الحوار الاجتماعي .. الحكومة تبلغ "السيديتي" بفتح ملف معاشات المتقاعدين    عمدة مدينة مونبليي الفرنسية يشيد بعلاقات الصداقة العريقة التي تجمع المغرب ببلاده    "أمر دولي" يوقف تونسيا في المغرب    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    الجولة 27 من الدوري الاحترافي الأول .. الوداد ينتظر هدية من السوالم وأندية الأسفل تمر إلى السرعة القصوى    أخبار الساحة    من تداعيات شد الحبل بينها وبين الوزارة الوصية .. جامعة كرة السلة توقف البطولة الوطنية بكل فئاتها بسبب العوز المالي    أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس يعزي في وفاة البابا فرانسوا الأول    انهيار صخري يعرقل حركة المرور بالطريق الساحلي بين الحسيمة وتطوان    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    تأييد الحكم الابتدائي وتغليظ التهم رغم التنازلات في حق الرابور «طوطو»    بنيامين حداد يدعو إلى تعزيز تبادل الخبرات في المجال الفلاحي    الدولار يتراجع لأدنى مستوى في سنوات مقابل اليورو والفرنك السويسري    الكرملين: بوتين لا يخطط لحضور جنازة البابا فرنسيس    وزير الفلاحة يعلن عن برنامج للري الصيفي بعد تحسن الوضع المائي    ميداوي: تخصيص مليار درهم لدعم البحث العلمي.. نصفها ممول من مكتب الفوسفاط    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل لدولة قطر    رئيس هيئة النزاهة: الفساد نتاج تنشئة اجتماعية .. ومراجعة مدة التقادم "أولوية"    بسبب تكريم باسم والدته.. نجل نعيمة سميح يهدد باللجوء إلى القضاء    صندوق النقد الدولي يتوقع بالنسبة للمغرب نموا بنسبة 3.9 بالمائة خلال 2025    من السماء إلى العالم .. المغرب يحلق بأحلامه نحو 2030 بمطار ثوري في قلب الدار البيضاء    ازدحام مطار طنجة يدفع برلمانية لمساءلة وزارة الداخلية واقتراح حلول لتجويد مراقبة الجوازات    قادمة من إسبانيا.. طائرة سياحية تتعرض لحادث عرضي بطنجة    طنجة القطب الاقتصادي الثاني بلا جامعة مستقلة.. مطالب برلمانية تدق ناقوس الخطر    مندوبية التخطيط: معدل التضخم يسجل تراجعا خلال شهر مارس الماضي    فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس ضيفا في المؤتمر 9 لحزب العدالة والتنمية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مبابي يستعد للعودة الى الملاعب لمواجهة برشلونة في نهائي كأس الملك    انطلاق أول نسخة لكأس أفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات اليوم الثلاثاء بالرباط    "أفريكوم" تؤكد مشاركة الجيش الإسرائيلي في مناورات الأسد الإفريقي    طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة يطالبون وزير الصحة بالوفاء بالتزاماته ويستغربون تأخر تنفيذ الاتفاق    لقجع: لاعبو المنتخب لأقل من 20 سنة هم "مشروع " فريق الكبار في كأس العالم 2030    تفاصيل انعقاد المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالقنيطرة    بوريطة: النسخة الرابعة للدورة التكوينية لملاحظي الانتخابات الأفارقة ستحقق قيمة مضافة للقارة    بنعلي: المغرب يطلق قريبا مناقصة لمحطة غاز مسال في الناظور لتعزيز أمنه الطاقي    الفاتيكان ينشر أول صور لجثمان البابا فرنسيس داخل نعشه    إسرائيل تمنع تطعيمات شلل الأطفال عن غزة.. 600 ألف طفل في خطر    عبد الكريم جويطي يكتب: أحمد اليبوري.. آخر العظماء الذين أنجزوا ما كان عليهم أن ينجزوه بحس أخلاقي رفيع    لجنة تسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر مؤقتا تُكرّم نساء ورجال الصحافة والإعلام بالمعرض الدولي للنشر والكتاب    فيلم "زاز": حين يفرض السيناريو أبطاله قبل ملصق التسويق !!!    