قال رئيس شعبة الاقتصاد بكليةالحقوق طنجة الأستاذ محمد نجيب بوليف "إن الرؤية الاستراتيجية الأمريكية في أفق 2020 تروم السيطرة على مجموعة من الأماكن التي تعد خزانا للبترول" ، مضيفا، في حوارمع "التجديد" ننشر اليوم جزأه الأول، "وأفضل منطقة بالنسبة للولايات في الوقت الراهن هي منطقة الشرق الأوسط وبحر قزوين". وأشار عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب إلى أن المغرب، في ظل العدوان، سيخسر حوالي 7 ملايير درهم التي كان يحصل عليها من خلال تجارته مع العراق، مبرزا أن قطاعات السياحة والنقل الجوي وصناعة النسيج تعد القطاعات الأكثر تضررا من العدوان. كما تحدث محمد نجيب بوليف عن رأيه في داوعي العدوا ن وآثاره على الاقتصاد الوطني. ماذا عن كتابكم "مقاربة اقتصادية لحرب الخليج الثالثة"؟ الكتاب جاءلإبراز الأبعاد والخلفيات الحقيقية للحرب على العراق. فبالإضافة إلى الخلفية السياسية والحضارية والخلفية العقدية، نرى أن الخلفية الاقتصادية هي خلفية ملحة أثرت وستؤثر على علاقة الولاياتالمتحدة بشركائها ومع جميع البلدان في العالم. والكتاب جاء ليبرز هذه المقاربة الاقتصادية وتأثيراتها على العالم ككل، ويبين دور اللوبي الاقتصادي، وخاصة "اللوبي الصناعي الحربي" القريب من "بوش"، وانخراطه الدائم والمتواصل في الحرب، ودفعه السياسة الأمريكية إلى أن تكون سياسة عدائية. إنه منطق القوة في مواجهة منطق الدبلوماسية، القوة من جانبها العسكري والاقتصادي. فإذا كانت الولايات عسكريا لا تضاهيها أية دولة، فهي تخشى على المدى المتوسط أن تفقد قدرتها وقوتها الاقتصادية، ولذلك فهي تستعمل القوة العسكرية لاسترجاع القوة الاقتصادية، ولنبرز في الأخير التداخل القوي بين السياسة الاقتصادية والسياسة العسكرية. > ما هي أهم المؤشرات الرقمية المستفزة التي تضمنها الكتاب؟ >> الأرقام المستفزة هي حجم الدمار الذي سيلحق العالم من الناحية الاقتصادية، حيث قدر على المدى المتوسط ب 500 مليار دولار. وكذا الميزانية الحربية التي اعتمدتها الولاياتالمتحدة والتي تقارب نصف الميزانية العسكرية في العالم (500 مليار دولار). هذه الأرقام حاولنا في الكتاب أن نقابلها بما يمكن أن تجلبه من نفع للعالم لو لم تنفق على الحرب. حجم 500 مليار دولار نقدر أنه كان يمكن أن يستفيد منها العالم في الجانب التنموي والصحي (بناء مستشفيات) والتعليمي (بناء مدارس). فلو تجنبنا منطق الحرب لاستطعنا بالفعل أن نضمن للعالم تقدما بنقطتين، يكون كفيلا بإزالة 20 مليون من الفقراء على مدى 5 سنوات، فالسلم أفضل من الحرب والاقتصاد يركز على السلم. لماذا شنت الولاياتالمتحدةالأمريكية العدوان على العراق؟ وما هي الدواعي الحقيقية لذلك؟ ما أتصوره هو أنه بالإضافة إلى الاستراتيجية والمخطط الذي تعتمده الولاياتالمتحدة لاحتواء منطقة الشرق الأوسط، ومحاولة إعادة هيكلتها، يعد العنصرالاقتصادي من العناصر الرئيسية التي دعت أمريكا إلى القيام بحرب ضد العراق. والذي يعود إلى آخر عهد كلينتون وبداية عهد بوش، يعلم جيدا أن المجال الطاقي حرك الولاياتالمتحدة، بالنظر إلى ازدياد حاجتها وشدة ارتباطها بالطاقة، وخاصة البترول، والتي تقدر حاليا بنسبة 50 إلى51 بالمائة، وهي مرشحة لأن ترتفع على المدى المتوسط حتى حدود 65 بالمائة ، ومع حلول سنة 2020 ستصل إلى حوالي 75 بالمائة، ومعنى هذا أن ثلاثة أرباع احتياجات الولايات من الطاقة سيأتي من الخارج. بناء على هذا، فإن