إختار المحافظون الجدد في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤهم في لبنان ركوب مخاطر التصعيد وصولا الى إحتمال خوض حرب محلية وإقليمية واسعة تشارك فيها إسرائيل من أجل كسر شوكة المقاومة اللبنانية والفلسطينية وحلفائها في سوريا وكل منطقة الشرق الأوسط الكبير، وذلك في نطاق عملية واحدة يأمل بها الرئيس الأمريكي بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت أن يحسما بها أوضاعا تتعارض مع مصالحهما، ويغطيا بها كذلك على فشل الأول في العراق وأفغانستان والثاني على نكسة إسرائيل في حرب ال 34 يوما ضد لبنان صيف سنة 2006. فبعد أن أكمل الجيش الإسرائيلي إعادة تنظيم قواته وتسليحها على ضوء تجربة حرب ال 34 يوما، وبعد ان نفذت عملية إغتيال عماد مغنية أحد كبار القادة العسكريين في حزب الله في دمشق خلال شهر فبراير الماضي، وبعد ان عطلت الولاياتالمتحدة بالتعاون مع حلفائها في لبنان كل محاولات التسوية السياسية للأزمة اللبنانية وإستقطبت العديد من الحكومات العربية لتأييد توجهاتها لرفض مطالب المعارضة اللبنانية الهادفة الى إنهاء عملية تهميشها وحرمانها من المشاركة في القرار السياسي. وبعد أن شرعت إسرائيل في أكبر عمليات القتل والتدمير في قطاع غزة منذ إحتلالها له سنة 1967. إنتقل التحالف الأمريكي الإسرائيلي الى مرحلة التمهيد للحرب المفتوحة. فقد حركت واشنطن الى المياه اللبنانية أحد أحدث سفنها الحربية وهي المدمرة الأمريكية يو إس إس كول المزودة بصواريخ موجهة عن بعد، والتي تم تكييفها للقيام بمهام عدة، بينها التدخل ضد أهداف أرضية على بعد كبير وحماية المجموعات البحرية. وتجمع كول بين نظام الرادار ايغيس ونظام لإطلاق النار أفقيا، وأنظمة متقدمة للقتال المضاد للطيران وللغواصات، إلى جانب الصواريخ الهجومية توماهوك . وكانت هذه المدمرة قد تعرضت لهجوم في مرفأ عدن في جنوب اليمن في اكتوبر 2000 أدى إلى مقتل 17 من أفراد طاقمها. واستغرق اصلاح المدمرة التي أصيبت بأضرار جسيمة حوالي 14 شهرا، تم خلالها استبدال 550 طنا من حديد هيكلها، ولم يتمكن البنتاغون من إعادتها الى الخدمة سوى في العام 2002. مصادر إسرائيلية كشفت أن كول تعمل على رأس مجموعة بحرية تضم بارجة حربية لها منصة طيران وست سفن حربية على متنها 2800 من الطيارين ورجال مشاة البحرية. وينضاف الى كل ذلك سفينتا تموين وقود وسفينة إنزال برمائية هجومية هي يو إس إس ناسو هذا الحشد رافقه تحرك كثيف للأسطول الإسرائيلي ليس فقط على سواحل لبنان بل كذلك قرب شواطئ غزة. ويسجل أنه قبل ذلك أجرت البحريتان الأمريكية والإسرائيلية وخلال شهر فبراير تمارين مشتركة في الوقت الذي رست فيه في ميناء حيفا سفينة الصواريخ الأمريكية الحربية سان جاكينتو ، التي تبلغ حمولتها 9600 طن وطولها 173 مترا، وتحمل على متنها 130 صاروخا من نوع توماهوك يصل مداها حتى 3000 كيلومتر وصواريخ هاربون المضادة للسفن وطائرتان من نوع سيكورسي اف.