تهدف هذه المقالات إلى صناعة ذوق يليق بالمسلم، يحرك فيه كل القوى الكامنة الصانعة للجمال الحقيقي، مصداقا لقول الرسول عليه السلام: "إن الله جميل يحب الجمال"، وتهدف إلى خلخلة مفاهيم خاطئة حول الجمال وفلسفته، داخل المجتمع المسلم عموما، والبيت المسلم خاصة. فإلى كل مريد يبغي صناعة الجمال وأثره الروحي على القلبين، كطريق للعبادة أهدي هذه الشذرات. إليكِ ربما سعت جاراتكِ للتفرغ للاحتفال برأس السنة الميلادية، رغم الصيحات والصيحات، ولربما كان الاحتفال عنهن مهما لدرجة إعلان حالة الطوارئ من مشتريات وأكسسوار يليق بالمقام. لا عليك، وإن كنت سابقا قد أشرت إلى ما ينبغي فعله في هذه المناسبة، أعود معك اليوم لنكتشف البيت، جماليته، سحره، حدوده الممكنة والمتاحة. لا شك أنه مملكتك الصغيرة، أنت المليكة وأنت السراج المنير. لاحظي خطو الأيام على نفسك وزوجك وأولادك، وسجلي كل الأحداث الجسام على مر السنة، واكتبي كل المنجزات التي كنت وراءها، وتذكري الفعال الجميلة التي صدرت منك وكنت أنت الصانعة المبدعة فيها. ثم اهرعي إلى المطبات السوداء، المنزلقات في القول والفعل، والتي كادت تعصف بالبيت لتقصير منك، أو لتفريط في الملاحظة، وتذكري بعض الهنات منك إذ كان زوجك غائبا، بل وحتى في حضوره، كم كانت المرات التي أفشيت سر البيت؟ وكم كانت المرات التي علا فيها صوتك الحدود، حتى تأذى الآخرون؟ كم كانت المرات التي بالغت في الإلحاح والسؤال عن شيء لربما لا يهمك؟ ألا فلتجلسي الآن وتفتحي روزنامة جديدة، لتسطري عليها ما يأتي: التزامك مع الله التزامك مع الذات التزامك مع الآخرين مشاريع الجنة وبالضبط مشروعك الأساس تربية الذوق والبعد الجمالي في بيتك مواعيد حاسمة (حفظ القرآن ختم مدارسة) مواعيد صلة الرحم والتسابق نحو هذه الفضيلة لحظات خاصة، تغذقين فيها بالحنو على أقرب الناس إليك إبداعات تنتظر التبييض وإخراجها إلى الوجود و. و. و. و، أستسمحك فقد سرقني الفضول والترامي على حياض الخصوصية، المهم أنك ستنشغلين عن تلك الليلة، لي كامل اليقين، وليلة مباركة وإلى لقاء. إليكَ ربما كان الصخب بجوارك مدعاة للقلق والسخط، نظرا لمناسبة تُفرض عليك بشكل أو بآخر، أنصحك في هذه الليلة أن تعطل أسلاك التلفاز، دعه مليا يرتاح من جحوظ عينيك أمامك. ابحث لنفسك عن مجلس في البيت، لتكن وحدك، وفكر في مسارك ومخططك، وفي الأهداف التي رسمتها لنفسك، ولأهلك، ولولدك! تذكر كل الأفعال والمنسوبات إليك، كم كان القرب فيها من الصواب؟ ما نسبته؟ وما حضور الوقار في سلوكك؟ وما حضور العطاء في عملك؟ وما حضور الصلاح في بيتك؟ هل تسير في طريق ترضاه ويرضاه ربك؟ هل ترعى أبناءك كما ينبغي؟ هل تسائل أمهم عن دينها؟ وعن تعلقها بك؟ ألجمالك أم لمالك؟ أم لصلاحك؟ ربما كانت فتيلات هذه الأسئلة عندك كثيرة، لكني أخلخل بنيتها معك عساها تفضي بك إلى محطة التقويم المؤقتة، تلك المحطة المرحلية التي قد تسعفك لتقوم ما اعوج من سلوكك ومسار بيتك، لأن السيل العرم قد غطى الصواب والجادة، وزحف الفساد إلى بيتك دون علمك أو بعلمك، ودوامة الحياة تنسينا نحن ذواتنا، وتنسينا نحن أننا ينبغي أن نكون خير أمة أخرجت للناس. طال الفساد ملونا مزخرفا حتى احتضناه في أعشاشنا وما درينا أننا السادة في الماضي، الأذلاء حاليا وحاضرا إن لم يلحقنا الصحو والرجعة الصادقة إلى الله. إن العمر جميل، لكن جماله هو طهره وصفاؤه الذي ينحت في كتاب الله أنك العبد الصالح المنيب الراجع إليه قلبا وفكرا وعلما وعملا. ما أجمل أن تصبح غدا قد عقدت العزم تجاه نفسك، تجاه أهلك، تجاه محيطك، فيشعر الناس أنك تغيرت، وأن احتفالهم برأس السنة كان في المرح واللهو والعبث وربما المعصية، لكنك كنت في هذه الليلة أوابا نادما حزينا على ما فات، وأصبحت فرحا متفائلا بما هو آت، لتعلنها أمامهم أنك مولود جديد، تأبى على الشيطان، وعاهد الله أن يحتفل بطريقته الخاصة، طريقة الأوابين، والراجعين، والعائدين، وكل عام وأنت بألف سؤال، وإلى لقاء. الناجي أمجد