(5) تهدف هذه المقالات إلى صناعة ذوق يليق بالمسلم، يحرك فيه كل القوى الكامنة الصانعة للجمال الحقيقي، مصداقا لقول الرسول عليه السلام: >إن الله جميل يحب الجمال<، وتهدف إلى خلخلة مفاهيم خاطئة حول الجمال وفلسفته، داخل المجتمع المسلم عموما، والبيت المسلم خاصة. فإلى كل مريد يبغي صناعة الجمال وأثره الروحي على القلبين، كطريق للعبادة أهدي هذه الشذرات. إليكَ الاستماع لعل الأذن من أغرب الحواس التي تنقل جملة من المعلومات الحية إلى الدماغ، وبموجب ذلك تتحرك نفس الإنسان وتصدر الأوامر وتتلقاها في جو من التناغم الخلقي الذي يبصم شخصية الإنسان الذي يدرك نعم الله وتمييز الرب له عن باقي المخلوقات. هذه الأذن داخل البيت، وبالضبط داخل الأسرة قد تصير نعمة بانية مؤسسة لخُلق يساعد الإنسان على البناء، وعلى التشييد، وعلى قبول الآخر، إنها الممارسة الهادئة لإثبات الذات والتفاعل مع الآخر، مصداقا للحديث الشريف >ابتسامتك في وجه أخيك صدقة<، وهكذا كانت الابتسامة باب الأذن الحقيقية، إذ بها يتم التلاقح والتناغم، وذاك السبيل أيضا إلى ممارسة حسن الإصغاء. وأنت تنظر إلى زوجتك، وأنت مقبل عليها بكليتك، بروحك، بعينك المتأملة، تعلم أن تحسن الاستماع، والسماع، والإصغاء، مبديا أن كل الحواس هي في خدمة الأذن النافذة إلى جوهر القول الذي يصدر عن زوجتك، في بثها، في شكواها، في جدها، في هزلها، في غضبها، في مناجاتها لربها، في التناغي الذي تصنعها كلمات الحب لك... فجميل أن ترى فيك هذه الزوجة بؤرة الاستماع الباني والهادئ، الذي يتلقى الرسائل متقطعة فيلملم تقاسيمها، ويتلقى البث الخجول فيخرجه إلى قاعدة التعبير، ويتلقى الأصوات في أناتها فيركب مدلولاتها ليتحول بعد الاستماع والسماع و الإصغاء إلى مواس ومؤنس ومحرك للمشاعر من سلبيتها إلى إيجابيتها. إنها المهمة الصعبة التي تضطلع بها أيها الرجل، أيها الراعي للحمى، أيها الحضن المتعب الذي لا يتعب، فمتى كان البث كن لها مصغيا، ومتى كان البوح كن له متلقيا، أحسن التأويل، وأمعن الإنصات للأخرى لتبدو لك الردود تترى، تتنزل بردا وسلاما على قلب التي تشكو إليك هرج الأولاد، ضجيجهم، عنتهم، تمردهم، مرضهم، وكل الذي تراه أنت وقد لا تراه. إياك أن تتظاهر بالاستماع أو السماع، لأن الزوجة تشتم كل الحركات وكل المواقف، والإعراض عن الاستماع هو السقطة بعينها التي تعفيك من المسؤولية، ومن القوامة التي تراك فيها الزوجة. ما أجمل أن تنصت لزوجتك وأن تحكي لها الحديث النبوي الشريف الذي روى فيه الرسول لعائشة خبر النسوة يمدحن أزواجهن ويذممن أزواجهن ليقول لها: >كنت لكِ كأبي زرع لأم زرعما أروع البث في أجمل لحظاته بدون دخيل أو تشويش، وما أعظم أن تكون أنت الوعاء المتلقف بأمانة لكل الآهات والمناجاة، وما أعظم أن يكون رجيع الصدى حنانك، وحدبك، وتفاؤلك، ودفعك بزوجتك نحو شاطئ الإيجابية التي لا تكل من استثمار مشاريع الجنة (الأبناء) الذين تسعى أنت وهي للتعلق بهم ومن خلالهم بأبواب الجنة بإذن الله، فلا تكن من الذين لا ينصتون، أو من الذين لا يحسنون الإنصات! وإلى لقاء إليكِ سأحدثك عن شر الفعال أختي، وقد تعتقدين أن الشر باد ظاهر، لكنه أحيانا خفي كما الشرك في دبيب النمل، ولعل الزوج وهو مقبل على البيت، يعود بحمولة لا تتصورينها، ولا تدركين معانيها! إنه اللقاء الساخن مع المجتمع، بكل تلاوينه، إنه الإدارة، والمكتب والسوق والشارع والمعمل، والنفاق الاجتماعي، كل الصور تختزل في قلب زوجك، يرقب أن تتلقفيها منه، يطرحها عنه، يفرغها في وعاء خاص يفرز هذه عن تلك، يمحص صدق الأولى والمبالغة في الثانية وسوء التأويل في الأخرى. كيف لك أختي أن تكوني هذه الفارزة دون أن تكون لك أذن؟! أما علمت أن أحر اللحظات تلك التي تقبلين بوجهك الكريم الطافح بالتوق والحب على زوجك المهزوم داخليا إلا من نصر الله ودعمك! الأذن، أذنك الأولى وقلبك، ووجهك، وابتسامتك وصبرك وإصغاؤك المتناسق لكل البث والشكوى! إياك إياك أن لا تسمعي حتى لا تستمع أخرى غيرك! إياك أن تحتقري مستواك أو يخيل إليك أنك دون المستوى المطلوب القمين بالتلقي والشكوى! بإذن ربي، وبالصدق الذي تنتعلين بساطه سوف يلقى فيك الزوج الباث كل المبغى والقصد، المهم أن لا تصدي الكلام، أو تحرفي بعضه نتاج غيرة أو سوء ظن، وتعلمي أن توزعي الثقة على كل المحطات التي يرسو فيها اعتراف زوجك، وشكواه! هذه الثقة لا تخدشها أي انفعالات وأي ردود فعل، لأنك في تلك اللحظات طبيبه النفسي الذي عليه الإنصات أولا، ثم التشخيص، ثم التيسير والعلاج النفسي الذي لا يمكله أحد سواك، ما أعظمك إن تلقيت كل البث بلا تحفظ وبلا حرج، ما أعظمك إن هب الزوج إليك طواعية لا كرها يفرغ كل المعاناة وكل الآهات! دربي نفسك على أن تكوني هذه الأذن المصغية التي سخرها الله لأداء هذه المهمة النبيلة، تتلقى، تنصت بغية حسن التأويل وحسن الإفتاء، إذاك تتشكل البوثقة الجديدة قوامها التثبت والأمانة، طلاؤها الثقة والشفافية، بيتها السكينة والطمأنينة! ما أحوج الليث أختي إلى أذنك فلا تبخلي الزوج بها العضو الإنساني الذي إن أحسنت استعماله وتوظيفه كفاك شر التأويل الخاطئ أو صنع القنابل الموقوتة التي تأتي على الأخضر واليابس: السعادة الزوجية والثقة البانية. فتعلمي السماع ، والاستماع. وإلى لقاء. الناجي الأمجد