مع إعلان واشنطن رسميا عن إرسال المدمرة البحرية الأميركية «يو.اس.اس.كول» الى المياه الاقليمية اللبنانية، يدخل لبنان ومعه المنطقة، في منعطف سياسي خطر، يعيد الى الاذهان التدخل العسكري الاميركي في لبنان في نهاية الخمسينيات ومطلع الثمانينيات، وربما تستكمل معه الادارة الاميركية سياقا ارتسمت معالمه الأولى مع صدور القرار الدولي الرقم ,1559 قبل نحو أربع سنوات، ما ينذر بالمزيد من التأزم الداخلي اللبناني، ويلوح بخطر حروب جديدة قد تتخطى الحدود اللبنانية. وقد كشف القرار الأميركي، المباغت، والحربي الطابع، والمغلف بذريعة «وقف» أو «منع التهديد السوري للبنان» عن حقائق كثيرة كان يجري تمويهها بتعظيم شأن «الأزمة الرئاسية» في لبنان، قبل أربعة أيام من بدء زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس إلى إسرائيل. وإذا كان القرار الاميركي المفاجئ، قد أوحى بشيء، انما بأن إدارة الرئيس جورج بوش، لم تستفد من الدرس اللبناني في الثمانينيات ولا من الدرس العراقي المستمر، بل هي تتوغل في اعتماد سياسة القوة او التلويح بها على الاقل حتى الان، في سياق الضغط السياسي المكشوف على المعارضة اللبنانية وسوريا، مثلما يشكل خطوة اولى في حملة اميركية تصاعدية، تعوض من جهة الفشل الاسرائيلي في حرب تموز ,2006 وتستكمل، من جهة ثانية، العقوبات التي تفرضها على القيادة السورية، وتتقاطع من جهة ثالثة، مع الخلاف العربي العربي الذي يقترب من ذروة جديدة مع التحضير للقمة العربية المقرر عقدها في دمشق الشهر المقبل. ومن البديهي ان مثل هذه الخطوة الاستفزازية الاميركية الجديدة ستؤدي الى ازدياد حدة الاستقطاب الداخلي اللبناني، قبل ان يتضح ما اذا كانت واشنطن أرسلت طلائع أسطولها المتوسطي الى المياه اللبنانية من اجل تفجير هذا الاستقطاب، وتحويله الى مشروع فتنة داخلية، فيما يوحي كل سلوك المعارضة وخاصة عمودها الفقري «حزب الله» أن الادارة الأميركية تقدم بخطوتها الجديدة خدمة مجانية للمقاومة في لبنان وتدفن مشروع الفتنة الى غير رجعة. الأخطر أن هذا القرار الأميركي قد كشف أبعاداً مخفية للأزمة الحادة التي ضربت العلاقات السورية السعودية فأصابتها بعطب خطير، تجلى في الموقف من القمة العربية المقررة في دمشق، وكان بين مظاهره امتناع المملكة حتى هذه اللحظة عن استقبال الموفد السوري الذي يحمل الدعوة من الرئيس المقبل إلى الرئيس الحالي لهذه القمة، التي كان يُنظر إليها على أنها الإنجاز اليتيم المتبقي، والذي يدل على استعداد القادة العرب عموماً للإفادة من فرصة التلاقي على مستوى القمة لمحاولة حسم المعلن من الأزمات التي قد تطرأ على العلاقات في ما بينهم والتي تؤذي شعوبهم وتسيء إلى مكانتهم في العالم. ومفهوم أن المهمة الأولى لهذه المدمرة، بعد إرهاب سوريا، وبعد توفير الدعم الاستثنائي لمن يطلبه أو يحاول توظيفه في اللعبة السياسية المحلية، هي حماية الممتنعين (أو الذين سيمتنعون غداً!!) عن المشاركة في القمة، بذريعة عدم إغضاب الإدارة الأميركية التي ليس من المصلحة إغضابها.. إنها مدمرة تستهدف القمة، بمضيفها السوري، وبحضورها من القادة العرب الذين قد يدفعهم التزامهم إلى المشاركة. كذلك فهي تستهدف تعميق الانقسام العربي ودفع أطرافه إلى حافة الحرب، عبر الإيحاء بأن المعركة إن وقعت ستكون مع أقوى قوة في الكون. وهذا التهديد يستهدف بعد سوريا