الرؤية الاستراتيجية الأمريكية في أفق 2020 تروم السيطرة على مجموعة من الأماكن التي تعد خزانا للبترول، وأفضل منطقة بالنسبة للولايات في الوقت الراهن، هي منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج بالأساس، بالإضافة إلى بحر قزوين، المكتشف الجديد. والجدير بالذكر أن الحرب في منطقة قزوين وأفغانستان كان الهدف منها تسهيل تصدير ثروات المنطقة نحو الدول الغربية. أعتقد إذن أن الخلفية الاقتصادية خلفية قوية في قيام حرب على العراق، وتؤثر تأثيرا كبيرا في التدخل الوحشي ضد هذا الشعب. ما آثار هذا العدوان على الاقتصاد المغربي؟ أما عن آثار العدوان على الاقتصاد المغربي، فلا شك أنه إذا قسنا الآثار التي خلفتها حرب الخليج الثانية سنة 1991 على المغرب، فإننا سنخلص إلى نتيجة مفادها أن بلادنا ستتأثر على المدى القريب بالأساس، ثم على المدى المتوسط. والواضح أن هذه التأثيرات لها علاقة بالمدة والزمن الذي ستدور فيه الحرب، هل هو شهر أم ستة أشهر أم أكثر من ذلك، وهي احتمالات ثلاث، ولها علاقة أيضا بحجم الدمار الذي سيصيب الاقتصاد العالمي، من حيث هل ستدمر الآبار البترولية العراقية، أم أن العراق سينتصر. هذا الذي ذكرناه من قبل له آثار على الاقتصاد المغربي. من جهة أخرى نعلم أن الاقتصاد المغربي في الفترة المتوسطة كانت له علاقة بالاقتصاد العراقي، من حيث كون المبادلات التجارية بين البلدين بلغت حجم 7 مليارات من الدراهم، وبالطبع المغرب في الظروف الحالية سيخسر كل هذه العلاقات التجارية، ونعلم أيضا أن المنتوجات المغربية تطورت، كما أن العديد من المؤسسات الوطنية نظمت حملات دعائية للمنتوج المغربي في المنتديات العراقية خلال الآونة الأخيرة، وبالأخص مع بداية سنة 1998 وسنة 1999. هذا على المدى القريب، أما على المدى المتوسط، فلاشك أن الآثار الجانبية ستكون كبيرة، خاصة في بعض القطاعات التي ستتضرر بشكل غير مباشر. ونتصور أن الخسارة التي ستصيب الاقتصاد المغربي يمكن أن نقدرها ما بين 15 و30 مليار درهم في أفق السنوات الثلاث المقبلة. ما هي أهم القطاعات التي ستتأثر بشكل كبير إذن؟ إذا أردنا أن نتحدث عن القطاعات، فالذي يجب أن نعرفه هو أن المغرب، رغم التطمينات الرسمية، فإنه ينتمي إلى المنطقة الخطيرة zone a risque. ولاستيعاب معنى المنطقة الخطيرة، نورد مثال إسبانيا، فهذا البلد عندما يشهد عملية تنفذها "إيطا" الباسكية، فإن السياحة بها لاتتأثر، لأنها بلد مستقر، بينما إذا أخذنا نموذج تونس، عندما انفجرت شاحنة الغاز بها، انخفضت سياحتها ب 20 بالمائة خلال ثلاثة أشهر الأولى التي تلت الانفجار. وحالة المغرب شبيهة بحالة تونس، لأنهما بلدان عربيان مسلمان، فالتأثير سيكون سلبيا لأننا ندخل في نفس المنظومة الفكرية والعقدية التي تنتمي إليها العراق. والقطاعات التي ستتأثر كثيرا، نجد السياحة وقطاع النسيج، بحكم أننا نتمتع بنوع من المصداقية في هذا الصعيد. غالبية الفاعلين يقدرون أنه على المدى القصير جدا ستتأثر السياحة سلبا ما بين 20 إلى 40%، وإذا طالت الحرب أكثر من 3 أشهر، فإن فصل الصيف بالنسبة للمغرب سيكون كارثيا، وستكون نتائجه وخيمة، خاصة إذا علمنا أن السياح الإنجليز بالإضافة إلى الإسبان يمثلون 30 بالمائة من إجمالي عدد السياح، فضلا عن أن الأمريكيين يمثلون هم أيضا حوالي 10 بالمائة، مما يعني أن المغرب سيخسر ما مجموعه 40 بالمائة، اعتبارا لمواقف بلدان هؤلاء السياح المشاركة في الحرب