باحثون: الحليب بدون دسم أفضل لمرضى الصداع النصفي    الصفريوي: لا مفاوضات ولا نية للاستثمار في شيفيلد وينزداي الإنجليزي    السلطات الأمريكية تقاضي "أوبر" بتهمة غش المستخدمين    قتيل في غارة إسرائيلية بجنوب لبنان    فان دايك: جماهير ليفربول ستتذكر أرنولد في حال قرر الرحيل    عميار يكتب عن المغرب والفلسطينيين    الصين وأندونيسيا يعقدان حوارهما المشترك الأول حول الدفاع والخارجية    ميناء طنجة: مفرغات الصيد البحري تتراجع بنسبة 5% خلال الفصل الأول من 2025    معهد الدراسات الإستراتيجية يغوص في العلاقات المتينة بين المغرب والإمارات    مندوبية الصحة بتنغير تطمئن المواطنين بخصوص انتشار داء السل    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد القادر الفاسي الفهري الخبير في اللسانيات العربية المقارنة ل»التجديد»: القرار اللغوي في المغرب لا يخضع للشروط الديموقراطية ولا العدالة اللغوية
نشر في التجديد يوم 17 - 12 - 2012

قال عبد القادر الفاسي الفهري، الخبير الدولي في اللسانيات، والأستاذ الباحث في اللسانيات العربية المقارنة، إن القرار اللغوي بالمغرب من حيث الصنع والتطبيق لا يخضع للشروط الديموقراطية، ولا يخضع لشروط العدالة اللغوية.
واعتبر رئيس جمعية اللسانيات بالمغرب في حوار مع التجديد، أن المشكل اللغوي لا يتعلق فقط بالجانب التقني بل هو أعمق، «الأمر يتعلق أولا ببناء العقل الثقافي والسياسي والفكري للمتكلم بهذه اللغة، فهذا المواطن له الحق في السيادة وله الحق في الكرامة وفي أن يعامل بطريقة عادلة، هناك عدالة لغوية تقتضي أن نعطي للمواطن الحق في الاختيار وفي القرار».
ويرى الفاسي الفهري الحائز على جائزة الاستحقاق الكبرى للثقافة والعلوم ووسام العرش من درجة فارس، تسلمها من الملك الراحل الحسن الثاني، أن اللغة ليست هوية وسيادة فحسب، بل هي أيضا أداة للتنافس المرجعي الفكري والثقافي والتموقع الاقتصادي والإعلامي والرقمي، علاوة على التموقع السياسي.
قبل أيام من احتفال اليونسكو ولأول مرة باليوم العالمي للغة العربية، أي واقع ترصدونه للغة العرب؟
العربية وضعها غير مريح، من جهة هناك مفارقة غريبة وهو أن اللغة العربية من حيث المبدأ لها عدد من مواطن القوى والتميز، تاريخا وحاضرا وحتى مستقبلا، فإذا نظرنا إلى التقارير التي تتعلق بمستقبليات اللغة نجد أن هذه اللغة لها مستقبل يتنبأ بالازدهار والرقي، وهناك أمل أن تصبح اللغة العربية من اللغات المتميزة والعملاقة في المجرة اللغوية العالمية لأسباب كثيرة، منها عدد متكلميها ورمزيتها الكبيرة لكونها لغة القرآن، وهي أيضا لغة ملتقى الديانات والثقافات، بحث نجد أن المسلمين يصلون بها وأيضا الكنائس العربية عموما تصلي بها، واليهود أيضا عبر التاريخ استعملوها لغة الملاذ للحفاظ على ثقافتهم وعلى الكثير من الأمور الثقافية وغير الثقافية التي تقاطعوا فيها مع العرب. إذا هناك رصيد مشترك للديانات في هذه اللغة وهناك رصيد حضاري عالمي تقاطعت فيه الحضارة والثقافة مع حضارات أخرى آسيوية وأوروبية، وكونها لغة القرآن جعلت كل المسلمين سواء تكلموا بها أو لم يتكلموا معنيين بها، لأن النص القرآني والنصوص النبوية الشريفة فيها كلمات عربية، هناك طاقة كامنة كبيرة لهذه اللغة الحضارية، من جهة الأعداد التي يمكن أن تتكلمها وتهتم بها ومن حيث عدد الدول التي توجد فيها كلغة رسمية.
