تختلف آراء الموظفين وتتباين بخصوص اللجوء إلى القروض الاستهلاكية، فمنهم من يعتبرها ضرورة قصوى ولا يمكن للإنسان الاستغناء عنها في ظل الوضعية التي يعرفها دخل المواطن المغربي، وبعضهم يرى أن اللجوء للاقتراض لا ينبغي أن يكون إلا عند الضرورة، غير أن آخرين يرون أنه ينبغي أن يعيش الإنسان وفق قدرته الشرائية، خاصة أن المقبلين على القروض الاستهلاكية غالبا ما يكون لهم دخل لا بأس به. تقول بشرى (موظفة): >أصبحت الحياة اليوم شبه مستحيلة دون اقتراض، فإذا انتظر الإنسان راتبه الشهري ليشتري ما يلزمه لتجهيز منزله فإنه لن يفعل شيئا، خاصة في مدينة كبرى كالرباط، ولا أتصور أنه توجد أسر ذات دخل متوسط تعيش دون ديون<، عبد الحميد يشاطر بشرى الرأي ، فيقول بنبرة حادة: >إذا قمنا بعملية إحصائية في صفوف الموظفين نجد أكثر من 80 بالمائة، إن لم أقل أكثر، يلجأون للقروض الاستهلاكية، وإذا انتظرنا الراتب الشهري فلن نتزوج ولن نجهز البيت ولن نفعل أي شيء<، ثم يضيف عبد الحميد مستدركا: >غير أنه نستغرب لبلد مسلم توجد به مؤسسات ربوية تجعل المواطن يعيش في براثن الديون الربوية، وكم من مواطن انتحر لأنه عجز عن تسديد ديون ثقيلة، والآن بدأت السلفات الصغرى تصل للمواطن البسيط وتركز على النساء بالدرجة الأولى، فينبغي على الغيورين على البلد أن يجدوا حلا لهذه الأزمات<. بعض المواطنين الذين استجوبناهم يرون أنه كلما استطاع المرء أن يتجنب اللجوء للقروض الاستهلاكية كلما كان أفضل، غير أنه إذا دعت الضرورة لذلك فلا بأس، يقول أحمد: >لا أرى مانعا في أن يلجأ الموظف للاقتراض من المؤسسات الربوية لأنه أحيانا الضرورة تستدعي ذلك، خاصة اقتناء الضروريات من قبيل الثلاجة والتلفاز وشراء الأضحية والأدوات المدرسية للأبناء وغيرها<، ويضيف أحمد قائلا: >إننا نعيش في زمن تراجعت قيم التكافل الاجتماعي وغياب روح التضامن، فلو لجأ الأغنياء من المغرب إلى إنشاء بنوك غير ربوية تقوم بالدور الذي تقوم به مؤسسات القروض الاستهلاكية الحالية، لكفوا المواطنين شر الربا ومآسيه<. ويقول محمد (تاجر) من جانبه: >أرى أن الضرورة هي التي تدفع المواطن للجوء إلى القروض الاستهلاكية، فلو وجد من يقرضه لاستغنى عنها<، ويتابع بالقول: >لكن عدم التزام بعض الناس بإرجاع الدين لصاحبه يجعل كل فرد يرفض أن يقدم دينا لشخص آخر، لأن المغاربة عموما الأفضل لهم الاقتطاع من رواتبهم كوسيلة لإرجاع الدين<. لجأ للاستدانة من زملائه ليتخلص من شبح مؤسسات الاقتراض يعتبر عمر (موظف) أن اللجوء للاقتراض من المؤسسات التي تتعامل بالربا ينزع البركة من الأموال، معللا ذلك بتجربته قائلا: >لما التجأت للاقتراض من مؤسسة ربوية عند ضرورة قصوى، تصورت بداية أن الأمر بسيط، غير أنني بدأت أشعر بمشاكلي المادية تتفاقم وأدركت حينها قوله تعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات)، فقررت بعدها أن أتجاوز المشكلة بأي طريقة كانت، فلجأت للاقتراض من الأصدقاء والأقارب وسددت للمؤسسة التي