ثمة صار في حكم الواجب شرعا على كل مسلم أن ينتصر للإسلام ويهب ل الجهاد ضد أعداء الله حيثما وجدوا.
وفي السياق نفسه زعم أن الفعلة الشنيعة التي أقدم عليها ما يسمى ب الجيش الإسلامي في العراق باختطاف الصحفيين الفرنسيين والتهديد بقتلهما في حال عدم تراجع الحكومة الفرنسية عن قرارها بمنع الحجاب، يدخل ضمن ما سماه بالانتصار للإسلام، معتبرا أن كل مواقف الجماعات الإسلامية والاحتجاجات والمظاهرات التي سعت إلى حمل فرنسا على العدول عن قرارها المذكور كانت بمثابة تهييئ لارتكاب حماقات تكون وبالا على المسلمين قبل غيرهم .
وربط كاتب الجريدة المذكورة بين منفذي جريمة الاختطاف، وبين الجماعات الإسلامية بتعميم مغرض، ورماهم جميعا في سلة التطرف. وقال إن جريمة الاختطاف كشفت عن أمرين أساسيين:
الأول: المفارقة الخطيرة التي طبعت مواقف التيار الإسلامي من مسألة الحجاب، قبل حادث الاختطاف وبعده. فقبل وقوع هذه الجريمة النكراء، كان أقطاب هذا التيار ومؤدلجوه لا يرون في الحكومة الفرنسية إلا عدوة للدين ومحاربة له... لكن بعد الحرج الذي وجدوا أنفسهم فيه إثر جريمة الاختطاف التي عمت إدانتها كل الأمم، صاحوا في الخاطفين ألا خلط بين القضايا الداخلية للمجتمع الفرنسي وبين الوضع في العراق.
الثاني: أن عددا من رموز التيار الإسلامي أظهروا معارضتهم لاختطاف الفرنسيين، ليس لكون الاختطاف والقتل محرما شرعا ضد المدنيين أيا كانت ديانتهم، بل فقط لكون الدولة الفرنسية ظلت منحازة للقضايا العربية ومناصرة لها. إنهم بهذا الموقف يجعلون من هذه الأعمال الهمجية أساليب مشروعة.
وبعدما اتهم كاتب الأحداث المغربية الإسلاميين بتعميم مغرض ومقصود بكونهم أشاعوا عن فرنسا عداءها للإسلام وتآمرها على المسلمين، قال إنهم سيقولون إن عملية الاختطاف وراءها أياد صهيونية، خاصة إذا طال السيف رقاب المختطَفين، ليخلص إلى إصدار حكم الإدانة في حق من سماهم بأمراء التيار الإسلامي وإنهم من كان وراء الجريمة وحرض عليها فيما نفذها الأتباع جريا وراء أسطوانة المسؤولية المعنوية. معتبرا الجميع شركاء في الجريمة، وأن ما سماه بتباكي الإسلاميين اليوم ف ليس سوى مداراة عن تهور ارتكبوه.
تهافت وتفاهة
ولبيان تهافت المقال المذكور وتفاهة المنطق الذي بني عليه نسجل الملاحظات التالية:
1 أن كاتب لأحداث المغربية اختار التعميم وتوزيع الأحكام على الحركة الإسلامية أو الجماعات الإسلامية في كتابته انطلاقا من خلفيته الماركسية واليسارية ورؤيتها لموضوع الدين ككل، واعتبر أن موقف التيار الإسلامي من مسألة القرار الفرنسي المتعلق بالحجاب كافيا وبمنطق معوق ليكون حجة لربط جريمة اختطاف الصحفيين الفرنسيين وتهديدهما بالقتل بالجماعات الإسلامية بشكل عام، وذلك رغبة منه في إلجام الناس عن إبداء آرائهم في قضايا مهمة تتعلق بهويتهم ودينهم وبمبادئهم، بدعوى أن ذلك سيكون بمثابة الأساس الذي ينطلق منه هذا التصرف أو ذاك الفعل. ولعل كاتب الأحداث المغربية يقتدي في ما ذهب إليه بالمنطق الأمريكي الذي يقول على سبيل المثال:
-من ليس معي فهو ضدي.
-المدارس الدينية في العالم الإسلامي تدرس الدين، وما تسميه بالإرهاب يتم باسم الدين، إذا فمحاربة الإرهاب تنطلق من محاربة المدارس الدينية وتغيير المناهج التعليمية في البلدان العربية والإسلامية.