ايج 600 وجهاز رادار مما يجعلها قادرة على ضرب أهداف في عمق سوريا وإيران. تهديد حقيقي وليس فقط للتهويل حزب الله اتهم أطرافا لبنانية ب التواطؤ مع الإدارة الأمريكية، فيما وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري الخطوة الأمريكية بأنها عملية تهديد حقيقية، وليس فقط للتهويل، وربط بين إرسال كول والتمويه على المجزرة الإسرائيلية التي ترتكب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. ورغم مسارعة المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة إلى نفي تهمة التآمر مع واشنطن فقد نسف المتحدث بإسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جوردون جوندرو هذا الإنكار حين أكد ان مشاورات منتظمة تجري بين إدارته والحكومة اللبنانية وقد سبقت إرسال كول ومجموعتها القتالية. واعتبر حزب الله أن إرسال البوارج الأمريكية إعلانا لفشل الأشكال الأخرى لل الوصاية والتدخل ، عبر من وصفهم بأنهم أدوات محلية لبنانية، اتهمهم الحزب بأنهم شركاء كاملون في ما يحصل. وقال الحزب إن الخطوة الأمريكية تشير إلى اضطرار الأصيل للتدخل السافر بدلا من الوكيل، وانكشاف المشروع الفعلي الذي تواجهه المعارضة اللبنانية، ومعها غالبية الشعب اللبناني، وهو مشروع الوصاية الأمريكية الذي يمنع تلاقي اللبنانيين، ويعرقل المبادرات ويحرض الجماعات بعضها على بعض، ويريد سحب كل أوراق القوة من أيديهم لمصلحة حليفه الاستراتيجي الصهيوني. وأضاف حزب الله أنه كان واضحا ارتباك فريق السلطة وإحراجه في التعامل مع فضيحة التدخل وتهديد الاستقرار والأمن والسيادة من قبل الأمريكي الذي أعلن أنه تشاور معهم بشكل منتظم حول خطواته، بما يجعلهم شركاء كاملين في ما يحصل ويعري تماما دورهم كوكلاء للخارج، على الرغم من محاولات التنصل المكشوفة أو رفع لمعنويات زائفة هي في الأصل مفقودة. واعتبر الحزب أن شعارات الديمقراطية وحرية الشعوب التي تنادي بها واشنطن تبدو مخادعة وزائفة، لأنها تتناقض مع دبلوماسية البوارج الحربية وفوهات المدافع التي تعود إلى زمن استعماري مضى ولن يتكرر، وهو أسلوب جربته الشعوب المستقلة، بما فيها الشعب اللبناني الذي يملك تجربة فريدة في هذا الإطار، تجعله في منأى عن الخضوع للتهويل والابتزاز واستعراضات القوة، خصوصا في اللحظة التي يترنح فيها المشروع الأمريكي في كامل المنطقة. وفي بيروت، ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية أنه مع وصول الأسطول الأمريكي، تحرك الإسرائيليون في محاذاة السياج الحدودي يوم 1 مارس حيث حشدوا قوات كبيرة على امتداد القطاع الشرقي في جنوب لبنان، وقام وفد من كبار ضباط أركان جيش العدو الإسرائيلي ظهرا بجولة ميدانية على المنطقة الممتدة من مستعمرة المطلة غربا حتى المرصد الإسرائيلي عند الطرف الجنوبي من جبل الشيخ شرقا. سيناريوهات ويقول المحللون كما أفادت عدة مصادر إعلامية ان الحشد العسكري البحري الأمريكي والإسرائيلي، يحمل في طياته أكثر من احتمال، وكلها تدل على أن هناك شيئا خطيرا يجري ترتيبه للمنطقة،إما ضد لبنان أو ضد سوريا أو ضد قطاع غزة، وبتنسيق أمريكي إسرائيلي واضح، ومساندة غربية، خصوصاً بعد إعلان فرنسا تفهمها للخطوة