ومعها، المقاومة في لبنان، وإن بقيت إيران في «دائرة النار» خصوصاً وأنها محاصرة بخمس حاملات للطائرات إضافة إلى العديد من المدمرات ومئات الطائرات الجاهزة للانطلاق من قواعد أميركية «في الجوار»، إذ إن معظمها تستضيفه دول عربية. وبديهي أن هذا «الإنذار» الأميركي سوف يفرض حالة من الاستنفار والتأهب عند كل المستهدفين به، بقدر ما سوف يسمح لإسرائيل بمواصلة المذبحة ضد الفلسطينيين عموماً، وإن اتخذ من «حكومة حماس في غزة» عنواناً لها، فالإسرائيليون يطاردون المقاومين في مختلف مدن الضفة الغربية ومخيمات اللجوء فيها تحت عيون «السلطة»، وأمام مراكز مخابراتها وسلطتها. جدير بالاستذكار أن هذه المدمرة الأميركية «كول» كانت قد تعرضت لعملية انتحارية قبالة عدن، على الشواطئ اليمنية، عطلتها لبعض الوقت، وأودت بحياة 17 جندياً، وأحرجت السلطات في صنعاء التي عمدت إلى حملات اعتقالات واسعة وقامت بمحاكمة من رأتهم مشاركين في تنفيذ العملية التي نُسبت إلى «القاعدة». لقد أدخلت الإدارة الأميركية بقرارها الحربي هذا، المنطقة العربية جميعاً في طور جديد، إذ إنها تحاول دفع الخلاف إلى صدام يسمح بالتدخل العسكري، هذا إذا لم يقتنع «المشاغبون» بجدية القرار الأميركي فاستمروا على مواقفهم التي تعطل أو تؤخر أو تتسبّب في إفشال الخطة الأميركية للشرق الأوسط الجديد. إن القرار الأميركي يستهدف تحويل الانقسام السياسي العربي إلى حرب مفتوحة بين العرب، وإن أمكن استخدام «الخطر الإيراني» ذريعة، أو «التهديد الموجّه لإسرائيل» بأنها ضد منطق التاريخ وأنها لا بد زائلة، لتبرير هذه الحرب التي يمكن أن يختلط فيها السياسي بالديني، وقد يكون ضرورياً لإنجاح الخطة الأميركية العمل على إشعال حروب أهلية في أكثر من قطر عربي تحت اللافتة الطائفية أو المذهبية، لتمويه الخطر الحقيقي وهو في أساسه إسرائيلي وفي غطائه أميركي. في التفاصيل، غادرت المدمرة الاميركية «يو.اس.اس.كول»، شواطئ مالطا في البحر الأبيض المتوسط الثلاثاء الماضي، باتجاه الشواطئ اللبنانية، وبرر مسؤول أميركي كبير اشترط عدم ذكر اسمه الخطوة بالقول «تعتقد الولاياتالمتحدة ان اظهار التأييد مهم للاستقرار الاقليمي. نحن قلقون جدا إزاء الوضع في لبنان. لقد طال أمده كثيرا». وقال المسؤول نفسه «شعورنا هو ان هناك عصبية زائدة في ظل التهديدات التي تصدر عن اعضاء في «حزب الله» وشعور عام بان هذا الوضع لن يحسم». واوضح ان «الجامعة العربية تدخلت لكن جهودها لم تكلل بالنجاح. في ظل هذه الظروف نعتقد ان اظهار التأييد للاستقرار الاقليمي والحلول الاقليمية مهم». وزادت واشنطن من الضغط على دمشق مؤخرا من خلال فرض عقوبات وتجميد أصول المزيد من الافراد. وقال المسؤول «انه جزء من قرع طبول من جانبنا، واعضاء آخرين في المجتمع الدولي، لاظهار قلقنا بشان السلوك السوري». واوضح ان «الهدف هو تشجيع الاستقرار خلال فترة حرجة محتملة». واصدر الرئيس جورج بوش الامر بالتحرك في وقت سابق هذا الاسبوع وابلغ حلفاء الولاياتالمتحدة المقربين، مثل فرنسا وبريطانيا ودول في المنطقة. وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي في البيت الابيض غوردون جوندرو ان «الرئيس قلق حيال الوضع في لبنان ويناقش الموضوع بانتظام مع فريقه للامن القومي». ونقلت «رويترز» عن مسؤول دفاعي اميركي ان السفينة كول «لن تكون في مجال الرؤية من لبنان لكنها ستكون