وهو منطق معوق كما سلف يراد من ورائه إسكات صوت كل مخالف في الرأي مهما كانت أساليبه حضارية ومناهجه وسبله سلمية ومعتدلة، لأنه يشكل خطرا استراتيجيا عليه ولا يتوافق ومطامح القطب الواحد. وللأسف تبنى بعض المحسوبين على اليسارهذا المنطق، وهم الذين كانوا في فترة من الزمان يقولون بأنهم كانوا ضد الإمبريالية والكمبرادورية، فإذا بهم يتحولون إلى أبواق لها تحت مسميات وشعارات رنانة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
2 أن الجماعات الإسلامية المعتدلة التي احتجت على القرار الفرنسي بشأن الحجاب واستنكرته وخرج بعضها في تظاهرات، قامت بذلك وفقا للقوانين وبشكل حضاري، ودعت مسلمي فرنسا إلى مواجهة القرار بالحوار، والبعد عن العنف والأساليب المتشددة والمتطرفة، وقد ظهر ذلك جليا في مواقف زعماء وشيوخ معروفين باعتدالهم في الحركة الإسلامية شيعة كانوا أم سنة من قبيل الشيخ حسن فضل الله الذي دعا مسلمي فرنس اإلى تأكيد مواقفهم بأنهم جزء من دولة فرنسا ومن حقهم الاعتراض على أي قانون ينتقص من مواطنتهم بالتزام الحوار والإقناع، وقال سنبقى في حوار مع فرنسا ومع الغرب حول القضايا الإسلامية لأن المسلمين أصبحوا مواطنين في أكثر دول الغرب وعليها احترام مواطنتهم. وكذلك الأمر بالنسبة للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي باعتباره رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، حيث أكد على أن الإسلام لا يجبر أحدًا على مخالفة مبادئ دينه أو عقيدته، كما أنه في الوقت نفسه لا يمنعه من ممارسة تلك الشعائر. ووصف حظر الحجاب بفرنسا بأنه انتكاسة لمبادئ الثورة الفرنسية الثلاثة: الحرية، والمساواة، والأخوة، مشيرا إلى أن العلمانية الغربية ظلت طوال عمرها محايدة فيما
يتعلق بالأمور الدينية، على العكس من العلمانية بالشرق التي كانت تعادي المتدينين.
وعلى عكس ما ادعاه كاتب الأحداث المغربية لم تصدر أي حركة أو شخصية إسلامية وعلمية معتدلة ومعتد بها في العالم العربي والإ سلامي أبدا أي فتوى في حق فرنسا بأنها عدوة الإسلام أو ما إلى ذلك من الافتراءات. من جهة أخرى أبانت الجالية المسلمة ومنظماتها بفرنسا وغيرها والتي شارك ممثلوها في نقاشات وندوات احتضنت بعضها وسائل الإعلام الفرنسي بكل موضوعية، وعرضت كل وجهات النظر، وسلكت الجالية الأساليب الإسلامية الحضارية للدفاع عن مبادئها بعيدا عن أي خلفية ابتزازية سلبية، وهي تعلم أن التظاهر والاحتجاج لن يغير القرار، ولكنها أرادت أن تضع القرار موضع السؤال من جديد، وإيصال رسالتهم إلى ممثلي الشعب الفرنسي الذي احتضن المسلمين وتعايش معهم بشكل محترم، بكونهم يتصرفون كمواطنين فرنسيين تهمهم مصلحة فرنسا وليسوا كوافدين.
أهؤلاء أيضا مسؤولون؟
3 أن القرار الفرنسي القاضي بمنع الرموز الدينية في المدارس لم يعارضه المسلمون بفرنسا والحركات والمنظمات الإسلامية بأوروبا وبالعالم العربي والإسلامي وحدهم بل عارضه غيرهم كثير ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:
أ- فرنسيون أنفسهم من خلال جمعيات وشخصيات علمانية وحقوقية من قبيل رابطة حقوق الإنسان الفرنسية والحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب، والعديد من الجمعيات النسائية العلمانية الفرنسية التي نظمت تجمعًا احتجاجيًّا يوم 4 فبراير الماضي، مؤكدة على أن القانون يخالف مبادئ الحرية التي تعلي من شأنها مبادئ الثورة الفرنسية. بالإضافة إلى موقف رئيس المحكمة الخاصة بالأطفال في ضاحية بوبيني الباريسية جان بيار روزنفيغ الذي اعتبر القانون مخالفا للمعاهدة الدولية لحقوق الأطفال. وطرح الموضوع أمام لجنة حقوق الأطفال التابعة للأمم المتحدة، موضحا أن المعاهدة الدولية تعترف بحرية التعبير عن القناعات الدينية وتنص على أنه لا يمكن المساس بها لاعتبارات تتعلق بالنظام العام. مشيرا في الوقت نفسه إلى أن مبررات القانون المذكور سيئة وأنه ينطوي على رهان سياسي حقيقي.
