تعيش بلادنا المغرب في الآونة الأخيرة فترة هدوء مؤقت من آفة الجراد في انتظار زحف جديد للحشرة في الخريف المقبل (أكتوبر) مع نزول المطر، وذلك بعد أن عالج المغرب نحو ثلاثة ملايين هكتار في العشرة أشهر الأخيرة، وقد بذلت السلطات المختصة مجهودات كبيرة لمحاربة الظاهرة على امتداد المرحلة المذكورة، وتدخلت خلالها مصالح ومؤسسات متعددة في إطار عمل منسق وموحدة، ففضلا عن السلطات الإقليمية والمحلية، فإن المراكز الجهوية لمحاربة الجراد تضم عضوية المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي، ومصلحة وقاية النباتات، والدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية، والصحة العمومية ومصلحة رصد التوقعات المناخية. وقد علمت التجديد أن استعدادات تجري على قدم وساق في المركز الرئيس لتنسيق محاربة الجراد والمراكز الجهوية التابعة له، بما فيها صيانة آليات الاتصال والتدخل والتنقل البرية والجوية، وذلك للتهيئ لمواجهة زحف مقبل للجراد قد يكون أشرس وأوسع نطاقا، سيما وأن الجارة موريطانيا تمر بمرحلة عصيبة من اجتياح أسراب الحشرة لأراضيها المترامية الأطراف، وقد وصلت إلى العاصمة نواكشوط في أواسط الأسبوع الماضي، وقد حذا هذا المعطى المقلق بالمغرب إلى اعتماد المحاربة الوقائية في الآونة الأخيرة، وذلك ببعث فرق ميدانية إلى الحدود للقضاء على أي جراد متسرب، وإلى الجارة موريتانيا (أكثر الدول الإفريقية تضررا من الآفة)، حيث وصل أمس الثلاثاء بعض من المساعدات المغربية التي أمر جلالة الملك بإرسالها إلى موريتانيا، وتمثلت في ثلاث طائرات لرش المبيدات المكافحة للجراد وفق ما صرح به مسؤول في وزارة الفلاحة لصحيفة الصحراء، في حين يتوقع أن تصل مساعدات أخرى يوم الأحد المقبل فرق مغربية لمحاربة الجراد، بالإضافة إلى 50 ألف لتر من المبيدات، ووحدتين أرضيتين لمكافحة الجراد (سيارات وأجهزة لرش المبيدات...). ولا تعدو أن المساعدات المغربية نزرا قليلا مما تحتاج إليه موريتانيا التي عجزت بإمكانياتها الذاتية عن القضاء على أسراب الجراد، ويخشى أن تأتي هذه الأسراب المعدودة بالملايين على محصول الأراضي الزارعية التي شهدت في مستهل غشت الجاري بداية مرحلة الإنبات. وإلى جانب موريتانيا فإن الأنباء القادمة من النيجر ومالي لا تبشر بالخير، فقد اجتاح الحشرة الطائرة آلاف الهكتارات من المزروعات، وما تزال أسراب جديدة تظهر في المنطقة مستفيدة من ضعف إمكانيات المكافحة لدى دول الساحل والصحراء، وضعف التضامن الدولي بالرغم من النداءات المتكررة والمنذرة التي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بخطورة الوضع، وتشير توقعات إلى أن الوضع إذا لم يتم التحكم فيها فإن جحافل الجراد، التي لا تعترف بالحدود السياسية والجغرافية والمذهبية، ستنتقل إلى غرب السودان حيث إقليم دارفور والوضع الصحي والإنساني متدهور هناك أصلا، ثم تعبر البحر الأحمر لتغزو شبه الجزيرة العربية ومنها إلى إيران، مما قد يتسبب في كارثة عالمية تذهب الأخضر واليابس. أعد الملف: محمد بنكاسم/محمد معناوي بعد 6 أشهر من مكافحة الجراد على امتداد أزيد من مليوني هكتار..