في الأفق». واشار الى سفينتي وقود تابعتين للبحرية الاميركية في المنطقة ايضا. وتابع «الهدف هو تشجيع الاستقرار خلال فترة حرجة محتملة». واشار المسؤول الدفاعي الى انه قد تحل المدمرة «يو اس اس ناساو»، وهي مدمرة هجومية برمائية، مكان المدمرة «كول»، موضحا ان «ناساو» في المحيط الاطلسي وفي طريقها الى البحر المتوسط. واضاف «السفينة كول لن تبقى في الامد الطويل». واشار مسؤول دفاعي اخر الى ان مدمرة ثالثة قد تنضم اليهما في وقت لاحق، من دون تحديد نوعيتها. ونقلت شبكات التلفزة الأميركية عن مصدر عسكري أميركي قوله «إن تحرك المدمرة الحربية الأميركية تجاه الشواطئ اللبنانية ما هو إلا رسالة أميركية إلى سوريا تعبر فيها عن قلقها تجاه تدخلها فى الشأن اللبناني وكذلك لإظهار التأييد الأميركي لدعم الاستقرار فى لبنان». الا ان رئيس الاركان الاميركي الادميرال مايكل مولن حاول التقليل من الامر، معتبرا انه لا يجب النظر الى عملية نشر المدمرة على انه تهديد او رد على احداث في أي دولة في المنطقة. وقال «هذه منطقة مهمة جدا لنا، الشرق الاوسط»، موضحا انها «مجموعة من السفن ستعمل في المنطقة عن قرب لفترة من الوقت...ان هذا لا يعني ارسال أي اشارات قوية اكثر من ذلك، لكنها تشير الى اننا منخرطون، سنكون هناك، وهي منطقة مهمة جدا من العالم». وردا على سؤال حول ما إذا كان توقيت الانتشار مترابطاً مع توقيت الانتخابات الرئاسية في لبنان، قال مولن «القول إن هناك ترابطا أمر غير صحيح، لكننا ندرك بالتأكيد ان الانتخابات هناك مهمة وكان يجب ان تجرى منذ فترة طويلة». وحول ما إذا كانت سوريا السبب وراء العملية، أوضح «لم يتم إرسالها (المدمرة) إلى دولة واحدة، بل للمنطقة». يذكر ان المدمرة «كول»، التي يبلغ طولها حوالى 170 مترا، تحمل صواريخ «توماهوك»، كانت تعرضت الى هجوم انتحاري بزورق، في 12 تشرين الاول العام ,2000 خلال توقفها لبضع ساعات في ميناء عدن جنوب اليمن للتزود بالوقود. وادى الهجوم الى مقتل 17 بحارا، واصابة .39 وتبلغ سرعتها 56 كلم في الساعة، وعمل على متنها 338 بحارا. وتحوي رادارين، ونظاما للحرب الالكترونية، وآخر مضاد للطوربيد. «حزب الله» ل«السفير»: سقطت الأقنعة المحلية محليا، وفي أول تعليق على القرار الأميركي، أعلن «حزب الله» بلسان عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله أن الخطوة الأميركية تثبت أن المواجهة الفعلية هي مع اصحاب القرار الفعليين في واشنطن. وقال فضل الله ل«السفير» ان محاولة الادارة الأميركية دعم حلفائها في لبنان بأساطيلها وبوارجها الحربية هي تجربة أثبتت فشلها في الماضي ولن تؤدي اليوم لاخضاع هذا البلد للهيمنة الأميركية». أضاف فضل الله ان التلويح الأميركي بالقوة العسكرية دليل فشل واستنفاد كل الضغوط السياسية لفرض الوصاية الأميركية «ولئن كنا نحن ممن لا يؤخذ بالتهديد والتهويل فان ما يجري يريح المعارضة اللبنانية أكثر لأنه ينزع ما تبقى من أقنعة عن الأدوات المحلية التي يمثلها الفريق الحاكم ويثبت أن المواجهة هي أولا وأخيرا مع اصحاب القرار الفعليين في واشنطن». وأكد رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ان «اميركا لا تسعى وراء السيادة والاستقلال بل هي تريد لبنان معبرا لسياستها في الشرق الاوسط». وقال عون لبرنامج «كلام الناس» ان ارسال المدمرة رسالة لإظهار «قوة ردعية» الى دمشق