ب- البابا يوحنا بولس الثاني الذي أعلن أن محو الرموز التي تدل على العقائد الدينية للأشخاص سيكون مخالفا لحرية تكون في محلها، مؤكدا أن العلمانية عاجزة عن محو عقيدة الأفراد والطوائف، وقال: لا يمكن حد الدين بالحياة الخاصة فقط لأننا قد ننكر عنه كل ما فيه من معنى جماعي في الأعمال الاجتماعية والخيرية التي تنفذ في المجتمع لصالح جميع الأفراد دون تمييز عقائدي أو فلسفي أو ديني. مشددا على أن حرية العقيدة لا يمكن أن تفهم في غياب حرية الممارسة فرديا وجماعيا والاعتراف بالآخر واحترام عقائده ونهج الحوار الإيجابي والبناء لخلق تعايش اجتماعي أفضل وتجاوز الطائفية.
ج- منظمات حقوقية وعلى رأسها منظمة هيومن رايتس ووتش للدفاع عن حقوق الإنسان التي اعتبرت يومها مشروع القانون الفرنسي الذي يحظر الرموز الظاهرة في المدارس وخصوصا الحجاب، ينتهك الحرية الدينية وحرية التعبير. وأصدرت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، بيانا يصف القرار بالتمييزي لأنه يطال ويضر الشابات المسلمات بشكل خاص، وسيرغم عمليا بعض العائلات المسلمة على سحب بناتها من النظام المدرسي الحكومي و وبالتالي انتهاك حق تكافؤ الفرص في التعليم، وقالت بأن الحجاب والعمامة التي يرتديها السيخ والقلنسوة اليهودية والصلبان المسيحية لا تشكل تهديدا للأمن العام ولا تؤثر على حريات الطلاب الآخرين ولا تعوق الدور التربوي للمدرسة.
د- الولايات المتحدة الأمريكية لدرجة أن النائب الديمقراطي بلجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب الأمريكي بيراد شيرمان كان يعتزم في أواخر فبراير الماضي تقديم مشروع قرار إلى الكونجرس الأمريكي يطالب فيه يومها بإدانة مشروع القانون الفرنسي حول حظر الرموز الدينية -ومنها الحجاب- في المدارس والمصالح العامة، وذلك في خضم انتقادات كثيرة وجهها أعضاء اللجنة المذكورة للمشروع الفرنسي بعد جلسة استماع حول تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لأوضاع الحريات الدينية في العالم لعام 2003 وهو التقرير الذي لا يسلم من الانتقائية والخلفيات السياسية-كما أن النائب المذكور حث سفير الولايات المتحدة لما يسمى بالحريات الدينية في العالم جون هانفورد للضغط على وزارة الخارجية الأمريكية وإدارة الرئيس جورج بوش لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه مشروع القانون الفرنسي .
ه - عمدة لندن السيد ليفينغستون الذي قال: إذا سمحنا بالهجوم على الإسلام فمن يدري من سيكون الضحية القادمة المستهدفة، و ليست هذه المرة الأولى التي يشارك فيها في الدفاع عن الحجاب الذي أصبح مؤخرًا قضية محورية على الساحة الأوروبية، فقد سبق له وأن أرسل يوم 2004-2-4 رسالة إلى رئيس الوزراء الفرنسي جان بيير رافاران يحثه فيها على إعادة النظر في التضييق على الحريات الدينية الأساسية في فرنسا.
