شاء الله عز وجل أن تكون رسالة محمد صلى الله عليه و سلم خاتمة الرسالات السماوية، والذي لا شك فيه، أن هذه الرسالة الخاتمة جاءت دعوة إنسانية عالمية، لا تخاطب قوما بأعيانهم ولا جنسا بذاته لقوله تعالى: "قل يأيها الناس إني رسول الله اليكم جميعا"سورة الأعراف 158، وقوله جل وعلا: "وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا"سورة سبأ 28، هذا بخلاف الرسالات السابقة التي كانت محدودة بزمان معين وخاصة بأقوام بأعينهم تناسب حالهم وتعالج من المشكلات ما يثور في واقعهم، ذلك أن كل رسول جاء يعالج قضية محورية (الافتتان بالقوة المادية، الانحطاط الأخلاقي، الظلم الاقتصادي، الاستبداد السياسي، طغيان المقاييس المادية) بعد دعوتهم إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له. وقد اعترف الإسلام بالشرائع السماوية السابقة كما نزلت على الرسل السابقين، وجعل من مقتضيات الإيمان التصديق بجميع أنبياء الله ورسله دون التفريق بينهم، كما تعتبر الرسالة المحمدية الرسالة الخاتمة التي أكمل الله بها الدين، لذلك كانت ناسخة لكل الرسالات السابقة إذ لا يجوز أن يتعبد إلى الله تعالى إلا بالشريعة المحمدية الخاتمة مصداقا لقوله عز وجل "ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الاخرة من الخاسرين"سورة آل عمران 84 ، كما جاء القرآن مهيمنا على الكتب السماوية السابقة بأن اشتمل على كل توجيهاتها و نسخ ما كان بها من أحكام شاقة، تخفيفا على الناس ورحمة بهم، ومن أدعية القرآن: "ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا"سورة البقرة 285 . وميزة أخرى اختصت بها رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي سلامتها من التحريف؛ "ويستطيع الإنسان أن يقول –وهو مطمئن-:إن التصور الإسلامي هو التصور الوحيد الباقي بأصله (الرباني) وحقيقته (الربانية). فالتصورات الاعتقادية السماوية، التي جاءت بها الديانات قبله، قد دخلها التحريف- في صورة من الصور- كما رأينا. وقد أضيفت إلى أصول الكتب المنزلة، شروحات وتصورات وتأويلات وزيادات، ومعلومات بشرية، أدمجت في صلبها، فبدلت طبيعتها (الربانية). وبقي الإسلام -وحده- محفوظ الأصول، لم يشب نبعه الأصيل كدر؛ ولم يلبس فيه الحق بالباطل. وصدق وعد الله في شأنه: "انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون" سورة الحجر9 وقد نبه القرآن الكريم خاتم الرسالات إلى ما تعرضت له الكتب السماوية السابقة من تحريفات أخرجتها عن طبيعة التوحيد، ونسبت فيها أقوالا إلى الله تعالى، ما جاء بها موسى ولا عيسى عليهما السلام، قال تعالى: "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به"سورة المائدة14، كما ذكر القرآن صورا كثيرة من التحريف الذي ألحقه اليهود والنصارى بكتبهم سواء على مستوى العقيدة أو الشريعة (عقيدة التثليث عند النصارى، ادعاء النصارى واليهود البنوة لله سبحانه، عقيدة شعب الله المختار لدى اليهود...)