اقترضت منها المبلغ الذي بقي بذمتي، وبعدها شرعت في رد الدين للمدينين عبر مراحل، وشعرت حينها براحة نفسية، وقررت بعدها أن لا أقترض من أي مؤسسة ربوية مهما كانت الضرورة لذلك<. أن أبيت بلا عشاء أفضل لي من اللجوء للاقتراض... وكلما ابتعدنا عن الاقتراض بالربا عشنا مرتاحي البال >أن أبيت بلا عشاء أفضل لي من اللجوء للاقتراض< بهذه الكلمات استهل سعيد (موظف) حديثه إلينا، وعن أسباب هذا الموقف يقول سعيد: >لدي شقيق أكبر مني، ومنذ ما يزيد عن خمسة عشر سنة وهو يعيش في دوامة الديون بسبب القروض الاستهلاكية، أما أنا فعندما عزمت على الزواج اتفقت حينها مع زوجتي على أن لا نلجأ للاقتراض بالمرة من المؤسسات الربوية، مهما كان الأمر، وعند حدوث أي ضائقة مادية نلجأ للاقتراض من عند الأصدقاء والأهل ونحاول أن ندخر شيئا من المال لتفادي أخذ الدين بالمرة، وذلك حدث فعلا، والحمد لله فأنا أعيش سعيدا وبدون ديون بينما أخي لم يستطع التحرر من الديون رغم أن راتبه يفوق راتبي<. وتشدد خديجة، (موظفة) بدورها على أنه كلما ابتعد المواطن عن الاقتراض من المؤسسات الربوية فإنه سيعيش مرتاح البال ويشعر بالسعادة، ودليلها في ذلك، تجربة زوج أختها سالف الذكر قائلة: >زوج أختي رفع شعار لا للديون مهما حدث، ولو اقتضى الأمر أن يتسول، لأن لديه أصدقاء يعيشون أوضاعا مادية خانقة بفعل لجوئهم للاقتراض من المؤسسات البنكية، ولذلك عزم على أن يدبر مصاريف حياته حسب راتبه والحمد لله فهو الآن يعيش حياة هنيئة لا تكدر صفوها الديون<. الأستاذ محمد بلماحي، رئيس العصبة المغربية لحماية المستهلك لالتجديد":قروض الاستهلاك ساهمت في تأزيم الوضع الاجتماعي للأسر المغربية يؤكد الأستاذ محمد بلماحي، رئيس العصبة المغربية لحماية المستهلك أن قضايا القروض الاستهلاكية أوما يسمى بقروض التجهيزات المنزلية اتخذت في السنوات الأخيرة منعطفا خطيرا أصبح على إثره الوضع الاجتماعي قابلا للانفجار في أي وقت، ومن ثم فهو قد يؤدي إلى استفحال الأزمة بنصيب أكبر، ويقول بلماحي: >إن مسألة هذه القروض في المغرب ساهمت بشكل وافر في تأزيم الوضع الاجتماعي للأسر المغربية، وذلك إما عن طريق الطلاق أو تشرد الأطفال أو الدفع بالفتيات إلى الفساد أو بالفتيان إلى الإقبال على المخدرات... أو انقطاع الآباء عن العمل بفعل المعوقات والمشاكل، فضلا عن المردودية المتوخاة في أداء المهام<. ويشير بلماحي إلى أن العقد الأخير تميز بتفريخ العديد من شركات قروض الاستهلاك فاقت الثلاثين، التي راكمت أرباحا خيالية في ظرف زمني قياسي على حساب المستهلك، عاملا كان أو موظفا، وذلك بتوريطه تارة عن طريق الإغراء والاحتيال، وتارة أخرى عن طيب خاطره بدافع الحاجة<، ويضيف أنه >مهما كانت طريقة اغتناء هذه الشركات، سواء القانونية منها، طبقا لدوريات بنك المغرب، حسب سقف الأرباح، أو غير القانونية من خلال لجوء بعضها إلى النصب والاحتيال، فإن العصبة الوطنية لحماية المستهلك تطالب السلطات الحكومية بأن تتحمل مسؤولياتها