تشهد مساجد مدينة مراكش خلال العشر الأوائل من شهر رمضان لهذه السنة إقبالا متزايدا للمصلين في كل الصلوات عموما وفي صلاة التراويح خاصة حسب ما عاينته التجديد في مساجد المدينة العتيقة وحي المحاميد وكما أكده عدد ممن سألناهم في أحياء مختلفة من المدينة. والجديد هذه السنة أن ساحات كبيرة ومؤسسات تعليمية جهزت أيضا منذ أول ايام رمضان بالأفرشة والصوتيات من أجل استيعاب العدد الكبير من المصلين على خلاف السنة الماضية التي لم يلجأ إليها إلا في صلاة التهجد. ويقول عبد السلام أمين الطالب الباحث في علم السوسيولوجيا إن الأجواء الاجتماعية التي يوفرها شهر رمضان، يجعل الكثير من المصلين يقبلون على المساجد، إذ يجدون فيها ذاتهم ويرجعون بها إلى صورتهم الاجتماعية الأصلية. ومن أشهر المساجد التي تعرف إقبالا كبيرا مسجد الكتبية الشهير بوجود المقرئ وديع شكير، ومسجد أمة الله بالمحاميد بوجود المقرئ عبد الرحيم نبولسي، ومسجد رياض السلام بوجود المقرئ الشاب محمد نافع، كما تألق مقرئون آخرون معروفون في مساجد أخرى مثل المقرئ عبد الجميل غلاب والمقرئ سمير بلعشية وغيرهم كثير. ويعرف مسجد الكتبية كل ليلة جوا ربانيا لا مثيل له يساهم في نجاحه انضباط المصلين الذين وصل عددهم أول أمس إلى أكثر من 30 الفا حسب مصدر أمني، امتلأت بهم جنبات المسجد والساحات المجاورة ، إضافة إلى وجود عدد من الشباب في اللجنة المنظمة يسهرون على راحة المصلين، مع وجود سيارة إسعاف وسيارات أمنية، وخيمتين للهلال الأحمر المغربي يقدم متطوعون بعض الاسعافات الأولية أو قياس الضغط أو خدمات لبعض مرضى السكر. وعبد السلام أمين يضيف « المناسبات الدينية هي فعلا مناسبة لتصفية الخواطر، وتنقية النفوس من الأحقاد كما هي مناسبة للتواصل الفردي والجماعي» ويوضح « أداء نفس الشعائر في نفس الوقت ونفس المكان يشعر المرء بالانتماء إلى الجماعة، وهو شعور يفتقده في أماكن أخرى وأوقات أخرى». ويشهد مسجد الكتبية كل سنة حالات إعلان للاسلام وصل إلى حد يوم الجمعة الماضية أربعة، فبعد أوكرانية وبلجيكي، جاء الدور يوم الجمعة الماضية على مواطن فنزويلي وأخرى كندية مقيمان في المدينة الحمراء، الأول يبلغ من العمر 32 سنة واعتنق الاسلام بعدما عرف سماحته، والثانية اسلمت قبل شهور وانتظرت شهر رمضان لاعلان اسلامها. يقول محمد سعد الفيلالي الخبير في التنمية الذاتية «الإعلان عن الانتماء إلى الدين وسط الجمهور ، إعلان عن الانتماء إلى الجماعة، هذا ما يبحث عنه كل فرد ، لاغرابة أن يقول أحدهم بعد أن يعلن اسلامه «أنا اصبحت مغربيا». ويضيف أسعد «رمضان فرصة للائمة من أجل تقوية الشعور بهذا الانتماء لدى الكثير من المواطنين الذين يلجون المساجد لأول مرة ربما، وأنا لا احبذ خطاب التقريع الذي يلدا إليه بعض الائمة خلال خطب الجمعة أو في أخر ايام رمضان عند إشارتهم إلى تناقص المصلين في أول ايام العيد «. وأضاف» لا ننتظر أن يبقى كل هؤلاء محافظين على الصلاة بعد رمضان أو بهذا الكم والكيفية، ولكن فئة لا بأس بها تتوب، وتهتدي إلى الصراط المستقيم، ولا يجب أن ننسى أن رمضان فرصة ل»سرقة الشباب والأطفال» من تجار السموم والمخدرات ومن كل طرق الانحراف، وقد تكون بداية جديدة لهم. وفي مسجد أمة الله، لبس المنظمون لباسا موحدا لتسهيل التعرف عليهم من قبل المصلين، ويصل عدد المصلين كل ليلة إلى حوالي 20 ألف بعدما تمت تهيئة الساحات المجاورة للمسجد بالحصائر ومكبرات صوت كبيرة وفي أعلى مستوى من الدقة. وتمتد صفوف المصلين إلى الجنبات الصغرى من الأزقة المجاورة. وقبل انطلاق صلاة العشاء والتراويح ، لجأ المنظمون إلى إسماع الحاضرين مقتطفات من أروع المقاطع القرآنية. وبالرغم من وجود عدد من رجال الأمن على جنبات المسجد ، إلا أنهم لا يجدون مشقة كبيرة في التنظيم، بل لا يتدخلون أصلا نظرا لانضباط المواطنين وهم يروحون ويجيئون إلى المسجد حسب تعبير عدد منهم. ولوحظ هذه السنة أن إعمار المساجد لم يقتصر فقط على التراويح ، بل جميع الصلوات، إذ تصبح بعض المساجد ملآى إلى آخرها كما لو أنها تشهد صلاة جمعة لا تختلف صلاة صبح عن ظهر ، ولا مغرب غن عصر. وفسرت مصادر متطابقة « لئن كانت مساجد المدينة تعرف كل سنة باستقدام مقرئين جيدين خلال شهر رمضان وخاصة في صلاة التراويح ، فإن مساجد كثيرة حافظت على إمامها الراتب لما يتميز به ايضا من صفات المقرئ الشاب الجيد، مشيرة أن ظاهرة الأئمة المتقنين تنامت خلال السنة الجارية. ويشير الإمام زكريا فاضل أن أقبال الناس على الصلاة يبهج قلب الائمة ويزيد من شعورهم في تحمل مسؤولية عملهم الجليل. ويضيف «يعيش الإمام كل يوم في حالة من اليقظة، يتفكر في الآيات التي سيتلوها ليلا ، لأن ذلك يساعده على الخشوع والفهم، والفهم يساعد على الترتيل الجيد، وهذا ما يطلبه الناس التواقين إلى القرآن والعبادة.