لا شك أن الرأي العام تابع بدقة مسلسل العنف الدموي الذي تمارسه مجموعة اليسار القاعدي المتطرف على مرأى ومسمع من السلطات العمومية وخاصة بمراكش، والذي كانت آخر فصوله الهجمة التي استهدفت الطلاب أول أمس الإثنين مخلفة عددا من الضحايا، وذلك بعد أن حولت هذه المجموعة الحي الجامعي إلى قلعة أقاموا فيها دولة ضدا على القانون، وكانت المحصلة جرحى من الطلبة الأبرياء استهدفوا في مناطق حرجة وبأدوات دموية. إن الجامعة المغربية تستغيث، والمستفيد الأكبر من الإرهاب الحقيقي هو من يريد تدمير الجامعة المغربية وتحويلها إلى مجرد فضاء للعنف والدم عوض أن تكون منارة للعلم والإصلاح، وكل ذلك يقع في مغرب القرن الواحد والعشرين، وفي سياق وطني عام صار فيه رفض العنف وتحصين المجتمع من ثقافته خيارا لا رجعة فيه، لكن يبدو أن بعض الجامعات ظلت نشازا في هذا الإطار، إذ لا يلمس من جهة السلطات العمومية أي تفعيل جدي وشامل لمواجهة ظاهرة إرهابية يصدق عليها قانون الإرهاب، فلا تزال هذه المجموعة اليسارية القاعدية المتطرفة على نهجها العنفي المؤطر نظريا وفلسفيا، وما تزال تمارس أشكالا من العنف الدموي ضد الطلبة الجامعيين وضد الأنشطة الطلابية، وتعيد إلى الواجهة ألوانا أخرى من الممارسات الإرهابية التي لم يعد مسموحا بها في أي دولة من دول العالم، من قبيل الاختطاف والاحتجاز والاستنطاق، وهو الأمر الذي لا زال القاعديون يمارسونه بكل حرية وسط الأحياء الجامعية من غير مساءلة ولا متابعة قانونية. لقد أدى المغرب ثمنا فادحا من جراء اعتماد سياسة التعايش مع هذه الممارسات الإرهابية التي تشوه صورة الجامعة المغربية والاكتفاء ببعض التدخلات الانتقائية والعشوائية، وذلك تحت وهم الخوف من ضغط بعض الهيئات الدولية والوطنية الحقوقية، خاصة بعد استغلال هذه الجموعة لشعارات الأطروحة الانفصالية، والمطلوب اليوم هو أن تتحمل المنظمات الحقوقية مسؤوليتها وتقوم بإيفاد لجنة تقصي حقائق، وتعد تقريرا للوقوف في وجه استغلال شعارات حقوق الإنسان لمصلحة إرهاب منظم، أما البرلمان فهو الآخر معني بمساءلة الحكومة وخاصة وزارة الداخلية عما يقع في جامعة مراكش. ما حصل هو امتحان جديد للسلطات العمومية بأن تتحمل مسؤوليتها في اعتماد سياسة حازمة وتجاوز منطق الحملات الموسمية والعشوائية، خاصة وأن عناصر المجموعة الإرهابية تمرسوا على كيفية الاختفاء أثناء الحملات وتوريط طلاب أبرياء، وانتهاج موقف حازم تجاه هذه المجموعة الخارجة عن الشرعية القانونية والمنتهجة للعنف الدموي، وغير المتورعة عن استعمال مجموعة من الأشكال الإرهابية التي يعاقب عليها القانون بأشد أنواع العقوبات، والتي تريد العودة بالمغرب إلى مرحلة الميشليات الإرهابية المتحكمة في مراكش والمتطلعة إلى نقل ذلك إلى باقي الجامعات، وكأن السلطات العمومية غائبة عن المجال، عاجزة عن التدخل لفرض الأمن وتأمين الطلاب. يبدو أن التساهل الكبير الذي يجده هذا التيار من جهة السلطات يشجعه أكثر على المضي في خياره العنفي وتعميمه خارج الفضاء الجامعي ، فبعد هجوم الخميس الماضي، أقدمت هذه المجموعة يوم الاثنين 23 مارس 2009 على تنفيذ هجوم عنيف على طلبة جامعة القاضي عياض بكلية الآداب، وذلك بعد يومين من هجوم استهدف منتدى الحوار والإبداع الطلابي الذي نظمته منظمة التجديد الطلابي وخلف العديد من الجرحى، وقد استعملت ملشيات هذه المجموعة في الهجوم الثاني سيوفا وسواطير وحجارة؛ وأصيب على إثره عدد من الطلبة إصابات متفاوتة الخطورة، ونقل بعضهم إلى مستشفى ابن طفيل لتلقي العلاجات الضرورية، فيما تم اختطاف طالب بكلية الحقوق، هذا فضلا عن حالة الترويع والهلع التي تسببوا في إصابة الطلبة بها. إزاء هذه الوضعية الخطيرة، لم يعد التحدي المطروح اليوم على السلطات هو فقط تأمين الفضاء الجامعي، وإظهار الحزم والصرامة في التصدي لكل من يتهدده، خاصة من مجموعة اليسار القاعدي المتطرف، ولكن التحدي المطروح اليوم يتعلق بمصداقية خطاب السلطات في مواجهة ثقافة العنف التي تستشري في المجتمع، والتي يغذيها النهج القاعدي نظريا وفلسفيا، كما لا يتورع في ممارستها عمليا ضد الطلبة والجامعة. كل ذلك يجعلنا نتساءل عن من يقف وراء هذا التساهل في تطبيق القانون في حق إرهاب دموي؟