قضى المجلس الدستوري بعدم دستورية العديد من مواد النظام الداخلي لمجلس النواب المحال عليه بداية هذا الشهر، أبرزها عدم مطابقة مقترح تخصيص ثلث الوقت لرئيس الحكومة في الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسات العامة، وتخصيص ثلث آخر للأغلبية وثلث للمعارضة التي سبق لها أن طالبت بحصة تفضيلية و أثارت حول الموضوع ضجة إعلامية. و نالت مقترحات المعارضة الحض الأوفر من المواد التي رفضها المجلس لمعاكستها منطق و روح دستور2011. و أقر المجلس أن ما نصت عليه المادة 207 من القانون الداخلي من منح الحكومة ثلث الحصة الزمنية الإجمالية المخصصة لجلسة الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، غير مطابق للدستور. واعتبر المجلس أن أسئلة النواب وأجوبة الحكومة، المنظمة بموجب الفصل 100 من الدستور، بغض النظر عن كونها أسبوعية أو شهرية وبصرف النظر عن موضوعها وعن من يطرحها ومن يجيب عنها، يتعين أن تخضع لنفس المبادئ المنظمة للعلاقات بين البرلمان والحكومة المقررة في الدستور. وذكّر المجلس بهذا الخصوص العلاقة بين البرلمان والحكومة، باعتبارهما سلطتين دستوريتين مستقلتين ومتعاونتين، تخضع لمبدأ التوازن المقرر في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور بما ينطوي عليه ذلك من المساواة بينهما وتمتعهما بنفس الحقوق، الأمر الذي يترتب عنه ضرورة توزيع الحصة الزمنية الإجمالية المخصصة لأسئلة النواب وأجوبة الحكومة، أسبوعية كانت أو شهرية، مناصفة بينهما. وعلل المجلس قراره ذاك بالقول لئن كانت قاعدة التمثيل الديمقراطي المبنية على الانتخابات ونتائجها، وفقا لأحكام الفصل الثاني والفصلين 11 (الفقرة الأولى) و47(الفقرة الأولى) من الدستور، تقتضي مبدئيا أن تؤول للأغلبية حصة زمنية تفوق تلك التي تؤول للمعارضة، فإن المكانة التي حرص الدستور على تخويلها للمعارضة، لا سيما بموجب الفصلين 10 و69 منه، تبرر، فيما يخص مناقشة موضوع يتصل بالسياسة العامة للحكومة يتولى رئيسها الإجابة عنها، العدول استثناء عن القاعدة المذكورة ومنح المعارضة نفس الحصة الزمنية الممنوحة للأغلبية. و من جهة أخرى أكد المجلس عدم مطابقة مطلب تأسيس هيئة للنساء البرلمانيات الذي نصت عليه المواد 43/50/51 من القانون الداخلي. و قضى المجلس بعدم مطابقة المواد 49 و50 و51 للدستور والتي تتعلق بحق النائبات، الممارسات فعليا خلال الولاية التشريعية، في تأسيس هيئة للنساء البرلمانيات تهدف إلى اقتراح ودعم وتقوية المكتسبات النسائية في كل المجالات وتعزيزها على مستوى التشريع والمراقبة والدبلوماسية البرلمانية وعلى مستوى مراكز اتخاذ القرار. حيث اعتبر أن أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة، طبقا للفصل 60 من الدستور، الأمر الذي يجعل ممارستهم، بصفتهم هذه، لمهام أو تأليفهم لهيئات على أساس الجنس، تتنافى مع النيابة المذكورة. ضمن المواد غير الدستورية كذلك نجد المادة 42 من القانون الداخلي التي اعتبر المجلس أن ما ورد فيها من أن المعارضة تحدد المدة الزمنية بالنسبة لها في مناقشة ملتمس الرقابة المقدم من قِبلها، غير مطابق للدستور الذي أوكل لمكتب المجلس، دون غيره من هيئاته، حق وضع جدول أعمال المجلس، طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 82 من الدستور. قرار رفض آخر للمجلس هم المادة 104 من المشروع، والتي تعطى الحق للنواب في الجلسة المخصص للأسئلة وأجوبة الحكومة، الأسبقية الزمنية للتحدث في موضوع عام طارئ، مع حصر تناول الكلام فيها على رؤساء الفرق النيابية أو من ينتدبونهم، وكذا عدم ضرورة إخبار الحكومة والاتفاق معها مسبقا على هذا الأمر. الأمر الذي يتنافي حسب المجلس الدستوري مع الفصل 82 من الدستور الذي ينص على أن يتولى مكتب المجلس تحديد جدول أعمال الجلسة مسبقا، وأنها يجب أن ترصد أساسا وقبل أي شيء آخر لأسئلة النواب وأجوبة الحكومة، حسب الفصل 100 من دستور فاتح يوليوز. وأضاف المجلس الدستوري، أن المادة المذكورة تتعارض كذلك مع ما نص عليه الدستور من التساوي في ممارسة الحقوق التي يخولها لهم الدستور، وكذا مع مبدأ التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، الذي يُعدُّ بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، من المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة. وقضى المجلس الدستوري، أن ما تتضمنه هذه المادة من منح الأسبقية الزمنية للتحدث في موضوع عام طارئ، في جلسة مخصصة دستوريا لأسئلة النواب وأجوبة الحكومة وفق الضوابط المحددة لذلك في الفصل 100 من الدستور، وحصر تناول الكلام فيها على رؤساء الفرق النيابية أو من ينتدبونهم دون سائر النواب، وعدم إخبار الحكومة والاتفاق معها مسبقا على هذا الأمر، يُخِلُّ بالمبادئ الدستورية سالفة الذكر، مما يجعل هذه المادة غير مطابقة للدستور. وكان مجلس النواب قد أحال نظامه الداخلي على الأمانة العامة للمجلس الدستوري في الخامس من الشهر الجاري للبتِّ في مطابقته للدستور، عملا بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 69 من الدستور ومقتضيات المادة 21 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري. يشار إلى أن النظام الداخلي لمجلس النواب الذي صودق عليه بالإجماع في اختتام دورة أبريل يتكون من 251 مادة تتوزع على سبعة أجزاء، خصص الجزء الأول منها لمقتضيات تتعلق بتنظيم مجلس النواب، والثاني لسير أعماله، والثالث للتشريع، والرابع لمسؤولية الحكومة أمام هذا المجلس، والخامس لمقتضيات خاصة، والسادس لمدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية، والسابع لمقتضيات تتعلق بمراجعة النظام الداخلي للمجلس.