تتواصل المواجهات العسكرية بين قوات حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان وخاصة منطقة مزارع شبعا المحتلة. هذه الإشتباكات هي الأعنف منذ خمس سنوات وهي تجرى في وقت تحاول فيه إسرائيل وأمريكا استغلال حالة الضعف والتفكك في الوطن العربي لتنفيذ مخططات جديدة هدفها تصفية المقاومة اللبنانية ورأس حربتها حزب الله وتمهيد الأرضية لتنفيذ مخطط توطين 400 ألف لاجئ فلسطيني في هذا البلد بعد نزع سلاح المخيمات وطمس هويتها. منذ أن اجبر حزب الله العدو الإسرائيلي على الإنسحاب من جنوب لبنان خلال شهر مايو 2000 ملقنا إياه درسا لم يستطع أن ينساه وتل أبيب ومعها واشنطن تتحين الفرص لضرب الحزب، وبعد عقد صفقة مع باريس استطاعت الإدارة الأمريكية تمرير القرار 1559 في مجلس الأمن الدولي لتعمل على نزع سلاح حزب الله الذي أقام توازن رعب مع الدويلة اليهودية مما حرم تل ابيب من القدرة على استهداف لبنان وإستباحة أرضه كما كانت تفعل قبل هزيمتها في صيف سنة 2000. قرار مجلس الأمن رقم 1559 سيعتبر يوما ما وفي كتب التاريخ والسياسة مثالا حيا على نجاح الإستعمار العالمي الحديث الذي تبلور بعد سقوط الثنائية القطبية العالمية في تحويل منظمة دولية الى ملحقة بوزارة خارجية أمريكا وأداة لفرض شروط مذلة للشعوب والدول تحرمها من كل حقوقها وتتعارض مع القوانين الدولية.القرار 1559 الذي أتبع بإغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري لتسهيل تنفيذ المخطط الأمريكي الصهيوني في سوريا ولبنان تلته قرارات اخرى ثم تصعيد عسكري إسرائيلي ضد جنوب لبنان على أمل كسر الحلقة الأقوى في المنطقة أي حزب الله وكل تركيبة المقاومة الفلسطينية اللبنانية المترابطة استراتيجيا. مجلس الأمن الدولي الذي يجب أن يبدل إسمه رسميا ليصبح مجلس الأمن الأمريكي أضاف الى إكرامياته المناهضة للأمة العربية موقفا ينكر على لبنان حقه في الدفاع عن نفسه والسعي لإستعادة أرضه التي لا تزال تحت الإحتلال. فمساء يوم الأربعاء الخميس أعرب مجلس الأمن الدولي عن قلقه العميق إزاء التصعيد العسكري الخطير الذي وقع على امتداد الخط الأزرق على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.وأبدى المجلس في بيان أصدره عقب جلسة مشاورات مغلقة أسفه للإصابات التي لحقت بالجانبين اللبناني والإسرائيلي نتيجة للاشتباكات المسلحة.ودعا جميع الأطراف إلى احترام الخط الأزرق بأكمله وممارسة أقصى درجات ضبط النفس والإمتناع عن أي عمل يمكن أن يزيد تصعيد الوضع. واعتبر أن حزب الله هو من ابتدأ من الجانب اللبناني هذه الاشتباكات وجدد دعوته حكومة لبنان إلى أن تبسط سلطتها وتمارس احتكارها لإستعمال القوة في جميع أراضيها وفقا لقرارات مجلس الأمن. في الوقت الذي كان فيه مجلس الأمن يحرر محضر البراءة للمحتل الإسرائيلي كانت الإشتباكات تتجدد بعدما إقتحمت قوة إسرائيلية الأراضي اللبنانية المحررة بدعوى إنقاذ أحد المظليين الإسرائيليين الذي سقط بمظلته في الجانب اللبناني من الحدود بعد فشل عملية إنزال صهيونية خلف خطوط حزب الله. والمعروف أن الاشتباكات التي بدأت يوم الاثنين كانت نتيجة دخول قوة إسرائيلية إلى القسم اللبناني من بلدة الغجر في حين إدعت مصادر إسرائيلية أن عناصر من المقاومة الإسلامية حاولوا دخول البلدة لأسر عدد من الإسرائيليين. في الوقت الذي تبقى أغلب الحكومات العربية صامتة عمليا تجاه هذه المواقف المتحيزة لمجلس الأمن الدولي وجد حزب الله دعما شبه إجماعي من طرف الحكومة والقوى السياسية اللبنانية، التي دعت إلى حماية المقاومة وناشدت المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل للكف عن اعتداءاتها وخرقها لسيادة لبنان. وفي حين رأى رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة أن المشكلة تتعلق أساسا بإستمرار الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا، أبرز وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ في تصريحاته الخروقات الإسرائيلية المتواصلة والتي تكثفت خلال الأيام العشرين الأخيرة. وأكد وزير العمل طراد حمادة أن كافة فئات وطوائف الشعب اللبناني وقواه السياسية تقف بقوة وراء المقاومة والجيش اللبناني من أجل الدفاع عن لبنان أمام الاعتداءات الإسرائيلية.