وفي المغرب، كيف يصنع القرار اللغوي؟
أولا اللغة ليست هوية وسيادة فحسب، بل هي أيضا أداة للتنافس المرجعي الفكري والثقافي والتموقع الاقتصادي والإعلامي والرقمي، علاوة على التموقع السياسي.. فاللغة ليست مشكلا ثقافيا أو علميا أو تقنيا فقط، طبعا هذه المشاكل لها أهميتها، ولكن المشكل بالدرجة الأولى سياسي، فالأمر يتعلق بسيادة الدولة، ولا نهوض ولا تنمية، دون تحقيق الكرامة للإنسان، وحق المواطن في لغته جزء من كرامته.
مشكل المغرب حين نتحدث عن الجانب السياسي، هو صنع القرار اللغوي، ونتساءل كيف يصنع القرار اللغوي في المغرب وكيف يطبق، أعتقد أن القرار اللغوي من حيث الصنع والتطبيق لا يخضع للشروط الديموقراطية، ولا يخضع لشروط العدالة اللغوية. نحن نطلب من الحزب الأغلبي في الحكومة الحالية، أن يحقق لنا العدالة اللغوية والتنمية اللغوية. والحقيقة المرة أن واقعنا يقول شيئا على مستوى الخطاب وفي النصوص المرجعية نجد شيئا آخر، يجب أن نعترف أن هناك نوعا من الازدواجية، إنها الازدواجية بين القانون والواقع التي لم تعد مقبولة، والدول المتقدمة حين تصدر قانون تطبقه ولا تضع في الدستور ما تعجز عن تنفيذه. ولكن إذا عدنا لمشكل القرار اللغوي، المقصود به هو القرار الذي يطبق على أرض الواقع، لأن القانون مجرد إنشاء وضع في زمن ما، ونعرف أنه منذ الاستقلال إلى الآن هناك انفصام بين النص القانوني حتى وإن كان نادرا وبين ما يتم تطبيقه. هناك قرار خفي لإسكات هذه النصوص وهذا هو المشكل السياسي، اللغة لا يجب أن تسيس بهذه الطريقة فهي جزء من هوية المواطن، وجزء من كرامة وسيادة المواطن، فالتلاعب بها هو تلاعب بالمواطن. من جهة أخرى، من سمات الحداثة والديمقراطية الحقيقية هو الوضوح، ليس هناك شيء يحتاج للسرية في القرارات واحتكار بعض الجهات للقرار اللغوي، وقع التداول في مؤسسات الدولة واتفق الفرقاء على قانون محددة المفروض في دولة تحترم نفسها أن تطبق القانون.
من يتحمل مسؤولية حماية اللغة العربية بالمغرب؟
الدولة بمختلف مؤسساتها تتحمل مسؤولية النهوض باللغة العربية، أولا، يجب تطبيق القوانين والمرجعيات المتعلقة باللغة العربية، لا معنى أن نضع تشريعات ولا نطبقها، وهذا مطلب أظنه معقولا، ثانيا، نحن نعيش في عالم التنافس، أي لغة لا يجب أن تترك لوحدها، الواقع يقول أن العربية تركت لوحدها وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها وتخطط برنامجا للنهوض باللغة العربية، ومن هذه المخططات ما نص عليه مشروع «لننهض» بلغتنا الذي أطلقناه مؤخرا في الدوحة.