هدنة مؤقتة للجراد الصحراوي في انتظار غزو آخر للمغرب الخريف المقبل لا قدر الله تجنب لما وقع في المغرب سنة 1987 من غزو للجراد أحدث خسائر جسيمة وتطلب الأمر تعبئة موارد بشرية ومالية ضخمة لمعالجة حوالي 5,4 مليون هكتار، فقد تكونت منذ السنة المنصرمة لجنة مختلطة تعمل على قدم وساق مكونة من قطاعات: وزارة الداخلية ووزارة الفلاحة والدرك الملكي، ويقوم هذا الأخير بدور المنسق بين الأطراف. في هذا المقال نعرض للمجهودات التي بذلها المغرب ماديا وبشريا لمواجهة الجراد وسرعة تنقل هذا الأخير ونطاق انتشاره الواسع في بعض أقاليم المملكة الجنوبية والجنوبية الشرقية، ولما كان أمر الجراد يتجاوز المغرب إلى باقي جواره (الجزائر وموريتانيا) نذكر ما أنتجته هذه الآفة من تضامن جهوي ودولي ومبادرة لتنسيق الجهود لمكافحة أفضل للأسراب المحتاجة، ولتقديم العون للدول الإفريقية ذات الإمكانيات الضعيفة التي تحول دون تصديها للجراد والحد منه. استفاد المغرب من وجود مركز منذ سنة 1987 بأيت ملوك فيه طاقم بكامل عدته التقنية ووسائله الأرضية وطائراته، وقد تصدي المركز الرئيس لتنسيق محاربة الجراد منذ الظهور الأول لأسراب الجراد وعالج عشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي التي تجاوزات المناطق الحدودية المغرب الجنوبية مع موريطانيا والشرقية مع الجزائر إلى مناطق من الجهة الشرقية كعين بني مطهر (جنوبوجدة). وكان المركز قد توقع في أواسط السنة الجارية (2004) بأن تستمر اجتياحات أسراب الجراد للمغرب بشكل مكثف إلى غاية ماي أو يونيو، وذلك بسبب توالد الحشرة في أراضي موريطانيا، البلد الجار، وقد شدد مسؤولو المركز على ضرورة تعزيز الجهاز الوطني للبحث عن الجراد بشكل استعجالي، ومكافحته والسهر الدقيق على توفر وجاهزية الوسائل التي ستخصص لهذه المكافحة. خطورة الآفة للتحذير من الآفة، نظمت السلطات المختصة لقاء متعددة مع ساكنة المناطق المصابة باجتياح الجراد، وكذا المنتخبين وممثلين عن المجتمع المدني بغرض التوعية بمخاطر أكل الحشرة، وطريقة التعامل مع الأراضي التي شملتها المعالجة الكيمائية، إلى غيرها من الجوانب المرتبطة بالآفة ومكافحتها. ولقد قض حشرة الجراد الصحراوي مضجع مسؤولي دول شمال إفريقيا والساحل لدرجة جعلت الرئيس السينغالي عبد اللاي واد يطلب من مجموعة الدول الثمانية الأكثر تصنيعا إعلان الحرب على الجراد الرحال في القارة السمراء، معتبر في رسالة وجهها إلى قادة تلك الدول أن قدرته التدميرية تفوق بكثير أسوأ النزاعات المسلحة. المجهود الوطني: إمكانيات كبيرة ويقظة دائمة سبق لأحد مهندسي وزارة الفلاحة أن أوضح في لقاء صحفي أن النتائج التي حققها المغرب في مكافحة الحشرة راجعة إلى تعبئة تجهيزات الاستكشاف والمحاربة التي وفرها المغرب منذ شهر نونبر الماضي، خاصة ما يتعلق بوسائل المعالجة الأرضية والجوية بحيث سخر أزيد من40 طائرة و45 سيارة، كما حرصت السلطات العمومية على تزويد مختلف الجهات والأقاليم بالمبيدات، سيما أقاليم بوعرفة، وطاطا، وكلميم، والرشيدية، والداخلة، وورزازات، وآيت ملول، والعيون، وعين بني مطهر، وقد كلفت العملية ما يفوق 170 مليون درهم. ورغم أنه لم تسجل في الشهور الأولى لغزو الجراد الرحال القادم من موريتانيا أي خسائر في المناطق المجتاحة، لكون طبيعة نمو هذا النوع لا يلحق ضررا بالمزارع، إلا أن الأسراب المتلاحقة التي استمرت في التسرب ألحقت فيما بعد أضرار محدودة ببعض المناطق حيث مراعي الماشية وزراعة الشجر المثمر، فقد اجتاحت في يوليوز المنصرم موجة جديدة للجراد قادمة من منطقة بوعرفة ومن الجزائر عددا من المناطق كأكادير وتارودانت وتلوين وأرفود والراشدية والجرف مسفرة عن خسائر مست النباتات، وعددا من الأشجار بما فيها أشجار اللوز والزيتون والنخيل. وكان يحدث أن يقضى على أعداد كبيرة من الجراد المكتمل النمو، إلا فرق المكافحة المنتشرة في المناطق المصابة ظلت متيقظة لأن يرقات الجراد سرعان ما تفرخ، وهو ما يتطلب مباشرة عمليات معالجة ضرورية، وكان ينصب المجهود على تكسير الدورة البيولوجية للجراد، بحيث لا تصل اليرقات التي تخلف أسرابه إلى مرحلة التفريخ. التضامن