ورأى أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة أكدت مرة أخرى بأن القرار1559 هو قرار عدواني على لبنان لأنه يحرم الشعب اللبناني من حق الدفاع عن نفسه الذي كفلته الشرعية الدولية. وكان بارزا ايضا تأكيد رئيس أحد فريقي الأغلبية النيابية كتلة تيار المستقبل النائب سعد الحريري أن بعض الأمور الواردة في القرار الدولي 1559 غير موافق عليها ولا يمكن تطبيقها، مذكرا بأن سلاح المقاومة حرر الجزء الأكبر من الأرض المحتلة. من جهته اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وحليف تيار المستقبل النائب وليد جنبلاط، أن ما قامت به المقاومة عمل مباح وجزء من منظومة الدفاع بما أنه جاء إثر تسلل إسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية المحررة.وأشار إلى سكوت المجتمع الدولي عن الخروقات الإسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية وبلوغ الطيران الحربي الإسرائيلي إلى أقصى المناطق اللبنانية. وذكرت مصادر في بيروت يوم الخميس أن وزارة الخارجية اللبنانية وجهت كتابا إلى بعثة الصليب الأحمر الدولي في لبنان وآخر إلى قيادة قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (الفينول) في الناقورة، طالبة التحرك السريع لحمل إسرائيل على تسليم جثث ثلاثة من شهداء حزب الله نقلتهم الى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ونقلت صحيفة (السفير) اللبنانية عن مصادر مطلعة أن حزب الله أبلغ الجهات الدولية، الإنسانية والعسكرية، والأوساط الدبلوماسية المعنية، بأنه سيحدد مهلة زمنية لأجل إعادة جثث الشهداء، وإلا فهو سيكون في حل من الاتفاق على وقف إطلاق النار. اسرائيل تريد المزيد من مجلس الأمن الدولي لعلها تصل الى الهدف الذي فشل في إنجازه جيشها. وهكذا وجه وزير خارجية الكيان الصهيوني شالوم انتقادات مبطنة عنيفة لقسم من الأسرة الدولية وخصوصا دول الاتحاد الأوروبي، وقال عندما طلبنا منع مشاركة حزب الله في الانتخابات اللبنانية قالوا لنا إن هذه المشاركة يمكن أن تسمح باعتدال هذه المنظمة التي ستصبح فاعلة في الحياة المدنية وقد تتخلى عن ما وصفه الإرهاب.وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن وزير الخارجية الإسرائيلي سيحاول مجددا إقناع الاتحاد الأوروبي بإدراج حزب الله على لائحته السوداء للمنظمات الإرهابية.وركز المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية رون بروسور من جانبه على سلبية قوة الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (الفينول)، وتساءل عن مصلحة إسرائيل في بقاء هذه القوة. وذكر بروسور للإذاعة الإسرائيلية العامة، إن تل أبيب ستشن حملة دبلوماسية لوقف كل الاتصالات بين وزير حزب الله في الحكومة وممثلين عن دول أجنبية في إشارة إلى وزير الطاقة والمياه محمد فنيش. ما يجري في جنوب لبنان في الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر بداية لمعركة طويلة وضخمة وجزء من الصراع حول مخطط المحافظين الجدد في أمريكا لإقامة الشرق الأوسط الكبير. إن مجموعة السياسات التي اتبعتها الإدارة الأمريكية خلال أكتوبر 2005 لا تترك مجالاً للشك في أنها راحت تعطي لموضوع الهجوم على لبنان وسوريا موقع الأولوية.وفي هذه المعركة سيلعب حزب الله الدور الأساسي لحماية هذه الأمة من المؤامرات.