المسؤولية السياسية لها عدة جوانب، أول مشكل هو أنه في أي منطقة من العالم هناك مواطنون لهم هوية ومرتبطون بأرض ودولة معينة، هذه الدولة الأمة المرتبطة بالحدود تسمى الدولة الوطنية، والهوية الوطنية تقتضي الارتباط بأرض ووطن، وهذه الأرض ساكنتها يتكلمون لغة أو لغات، والأرض المغربية تتكلم العربية وتتكلم أيضا الأمازيغية، هذه هي لغتنا الوطنية، فطبيعي أن تلعب اللغة دورا أساسيا في تكوين هذه الهوية الوطنية. وهناك لغات تكون طبيعية في هذه البيئة الوطنية، كما أن هناك لغات غير وطنية قد تكون لغات علم، ولذلك حين طرح النقاش بالنسبة للدستور، كان رأيي هو «وطننة» اللغتين العربية والأمازيغية. لأن النقاش الذي كان قبيل الاستفتاء على الدستور، تركز على الترسيم، في حين الترسيم له مواصفاته، و»الوطننة» شيء آخر والتي هي أهم بالنسبة إلي من الترسيم الذي قد يتغير وقد نضيف لغة أجنبية. لكن «الوطننة» معناها أن اللغة وطنية والدستور يقر بأنها هي اللغة الوطنية للبلاد بمعنى المرتبطة بالوطن وبالأرض. المشكل السياسي يتجلى في أنه في إطار الربيع العربي والدستور الجديد، نريد علاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم والتي لم تكن مرضية سابقا، وبالنسبة للغة، من المفروض أن يكون الحاكم في تناغم مع اختيارات المحكوم، والشعب اختار اللغة العربية والتي أصبحت مطلبا جماهيريا. هذا اختيار مربح من الناحية السياسية والاقتصادية، اعترف بها العالم والمغرب لازال يتردد ويتساءل هل هي مربحة أم لا، إنها جزء من رصيدنا الثقافي الهوياتي إضافة للأمازيغية، ونحن كمغاربة لنا مدارس في اللسانيات وكونا لسانيين يعترف العالم العربي بإنجازاتهم، وبتجربة المغرب الخاصة في التراث العربي الإسلامي وفي اللسانيات يمكن أن ننتعش اقتصاديا من هذه الثقافة.
كنتم أحد أعضاء لجنة ميثاق التربية والتكوين، انبثق عنها مشروع أكاديمية اللغة العربية ولم ير النور لحد الآن، ما الذي حدث؟
من المفارقات والمضحكات أن مشروع أكاديمية اللغة العربية بدأ التفكير فيه بالمغرب ابتداء من 1999، وفي المقابل أكاديمية إسرائيل للغة العربية خرجت في 2009، ومشروع أكاديمية اللغة العربية في المغرب لم يخرج بالرغم من أنه صدر بقانون، على أرض الواقع هناك مشاكل وتحديات كبيرة.
أعتقد أن الاستشارة اللغوية تتم إما عن طريق ممثلي الشعب أو عن طريق استفتاء لغوي لتحديد آراء الشعب، وبالتداول تنضج هذه الآراء، ويقع التراضي على قانون معين. وحين طرحنا مشروع أكاديمية اللغة العربية أمام لجنة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، جميع الممثلين رحبوا من مختلف الفرقاء السياسيين، وحدث إجماع حول الموضوع، وصوت البرلمان من دون اعتراض، ومر القانون بمجلس الحكومة ومجلس الوزراء دون اعتراض، فأين المشكل؟ كيف يمكن أن يختار الشعب عبر ممثليه خطة ويترجمها في إطار مأسسة قانونية ولا يطبق القانون؟ هذه سياسة قديمة قبل الربيع العربي، الدولة بجميع مكوناتها مطلوب منها اليوم أن تتخلى عن سياسة العلب السوداء، من يعترض على قانون أكاديمية اللغة العربية في الخفاء، عليه أن يخرج إلى الظاهر، فالمشكل يكمن في أننا مازلنا نعيش فترة على مستوى تدبير الشأن السياسي، فترة سابقة للزمن السياسي الذي نعيشه اليوم، حيث لم يعد القبول بالعلب السوداء في السياسة، يعني إخفاء أشياء كأنها أسرار كبرى ولا يمكن أن يطلع عليها أحد، إذا هذا غير مقبول سياسيا الآن، المشكل الحاصل هو ازدواجية ما نصرح به في العلن وما نطبقه في الخفاء.
