يفسر الخبير الإعلامي المغربي الدكتور يحيى اليحياوي ما سماها بظاهرة اللوحات الإشهارية من خلال عدة عوامل، فيقول في هذا المضمار: «لو أردنا وضعها في سياقها العام لقلنا إنها جاءت (ضمن ظواهر أخرى) في سياق احتضار الطبقة الوسطى بالمغرب التي تلت برامج التقويم الهيكلي منذ ثمانينات القرن الماضي، والتي تم بمقتضاها (لاعتبارات سياسية تحديدا) الإطباق على هذه الطبقة، بالتالي فهذه اللوحات هي تعبير عن واقع أزمة هذه الطبقة وليست تحفيزا للاستهلاك الذي غالبا ما نلاحظه بالدول الرأسمالية، والذي يدخل في إطار الدورة الاقتصادية العادية»، ويتابع يحياوي بالقول إن «الظاهرة تدخل أيضا في سياق ما يمكن تسميته بإيديولوجيا الاستهلاك التي تنتهجها بعض المؤسسات، والتي تتوخى الدفع بنعرة الاستهلاك إلى حدودها القصوى، أي إلى درجة قد يغدو الاقتراض هدفا في حد ذاته أو وسيلة لتسديد اقتراضات بلغ أجل تسديدها، والخطير في هذه الإيديولوجيا يزيد يحياوي بالحديث هي أنها تتعامل مع الآني والحاضر فيغدوان استصدارا للمستقبل في إطار سلسلة من الاقتراض والتسديد لا يتراءى من أفق لها، والاعتقاد الرائج بخصوص هذه النقطة هو القول: أريد أن أعيش اليوم، ربي يتدبر ما سيأتي من أيام، وهذا أمر غير سليم إطلاقا لكونه غير عقلاني ولا يقيم اعتبارا لمسألة التدبير والتخطيط». ويضيف يحياوي في الاتجاه نفسه أن «هذه اللوحات لا تخلق الحاجة في حقيقة الأمر، بل تدعو لها بالإغراء البريء ظاهريا، لكنه موصل حتما إلى مستنقع غير مضمون العواقب، ومعنى هذا أن اللجوء للاقتراض على خلفية ما تبشر به هذه اللوحات ليس اختيارا طوعيا، بل هو إكراه قائم ناتج عن سياسات في توزيع مداخيل طبقية، غير عادلة وغير منصفة». ورغم أن الخبير الإعلامي يحياوي أعرب عن أنه ليس ضد اللوحات الإشهارية ولا ضد الخطاب التحفيزي الذي تقدمه بعض المؤسسات بغرض دفع الأفراد والجماعات إلى الاقتراض، إلا أنه صرح بأنه ضد «السلوك الابتزازي الذي يحكم خلفيتها، والذي يدفع الناس قسرا في بعض الأحيان لرهن مستقبلهم لسنين طويلة، ناهيك عن الارتهان الذي تمثله قروض السكن، والتي أضحت تلتهم خبز وحليب عائلات بأكملها». ويوضح يحيى اليحياوي أن مجال اللوحات الإشهارية الخارجية يظل غير محكوم بنص تشريعي أو منظم بقانون، وقال في هذا الإطار «لا أدري حقيقة من يحدد مواقع هذه اللوحات ولا مستوى الأسعار المطبق عليها، فهذا مجال بكر، يكتنفه الغموض ولا سبيل لضبطه إلا بنص واضح وصريح». وتساءل الخبير الإعلامي عن «معنى تحفيز موظفين مثلا (وهم الشريحة المقصودة عموما) على ارتهان ما تسنى لهم توفيره بعد تسديد مبلغ الكراء أو حصة قرض السكن؟، وأن تعيش في ظل أربعة قروض أو خمسة؟ وأن تلجأ للاقتراض بغرض التسديد؟ وأن يعيش المرء لمجرد الاستهلاك؟»، وقال في سياق ذلك: «هذه أسئلة لربما تدخل في باب آخر المفكر فيه من لدن القائمين على هذه اللوحات إشهارا وملكية»، ملفتا الانتباه إلى أن «ملاكي هذه المنابر هم لوبيات من مختلف الأطياف». ويرى اليحياوي أن المطلوب في هذا المنحى هو «ضرورة إعادة توزيع المداخيل ومصادر الثروة توزيعا عادلا، لذلك لن يكون الاقتراض سبيلا قسريا بل أداة من الأدوات الاقتصادية لتسريع وتيرة الرواج والإنتاج والاستهلاك»، وقال إنه «في غياب هذا وذاك ستبقى هذه اللوحات أدوات ابتزاز واستفزاز، وفخا منصوبا يجر المواطنين البسطاء إلى ارتهان حاضرهم على حساب المستقبل