كاملة بإيقاف هذا الأخطبوط الذي أصبح ينخر عباد الله ويشل الاقتصاد المغربي لصالح ثراء هذه الشركات<. وينبه بلماحي باسم جمعيته المسؤولين والرأي العام الوطني إلى أن مشكلة قروض الاستهلاك وتبعاتها الاجتماعية أصبحت لها انعكاسات سلبية جدا على صورة المغرب عربيا ودوليا، وما يستتبع ذلك من أثر سلبي على الاستقطاب المنشود للرأسمال الأجنبي من أجل الاستثمار، سيما وأن الكل مقبل على عولمة الاقتصاد، ويطالب بلماحي في ختام تصريحه السلطات الحكومية بفتح تحقيق في الموضوع والضرب على أيدي النصابين والمحتالين، مع تقنين هذه القروض حماية لسمعة المغرب والقدرة الشرائية للمستهلك. هناك المئات من ملفات قروض الاستهلاك عرضت على المحكمة التجارية بالرباط منذ نشأتها، بعضها قد صدرت بشأنها أحكام بالأداء، والبعض الآخر لم يحن بعد موعد النطق بحكمها. وتتلخص معظم المشاكل التي تبسطها هذه الملفات في عجز المدين عن أداء أقساط الدين لفائدة مؤسسة الاقتراض، سواء أكان هذا العجز كليا أو جزئيا. هذا المدين يجد نفسه في أغلب الأحيان مرغما طبقا للقانون على أداء أصل الدين والفوائد البنكية والقانونية المترتبة عن التأخر في الأداء، علاوة على الضريبة على القيمة المضافة، والصائر. عبد الكريم ومصطفى ومحمد وعبد الحفيظ نماذج لمواطنين اقترضوا مبالغ تراوحت ما بين 20 ألفا و80 ألف درهم للفرد الواحد من مؤسسات قروض الاستهلاك. عبد الكريم تؤكد وقائع الحكم الصادر في حقه أنه مدين لشركة لقروض الاستهلاك ب 48 استحقاقا شهريا ذا قيمة مالية تبلغ 941 درهما منذ نهاية سنة ,2000 أي بما مجموعه 45 ألفا و 168 درهما بمثابة أصل الدين غير مؤدى، رغم الإنذار الموجه له بالبريد المضمون، ناهيك عن 2032 درهما كغرامة التأخير المنصوص عليها في عقد القرض بنسبة 2 بالمائة عن كل سنة والفوائد القانونية، مع تحميله الصائر (مصاريف المحامي ومصاريف أخرى)، غير أن حكم المحكمة الصادر في الربع الثاني من السنة الحالية أعفى عبد الكريم من فوائد التأخير وأبقى على أصل الدين والصائر. مصطفى من جانبه، يشير المقال الذي تقدمت به الشركة المدعية إلى أن هذه الأخيرة >منحته قرضا بقيمة 30 ألف درهم، يرتفع بعد إضافة الفوائد والتوابع التي يتحملها القرض إلى 36 ألف و660 درهما، والتزم وفق عقد القرض بتسديده في شكل استحقاقات شهرية عددها 30 بقيمة 1222 درهما للواحدة ما بين 1999 و,2002 إلا أن مصطفى، حسب المقال ذاته، أخل بالتزاماته بعد مرور شهر واحد فقط على سريان العقد. وقد ألزم الحكم الصادر عن هيئة المحكمة في مارس 2004 مصطفى بأداء مبلغ 20 ألفا و740 درهما كقيمة الاستحقاق ونسبة 10 بالمائة من أصل الدين كغرامة، وفوائد بنسبة 2 بالمائة في الشهر عن كل استحقاق من تاريخ حلوله إلى يوم الأداء، فضلا عن الضريبة المضافة بنسبة 7 بالمائة عن المدة نفسها وتحمله الصائر. أما محمد، الذي اقترض مبلغ 80 ألف درهم من شركة لقروض الاستهلاك، ولم يسدد منه سوى مبلغا يوازي 33 ألفا، فقد أرغمته المحكمة