لماذا لا يصنف العنف الجامعي ضمن أعمال الإرهاب؟ هل حمل سيف أو ساطور من طرف أفراد عصابة منظمة، قد يكون ضمنهم من ليس طالبا، داخل الحرم الجامعي لممارسة العنف المادي على طلبة عزل، و لتهديدهم وترويعهم، لا يدخل ضمن أعمال الإرهاب؟ هل اللجوء إلى العنف الدموي الذي يفضي إلى القتل لفرض الفكر الوحيد ومصادرة الحقوق الأساسية للمواطنين في الجامعة لا يعد تهديدا خطيرا للنظام العام؟ قانون الإرهاب في المغرب صنف ضمن الإرهاب جرائمه " إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف"، ويتم تعريف الإرهاب أيضا بشكل عام في تشريعات أجنبية بكون "الإرهاب هو أي عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية". وفي جريمة كلية الحقوق بفاس، بصفتها آخر جرائم التطرف في الوسط الجامعي، نجد كل هذه العناصر متوفرة. ف"النهج الديمقراطي القاعدي" مجموعة متطرفة منظمة أعلنت للعموم أنها سوف تعمد إلى العنف الدموي لمنع نشاط ثقافي طلابي بالحرم الجامعي، وأنها بالفعل نفذت وعدها وخلف تدخلها بالسيوف والسواطير وغيرها من الوسائل المادية العنفية، شهيدا، هو الطالب قيد حياته عبد الرحيم الحسناوي، وعددا من الجرحى في صفوف الطلبة، كما نشروا الرعب وسط الطلاب، ونزعوا الحجاب عن العديد من الطالبات، وفي تحد للدولة واستعراضا للقوة، فرضوا ما يشبه الحضر في كلية الحقوق من طرف ملشيات ملثمة حتى بعد سقوط الشهيد عبد الرحيم الحسناوي وما تلاه من اعتقالات وفتح تحقيق في الجريمة! إننا أمام مشهد خطير تجدد فيه ملشيات إرهابية مسلحة تحديها للقوانين و الدولة، و تعتبر فيه مؤسسة عمومية تحت سيطرة تلك الملشيات. مشهد ينبغي أن يستنفر كل أجهزة الدولة ذات الصلة، و كل الأحزاب وجميع هيئات المجتمع المدني التي تعني بحماية حقوق الإنسان. و الأخطر في الأمر أننا لسنا أمام حدث معزول يمكن تبريره بمصادفات أو تطورات معزولة لم يتم التحكم فيها، بل نجد أنفسنا أمام ظاهرة خطيرة متنامية تنشط في توسيع دائرتها في الجامعات المغربية توجهات راديكالية معروفة، لها رموزها، من دوي السوابق في جرائم الاعتداء الجسدي على الطلبة ورجال الأمن، وأدبياتها وأنشطتها في الوسط الجامعي الطلابي. إن الجامعة المغربية اليوم، وفي ظل الدستور الجديد الحافل بالحريات و الحقوق، وفي ظل قانون الإرهاب والحملات الاستباقية ضده، وفي ظل الحديث عن أولويات توفير الأمن للمواطنين بعد انتشار ما سمي ب"التشرميل"، تقع تحت رحمة تيارات طلابية تعتبر أعمال العنف والإرهاب إنجازات نضالية، وتعتبر ترهيب الطلبة واحتلال المؤسسات الجامعية وفاء بعهود نضالية. وفي هذا السياق يضاف إلى سؤال لماذا لا نتعامل مع العنف الطلابي على أنه إرهاب؟ سؤال آخر خطير هو: لماذا "تتعايش" الدولة مع العنف الجامعي، ولا تواجهه بالحزم المطلوب والمعهود؟ إن تحرير الجامعة من الإرهاب أصبح اليوم مطلبا حيويا لا يقبل التأخير، حيث تنامى الإرهاب وانتعشت فصائله، و توالت ضحاياه و تنامت جرائمه في الوسط الطلابي الذي ينبغي أن تهيمن عليه قيم العلم والمعرفة والحوار والتعايش السلمي. إن المقاربة المعتمدة في التعاطي مع الإرهاب الجامعي والعنف الطلابي، يعاني اختلالات منهجية خطيرة، حيث نشهد الانتقال من حالة متطرفة تمت فيها سابقا "عسكرة" الجامعات بأجهزة "الأواكس" إلى حالة مناقضة ومتطرفة أيضا يتم التعامل فيها مع الملف كأن الجامعة فضاء لا يشمله القانون ولا تصله يد العدالة. ويحتمي بين أسوارها ليس فقط حاملوا فكر التطرف والإرهاب بل منفذوا أعماله ضد الأبرياء العزل. إن الوضع الذي تعيشه الجامعة، يكرس الإحساس لدى الطلبة وأسرهم بكون الدولة ضعيفة ومنسحبة أمام تنامي تطرف منظم خطير يجتاح الجامعة، و أمام سلبية مستغربة لوسائل الإعلام ولمنظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية. إن أخطر ما يمكن أن يفضي إليه التعامل الغريب لأجهزة الدولة مع العنف الجامعي، رغم استبعادنا له، هو قراءته ضمن المقاربة التآمرية التي قد تفسر سلوك الدولة المستغرب على أنه طواطؤ مع التطرف الطلابي لتصفية حساسيات سياسية وفكرية في الوسط الجامعي. إن الوضع الأمني في الجامعة، بحكم موقعها الاستراتيجي في المشروع المجتمعي في الوطن، يتطلب وضع استراتيجية وطنية مستعجلة لمحاربة العنف في الوسط الطلابي، تدمج جميع الأطراف، بما فيها الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وكل الفاعلين في الوسط الجامعي والطلابي، وتعتمد الصرامة في تطبيق القانون واحترام الحريات. استراتيجية ترتكز على فرض الأمن واحترام الحريات، وعلى نشر ثقافة التعايش السلمي والحرية الفكرية وتقبل الرأي المخالف، وثقافة الاحتكام إلى العقل والحجة في الحوار والآليات الديمقراطية في الاختيار.