لقد خلَّف الجيش الإسرائيلي دمارا وخرابا في البنية التحتية وتدميرا للقرى بالجنوب دون إلحاق أي هزيمة بقوة المقاومة الصامدة إسرائيل هي المشكل الحقيقي والمعضلة المعرقلة لحل قضية الشرق الأوسط، وبالخصوص القضية الفلسطينية التي عمرت طويلا، دون فك لغزها الصعب، على مدى عقود ليست بالقليلة. هذا الكيان الذي أخذ كل شيء ولا يريد الاعتراف لأحد بأي شيء. عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006، وعلى غزة عام 2008 وانكسارها أمام المقاومة اللبنانية كذَّبت مقولة الجيش الذي لا يُقْهر. هزيمته أسطورة أمام حزب الله الذي استطاع خلق معجزة الانتصار الذي فاجأ العالم خاصة دولة إسرائيل العبرية التي زعمت أن جيشها بِعُدْواِنه على لبنان والقضاء على حزب الله والمقاومة سيكون في نزهة. توقفت الحرب وقبلت إسرائيل إيقافها، خوفا من تكريس هزيمتها أمام شراسة المقاومة لأنها لم تتقدم بشبر واحد داخل التراب اللبناني. وقد سقط كل الكبار في جيش إسرائيل، حتى وزير الدفاع ورئيس الأركان دان حالوت. لقد خلَّف الجيش الإسرائيلي دمارا وخرابا في البنية التحتية وتدميرا للقرى بالجنوب، دون إلحاق أي هزيمة بقوة المقاومة الصامدة، بعد عجزها عن الوصول إلى المقاومة بالشكل الذي كان جيش العدو يتمنى تحقيقه. انتهت الحرب لصالح حزب الله بشهادة العالم وباعتراف العدو الصهيوني نفسه. والدليل على ذلك تقرير «فينُغرادْ» بعد التحقيق في فشل الجيش الإسرائيلي أمام القدرات القتالية التي يتمتع بها حزب الله. انتهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر واختلط الحابل بالنابل على بوش لأنه من أعطى الضوء الأخضر لضرب حزب الله من قبل إسرائيل وهزمه للمرور إلى سوريا ثم إلى إيران. وظهرت القوة اللبنانية عصية على إسرائيل. وَتَمَّ اتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية بالإجماع، وهو ميشال سليمان، قائد الجيش سابقا. ورغم ذلك استمر التوتر بين الفُرقاء اللبنانيين بين مَنْ عَارَضَ الحرب ومن أيّدها. وبقيت هذه التجاذبات حول تنظيم انتخابات تشريعية. بعد اتفاق الطائف انتصرت الأغلبية في الانتخابات بمعجزة وبأصوات قليلة على حزب الله. ولولا التدخل الأجنبي وصرف المال الكثير لما فازت هذه الأغلبية، حسب تصريحات حزب الله بالانتخابات التشريعية. لقد انتهت الانتخابات بما انتهت به وانتخب رئيس مجلس النواب نبيه بري على رأس المؤسسة التشريعية. وبعد ثلاثة أشهر ما يزال تشكيل الحكومة يراوح مكانه، ولم يستطع سعد الحريري بعد التوصل إلى تشكيل حكومة منسجمة تسعى إلى خدمة مصلحة لبنان وشعبه التواق إلى الوحدة والاستقرار. تأخر الإعلان عن الحكومة اللبنانية سببه على ما يبدو تدخلات خارجية والضغط من الأطراف الداخلية لإبعاد حزب الله أو على الأقل حتى يكون له دور وألا يشارك في القرار. الإدارة الأمريكية تمارس التشويش والضغط وتختلق العراقيل لتحول دون التوصل إلى توافق وتشكيل حكومة موحدة منسجمة. إسرائيل بدورها. على لسان رئيس حكومتها، تقول إن مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية خطر عليها، ومع ذلك فحزب الله يزداد قوة ومناعة. فهاجس إسرائيل وقلقها من حزب الله كون هذا