تلوح «لجان» تابعة لحكومة الاحتلال الصهيوني مختصة في تغيير تاريخ وجغرافيا القدسالمحتلة لإضفاء الطابع «اليهودي» عليها، وأخرى من بلديته في المدينة المقدسة بمشاريع ومخططات تنتظر المصادقة من حكومة «نتن ياهو»، منها ما هو تحت الأرض ومنها ما هو فوقها، وكأن هناك لعبة في جهاز الحاسوب ضحيتها المسجد الأقصى المبارك. فكل ما يخططه الصهاينة ينفذونه، وكل وعد يتبخر لدى العرب لتبقى القدس تحمل اسما عربيًا فقط يتوسطها مسجد مهدد بالتقسيم والهدم، وعمرانها لم يعد فلسطينيًا أصيلا وإنما «صهيونيا».ويعدُّ آخر مشاريع «التهويد» و»الصهينة» من أخطر تلك السياسات التي تشرعن الأنفاق وتؤسس لمرحلة قادمة يسيطر فيها المستوطنون الصهاينة على كل أطراف وزوايا القدس القديمة وصولا إلى البراق، حيث الساحة التي حولها التهويد إلى ما يسمى «المبكى». وكشفت «مؤسسة الأقصى للوقف والتراث»، أول أمس، عن بدء الاحتلال الصهيوني وأذرعه التنفيذية حملة من الحفريات الجديدة، المتزامنة في وقت واحد في ثلاثة مواقع قريبة من المسجد الأقصى المبارك. وذكرت المؤسسة في تقرير لها، نشره موقعها الالكتروني، أن الموقع الأول يتمثل في منطقة الطرف الجنوبي لطريق باب المغاربة، في حين أن الموقع الثاني في الطرف الشرقي للقصور الأموية جنوبي المسجد الأقصى، أما الموقع الثالث فهو في الطرف الجنوبي لمدخل حي وادي حلوة. وبينت «مؤسسة الأقصى» أن الحفريات الجديدة تأتي في وقت يعكف فيه الاحتلال الصهيوني على تغيير الطابع الإسلامي العريق لمحيط المسجد الأقصى، وتحويله إلى محيط تكثر فيه البنايات التهويدية، إضافة إلى التوصيل بين شبكة الأنفاق التي يحفرها الاحتلال حول المسجد الأقصى وأسفله من جهة، وتشبيكها مع المرافق التهويدية (التوراتية/ التلمودية) التي ينشئها، أو يخطط لتنفيذها قريبًا، من جهة أخرى. وقالت: «إننا رصدنا ووثقنا من خلال زيارة ميدانية قمنا بها إلى المواقع المذكورة أن الاحتلال شرع في تنفيذ حفريات في الذراع الجنوبي لما تبقى من طريق باب المغاربة، حيث نصبت عدة خيم ومعرشات ظل على طول الطريق، ويُشغّل العديد من الحفارين الأجانب، إذ تظهر عدة مقاطع حفرية في الموقع المذكور، بعدما يقوم الاحتلال بعمليات التفريغ الترابي ونقل حجارة الأبنية الموجودة، ويضعها في أكياس كبيرة ثم ينقلها إلى الخارج، وهي في الحقيقة بقايا الآثار الإسلامية من عقود مختلفة». وأوضحت المؤسسة أن الاحتلال مازال يواصل عمليات الحفر في منطقة طريق باب المغاربة، بل وسع من رقعة الحفريات بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة، وما زال يستكمل عمله في أعمال «ترميم وإنشاء» لتهيئة فراغات جوفية أسفل طريق باب المغاربة، ومنها بقايا مسجد ومدرسة «الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي»؛ بهدف تحويلها إلى كنس يهودية للنساء. في الوقت نفسه، تضيف «مؤسسة الأقصى» أنها وثقت أعمال حفريات كبيرة في أقصى المنطقة الشرقية الجنوبية من قصور الخلافة الأموية، الواقعة مباشرة خلف الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى، وبالتحديد خلف المصلى المرواني، وقد نصبت عدة خيم ومظلات بلاستيكية وأخرى حديدية، ويُشغّل عشرات الحفارين في وقت وآن واحد، وهناك عمليات حفر واسعة على رقعة متسعة، بالتزامن مع تدمير ممنهج للآثار الإسلامية العريقة في الموقع. وأكدت أن الهدف من ذلك هو «استكمال تهويد منطقة القصور الأموية، وتحويلها إلى مسارات تلمودية و»مطاهر» للهيكل المزعوم». في سياقٍ متصل، وثقت «مؤسسة الأقصى» أن الاحتلال بدأ، حديثًا، تنفيذ حفريات في مساحات إضافية في منطقة مدخل حي وادي حلوة (بلدة سلوان) على بعد أمتار جنوب سور القدس التاريخي، بمشاركة عشرات الحفارين من جنسيات مختلفة يبرز منهم المستوطنون، وذلك بهدف تهيئة الموقع لبناء مشروع «الهيكل التوراتي» الذي أوصت حكومة الاحتلال ببنائه قبل أشهر. تحذيرات فلسطينية في غضون ذلك، اعتبر الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، أستاذ القانون الدولي د.حنا عيسى، السلسلة الجديدة من الحفريات «استكمالًا لمخطط تهويد المسجد المبارك وطمس معالمه الإسلامية، وإحاطته بمعالم يهودية تلمودية؛ تمهيدًا للسيطرة الكاملة عليه، وفتح أبوابه للمستوطنين والمتطرفين». وأشار في تصريحات له، نشره موقع الهيئة، إلى أن هذه الحفريات يرافقها العديد من عمليات سرقة التاريخ وتزوير الآثار، منبهًا على أن مدينة القدسالمحتلة لاسيما البلدة القديمة منها تزخر بالآثار من عصور مختلفة، وخلال هذه الحفريات تضع سلطات الاحتلال يدها عليها؛ لتنسبها زورًا إلى ما تسميه «التاريخ اليهودي في المدينة»، لتثبت أن لهم أحقية فيها، داعيًا إلى الوقوف بالمرصاد لأكاذيب الاحتلال وادعاءاته. وأكد د.