ولنا أن نتساءل بعد ذكر بعض المواقف المعارضة للقرار الفرنسي في موضوع منع الحجاب من خارج دائرة الإسلاميين، وسيرا على منطق صاحبنا هل شارك كل هؤلاء من الغرب والشرق في التهييئ لجريمة الاختطاف، أم كشفوا حقيقة أولائك التجار والسماسرة الذين يستثمرون ركوب المآسي والمتاجرة بها في العديد من البلدان بدعوى الخوف على العلمانية والحرية والديمقراطية والحداثة وما إلى ذلك من الأسطوانة المشروخة.
4 قال كاتب الأحداث المغربية إن جريمة اختطاف الصحفيين الفرنسيين كشفت له عن مفارقة في مواقف التيار الإسلامي من مسالة الحجاب بين مرحلة ما قبل الاختطاف وما بعدها، فمن قبل كان من يسميهم بأقطاب التيار ومؤدلجيه يعتبرون الحكومة الفرنسية عدوة للدين ومحاربة له، لكنهم بعد الإدانة، تراجعوا ودعوا على عدم الخلط، وضاق عقل صاحبنا على أن يفهم ذلك على حربائية وازدواجية في المواقف. والحاصل أن الفتوى التي زعمها هي من محض خياله وخيال بعض المتطرفين الذين ضعف صوتهم إن لم نقل خرص أمام علو صوت الحكمة والتعقل والحوار وروح المواطنة. أما تلميح كاتب الأحداث المغربية شانه في ذلك شأن السيد محمد بن عبد القادر في مقال له بجريدة الاتحاد الاشتراكي إلى حركة التوحيد والإصلاح عندما قال فماذا سينفع بعضهم أن يسارعوا اليوم إلى إصدار بيانات محتشمة لاستنكار عملية الخطف وقد تعمدوا بالأمس تشويه الحقائق واختزال القانون المعلوم في معصية منع الحجاب وأضاف فإن رجاحة العقل وسلامة المسلك تلزم المرء بأن يحترم قوانين المجتمع الذي يريد أن يعيش فيه وإلا فليرحل عنهم، ولا ننسى في هذا المضمار أن الأوروبيين حاربوا أصوليا اتهم المسيحية لمدة
ثلاثمائة سنة ولاداعي لمضيعة الوقت والتوهم أنهم سيقبلون اليوم الخضوع لأصولية دين آخر غير دينهم. فيكفي ما سبق من مواقف معارضة للقرار من خارج دائرة المسلمين ومن سماهم بالأصوليين ردا على كلامهم العام المهزوز الذي يدل على عدم متابعة الموضوع وتداعياته في العالم، والرغبة فقط في تمرير مواقف وتصفية حسابات ضيقة ومتجاوزة، خاصة وأن المرجعية والموقف والفكر الذي ينطلق منه كل من كاتب الأحداث المغربية والسيد محمد بنعبد القادر وإن اختلف بعض الشيء فإنه يعتبر قضية الحجاب مجرد عرف وتقليد ولا علاقة له بالدين وأن الإسلاميين فقط من يريدون أن يجعلوا منه فريضة سادسة، والدليل على ذلك ما تصدره الجريدتان التي نشر كل منهما رأيه ومقاله على صفحاتها.
من جهة أخرى، لم يثبت أي منهما أن حركة التوحيد والإصلاح التي كانت أول من أدان جريمة الاختطاف، أو قالت في الدولة والشعب الفرنسيين ما يسيء إليهما ويعتبرهما أعداء للإسلام والدين، أو شوهت الحقائق، اللهم إذا كان الخلاف في الرأي والدفاع عن القناعات الدينية في مسألة معينة بشكل حضاري تشويه للحقائق وإساءة للآخر في عرف الرجلين معا، مع العلم أن الحركة في موضوع الحجاب نهجت الأسلوب الدبلوماسي عبر مراسلة المسؤولين الفرنسيين في الموضوع، دون أن تضخم ذلك إعلاميا.
