مرت أكثر من سنة ونصف على صدور قانون تحرير المشهد السمعي البصري بالمغرب وإعطاء التراخيص للجيل الأول من الإذاعات والقنوات التلفزيونية الخاصة، وهو ما استحق عليه المغرب حينها تقدما بعشرين نقطة في تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود لسنة .2006 وخلال مدة اشتغال الإذاعات والقنوات الجديدة قيل الكثير عن سياقها وتجربتها، وطرحت عدة أسئلة تقف عند أهمية الكم والكيف، ومن يقدم على الآخر في التجربة الفتية لتحرير المشهد السمعي البصري بالمغرب. وسنحاول من خلال بعض المعطيات وشهادات مشاهدين ومستمعين ومتعهدين وخبراء في هذا المجال الوقوف عند تجربة الإذاعات والتلفازات الجديدة. المتلقي أولا يمثل المتلقي أهم حلقة في المشهد السمعي البصري، على اعتبار أن البرامج، بغض النظر عن كل خلفياتها، فإنها تستهدف الجمهور المكون من المتلقين، أي المشاهدين والمستمعين، وبهذا الصدد تقول نعيمة إد أحماد وهي مشاهدة لقناة ميدي سات: عندما بدأت هذه القناة توقعت بأن تكون الحدث في المشهد الإعلامي المغربي، لكنني عندما تابعت برامجها وجدت أنها ـ وباستثناء النشرة العربية ـ فإنها لا تختلف عن قنوات فرنسا، إذ لا وجود للثقافة المغربية ضمن برامجها. وتضيف بأن النشرات العربية التي تقدمها مثل هذه القنوات دون المستوى شكلا ومضمونا، وهذا ما اعتبرته نعيمة استهتارا باللغة العربية وبالمغاربة، لكن نعيمة نفسها تحصي حسنات تلك القناة، وتجملها في كون برامجها خصوصا الوثائقية منها تتميز عما تقدمه القناة الأولى المغربية. وإذا كان طغيان اللغة الفرنسية في قناة ميدي سات قد يبرره سياق إنشائها بالمغرب، والذي جاء في إطار السيطرة على مراكز نفوذ إعلامية بالمنطقة والعلاقات الخاصة بين فرنسا والمغرب، فكيف هو الحال بالنسبة للإذاعات الجديدة المحلية؟تقول زهرة الزين، وهي ربة بيت: الإذاعات الجديدة التي أستمع إليها على مستوى الرباط والدار البيضاء جاءت بأشياء جديدة لم نكن نجدها بالإذاعة المغربية الرسمية لكنها تعتمد في كثير من الأحيان على اللغة الفرنسية التي لا يفهمها المغاربة البسطاء وتفتقر لبرامج يحتاجها المغاربة في حياتهم اليومية تتعلق بالجانب الاجتماعي والحقوقي والديني لأن الجانب الترفيهي تقول زهرة نجده في القنوات الأجنبية لكن الجانب الذي يتعلق بخصوصيتنا المغربية يجب أن تقدمه لنا إذاعاتنا خصوصا المحلية منها. ويقترب رأي الإذاعي الحسين بنحليمة كمستمع من ملاحظات زهرة ونعيمة، إذ يقول عندما أنصت إلى الإذاعات الجديدة أجد أن المادة متخمة بما هو غربي، وكأني أنصت إلى إذاعة أجنبية. تحرير أم هيمنة وظيفة القانون تنظيم وضبط مجال معين من المجالات، والقانون المنظم للإعلام السمعي البصري اختلفت الآراء حوله، فإذا كان محمد العلالي أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط يرى بأن هناك تحولات جرت على مستوى الترسانة القانونية في المجال السمعي البصري وهي إيجابية جدا، فإن يحيى اليحياوي يعتبر بأن النصوص القانونية المنظمة للقطاع لها خلفية أمنية للتحكم في القطاع، بالنص وليس بالممارسة مضيفا بأنه من اعتقد أن الدولة ستفرط في هذا القطاع هو واهم. وعن دور القانون، يقول اليحياوي إن الواجب ألا يكون ضاغطا قسريا، ولكن نص له طابع توجيهي. وفي نفس الاتجاه يقول الناشط الحقوقي عبد الحق عندليب بأن تجربة الإذاعات والقنوات الخاصة يجب أن تكون محكومة بأخلاقية المهنة، لا بقوانين زجرية صارمة تعرقل النمو الطبيعي لهذا القطاع . وأبرز عندليب بأن النجاح ممكن إذا أولي الاهتمام للتكوين الأخلاقي والحقوقي للممارسين في هذا القطاع ، موضحا بأن الإذاعات الخاصة ستصبح رافد من روافد الحريات العامة وثقافة حقوق الإنسان. إشهار أكثر ما يثير المشاهد والمستمع