تطابقت تصريحات ثلاثة باحثين في الشأن السينمائي بالمغرب، في التأكيد على افتقاد المغرب لثقافة سينمائية بمعناها البحثي والعلمي، مقدمين لذلك العديد من المؤشرات أبرزها الانحدار الحاصل في إغلاق القاعات السينمائية التي لم تعد تتجاوز 26 قاعة بعدما كانت تقارب 300، وأيضا التراجع الكمي والنوعي لعمل الأندية السينمائية، فضلا عن ضعف ارتباط السينما كما يرى بعضهم بقضايا الشعب المغربي وهمومه عكس ما كان في مرحلة السبعينيات. ويحضر من المؤشرات غياب الثقافة السينمائية، كذلك في التصريحات التي استقتها "التجديد" من الباحثين في المجال السينمائي، ما يتعلق بالمقررات الدراسية وموقع قراءة الصورة وتحليلها فيها، وأيضا ما يهم الفصل الذي اعتبر غير مفهوم بين وزارة الثقافة والسينما وكذا ضعف ميزانية هذه الوزارة ومؤشرات أخرى. منها ضعف التنوع في التظاهرات السينمائية الكبرى ومحدودية الجمهور المتردد عليها. في هذا الصدد، قال الناقد السينمائي بوشتى فرق زيد، إن المغرب ما يزال بعيدا عن تملك ثقافة سينمائية، من خلال النقص الكبير أولا في عدد القاعات السينمائية ومرتاديها وكذلك في تنوع المهرجانات مع محدودية روادها. وأضاف صاحب أكثر من مؤلف في مجال الصورة والسينما أن "الثقافة السينمائية تأتي عبر المشاهدة بالقاعات وليس بالمنزل لأن بالمنزل يعطى طقس آخر"، معتبرا أن المطلوب أولا هو الجواب على سؤال القاعة والفرجة الجماعية، مشيرا إلى دور الأندية السينمائية التي كانت تواكب للثقافة والنشر السينمائيين لكنها في حالة كمون وينبغي إحياؤها من جديد. بوشتى فرق زيد وقف كذلك عند أهمية إدخال السينما للمدارس لتمكين الناشئة من التمكن من آليات قراءة الصورة وتحليلها لأنها أصبحت تشكل خطورة بالغة. من جهته، أكد الحبيب ناصري، الباحث في قضايا السينما، في تصريح ل "التجديد"، أن المغرب يعيش حالة بعد عن المفهوم العلمي للثقافة السينمائية بمعناه المتجذر، مشددا على أننا ما زلنا في بداية البدايات، وذلك بعد أن صدر كلامه بالتساؤل حول مفهومي الثقافة والسينما، ثم ما إن كان المغرب يتوفر على مشروع ثقافي وعن صناعة وإستراتيجية ثقافية، موضحا أنه وبلغة الأرقام " فإن أضعف ميزانية تمنح لوزارة الثقافة، كما تساءل عن السر في فصل السينما عن الثقافة. ناصري تساءل كذلك، حول طبيعة هذه السينما وموقعها بالمدرسة المغربية بمختلف مكوناتها الابتدائية والعالية، معتبرا إياها بعيدة كل البعد عن ثقافة الصورة وعن الإشباع بالقيم الجمالية والروحية والوطنية والإنسانية للطالب المغربي، وهي ما ينتج حسب تصريح الناصيري مواطنا هشا على مستوى التلقي الجمالي وامتلاك ثقافة نقدية، وهو ما نعكس عن بعد السياسي المغربي عن هذه الثقافة مع حالات استثنائية. مدير المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، سجل تفوق المغرب في موضوع سياسة دعم الإنتاج المختلف ومنه السينمائي خاصة في الترويج لصورته بالخارج من وجهة نظر معينة، لكنه طرح سؤالا اعتبره عميقا وجوهريا "ماذا لو رفعت الدولة يدها عن دعم الإنتاج؟"، قبل أن يجيب "بالتأكيد سنصبح موتى سينمائيين"، ليعود للسؤال من جديد عن موقع القطاع الخاص في المجال الثقافي والسينمائي، ليجيب "إن البورجوازية المغربية هي بورجوازية عقارية ولا تؤمن بالاستثمار في الثقافة على عكس حالات وتجارب مشرقة ببلدان أخرى مختلفة". الناقد والمخرج السينمائي حسن بنشليخة بدوره قال ل "التجديد"، إن المغرب يعيش حالة انقراض للثقافة السينمائية، واختار العودة لزمن اعتبرهه مشرقا سينمائيا في فترة السبعينيات "كانت ثرية وكان هناك بالفعل حالة سينمائية خاصة الأطر التي درست بأوروبا الشرقية وفرنسا وعادوا أولئك الأطر الذين درسوا الاجتماع والسياسة" كما استحضر بنشليخة الأندية السينمائية التي كانت في المجمل تشكل لحظة سينمائية قريبة من هموم الشعب ومن الإنسان المغربي على الرغم من الضعف في الجانبين التقني والأدائي، وعلق "أحببنا تلك السينما لأننا استشعرنا أن مصدرها روح الفنان المغرب ومنطلقها الواقع المعاش"، وأشار في هذا الصدد إلى عدد من الأفلام التي اعتبرها مشرقة من قبيل "حلاق درب الفقراء" و "رماد الزريبة". مع التمانينيات حسب الباحث بن شليخة، بدأ الانحدار في السينما المغربية المتصلة بالثقافة موضوع الحديث إلى الهاوية، وانه مع مطلع سنة 2000 بدأ مسلسل تفكيك السينما المغربية بخلفيات إديولوجية وسياسية، ووصلت السينما بالمغرب حسب بنشليخة للرداءة عكس السبعينيات التي كانت لها رسالة هادفة ومرتبط بالشعب. وعن واقع هذه السينما اليوم قال صاحب كتاب "السينما المغربية والعولمة" إن السينما حاليا في المجمل خالية من الإبداع والرسائل الهادفة، متسائلا بدوره عن مصير الأندية السينمائية التي شكلت رافدا مهما للثقافة السينمائية، مردفا كيف يكن الحديث عن ثقافة سينمائية أمام كل هذا الذي انضاف إليه إغلاق القاعات السينمائية. كما تساءل المتحدث عن المجلات المتخصصة في النقد السينمائي، وحتى إن وجدت ماذا سيكتب فيها، في زمن أصبحت فيه السينما العشائرية عنوانا للمرحلة الأخيرة.