سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ماهر الطاهر: الدرس الأبرز في اعتداء غزة هو إمكانية هزيمة المشروع الصهيوني قيادي الجبهة الشعبية: عندما يخير الفلسطينيون بين الشهادة والاستسلام يفضلون الشهادة
يتحدث الدكتور ماهر الطاهر، مسؤول قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالخارج وعضو مكتبها السياسي، عن الوضع بفلسطينالمحتلة بعد معركة غزة وعن العلاقات بين الفصائل الفلسطينية وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، والمتغيرات التي تعرفها الساحة الدولية والإقليمية وتأثيراتها على القضية الفلسطينية ومستقبل المقاومة. - ما هي أهداف العدوان على غزة وخلفياته؟ < لاشك أن العدوان الصهيوني على غزة كان مُبَيَّتاً ومخططا له منذ فترة ليست بالقصيرة، وهناك نوع من التضليل المتعمد من طرف كيان العدو حينما يقول إن سبب هذا العدوان هو عدم تمديده للتهدئة. لقد كان الهدف الأساسي لهذا العدوان هو ضرب البنية التحتية للشعب الفلسطيني ومحاولة سحق المقاومة لتمهيد الطريق أمام الإدارة الأمريكيةالجديدة في ظل مجيء أوباما، لتصفية الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفرض الشروط والإملاءات الأمريكية والصهيونية، لذلك قامت إسرائيل بهذا العدوان الغادر، وكانت تتوهم أن الشعب الفلسطيني سيرفع رايات الاستسلام وأنها خلال بضعة أيام ستحسم هذه المعركة. ولكن الذي حصل هو أن الشعب الفلسطيني سَجَّل ملحمة تاريخية وصمودا أسطوريا في مواجهة العدوان وَوَجَّه رسالة واضحة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل ومن يتواطأ معها بأنه لا يمكن لشعبنا أن يقبل الاستسلام وأنه عندنا نُخَيَّر بين الشهادة أو الاستسلام، فخيارنا هو الشهادة. وقد صمد شعبنا صمودا هائلا وتَمَكَّنا من خلال الصمود الأسطوري أن نُحبط أهداف العدوان، حيث لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها ولم تتمكن كذلك من الاقتحام البري لغزة لأنها تدرك بأن الخسائر في جُنودها ستكون كبيرة. - ماهي الدروس المستفادة إذن من هذا العدوان؟ < الدرس الأبرز هو أن إمكانية هزيمة المشروع الصهيوني هي إمكانية واقعية، وليس صحيحا ما تحاول أن تروج له بعض الأوساط الانهزامية والاستسلامية بأنه من الصعب الانتصار على إسرائيل. أتصور أن معركة غزة تعطي مؤشرا واضحا لهزيمة استراتيجية المشروع الصهيوني. والحقيقة الثانية أن هذا العدوان لم يكن يستهدف حماس فقط، لأن بعض وسائل الإعلام المضللة حاولت أن تُصَوِّر أن هناك مشكلة بين حماس وإسرائيل. وحقيقة الأمر أن هناك استهدافا للشعب الفلسطيني ومقاومته بجميع قِوَاها لأنهم يريدون كَسْر إرادة هذا الشعب من أجل تمرير ما يُسمّى بالحل السياسي وفق الشروط الأمريكية والصهيونية. والحقيقة الثالثة هي أهمية بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية. إذ إنه إذا كُنَّا قد تَمَكَّنَّا من تحقيق إرادة الصمود ومواجهة العدوان وإفشال تحقيق أهدافه، فكيف سيكون عليه الأمر لوْ كُنَّا فعلا أمام وضع داخلي فلسطيني سليم، وأمام لُحْمة داخلية عميقة بين جميع الأطراف وأمام وحدة وطنية حقيقية، لكان الانتصار أكبر والصمود أقوى والنتائج أفضل. الحقيقة الرابعة تتمثل في الحركة الشعبية الهائلة والضخمة التي قامت بها الجماهير العربية وأحرار العالم كله. لقد كانت محاولات لعزل قضية فلسطين عن عمقها القومي وعن عمقها الإسلامي، ولكن معركة غزة وحالة الانتفاض والخروج إلى الشوارع في كل العواصم والمدن والقرى العربية كان أمرا لافتا للانتباه بحجمه ومَداهُ وعُمقه، مما يؤكد أن القضية الفلسطينية كانت ولازالت وستبقى القضية المركزية للأمة العربية. - معسكر المقاومة يعتبر أن المعركة كانت انتصارا لهذا الخط وللشعب الفلسطيني، وفي الطرف الآخر هناك من يشكك ويقول إن مستوى الدمار كان كبيرا ولا يمكن قبول انتصار بهذه التكلفة العالية. كيف تنظرون إلى المسألة في الجبهة الشعبية؟ < أولا هناك سؤال كبير، وهو هل لدينا كشعب فلسطيني أي خيار آخر غير خيار المقاومة؟! يعني هل إسرائيل وأمريكا تقدمان لنا حلولا ننتزع من خلالها حقوقنا الوطنية؟ الجواب بالطبع لا. نحن أمام حلٍّ واحد مطروح يتمثل في فرض إملاءات أمريكية صهيونية علينا كشعب فلسطيني، حيث يريدون إقامة كيان فلسطيني في غزة وبعض الأجزاء من الضفة بعد تصفية حق عودة اللاجئين واستمرار الاستيلاء على مدينة القدس ومنع قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، ليقبلوا فقط بسلطة تشكل وكيلا أمنيا للاحتلال؟ وهذا الحل لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يقبله. وإذا لم نكن أمام حل سياسي يقبل به الشعب الفلسطيني، فإننا نكون أمام احتمالين؛ إما أن نقبل بالتكيف، فقط مع الشروط الصهيونية، أو نعيد النظر في الاستراتيجية والرؤية السياسية. فبالنسبة للاحتمال الأول وهو الاستسلام والتكيف، فقد أعطى شعبنا جوابه في محطتين بالرفض، أولا حينما حصلت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، ووجه رسالة أكد فيها تمسكه بالثوابت الوطنية ومعارضته للفساد. وفي معركة غزة حينما صمد لمدة اثنين وعشرين يوما ولم نجد إنسانا فلسطينيا واحدا يرفع راية الاستسلام رغم الخسائر الجسيمة والدماء الزكية للشهداء، لكن رسالته كانت أنه لا يمكن الاستسلام. وبالتالي في ظل هذا الوضع لا تكون أمامك أي خيارات إلا خيار الصمود، فالشعب الفلسطيني أعطى جوابه وهو أننا لن نستسلم تحت أي ظرف من الظروف. هذا أولا، أما النقطة الثانية فهي أن هناك خسائر كبيرة، لكن المنطق الآخر الذي يقول إن هناك تدميرا لغزة وهناك ضحايا من الأطفال والنساء وأن هناك ثمنا باهظا... كل هذا صحيح لكن ما هو بديلكم؟ هل تريدون أن نرضخ؟ أنا أتصور أن هذا المنطق قائم على خلفية أنه على ضوء اختلال موازين القوى وعلى ضوء الوضع الدولي لنقبل بما يعرض علينا. هذا منطق استسلامي رفضه الشعب الفلسطيني، وبالتالي خيارنا التمسك بحقوقنا والثمن مفروض علينا دفعه ولم نختره. - أفرزت معركة غزة بروز قطب عالمي أممي رسمي يلعب فيه اليسار الحاكم في أمريكا الجنوبية، دورا مهما. هل لديكم مشروع لإعادة ربط العلاقات وتوطيدها مع هذا المعسكر المعادي للاستعمار؟ < القضية الفلسطينية لها بُعْدٌ عربي وآخر إسلامي، كما أن لها بٌعْداً أمميا، وهي أعدل القضايا، وبالتالي شَعَرْنا بوجود مصاعب حين انهار الاتحاد السوفياتي وساد القطب الواحد، وازداد الوضع سوءا بالنسبة لنا بعد أحداث 11 شتنبر والحملة على ما يسمى «الإرهاب» ومحاولة خلطه بالمقاومة المشروعة، حيث شنت أمريكا حملة دعائية عبر العالم ضد المقاومة الفلسطينية التي صُنِّفت كشكل من أشكال الإرهاب، خاصة مع تأثير اللوبي الصهيوني الواسع على وسائل الإعلام وصناعة الرأي العام، وهذه المسألة بالطبع مُنافية للحقائق ومخالفة للقانون الدولي، والآن مع المتغيرات التي ذكرتها ينبغي أن نجتهد كعرب في استعادة البعد الدولي لقضية فلسطين، فنحن أمام متغيرات حقيقية في الساحة الدولية، حيث إن عصر القطب الواحد انتهى ونحن نسير في اتجاه نظام دولي متعدد الأقطاب، وقد فشلت أمريكا استراتيجيا في ضمان استمرارية هيمنتها، كما أن هناك تطورات كبرى في مرافق بعض الدول خاصة فنزويلا وبوليفيا اللتين قامتا بإغلاق السفارتين الإسرائيليتين لديهما، وهو ما يدعونا كفلسطينيين إلى استثمار هذا الوضع المستجد وإعادة نسج علاقاتنا مع موقع اليسار هناك ومع جميع قوى التقدم والحرية في العالم. لكن هذا يتطلب أيضا توحيد الصف الفلسطيني وتجاوز حالة الانقسام التي شوّهت القضية الفلسطينية في العالم. وبالتالي فإن استعادة الوحدة الفلسطينية ستلعب دورا كبيرا على هذا الصعيد. - ماذا عن الشارع العربي وانتفاضته أثناء معركة غزة؟ < إن أمتنا العربية حيَّة، ولكنها تحتاج إلى حركات وقوى سياسية أكثر فاعلية ومبادرة تطور في الأساليب، لاستثمار هذه الحركية الشعبية الهائلة، عبر ضمان استمرارية التواصل مع الجماهير وعموم الناس ونسج علاقات وطيدة معها، وأن نتحسس مشاعر هذه الجماهير وأن نعمل على تغيير وتطوير أساليب عملنا في الاتصال مع شعوبنا واستثمار طاقاتها الهائلة في معركة التحرير والنضال من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتطوير برنامجنا، مع تقويم تجاربنا لمعرفة مكامن الضعف والخلل فيها بهدف تجاوزها، واستعادة دورنا المُبَادِر في الشارع العربي لكي نتمكن من تحقيق الأهداف التي رسمناها وقدمنا تضحيات في سبيلها. وهي مناسبة لتوجيه شكرنا وتقديرنا لكل أشقائنا في الوطن العربي، الذين شكلت انتفاضتهم ذخيرة لتحقيق الصمود في معركة غزة وما قبلها، وبالخصوص شعبنا المغربي الذي لم يبخل بجهده في هذا المجال وكان نموذجيا كما عهدناه في اللحظات الفاصلة، كيف لا وقد قدَّم شهداءه من أجل فلسطين مثل الحسين الطنجاوي والركراكي النومري ومصطفى اقزيبر وغيرهم، فله منا كل التحية والتقدير.