إحياء للذكرى 52 لانتفاضة الريف المجيدة 58/59 ، نظمت جمعية ذاكرة الريف مساء أمس، 08 يناير 2011م ، محاضرة بعنوان : " انتفاضة الريف 58/59 : معطيات عن الحدث و تداعياته و سبل معالجة الجرائم المرتكبة ضد الريف " أطرها الأستاذ " عمر لمعلم "( فاعل جمعوي و حقوقي و مهتم بتاريخ و تراث الريف ) و ذلك بقاعة العروض بالمركب الثقافي و الرياضي بمدينة الحسيمة . منهجيا حاول الأستاذ المحاضر في تحليله لموضوع انتفاضة الريف ، أن يقاربه من زاويتين ، أحدهما تاريخية و الثانية حقوقية. الزاوية التاريخية : في البداية أكد المحاضر في مداخلته على أن ثورة الريف 58/59 التي استمرت 175 يوما، من 07 أكتوبر 1958م إلى 13 مارس 1959م بقيادة "محمد الحاج سلام أمزيان" لم تكن تمردا و إنما كانت " انتفاضة "، بالنظر إلى عدم اختراقها للقوانين المعمول بها، و بناء على مطالبها العادلة و المشروعة التي أقرتها اللجنة الملكية الموفدة إلى الريف برئاسة " عبد الرحمن أنكاي ". و قد اعتبر الأستاذ المحاضر هذه الانتفاضة " أمرا حتميا " بسبب الطريقة التي انتهجها المسيطرون على الحكم بعيد الاستقلال في إدارة شؤون البلاد ( حل جيش التحرير ،تصفية بعض كوادره : عباس المسعدي / حدو أوقشيش /عبد السلام الطود ...، اقتحام الريف عنوة من لدن حزب الاستقلال ، حرمان المنطقة من التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ...) . و في معرض سرده لبعض المعطيات التاريخية المرتبطة بالانتفاضة ، أشار إلى أن تدخل الجيش المغربي المدعوم بجيش الاحتلال الفرنسي كان " وحشيا " حيث قنبلت الطائرات التي كان يقودها طيارون فرنسيون ، الأسواق و التجمعات السكانية ، و أحرقوا المحاصيل الفلاحية و خربوا المنازل و غيرها من الممتلكات ، و اغتصبوا النساء و بقروا بطون الحوامل و قتلوا المئات و خلفوا آلاف الجرحى و المعطوبين و اعتقلوا الآلاف و أبعدوا المئات.... و قد حمل مسؤولية ارتكاب هذه الانتهاكات و الجرائم الجسيمة لأطراف عديدة منها : القصر : الذي كان يتوجس يقول عمر لمعلم من الدور الريادي للريف في قضية التحرير ، و يحاول تقديم البرهان للفرنسيين على قدرته في حكم البلاد ، و للاستقواء على منافسيه الحزبيين . الجيش : بقيادة الملك الراحل وولي العهد آنذاك "الحسن الثاني" و الجنرال أوفقير ، و المرشال مزيان . حزب الاستقلال : المعروف بعدائه التاريخي للريف ، لاعتقاده بأن هذا الأخير يشكل تهديدا لمشروعه و مستقبله السياسيين . الحركة الشعبية : في شخص " أحرضان" و " الخطيب " اللذان لعبا دورا كما قال المحاضر في تأجيج الأوضاع خاصة بمنطقة اكزناية، و دفعهما الناس إلى استعمال العنف لتبرير تدخل الجيش ، و في نفس الوقت لعبا دور التخابر ضد المنتفضين و لصالح المخزن . الدولة الفرنسية : التي كانت ترى في ضرب الريف و اجتثاث فكر الأمير ضمانة لحماية مصالحها بالمغرب ، و انتقاما من الأمير الخطابي . أما تداعيات الانتفاضة فقد أجملها في النقط الآتية : إسكات صوت الريف لمدة من الزمن . عدم استفادة الريفيين من ثمار الاستقلال . إقصاء الريف من فرص التنمية . تهجير السكان إلى أوربا و مناطق أخرى . استبعاد الريفيين من مناصب المسؤولية المدنية و السياسية . تهميش الثقافة المحلية و عادات و أعراف المنطقة ، و ضرب مقوماتها . تشجيع التهريب و تجارة المخدرات . تفقير المنطقة و تحويل المواطن إلى مستهلك متشكي ، غير قادر على الفعل و الإبداع . الزاوية الحقوقية : انتقد الأستاذ المحاضر بشدة أداء هيئة الإنصاف و المصالحة، و من خلالها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ، كونه يتحدث عن جبر الضرر الجماعي دون احترامه للتسلسل المنطقي الذي يمر أساسا على مبادئ سبعة لم تعرف طريقها إلى الواقع و هي : 1: الكشف عن الحقيقة كاملة . 2: تحديد الضحايا و حجم الأضرار . 3: الكشف عن المجرمين و تقديمهم للعدالة . 4: اعتراف الدولة بالجرائم التي ارتكبتها ، و تقديم اعتذار رسمي عنها . 5: توفير الضمانات بعدم التكرار . 6: جبر الضرر الفردي (ماديا و معنويا). 7: جبر الضرر الجماعي . و انتقد الأستاذ " عمر لمعلم" برنامج جبر الضرر الجماعي المخصص لمنطقة الريف ، واصفا إياه بالهزيل ، حيث لا يتناسب و حجم الجرائم و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الدولة في حق الريف و أبنائه . كما استنكر أيضا إدراج المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ، و معه وزارة الثقافة ل "مقر قيادة الأمير الخطابي بأجدير" ضمن المعتقلات السرية السيئة الذكر:( معتقل أكدز ، سكورة ، قلعة مكونة ، درب مولاي الشريف ...)في إطار اتفاقية التعاون و الشراكة التي تهم مجالات حفظ الذاكرة و الأرشيف و التأهيل الثقافي للمناطق المشمولة ببرنامج جبر الضرر الجماعي. و في الأخير ، تم فتح باب المناقشة ، حيث تفضل باحثون و حقوقيون إضافة إلى نجل قائد الانتفاضة "الأستاذ جمال أمزيان" بإغناء محاور المحاضرة ، بتقديم إضافات و مقترحات تصب في اتجاه البحث عن سبل الوصول إلى الحقيقة ، و تمتيع الريف بحقوقه التاريخية المستحقة .