على العراق. أما من الجانب الطاقي، فإن كل دولار إضافي في ثمن البرميل الواحد من النفط، سيؤثر على الوضعية الاقتصادية للمغرب، وسيكلف الخزينة زهاء مليار درهم . والتساؤل الذي يمكن أن نطرحه بخصوص الخسائرالتي سيسجلها قطاع الطاقة، هو هل صندوق الموازنة سيتدخل كطرف وسيدعم المجال الطاقي، أم أن هذه الزيادة التي ستطرأ على ثمن البرميل من النفط سيتحملها المستهلك. وأمام هذا الوضع، على خزينة الدولة أن تحرك صندوق الموازنة. وفي ما يتعلق بقطاع المواصلات، فالكل يعلم أن المجال الجوي فيه يرتبط بحالة السلم، أما والحالة هي حالة الحرب، فإن هذا المجال سيتأثر حتما، نظرا للزيادة في تكاليف التأمين، الشيء الذي سيرفع من ثمن التذاكر. أما قطاع النسيج، فمعلوم أن المغرب مرتبط بمجموعة من الشركات الأوروبية، وخاصة الإسبانية منها، فضلا عن الأنسجة والألبسة في إنجلترا، وعلى هذا الأساس، فإن العديد من العقد التي أبرمها الصناع المغاربة مع صناع هذه البلدان المؤكد أنها توقفت أو ألغيت. هذا بالإضافة إلى كون إنجلترا والبلدان الأوروبية قد توجهت صوب دول أوروبا الشرقية التي تتمتع في نظرها بنوع من السلم الذي يخفض من تكلفة نقل البضائع. > هل قامت الحكومة حتى الآن بخطوات لمواجهة الآثار المحتملة؟ >> حقيقة أن الحكومة المغربية عودتنا على الانتظارية والتواكلية ومصطلح "العام زين". والغريب في الأمر أن وزير المالية والخوصصة قال في إحدى الندوات بداية مارس الماضي، إن حجم الخسائر جراء الحرب على العراق تكون في حدود مليار إلى مليار ونصف مليار دولار أمريكي، بالمقابل لم يعط أية مقترحات ستقوم بها الحكومة لتواجه الإشكالات التي سيتخبط فيها الاقتصاد المغربي. ويؤكد هذا التوجه أيضا كون الندوة الوطنية الثالثة للسياحة في فبراير الماضي لم تأخد في الاعتبار الحرب بالمطلق. الآن هناك بعض التحركات من أجل أخذ الاحتياطات والاحترازات والإجراءات الوقائية، رؤساء وأرباب المقاولات لم يقوموا بدورهم بأي جهد، وحتى الساعة لا تسمع إلا تطمينات من طرف الحكومة على لسان العديد من الوزراء لاعتقادهم أن الحرب ستكون قصيرة الأمد، وبالتالي فإنهم يتصورون أنه في ظل الظروف العادية ليس من الضرورة فعل شيء في هذا المقام. > قلتم إن إسبانيا، رغم عمليات منظمة "إيطا" بين الفينة والأخرى، تظل دولة مستقرة ولا يؤثر ذلك على سياحتها خلافا للمغرب وتونس، هل لكم أن تشرحوا لنا أكثر هذه المفارقة؟ >> في تصورنا علاقة السياسة بالاقتصاد علاقة وطيدة، ولاشك أن استقرار الأنظمة الديمقراطية في البلدان المتقدمة هي الضامن الأساس لتنمية الاقتصاد، بحيث إن البلدان الديمقراطية التي تعرف انتخابات ديمقراطية، والتي وصلت إلى نوع من الوعي الحضاري والقيمي، لا تؤثر عليها بعض الانفلاتات، بينما دول العالم الثالث عموما وضمنها المغرب، لا تتمتع بديمقراطية حقيقية، وبالتالي فكل عمل استثنائي يكون له انعكاسات كبيرة، وهنا نشير إلى أن التقسيم الذي تقدمه المنظمات العالمية الاقتصادية بشأن المغرب يسجل ارتفاعا وانخفاضا كل ثلاثة أشهر، ومعنى هذا أن المغرب لا يعرف استقرارا من حيث الترتيب الذي تمنحه إياه بعض هذه المؤسسات الاقتصادية. هكذا فإن أبسط حدث يقع داخل المغرب أو خارجه يؤثر على بلادنا . المغرب إذن يوجد ضمن المناطق ذات الخطر، وعموم دول العالم الثالث تصنف في هذه الخانة، إلا بعضا منها التي أصبحت تنعم بديمقراطية نسبية مثل البرازيل والمكسيك. حاوره محمد أفزاز