عيسى أن الحفريات الصهيونية وجميع أعمال التهويد في منطقة المسجد المبارك تتناقض ومبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني، إذ إن المسجد الأقصى تنطبق عليه أحكام اتفاق لاهاي لعامي 1899م، و1907م، كما تنطبق عليه أحكام اتفاق جنيف الرابع 1949م، و»البروتوكولات» التابعة له، بصفته جزءًا من شرقي القدس الذي احتلته الكيان العبري عام 1967م، إضافةً إلى انطباق معاهدة لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في أثناء النزاعات المسلحة لعام 1954م عليه. وأشار إلى أن المادة (27) نصت من الملحق الرابع من اتفاق لاهاي 1907م على «وجوب أن تتخذ القوات العسكرية في حال حصارها كل الوسائل لعدم المساس بالمباني المعدة للمعابد وللفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية»، وحظرت المادة (22) من الاتفاق نفسه «ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب». وأكد الخبير القانوني أن القدس القديمة مسجلة رسميًّا ضمن لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر، لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو). وكانت المنظمة الدولية قد شجبت في أكثر من مناسبة اعتداءات سلطات الاحتلال الصهيوني على الأماكن التاريخية والمقدسة في القدسالمحتلة، وسبق أن أدانت الحفريات وأعمال التنقيب التي تقوم بها سلطات الاحتلال في محيط المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، ودعت جميع قراراتها الكيان الصهيوني إلى التوقف الفوري عن هذه الحفريات لمخالفتها القوانين الدولية، ومنها الاتفاق الدولي الخاص بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972م. ودعا د. حنا عيسى المجتمع الدولي ومنظماته المعنية إلى إلزام الاحتلال باحترام القانون الدولي، ووقف ممارساته التهويدية في المسجد الأقصى المبارك. إلا أن الاحتلال الصهيوني لا يأبه بكل النداءات والمناشدات الدولية، فيما يصر على تنفيذ مخططاته وأهدافه الإجرامية في حق القدس والأراضي المحتلة. «حلم» الدولة «اليهودية» ويعد الاحتلال المخططات والآليات لتسريع الحلم الصهيوني بجعل القدس «يهودية» الطابع والعمران والجغرافيا والديمغرافيا، بهدف انتزاع اعتراف دولي ب»يهودية» الكيان، في مقابل مواصلة السلطة الفلسطينية وتشبثها بخيار «المفاوضات» مع قادة الإجرام الصهيوني بالموازاة مع قمعها المستمر لكل فعل مقاوم للاحتلال واعتقال رجالاته. وتكشف قوات الاحتلال عن أكثر من 3 آلاف وحدة استيطانية جاري العمل فيها في مستوطنات « جيلو» و»جفعات همتوس» و» معاليه أدوميم» المقامة على أراضي القدس كي يصبح الشكل العمراني للمدينة يهوديا مع أقلية فلسطينية جاري العمل على تنفيذ مخططات أخرى للقضاء عليها نهائيا. ويقول عبد السلام عواد الباحث في شؤون القدس لصحيفة «فلسطين»: «هي خطوة متقدمة في اتجاه استكمال تهويد مدينة القدس وكثير من المشاريع التهويدية والفنادق والساحات والوحدات الاستيطانية، كلها في خطوات متقدمة والخطوات الأخيرة تتمثل في إتمامها وفتحها أمام السياح الأجانب والمستوطنين وهذا تهويد واسع تمر به المدينة المقدسة». ويعتبر عواد بأن ردع الاحتلال عن مخططاته التهويدية في المدينة يتبع إرادة العرب، وإذا كان هناك رادع عربي وإسلامي يجب أن يمتلك الإرادة، ولكن الردع لتلك المشاريع فلسطينيا وعربيًا ودوليًا لا يوجد له أفق حتى اللحظة، فالردع بيد من يقرر من العرب والفلسطينيين. ويضيف: «وقف عملية التسوية وتعطيل اتفاقيات وادي عربة وكامب ديفيد وغيرها من الضغوطات التي تخافها دولة الاحتلال هي بيد العرب إن أرادوا أن يغيروا الواقع الحالي وينقذوا المسجد الأقصى والقدس». وتحيط بالمدينة المقدسة أكثر من 12 مستوطنة تعمل على خنقها وتشكل سياجا سكانيا يعيش فيه المستوطنون حيث إنهم تمكنوا من تمزيق الجغرافيا الفلسطينية هناك وفتتوا الوجود والتواصل، كما أن مخططات خطيرة في طريقها للتطبيق شرق القدس تعمل على جعل «معاليه أدوميم» البوابة الشرقية للمدينة، كما أصبحت مستوطنة «جوش عتصيون» شمال الخليل هي بوابة القدس الغربية والتي أكد على دورها الجغرافي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. وبالحفريات والمخططات أسفل وأعلى الأرض في القدسالمحتلة يستمر التهويد وصولا إلى مراحله الأخيرة التي يسبقها تقسيم للمسجد الأقصى أو هدم وإزالة قبة الصخرة، بحسب الدعاية الإعلامية التي تنشرها وزارة خارجية الاحتلال لتلك المساحات بوجود هيكل مزعوم مكان قبة الصخرة المشرفة.