على حد سواء وهو منهمك في متابعة برنامج من البرامج الوصلات الاشهارية التي تقطع حبل تتبعه، ويشكل مضمون وشكل الإشهار مادة دسمة للصحف المغربية على اختلاف مشاربها. وفي هذا السياق أبرزت حادة كشون عن مركز التوثيق والنشر بالهاكا بأن الصحافة الوطنية اعتبرت لغة الإشهار ضعيفة ورديئة بالإضافة لوجود ميل جارف إلى استعمال اللغة الفرنسية مما يثير الاستغراب ويعتبر ظاهرة مميزة في صناعة الإشهار بالمغرب. الصحافة المغربية سجلت أيضا، حسب كشون تباينا بين المنتجات التي تعالج باللغة الفرنسية وتلك التي يتم تداولها باللغة العربية، حيث تحظى النسخة الفرنسية بإشهار المواد الفاخرة والتكنولوجيا العليا بينما النسخة العربية تخصص فقط للسلف السريع والصباغة ومدارس التكوين ومناسك الحج. واعتبرت كشون في تدخلها بالملتقى الوطني الأول للإعلام والاتصال بمراكش، والذي نظمه نادي الصحافة والاتصال بمراكش، بتنسيق مع الجمعية المغربية للصحافة حول موضوع تحرير القطاع السمعي البصري بالمغرب، الواقع والآفاق ما بين 17 و20 يناير الماضي بأن رقم معاملة الإشهار لا ترقى إلى مستوى تطلعات هذا المجال بالمغرب، مما يدل أن هناك عوائق تحول دون تطور صناعة الإشهار بالمغرب. تجربة متواضعة عملية تحرير المشهد السمعي البصري وحصيلتها الحالية قسمت الآراء بخصوصها إلى ثلاثة أقسام. وهذا ما كشف عنه أشغال الملتقى الوطني الأول للإعلام والاتصال السلف الذكر. وبهذا الخصوص يرى بعض المتخصصين بأن التجربة متواضعة جدا وأنها لا تشكل قيمة حقيقة في المشهد السمعي البصري وأن قرار التحرير كان من أجل التحرير فقط. وفي نفس السياق قال يحيى اليحياوي المتخصص في مجال الإعلام في تصريح للتجديد بأن رهان المسئولين منذ البداية كان هو الرهان على التعددية الإعلامية ، لأنه لا يعقل بأن المغرب راهن على التعددية السياسية وسيترك المشهد السمعي البصري في ظل خطاب إعلامي أحادي، ولكن هذه التعددية يضيف اليحياوي لم يتعامل معها على أساس أنها يجب أن تحيل على طفرة ، بقدر ما قيست بالعدد. في حين أن التعددية التي نفهمها يبرز اليحياوي هي تعددية الخطاب وحرية التعبير والتفكير ومواكبة الحركية على المستوى النفسي والاجتماعي. والغريب أيضا أن هذه التعددية يؤكد اليحياوي لم يراهن بها على المضامين والمحتويات ،في حين أن تقنين المضامين من أساسيات التحرير. بينما يرى آخرون بأن التجربة شكلت رافعة من روافع التعدد في المشهد السمعي البصري، وأن قرار التحرير في حد ذاته يعد مكسبا مهما للمشتغلين في القطاع، وأنه جاء في سياق التطورات الإيجابية التي يعرفها المغرب في المشهد السياسي عموما، وفي مجال حقوق الإنسان خاصة وضمنه الحق في التعبير والإعلام. لكن بين الفريق الأول والثاني دعا البعض إلى عدم التسرع واللجوء إلى الأحكام المسبقة، نظرا إلى أن التجربة لم يمر عليها سوى سنة ونصف السنة. دور الهاكا يتفق الفاعلين والمتخصصين في الميدان حول أهمية عمل الهاكا في تقويم وتعديل ما تقدمه الإذاعات والتلفزات بل إن البعض طالب بإعادة النظر في القانون المنشئ لها بشكل يجعل من تقنين المضامين جزء رئيسيا من وظائفها. على الهاكا أن يكون لها رقابة على المضامين، يقول يحيى اليحياوي من خلال فرضها في دفتر التحملات بأن يلتزم المتعهد باحترام وجود مثلا سلسلة للأطفال والمسلسلات التاريخية والدينية، ويوجه له إنذار أو تنبيه إذا خلت هذه الأمور من برامجه، مركزا على ضرورة مراعاة المضامين لثلاثة أشياء رئيسية هي التثقيف والإخبار والترفيه. يؤكد عبد الرحمن العدوى صاحب إذاعة بأن الهاكا لن تعيق عمل الإذاعات الجهوية على اعتبار أنها حكم وليس طرف في المنافسة مضيفا بأنه لم يسبق له أن تلقى تنبيها منها خلال مدة عمله أو تدخلت في خطه التحريري. ولا يختلف رأى ميلود بلقاضي متعهد هو الآخر عن سابقيه بقوله بأن عهد الأوامر بالهاتف ولى إلى غير رجعة ، وأن المسؤولين عن الإذاعات الخاصة يعملون ضمن دفتر التحملات وضمن خطط موضوعة مضيفا بأن عمل الهاكا ضروري. وأبرز بلقاضي بأنه تلقى في إذاعته من الهاكا سبع إنذارات أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة، وعمل على تصحيح الوضع باستدعاء المعنيين بالأمر.