الدولي: بدى ضعيف ليتقوى فيما بعد وما كان للمغرب أن يستطيع مواكبة الغزو المتسارع للجراد داخل ترابه، والوضع الخطير في جارة موريطانيا حيث ساعدت ظروف الجو (نزول أمطار) الجراد على التكاثر في ظل ضعف إمكانيات السلطات المحلية على مواجهته وهو المنتشر على مساحات واسعة. ولذلك باشر المغرب عملا تحسيسيا لدى بلدان ومنظمات دولية طالبا دعمه في عمليات المحاربة، وقد استجابت بعض الدول لذلك، ومن بينها إسبانيا التي منحته مليوني أورو للمغرب ومكنته من تسع طائرات، وكوريا الجنوبية التي قدمت للمغرب 42 سيارة وأربع شاحنات للمساعدة على تحديد مواقع الجراد، وبلغت قيمة هذه المساعدة مليون دولار أمريكي حسب مصدر من سفارة كوريا الجنوبية. ومن جانب المنظمات الدولية، استفاد المغرب طيلة حملته ضد الجراد من دعم تقني من منظمة الأممالمتحدة للتغذية والزراعة (فاو)، ووقع مع مسؤوليها توقيع المغرب على اتفاقية متعلقة بالمشروع المعروف ب الدعم العاجل لعملية مكافحة الجراد الرحال في ماي ,2004 والذي يساهم في تمويله برنامج التعاون التقني للمنظمة بغلاف مالي يصل إلى 380 ألف دولار. وسيتيح المشروع تقوية القدرات الوطنية، وتغطية نفقات برنامج العمل المتضمن لعمليات اقتناء المبيدات وآليات التجهيز والاتصال والوقاية، إضافة إلى خدمات خبير استشاري دولي مختص في المتابعة البيئية لعمليات مكافحة الجراد والدعم التقني للفاو. وكان أبرز حدث خلفته معضلة الجراد التي اجتاحت شمال إفريقيا وشمالها الغربي اجتماع وزراء فلاحة تسع دول من المغرب العربي وغرب إفريقيا (المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا والسينغال ومالي والنيجر وتشاد) في العاصمة الجزائرية نهاية الشهر المنصرم، وذلك لتحديد برنامجا استعجاليا لتقييم الوضعية وحاجيات مكافحة الآفة في كل بلد على حدة، خصوصا وأن دول منطقة الساحل فقيرة ولا تتوفر على الإمكانات الضرورية لمواجهة ظاهرة الجراد، وجاء الاجتماع خلال هذه المرحلة من السنة التي تعد مرحلة توالد وخصوبة للحشرة. وصرح وزير الفلاحة والتنمية القروية في الاجتماع بأن التقديرات الأولية تفيد بضرورة معالجة أربعة إلى خمسة مليون هكتار، مضيفا بأن هذه المكافحة ستتضاعف مع فصل الخريف الذي يعرف زحفا أكبر للجراد نحو الشمال، وهو ما سيتطلب معالجة مساحات أكبر قد تصل إلى ستة وثمانية ملايين هكتار. وسبق اجتماع الجزائر اجتماع آخر في آخر يومين من شهر يونيو للأمانة العامل لاتحاد المغرب العربي حضره خبراء من بلدان الاتحاد لوضع برنامج عمل استعجالي لمكافحة الجراد الصحراوي بالمنطقة بتعاون مع منظمة الفاو خلال الفترة المقبلة لما يحتمل من أن يقع من اجتياح جديد ابتداء من الخريف المقبل، وقد اتفق على تركيز عمليات المكافحة الأساسية والاستعجالية في موريتانيا، لكونها بؤرة طبيعية للتكاثر الصيفي للجراد، والانطلاق نحو دول الجوار بالشمال. ولأن مناطق هذه التكاثر مترامية الأطراف في كل من مالي والنيجر والسينغال وتشاد، فقد نادى المشاركون في الاجتماع بمساعدة دولية للدولة المعنية. وتضمن برنامج العمل المغاربي للفترة القادمة إجراءات أخرى كتكوين مخزون استراتيجي من المبيدات على الصعيد الوطني، وتأهيل سريع للعناصر البشرية المكلفة بعمليات المكافحة، وكذا تنظيم استكشافات مشتركة بين دول الاتحاد (خاصة المناطق الحدودية)، وتطوير تقنيات المكافحة الوقائية على أساس علمي، وإحكام التنسيق والمكافحة، وضع الخبراء المجتمعون خططا تنظيمية فيما بين مصالح دول المغرب العربي بتبادل خرائط المناطق المجتاحة، والمعطيات المتعلقة بمسح واستكشاف حركية الجراد الصحراوي بكيفية منتظمة ومتواصلة.