شكل موضوع "علال الفاسي والديمقراطية فكرا وممارسة" محور ندوة فكرية نظمها مساء أمس الجمعة بمدينة سلا حزب الاستقلال، بتعاون مع مؤسسة علال الفاسي. وأبرز المشاركون في هذه الندوة، من خلال مقاربات متعددة، البعد الحداثي في فكر علال الفاسي، الذي اتسم بالانفتاح على روح العصر والانخراط في حركية التاريخ المعاصر، موضحين أن مقومات حداثته الفكرية تتمثل في موقفه من الإصلاح السياسي، الذي دعا إلى ضرورة أن يرتكز على ترسيخ الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية التي لا تتنافى مع الدين الإسلامي. وأضافوا أن مقومات الحداثة الفكرية عند علال الفاسي تتمثل أيضا في تبنيه المنهج المقاصدي، الذي يربط أحكام الشريعة بروح العصر وما تقتضيه المصلحة العامة. وفي هذا السياق توقفوا عند بعض هذه المضامين الحداثية في فكر علال الفاسي من خلال كتابه "النقد الذاتي"، الذي ارتكز على نقد المجتمع والنزعة التقليدية والجمود والخرافة، وكذا "الزعامات الدينية والقبلية التقليدية، التي كانت ترسخ لللاعقلانية، وتدعم الوجود الاستعماري"، موضحين أن علال الفاسي اعتمد في هذا الكتاب المراجع الفرنسية والانجليزية أكثر من اعتماده على نظيرتها الثراتية. كما أشاروا إلى أن فكر علال الفاسي جمع، في هذا الإطار، بين الانفتاح على الثراث والفكر الغربي وبين نزعة نقدية صارمة له، معتبرين أن ذلك "لا يعني بأي حال من الأحوال نقدا للحداثة، بقدر ما هو نقد للبعد الاستعماري والإديولوجي" في هذا الفكر. وأوضحوا أن علال الفاسي، من خلال تنظيراته الفكرية والسياسية وتعامله الحداثي مع الثرات وتبنيه للفكر المقاصدي وتأثره بالإمام الشاطبي، اعتمادا على توظيف مقولات من قبيل "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، كان يساهم في التأسيس والتأصيل النظري لفكر سياسي مغربي، يستحضر الخصوصيات التاريخية والحضارية لمنطقة المغرب العربي بشكل عام. كما أبرز المشاركون في هذه الندوة الفكرية أن انشغال علال الفاسي بالقضايا الفكرية لم يكن منفصلا عن الاشتغال بالشأن العام، مشيرين في هذا السياق إلى مواقفه المختلفة الداعية إلى استلهام مظاهر الحداثة السياسية وتكييفها مع الواقع المغربي، وكذا نضالاته من أجل ترسيخ أسس ومقومات حياة دستورية ديمقراطية ترتكز على مبادئ الحرية وحقوق الإنسان. واعتبروا أن الراحل استطاع أن يستوعب تيارات ومعارف سياسية عدة نظمها في نسق فكري متكامل يتسم بالأصالة والانفتاح، كما تشير إلى ذلك أبرز مؤلفاته السياسية ومنها "النقد الذاتي" و"حفريات عن الحركة الدستوربية في المغرب قبل الحماية" و"الديمقراطية وكفاح الشعب من أجلها" و"معركة اليوم والغد". وتمحور برنامج الندوة، التي شارك فيها السادة محمد العربي المساري وعبد الحي المودن ومحمد الطوزي وعبد العلي حامي الدين وعبد الرحيم المصلوحي، حول قضايا "النظرية السياسية عند علال الفاسي" و"مواقف علال الفاسي من التجارب الدستورية والنيابية في المغرب 1956-1974" و"العمل السياسي وبناء الدولة المغربية عند علال الفاسي".