مضيفا أن أحد الوزراء جاء متأخرا عن برنامج في إذاعته فلم يقبل. وهذا يدخل في رأيه في إطار ترسخ ثقافة المسؤولية وثقافة الواجبات والحقوق . غير أن الإذاعية فاطمة يهدي تخشى كما حدث في السابق بأن يواجه العاملون بورقة كناش التحملات من أجل عدم إعطائهم الفرصة لتقديم برامج متميزة. أهمية التكوين يطبع بداية أي عمل كان أخطاء ونقائص لها أسبابها بطبيعة الحال. وقد سجل المشاركون في أشغال الملتقى الوطني الأول للإعلام والاتصال النقص في التكوين لدى العاملين بالإيداعات الجديدة. وبهذا الخصوص يؤكد عبد الرحمن العدوي بأن الإذاعات الجديدة تعترضها فعلا مشاكل في توفير العنصر البشري المكون مهنيا وتنشيطيا في الآن ذاته. وطالب العدوي معاهد الصحافة أن تولي الاهتمام أكثر للتكوين في مجال التنشيط الإذاعي لتلبي حاجة السوق لهم.وفي نفس السياق أكد ميلود بالقاضي على المراهنة على العنصر البشري في نجاح التجربة كما وقع في بلدان أخرى معتبرا بأن الطلبة هم القاعدة الأساسية للنجاح في هذا القطاع، وبأن الممارسة هي التي تظهر الثغرات وليس هناك أي قطاع ليس فيه ثغرات أولا يقبل التعديل.أما حادة كشون عن مركز توثيق بـ الهاكا فتأسفت لكون أن الإعلاميين المغاربة لا ينقلون تجاربهم الناجحة إلى الجيل الجديد، عبر البحث والدراسة كما يفعل في دول أخرى، على اعتبار أن نقل التجربة الميدانية للطلبة ضروري للتطوير. المشكل يكمن أيضا داخل المنابر الإعلامية، إذ لا توجد خطة للعمل بها، تقول كشون، وقد يبقى المتدرب أو الصحفي العامل الجديد تائهاً في تلك المؤسسة دون أن يستفيد من خبرة العاملين بها، ولا يعرف ما هي الأهداف التي تريد أن تحققها المؤسسة الإعلامية. ترفيه ما يؤاخذ على الإذاعات الجديدة أيضا تغليب البرامج الترفيهية على حساب الثقافية، وبتسريب الابتذال إلى مجال التنشيط الإذاعي واستعمال لغة هجينة للتواصل مع المتلقي مما جعل البعض يصفها بالضعف الإعلامي. وإذا كان ميلود بلقاضي المشتغل في إذاعة خاصة قد اعتبرا بأن من يحكم على الإذاعات الجديدة بالضعف أكثرهم لا يستمعون إليها، وبأن هذه الإذاعات ـ يضيف المتحدث نفسه ـ استقطبت ووفرت مناصب شغل جديدة، وتتنوع برامجها بين التثقيف والترفيه والإخبار. في حين عزا عبد الرحمن العدوي هيمنة الترفيه على حساب الإخبار والتثقيف في برامج الإذاعات الجديدة إلى ملء الفراغ الذي تركه القطب العمومي، والذي كان تطبعه الجدية بشكل مبالغ فيه في طرح المواضيع المجتمعية. أما مصطفى السباعي مسؤول البرامج بـ كاب راديو فيقول إن تغليب البرامج الترفيهية أملتها طبيعة هذه الإذاعات الخاصة، لأنها تحاول أن تكون أكثر قربا من المستمع الشعبي. لكن السباعي يطالب بإعادة النظر في هذا الجانب عن طريق رد الاعتبار للبرامج الثقافية داخل هذه الإذاعات. وعن استعمال اللغة الهجينة من لدن المحطات الإذاعية الجديدة، كأن يخلطوا العربية بالدارجة بالفرنسية وبألفاظ غريبة، يقول مصطفى السباعي بأن الآراء تختلف بهذا الخصوص، مضيفا بأنه ربما من يستعملون ذلك يعتقدون بأنهم بهذه الطريقة سيوصلون خطابهم للطبقات الشعبية. إلا أن العدوي استهجن ميول البعض إلى استعمال لغة هجينة لا تحترم دوق المستمعين، فيما رأى الإذاعي الحسين بنحليمة بأن استعمال خليط اللهجات واللغات يقلق راحة المستمعين.