الأمريكية. فالسفن الحربية الأمريكية تمثل قوة قتالية هجومية تضم آلافا من مشاة البحرية مع أسلحة متطورة، خصوصاً تلك المضادة للصواريخ، وفي موازاة ذلك تقوم إسرائيل بحشد مكثف لقواتها في الشمال والجنوب، وتجري مناورات عسكرية واسعة في أكثر من موقع وتهيئ الملاجئ، مستفيدة من تجارب حرب 2006 ضد لبنان. بل لعل اصرار الولاياتالمتحدة على وقف التغلغل العسكري التركي في شمال العراق فورا، وانسحاب القوات التركية من هناك يحمل علامة استفهام حول أسباب ذلك وعلاقته بما تحضر له مع إسرائيل ، التي زادت جرعات ارهابها وتعمل مستميتة لاستعادة قوة الردع المفقودة في غزة، خصوصا من الآن وحتى شهر مايو المقبل، موعد الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين. وقد أكدت مصادر في واشنطن ان حجم القوة التي تم ارسالها وتوقيت ارسالها ونوعيتها أيضاً تعكس توجهات ليست جديدة على ادارة بوش، بمعنى الاستمرار في سياسة التعامل بقوة الردع العسكري. وقد لفتت مصادر في واشنطن حسب رويترز الى ضرورة إدخال قرار تركيا بوقف عملياتها في شمال العراق في تحليل الموقف العام، لا سيما أن على الأراضي التركية قواعد عسكرية امريكية هامة تشارك في التغطية العسكرية والإستخباراتية لمنطقة واسعة من الشرق العربي. وتتحدث مصادر غربية عن سيناريوهات، هدفها دعم إسرائيل في حالة اتخاذها قرارا بإجتياح غزة للقضاء على حركة المقاومة، ويكون التواجد الأمريكي في هذه الحالة لحماية إسرائيل من احتمال تدخل حزب الله. أما السيناريو الآخر فهو مختلف كثيرا، أي أن تقوم إسرائيل بعد أن تشغل الرأي العام في غزة بالعدوان على لبنان ومهاجمة حزب الله بهدف كسر شوكته نهائيا، في ظل توفير الولاياتالمتحدة الحماية اللازمة لإسرائيل من خطر صواريخ حزب الله وسوريا، ودليل ذلك حرص الولاياتالمتحدة على إرسال أنظمة دفاعية متطورة مضادة للصواريخ الصغيرة لا سيما تلك التي يصل مداها الى عمق اسرائيل والتي سبق لحزب الله ان استخدمها خلال سنة 2006. ويستند عسكريون إسرائيليون وأمريكيون الى ترجيح أنفجار المواجهات على الجبهة الشمالية مع حزب الله، الى ما كان أعلنه رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين عن أن حزب الله سيرد على اغتيال عماد مغنية. إضافة إلى أن الجيش الإسرائيلي يوجد اليوم عند الحدود الشمالية في حال تأهب لم تشهدها هذه المنطقة منذ انتهاء حرب 2006، وقد نصبت بطارية باتريوت في منطقة حيفا. كما ان الإستعدادات التي تجريها جبهة الدفاع المدني الإسرائيلي في منطقة الشمال تعكس أجواء حرب، وخصوصا إبلاغها السكان بأنه إبتداء من العاشر من مارس الحالي ستكون جميع الملاجئ جاهزة تماما للحرب. يذكر أنه سبق للولايات المتحدة أن تدخلت عسكريا في لبنان مرتين، الأولى العام 1958 لدعم الرئيس اللبناني آنذاك كميل شمعون ضد الحركة الوطنية، ثم العام 1982 بعد الغزو الإسرائيلي الذي وصل الى بيروت حيث تم إنزال قوات المارينز آنذاك وتعرضت بعدها قاعدة عسكرية أمريكية قرب مطار بيروت لعملية استشهادية أدت الى مصرع عشرات الجنود الأمريكيين.