وفق وقائع الحكم الصادر في أبريل من السنة الحالية على دفع 48 ألفا و349 درهم المحدد لفائدة الشركة مع سريان الفوائد القانونية (2 بالمائة من أصل الدين) من تاريخ الطلب إلى يوم الأداء مع تحميله الصائر. عبد الحفيظ هو الآخر أصدرت المحكمة التجارية في حقه حكما يقضي بسداده لمبلغ 25 ألفا و910 لفائدة شركة للتمويل الجديد بالقرض التي كانت قد أقرضته 20 ألف درهم فقط في شهر يوليوز من سنة 2000 مقابل التزامه بدفع أقساط شهرية عددها 48 إلى غاية شهر يونيو من السنة الحالية، غير أن وقائع المحاكمة تثبت أنه لم يؤد للشركة أيا من الاستحقاقات التي هي في ذمته.ويؤكد أحد العارفين بالموضوع أن هؤلاء المدينين لا يستطيعون في أغلب الأحيان أداء المبالغ التي نطقت بها المحكمة لفائدة شركات القروض، مما يعرضهم إلى حالة السجن أو مصادرة أملاك. التقيد بمبادئ الإسلام في الاستهلاك كفيل بتحقيق الوقاية من الأزمات لا يمانع الإسلام في أن يتمتع المرء بزينة الحياة الدنيا وأن ينفق من المال الذي وهبه الله، فهو ينظر إلى الاستهلاك على أنه أمر فطري في الإنسان، ومن ثم فهو ضروري لاستخلافه في الأرض، لذلك تجده يحث عليه ويرغب فيه، غير أنه يشرط التقيد بالعديد من الضوابط الشرعية التي رسمها في مجال الاستهلاك دون إفراط أو تفريط. ويذكر الدكتور علاء الدين زعتري، أستاذ الفقه الإسلامي المقارن والمتخصص في الاقتصاد الإسلامي من بين هذه الضوابط: 1 نعم الله تعالى التي أنعمها على البشر لا تخص طائفة دون أخرى، وحتى لو وجدت بيد فئة معينة، فإن للآخرين حق فيها، فالمال مال الله، والإنسان مستخلف فيه، ومن هنا فإنه ليس للمسلم أن يفرط أو يسرف ويبذر في استهلاكه، 2 الاستهلاك عبادة وطاعة من الطاعات، فكما هي العبادات والمعاملات أوامر فكذلك أمر الاستهلاك والإنفاقات، فينبغي التقيد فيها بحدود ما أمر الله دون إسراف في الحلال، ودون تبذير في الحرام. 3 الاستهلاك أمر طيب ومندوب إليه مادام في حدود الشرع، لا يؤدي إلى ضرر بالنفس أو بالغير. 4 الإسلام يحث على الاعتدال والتوسط في الإنفاق والاستهلاك، وينهى عن الإسراف. 5 للاستهلاك في الإسلام أولويات لا بد من مراعاتها، بحيث يبدأ المسلم بسد حاجات نفسه أولا، ثم أهله ثم أقربائه ثم المحتاجين. 6 ينبغي للمستهلك المسلم أن يقوم بتلبية ضروراته أولا، ثم حاجياته، ثم تحسينياته، فالضروري: ما تتوقف عليه حياة الناس كالطعام والشراب، والحاجي: ما يرفع الحرج ويدفع المشقة عن الناس، والتحسيني: ما يؤدي إلى رغد العيش ومتعة الحياة دون إسراف أو ترف أو معصية. 7 يتحدد مستوى الاستهلاك والإنفاق على النفس والعيال والمحتاجين بالقدرة المالية للشخص فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. 8 لا يجوز أن يشتمل الاستهلاك على محرم، سواء كان ضرورياً أو حاجياً أو تحسينياً. ويؤكد الدكتور أن التقيد بهذه المبادئ كفيل بأن يحقق الوقاية والمناعة من كثير من الأزمات والمجاعات التي تتعرض لها كثير من المجتمعات الإسلامية.