من جهة أخرى، مرجعية الميثاق حين صادقنا عليه، أول شيء توافقنا عليه هو أنه سيطبق بصفة شمولية، فيما يخص الجوانب داخل الميثاق المتعلقة باللغة العربية وبالتعدد اللغوي لم تطبق، ولذلك اللغة العربية تركت لوحدها ولا من يعتني بها على مستوى المؤسسات والخطط. وأقر الميثاق أيضا العربية لتدريس المواد في التعليم الجامعي وفي نفس الوقت دعم هذا التدريس بلغتين أجنبيتين الميثاق، وقلنا أننا سنعتني بالتعليم الأولي، ومن جملة الأشياء التي طرحت مشكل التأقلم ومشكل الانتقال من لغة البيت تدريجيا إلى لغة المدرسة بطريقة سلسة لا يقع فيها انقطاع أو تذبذب، فيما يخص نمو القدرات اللغوية وبالموازاة القدرات المعرفية للطفل في سنه المبكر، وهذا التبييئ اللغوي المبكر الذي سميته بالإغماس اللغوي المبكر، له عدد من الفوائد ومن جملتها أن الطفل منذ صغره يكون مُبَيّأ في لغته، ويطور شخصيته وهويته مع الاعتزاز بهذه الهوية في سن مبكرة. لأن اللغات الأجنبية يمكن تعلمها في أي وقت من الأوقات، ولكن اللغة الوطنية ينبغي أن يكون تأصيلها منذ الصغر حتى يطور الطفل قدراته فيها قبل تعلم لغة أخرى.
من المفارقات العجيبة أن الإنجليزية لغة البحث العلمي في فرنسا وفي المغرب نجد الفرنسية، لماذا في اعتقادكم؟
هذا وسيط آخر من الوسائط التي توجد في المغرب العربي خصوصا، حيث نشهد مفارقة عجيبة، حين تذهب إلى الشرق، تجد فيه الإنجليزية، ونفهم إلى أي حد اختيار المشرق للإنجليزية كلغة أجنبية داعمة، فهو اختيار راجع لكون الإنجليزية هي اللغة العالمية الأولى علميا وتقنيا وهذا لا يناقش فيه أحد. أما في المغرب العربي لا يفهم وضع الفرنسية، فهي ليست بلغة العلم أو الاقتصاد، هذا الوضع كان من الممكن أن يكون مفهوما في الستينات أو السبعينات، وبالتالي لا يمكن أن يفهم الأمر إلا في إطار التبعية الثقافية واللغوية، يمكن أن نعيد ترتيب وتحديد موقع الفرنسية بالنسبة لنا، أنا كتبت أنه ممكن أن نفهم أننا ندافع عن الفرنسية أو الصينية أو غيرها في إطار نوع من التضامن وفي مقابل هذا الفرانكفونيون يدافعون عن العربية كلغة حاملة للحضارة وذلك في إطار التنوع الثقافي الحضاري اللغوي. وأعتقد أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، كان على صواب حين قال بلغتين أجنبيتين، الآن أحببنا أم كرهنا في الطب أو العلوم أو الهندسة، لا يمكن أن نكتفي بلغة أجنبية واحدة فقط، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك بطريقة إقصائية بالنسبة للغة العالمية الأولى وهي الإنجليزية، وإلا لا نفهم كيف تكون اللغة الإنجليزية هي الأولى في فرنسا في العلوم والطب والهندسة والبحث العلمي بصفة عامة، وحتى الكثير من المجلات العلمية المتخصصة في فرنسا الآن تنشر بالإنجليزية فقط، وحتى المؤتمرات الدولية بالإنجليزية، ومن قبيل الإنصاف علينا أن نطبق على المغاربة ما يطبقه الفرنسيون على أنفسهم على الأقل، بمعنى أن يكون لهم انفتاح على اللغة الإنجليزية.