لكنه اكد ان لا موجب لها طالما ان سوريا لا تريد الحرب مع الولاياتالمتحدة او اسرائيل. وقال عون ان الموالاة والادارة الاميركية لا تريدان انتخاب رئيس للجمهورية بل الابقاء على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. موسى في دمشق اليوم.. ومبارك قد يزورها قريبا الى ذلك، يصل الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى العاصمة السورية، اليوم، في زيارة تستمر 48 ساعة، يلتقي خلالها الرئيس السوري بشار الاسد صباح غد السبت ويجري معه محادثات تتعلق بالترتيبات الخاصة بانعقاد القمة العربية المقرر عقدها في دمشق يومي29 و30 آذار المقبل، بالاضافة الى عدد من الموضوعات الاقليمية وعلى رأسها الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وعلمت «السفير» استنادا الى مصادر دبلوماسية عربية بارزة في بيروت، أن الرئيس المصري حسني مبارك «سيقوم على الأرجح، بزيارة دمشق في خلال أسبوع، وربما يسبقه اليها رئيس المخابرات المصرية الوزير عمر سليمان»، وذلك في اطار الجهود الدبلوماسية المصرية لتدارك التداعيات السلبية الناتجة عن موقف بعض الدول العربية بربط المشاركة في قمة بيروت بموضوع الانتخابات الرئاسية في لبنان. وأكدت المصادر نفسها أن الجانب الأردني بذل جهودا حثيثة بين دمشق والرياض، في السياق نفسه، لكنها لم تكلل بالنجاح حتى الآن. ونقلت وكالة أنباء «آكي» الإيطالية عن عمرو موسى، بعد اجتماعه إلى وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما في روما، إنّ «الجو متوتر للغاية لكن أعتقد بوجود فسحة من الوقت لاتخاذ الخطوات الضرورية كي تثمر هذه القمة عن نتائج»، وأضاف «أعد بأن أبذل جهدي كي تعقد القمة في دمشق وأن تتكلل بالنجاح وهذا يتطلب حضور الجميع في جو ملائم وايجابي»، مشدداً على أنّ «حضور الجميع ضروري» لإنجاحها. إلى ذلك، يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا في القاهرة الأربعاء والخميس المقبلين لمناقشة جدول اجتماع القمة، على أن يسبقه اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي غدا. المعلم: بعض القادة لم يشارك في قمم سابقة من جهته، سلم وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رسالة خطية من الرئيس السوري بشار الأسد تضمنت دعوته لحضور القمة. وردا على سؤال حول تلميحات عن غياب محتمل لقادة السعودية ومصر عن القمة، أشار المعلم إلى أن بعض القادة العرب غاب عن دورات سابقة، رافضاً أن يكون الربط سليما بين حضور القمة والأزمة اللبنانية. وشدّد المعلم على أن مفتاح الحل للأزمة الرئاسية اللبنانية «ليس سوريا»، مشيرا إلى أنه شأن داخلي في لبنان. وأكد أن القمة ستعقد في موعدها. وقالت وكالة «سانا» السورية ان أمير قطر عبر عن حرصه على تلبية الدعوة «للمساهمة مع القادة العرب فى انجاح أعمال القمة العربية». وسلم الوزير المعلم رسالة مماثلة من الأسد الى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدةئالشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. وقالت مصادر دبلوماسية عربية في دمشق ل«السفير» أن الحكومة السورية بدأت باستعراض بروتوكول الاستقبالات مع بعثات الدول العربية في دمشق، إضافة إلى إطلاعهم على الترتيبات التي جرت حتى اللحظة لاستقبال الزعماء العرب في دمشق. («السفير»، «الجزيرة»، «سانا»، أ ش أ، أ ف ب، رويترز، يو بي أي)