ناقشت ندوة فكرية السبت 17 ماي 2014 فكر المرحوم علال الفاسي الذي عاد الحديث عنه إلى الواجهة بالتزامن مع الذكرى الأربعين لوفاته. الندوة التي انعقدت بالمكتبة الوطنية بالرباط شارك فيها مجموعة من الباحثين والسياسيين الذين تناولوا جوانب مختلفة من فكر ومواقف علال الفاسي ضمن الإطار الذي حددته الندوة والذي تمحور حول موضوع "الديمقراطية بين التنظير والممارسة عند علال الفاسي". اعتبر سعيد الحسن رئيس مركز خالد الحسن للدراسات، أن علال الفاسي ومن خلال كتاباته ومواقفه استطاع أن يقدم تصورا مهما لمفهوم الديمقراطية المنضبط لمحددات المرجعية للأمة. وأوضح الحسن الذي شارك بمداخلة ضمن الندوة، أن علال تبنى الديمقراطية لكنه لم يكن مع الديمقراطية اللبرالية إذ يعتبر أن الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تقوم دون ديمقراطية اقتصادية واجتماعية أيضا، بالإضافة إلى إيمانه بأن الديمقراطية تتجاوز فكرة التمثيلية فقط. ورغم تقديره للديمقراطية الاشتراكية أيضا إلا أنه لم يكن يتبناها -يضيف المتحدث- لأنه يعتبر أن حل المشاكل الاقتصادية يجب أن يكون حلا شاملا لكل المناحي الأخلاقية والروحية، كما أشار إلى ذلك في النقد الذاتي. وبين الحسن كيف أن تصور الفاسي للديمقراطية لم تكن تقف أيضا عند الديمقراطية المركزية لأنه يعتبر أنه ليس هناك فرد لا يمكن أن لا تستفيد منه الأمة بالاضافة إلى رفضه لفكرة الحزب الواحد التي تؤدي الى تأبيد الحكم في يد فئة واحدة. التصور الذي يتبناه علال الفاسي حسب قراءة الباحث في العلوم السياسية سعيد الحسن هو ما يمكن تسميته اليوم بالحكامة الجيدة للشأن العام والتي يحتل منها مبدأ المحاسبة والمراقبة مكانة مهمة حيث لا تطال فقط الحكام بل ايضا ممثلي الامة0 وبين المتحدث أنه ومن خلال مفهوم الحكامة فإن علال قد تبني شعار الديموقراطية وذلك بما يعني التحرر من جميع اشكال السيطرة بما فيها السيطرة الاجنبية أي أننا -يضيف المتحدث- أمام ديموقراطية تحررية. وشرح أستاذ العلوم السياسية كيف أن تصور علال هذا يوافق ما يتناوله الفكر السياسي المعاصر، تحت عنوان الاستبداد والذي يأخذ عدة أشكال من بينها الديمقراطية المحكومة، أي أن الشعب ليس هو الحاكم بل باسمه يتم الحكم على الشعب الحقيقي في تجاهل للواقع الاجتماعي والاعتبارات التي تحكم عملية اتخاذ القرار ومؤسساته التمثيلية. مفهوم الحرية وتناول الباحث في مداخلته تصور علال الفاسي للحرية معتبرا أنه يرفض اعتبار الحرية حقا طبيعيا بل هي عنده أمر مكتسب يتعلق بإنسانية الإنسان، حيث يرى أنه لا بد أن يتحمل المسؤولية أمام الجماعة وذلك وفقا لمعتقدها ومرجعيتها. ويؤكد المتحدث من وجهة نظر الفاسي، أن الأمة هي صاحبة السلطة والسبب المهم فيما يصيبها من انتكاسات إنما هو ضعف القادة واعتمادهم على غير عقيدة الشعب، إذ يعتبر علال أن حكام الامة هم طائفة اختارتهم لتمثيلها عبر إقامة أحكام دينها وسنة نبيها، أي ما يمكن تسميته اليوم