من المستفيد من هذا الوضع اللغوي في المغرب؟
لنحدد الخاسر في البداية، الواضح أن الخاسر الأول من وضعية اللغة العربية بالمغرب هو الشعب، الذي لن يستفيد أبدا من هذا الوضع، والمستفيدون هم طبقة احتكارية توحدت في نوع من الفرانكفونية المنغلقة الضيقة، فأن تكون هناك أقلية فرانكفونية احتكارية توظف السياسة اللغوية لصالح مصالحها الضيقة الخاصة، هذا شيء غير مقبول، وله انعكاسات اقتصادية كبيرة، وهذا يبين مرة أخرى أن المشكل اللغوي بالمغرب لا يتعلق فقط بالجانب التقني ولكنه أعمق، الأمر يتعلق أولا ببناء العقل الثقافي والسياسي والفكري للمتكلم بهذه اللغة، فهذا المواطن له الحق في السيادة وله الحق في الكرامة وفي أن يعامل بطريقة عادلة، هناك عدالة لغوية تقتضي أن نعطي للمواطن الحق في الاختيار وفي القرار.
ألا تعتقدون أن مسيرة التعريب في المغرب فشلت؟
التعريب في المغرب لم يفشل خلافا لما يقال، فالوطنيون المغاربة كانوا يركزون على شيء أساسي هو التحرر اللغوي والثقافي كجزء من الاستقلال التام، المغاربة اكتسبوا استقلالا نسبيا رغم كل المشاكل الموجودة، وذلك في اتجاهين، أولا الاستقلال تجاه فرنسا، الآن العربية منتشرة أكثر مما كانت عليه ولم تعد اللغة الفرنسية لغة التداول السياسي كما كانت عقب الاستقلال. اليوم العربية هي الغالبة في التداول الثقافي واللغوي والسياسي، هذا جانب مهم يؤشر على عدم الفشل. من جهة أخرى، حدث الاستقلال تجاه الشرق، المغاربة لهم مواقع محترمة في المنطقة العربية وصار لهم استقلال ذاتي تجاه الشرق وأصبحوا يكتبون ويؤلفون. لماذا إذا يبدو أن التعريب فشل، أعتقد أن تردد الدولة منذ البداية في اختياراتها من الأسباب التي توحي بالفشل، مثلا كأن يعين وزير في التعليم يدعم إدخال العربية للتعليم العالي والأساسي، ومن بعد يأتي وزير يقول غير ذلك، ليس لنا وضوح في السياسة اللغوية.
وهناك أيضا مشاكل المرحلة، في الستينات والسبعينات كان التفكير في السياسة اللغوية يتجه إلى نوع من الأحادية، إما العربية أو الفرنسية، بينما الواقع أن هناك حاجة للغتين معا لنمو المغرب وازدهاره، والمشكل من بعد هو التفكير التعددي في السياسة اللغوية، وهناك أنماط كثيرة للتعددية اللغوية التي كانت غريبة عن ثقافة المغاربة المتأثرين آنذاك بالثقافة الفرنسية، فالنموذج الذي كان منتشرا هو نموذج اللغة الواحدة للدولة الواحدة.
الآن نحن في زمن الربيع العربي الإيجابي جدا رغم مشاكله، ونقطة اللاعودة لن نحيد عنها، ولن نعود للاستبداد والفساد، وفي إطار هذه الطفرة نتمنى أن يتم النهوض باللغة العربية، ومطلب حمايتها والنهوض بها هو مطلب جماهيري لا خلاف فيه، يجب أن يكون النهوض بها في المستوى المطلوب واستنهاض شامل للدولة والنخب والشعب، وبدون هذه الطفرة لم يعد ممكن في إطار التصورات الجديدة أن نعالج المشاكل العالقة من خلال سياسة لا تكترث بالإشكالات اللغوية والثقافية.
ماذا عن واقع اللغة العربية في إعلامنا الوطني؟
إذا كانت التربية والتعليم هما الأساس للعناية باللغة العربية، فإن الإعلام له دور مهم وأساسي، لقد أصبح للإعلام مزايا عديدة منها أنه أصبح فضاء مفتوحا، وانتشرت اللغة العربية إعلاميا بشكل ملفت للانتباه، واتجهت قنوات أجنبية إلى تقديم نشرات وبرامج باللغة العربية، هذا مهم جدا بالنسبة لانتشار اللغة العربية، لكن من جهة إعلامنا الوطني، فإعلامنا أصبح ينشر لغة رديئة وهجينة، ليست باللغة العربية وليست بالعامية المغربية، بل لغة هجينة ومصنوعة، ما معنى أن نتحدث في إعلاناتنا بإعلامنا الوطني بعبارات من قبيل «واش عندك الدوبل أو التريبل»ّ، أحيانا يجب عليك أن تتمرن كثيرا لتفهم الإعلانات المفسدة للغة، والإعلام يمكن أن يساهم في نشر لغة مهذبة، وكانت وزارة التعليم في الوطن العربي تسمى أحيانا بوزارة التهذيب، وهو نوع من التربية لتلافي الملوثات، فالإعلام من هذه الناحية ينبغي أن ينشر لغة مهذبة راقية، فاللغة تحمل المعاني ويجب أن تكون راقية وأن لا نسفل باللغة، ليصير إعلامنا مغذيا محفزا ومساهما في الثقافة العامة التي يتطلبها وقتنا، السياسية منها أو الفكرية أو الرقمية أو اقتصادية.
في اعتقادي ينبغي أن تقوم الحكومة والجهات الوصية على قطاع الإشهار في المغرب بمجهود للرفع من مستوى اللغة ومن معانيها، فاللغة أولا وقبل كل شيء حاملة لفكر وثقافة معينة، وهذه الأشياء تتجلى في المعاني التي تحملها وأحيانا تتجلي في ألفاظها، والتي تتجه أحيانا إلى الاستعانة بكلمات فرنسية بينما دارجتنا راقية ولسنا في حاجة للاقتباس من اللغات الأجنبية، خصوصا في مجال الإعلان والإعلام.
رسالة أخيرا لمن يخاطبنا من مسؤولينا بلغة غير لغتنا في بلدنا؟
بما أنهم لا يسمعون إلا كلام الفرنسيين، أذكرهم بما أقدم عليه رئيس سابق للاتحاد الأوروبي، حيث قام بترجمة «سيداتي سادتي» إلى 16 لغة في ذلك الوقت ليصل الناس باحترام، فالمسؤول الذي يخاطب الشعب بلغة غير لغتهم، طبعا يمس بكرامتهم وفي نفس الوقت لا يحترمهم ولا يحترم نفسه، لأن هناك تناقضا بين أن تقول أن فلان مسؤول سياسي وأن تقول أنه يخاطب الشعب بلغة غير لغتهم، المفروض أن هناك آدابا لغوية إن صح التعبير، وهي الآداب التي تجعلك تخاطب الشعب بلغته إن كنت تعتبر نفسك من الشعب، أعتقد هذه من موروثات الماضي ولم تعد مقبولة اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.