الأخير، حسب إسرائيل، يمتلك ترسانة عسكرية مخيفة للعدو. وهذا الكيان يفعل المستحيل لتركيع المقاومة في لبنان وفلسطين وتصفية الحسابات مع المقاومة. لكن إسرائيل فشلت على ما يبدو في كل المجالات العسكرية وحتى السياسية. اقتحمت قوات اليونفيل جنوب لبنان واقترحت إسرائيل تعديل تواجد هذه القوات لصالحها وأطلقت شبكات من جواسيسها على لبنان داخل هذا الأخير وفي جنوبه، تحديدا، لتجمع معلومات عن حزب الله، وقد ألقي القبض على الكثير منهم. فماذا عسى أن تفعله الطوائف اللبنانية للخروج من المأزق؟ عليها أن تخرج بحكومة وطنية موحدة لخدمة البلاد والعباد، وبدونها ستبقى إسرائيل ومن يدور في فلكها تتربص الدوائر للنيل من المقاومة. فإسرائيل لا تريد خيرا لأحد بل تسعى إلى طمس الهوية العربية الإسلامية عامة واللبنانية خاصة. فهل يدرك الذين عارضوا حزب الله في حربه ضد إسرائيل 2006 أن إسرائيل لو هَزَمَتْ حزب الله -لا قدر الله- ماذا سيكون عليه لبنان ومنطقة الشرق الأوسط؟ ولكن الله أنجانا من الهزيمة (إجهاض مشروع الشرق الأوسط الأمريكي بقيادة بوش وكوندلِزَا رايسْ الراحلين عن السياسة الأمريكية). فسياسة إسرائيل في فلسطين والشرق الأوسط ازدادت تعقيدا بسبب التعنت الإسرائيلي منذ 1948 وبسبب الانقسام والخذلان العربيين، الأمر الذي دفع الكيان الصهيوني إلى الغطرسة والهيمنة والتوسع على حساب الحق الفلسطيني العربي. وجاءت حرب لبنان مع إسرائيل عام 2006 وأحبطت الأغراض التوسعية وفشلت إسرائيل في حرب لبنان وفي غزة، رغم الوحشية الإسرائيلية التي تعاملت بها مع المدنيين الأبرياء فلم تحقق توسعا جديدا. وصلت القضية الفلسطينية إلى الباب المسدود بقدوم حزب نتنياهو المتطرف الذي عاد بالمسألة إلى عام 1948، عندما كانت ترفض الدولة الفلسطينية ويضرب كل شيء عرض الحائط ولم يقبل هذا الكيان أي حل مع الشعب الفلسطيني ومع العرب كلهم. فماذا أعطت إسرائيل للعرب منذ 67، تاريخ نكبتهم إلى الآن رغم المؤتمرات والاجتماعات والاتفاقات؟ لا شيء. وماذا ينتظر العرب من إسرائيل بعد 60 سنة من المناورة والمراوغة؟ لا شيء أيضا. الحل مع إسرائيل وصل إلى الباب المسدود ولا بد من لمِّ الشمل العربي والإسلامي، دون انتظار أحد، لأن أمريكا لا تريد إلا قوة إسرائيل في فلسطين، خاصة، وفي منطقة الشرق الأوسط، عامة. ولا تريد للعرب على أرضهم سوى الضعف والخضوع للسياسة الأمريكية والإسرائيلية والقضاء على كل مقاومة تطلب حقها في الوجود. فمعضلة تكوين حكومة لبنانية توافقية وتأخر تشكيلها يُُعْطي لإسرائيل الضوء الأخضر للمزيد من الاستفزاز والتهديد. فحينما تطلب الحكومة الإسرائيلية عدم مشاركة حزب الله في الحكومة فهذا يعني التدخل غير المباشر في الشؤون اللبنانية وسيادته. لهذا على الطوائف اللبنانية أن تضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، لأن إسرائيل تتربص بها الدوائر للنيل من المقاومة التي رفعت راية لبنان خفاقة. وما سيفيد الشعب اللبناني العظيم هو الوحدة والانسجام للحفاظ على استقرار البلاد. وإن إسرائيل لم ولن يُغْمَض لها جفن حتى تنال من سيادة لبنان ومن المقاومة الشريفة التي ردّت العدوان بشجاعة لم يسبق لها مثيل.