بحكم الأمة وفق مدركاتها الجماعية ومرجعياتها الاجتماعية. وخلص المتحدث ضمن الندوة، التي عرفت متابعة مهمة، إلى أن فكر علال يدعونا لإقرار حكامة تتجاوز الطابع الإجرائي القائم في المنظومة الديموقراطية، حيث تمكّن فكرة الحكامة من الإبلاغ عن الجماعة والأمة عبر إنتاج سلطة فوقية وهو موقف يستدعي في الواقع أن ننظر إلى السبل التي تمكن الجماعة أو المجتمع الأهلي من إنتاج الدولة التي يريدها، وذلك عبر إيلاء الأهمية لمسؤولية الجماعة و المجتمع الأهلي، أي أن يأخذ المجتمع المدني مكانه أمام عربة الدولة لا أن يقف خلفها. المنهج التوفيقي من جانبه، اعتبر الباحث في العلوم السياسية عبد العالي حامي الدين، في مداخلة بعنوان"جدل الدين والدولة والديمقراطية عند علال الفاسي"، أن صاحب كتاب مقاصد الشريعة حاول الإجابة عن الإشكالية عن طريق إعمال ادوات الاجتهاد المقاصدي من خلال مجموعة من الاجتهادات التي قام بها0 وعليه فقد اسس الفاسي خطابه على قاعدة فكرية متماسكة استطاعت ان تتحرر من النزاع المفتعل بين التنظير والممارسة وبين التراث والمعاصرة وذلك بإعمال أدوات الاجتهاد المقاصدي واستلهام روح التعامل في الاسلام لتدبير الشأن السياسي لتكييفها مع الأدبيات السياسية المعاصرة وذلك بالاستفادة من الماضي والحاضر والبحث عن نموذج توفيقي وليس تلفيقي0 ومنطلق علال الفاسي في ذلك هو اعتباره ان المنطلق الاساسي للنهضة هو المحافظة على طابع الفكر الحر وعدم قبول اي شيء بغير بحث وتجربة وتمحيص0 وانطلاقا من هذه المحددات فقد حاول حامي الدين التوقف عند بعض. الاشكالات التي عالجها صاحب النقد الذاتي وعلى رأسها جدل الدين والدولة، فقد اتخذ علال الفاسي موقفا قويا في معظم أعماله وهو رفضه المطلق لأي محاولة للفصل بين الدين والسياسية معتبرا أن طبيعة الدين هي مسألة المسائل في العالم اي اما أن تكون هي اساس الفكرة المانعة لكل الشكوك واما ان لا تكون بالمرة. ناقش الفاسي مسألة العلمانية انطلاقا من مناقشة فكرة الفصل فيعتبر أن منشأها التاريخي لم يكن الا رد فعل بعض الرهبان الالمان لمقاومة الاستغلال الحكومي للمسيحية في المانيا، ويستدرك الفاسي على ذلك بالقول "واذا كانت التجربة التاريخية في العالم الغربي دفعت مفكريه الى نظرية الفصل بين الدين والسياسية للتخلص من هيمنة الكنيسة، فإن الفكر الاسلامي لم يضطر قط للقول بمثل هذه النظرية لأن السلطة الكنسية غير موجودة بالمرة في الاسلام والسلطة إنما هي للشعب، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن". رفض فكرة فصل الدين وحسب مداخلة حامي الدين، وتحت عنوان "القانون جزء من الدين"، أوضح علال الفاسي أنه لا يمكن تصور فصل الدين والدولة في الإسلام لأن الدولة ليست سوى مجموعة من ممثلي الطائفة السلامية الذين اختارتهم ليقيموا لها أحكام دينها وسنة نبيها0 ويرى الفاسي أن فكرة الاسلام دين ودولة عاجزة عن تبليغ التصور الاسلامي الصحيح وهو في هذا-يقول أستاذ العلوم السياسية- يرد على بعض المفاهيم التي ظهرت عند بعض الحركات الاسلامية في فترة الستينات وتحديدا مع سيد قطب0 ويقتنع الفاسي -حسب المتدخل- أن هذا الموضوع غير قابل للنقاش عند المجتمع المغربي المسلم الذي لا يزال يحتفظ بمجموعة من الخصائص حيث أن الدولة تقول انها دولة مسلمة، ودستورها يعتبر الإسلام دينها الرسمي ورئيس الدولة لازال يحمل لقب امارة المؤمنين، والمثل العليا التي تحملها الأحزاب لا تخرج عما يعلنونه في أوراقهم الرسمية من الرغبة في بناء وطن عربي إسلامي، وانطلاقا من هذا كله يعتبر أن الثورة على الرهبانية وعلى الاكليروس والانظمة الكنسية التي عرفتها أوربا في تجاربها التاريخية من ادعاء الحكم بموجب التفويض الالهي والوقوف في وجه النظريات العلمية، (الثورة على كل ذلك) ليس منافيا للدين الخالص بقدر ما هو ملاصق له، حيث أن الاسلام بصفة خاصة لا يمكنه إلا أن يحفز كل ثورة تقضي على التحكم في العقول وخاصة باسم الدين او تمنح طائفة حق التشريع باسم الدين والقداسة الروحية حامي الدين الذي سبق أن فاز بجائزة مؤسسة علال الفاسي، تناول في مداخلته ضمن الندوة تصور الفاسي فيما يتعلق بالديمقراطية، حيث انطلق من إجابته على سؤال لإحدى الصحف مباشرة بعد الاستقلال، عن ماهي سياستكم وبرنامجكم في مغرب الغد؟ فأجاب علال الفاسي بكل ثقة "إننا سننظم الحكومة والشعب في المغرب المستقل على ضرورة الديمقراطية الغربية مع احترام تراثنا الروحي والمعنوي". وبين الباحث أنها جملة مختصرة تفيد منهج علال في التعاطي مع الموضوع الذي هو منهج التوفيق والملاءمة رغم انه منهج صعب لأنه قائم على الاجتهاد مسؤولية الفرد وذهب حامي الدين إلى أن الفاسي يعتبر بأن للفرد مسؤولية كبرى في إقرار النظام الديموقراطي ولذلك لا يصح أن يتخلى فرد من أفراد الأمة عن العمل السياسي أي عن مراقبة السلطة وأعمالها0 كما يعتبر أن كل شعب لا بد له من النضال من أجل الحرية لأجل الكرامة0 ويقترح علال الفاسي -يضيف المتحدث- النظام البرلماني كأفضل نظام معجب به0 مستشهدا بنص له إذ يقول علال "نعتبر أنفسنا منذ الآن - زمن كتابة النقد الذاتي-في الاتجاه الملكي الدستوري وذلك ما يفرض علينا الالتفات الى الذين سبقونا في هذا المضمار وهم الانجليز وقد كررت القول بأن بقاءنا في المؤخرة يفرض علينا أن نستفيد من تجارب الاخرين"0 وحسب حامي الدين فإن مصدر هذا الاعجاب هو نجاح تلك التجربة في المحافظة على الملكية باعتبارها أم المؤسسات كما أنها استمرت رمزا للوطنية وتجسيدا لآمال الأمة ومصالحها المشتركة، هذا بالاضافة إلى إعجابه بذلك التوافق التاريخي بين المؤسسة الملكية وباقي مكونات المجتمع التي تطورت من ملكية مطلقة الى ملكية مقيدة ثم إلى ملكية برلمانية الأمر الذي كان له الأثر العميق في إقرار النموذج البريطاني بكل مقوماته0 يذكر أن الندوة عرفت إلقاء مجموعة من المداخلات الأخرى، والتي شارك فيها سياسيون وباحثون من بينهم محمد خليفة ومحمد الساسي