تعميم وتغليط
5 تحدث كاتب الأحداث المغربية عن الجماعات الإسلامية بتعميم دون أن يحددها ولا خطها الفكري مختارا الطريق السهل المجاني، والحاصل أن التيار الإسلامي المعتدل بكل تشكيلاته بما فيها حركة التوحيد والإصلاح تطرقت لموضوع الحجاب ومنع الرموز الدينية في فرنسا من باب ما تسمح به التقاليد الفرنسية الراسخة في الحرية والتعايش، وهي تعي جيدا بأن المنع المذكور يطال جميع الرموز الدينية وفي المدارس الحكومية فقط، وليس في المجتمع والفضاءات العامة، منبهة هي وغيرها من المنظمات الحقوقية والمدنية غير المسلمة الحكومة الفرنسية إلى أن الخطأ يكمن في اعتبار الحجاب رمزا دينيا، والحاصل أنه أمر ديني باسطة الحجج التي تسمح للراغبات في الحجاب من المسلمات الفرنسيات من داخل القوانين والأعراف الفرنسية، دون أن تكفر أي أحد أو تتهم الدولة الفرنسية أنها عدوة للإسلام لأنهم يعلمون المواقف الفرنسية النبيلة والمبدئية من كثير من قضايا العرب والمسلمين.
6 كاتب الأحداث المغربية اعتبر أن التيار الإسلامي أدان الاختطاف فقط لكون الدولة الفرنسية ظلت منحازة للقضايا العربية ومناصرة لها وليس لكون الاختطاف والقتل المحرمين شرعا ضد المدنيين أيا كانت ديانتهم، وهذا الكلام محض هرطقة وفذلكة لأن موقف الإسلام في الموضوع واضح من جهة ومن جهة أخرى لان الحركة الإسلامية الراشدة تنبذ العنف مطلقا في منهجها وتصوراتها، أم أن الوضع في العراق المحتل في غاية الالتباس الفوضى بحيث هناك عصابات وجماعات ترتكب ما ترتكب باسم الإسلام في حق المدنيين من قتل وسرق ونهب لخلط الأوراق وتشويه المقاومة، وقد ذهبت تحليلات وبشكل مباشر على القنوات الفضائية إلى اتهام المخابرات الأمريكية ولوبيات عراقية مناصرة لاتجاهات داخل الحكومة العراقية المؤقتة، ومنهم من ورط ما بقي من مخابرات العهد الصدامي في كل ذلك، وما اختطاف الصحفيين الفرنسيين إلا انتقام من فرنسا ومحاسبة لها على مواقفها من الحرب على العراق مغلف في ثوب الحجاب، وهذا ما يعيه جيدا الشعب الفرنسي والدولة الفرنسية، ولكن بعض المحسوبين على اليسار والحداثة يأبون إلا أن يشوهوا الحقائق ويغطونها بإلصاق كل التهم لطرف واحد هو التيار الإسلامي
بتعميم أعمى ومغرض، وبعقلية ستالينية قاتلة رغبة في التخلص من المخالف في الرأي والمنافس السياسي تحت عنوان حماية الحداثة والخوف على الديمقراطية.
7 أن الحركة الإسلامية الراشدة بموقفها المستنكر والمدين لجريمة اختطاف الصحفيين الفرنسيين (كريستيان وجورج ) اللذين كانا في العراق يمارسان مهنتهما ليوضحا للعالم ويشهدانه على حقيقة الوضع هناك وظروف الحياة الصعبة التي يواجهها الشعب العراقي، رفضت المتاجرة والمساومة بقضية سلك فيها مسلمو فرنسا سبلا حضارية لمناقشتها وتدبيرها كمواطنين فرنسيين، وعرفت منذ الوهلة الأولى أن لديها نية لتصفية الحسابات مع دولة تزعمت معارضة حرب الولايات المتحدة الأمريكية على العراق ولكنها تصفية باسم وشعار إسلامي، وقالوا لا تلوثوا الحجاب بالدم، وقالت مسلمات فرنسيات لا تجعلونا نحس بأن الحجاب ثقيل علينا، وهو ما نوه به المسؤولون الفرنسيون من مستويات متعددة، وعليه فإن اتهام كاتب الأحداث المغربية الجماعات الإسلامية بأنها من حرضت على تنفيذ الاختطاف اتهام مجاني يستدعي الشفقة على صاحبه وعلى الجريدة التي تنشر له وهي التي تعتبر في مقالات ومواد صحفية ضخمة أن الحجاب الذي أراد الخاطفون تلويثه بالدم والمتاجرة السياسية به مجرد عادة لاعلاقة لها بالإسلام وما إلى ذلك من النعوت والتفسيرات السلبية والقدحية لمبررات ارتدائه، بحيث يصدق
عليهم المثل الشعبي المغربي أهل الميت صبروا والعزايا كفروا.
محمد المساري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.