قال موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، إن إسرائيل فشلت في تحقيق أي من أهدافها الستة المعلنة في العدوان على غزة، رغم التفوق العسكري والدعم الدولي. وأكد، في حوار ل«المساء»، أن المقاومة الفلسطينية نجحت في تحقيق أهدافها الخمسة، ومع ذلك أوضح أبو مرزوق أن النصر لا يعتبر كاملا لأن المعركة لا تزال مفتوحة. - تتحدثون عن انتصار حققته فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة بقيادة حركة حماس، ماهي أهم معالم وملامح هذا النصر؟ < إن أي نصر يتحقق، من المعلوم، أن ملمحه الأساسي هو تحقيق الأهداف التي رسمت من أجلها الحرب أو إفشال أهداف الخصم الذي أشعل الحرب. لقد خاضت القيادة الإسرائيلية الحرب على غزة وشنت عدوانها بجيش النخبة فيها، الذي تم إعداده لقتال كل جيوش المنطقة، في تفوق عسكري واضح إذا قارنا بين الجيش الإسرائيلي ودول المنطقة، قد وخاضت إسرائيل هذه الحرب من أجل أهداف محددة، من ضمنها إعادة الثقة للجيش بنفسه بعد فشله في حربه على لبنان (يوليوز 2006)، وتسويق زعمائه الحاليين في الانتخابات التشريعية التي نظمت بعد أقل من شهر من توقف العدوان عبر تسجيلهم لانتصار في سجلهم، وضمان الأمن لمنطقة جنوب الكيان المحتل في فلسطين وطمأنة المستوطنين هناك، إضافة لإنهاء حكم حماس وإخراجها من قطاع غزة، وجلب بعض المتعاونين معها للسيطرة على غزة، وإنهاء صواريخ حماس وفصائل المقاومة، وإقفال الأنفاق المزودة للقطاع بمختلف الأغراض والمواد التي يحتاجها أهلنا في غزة... وهي أهداف تم وضعها وعبرت عنها وزيرة خارجية الاحتلال ليفني بشكل واضح حينما صرحت بأن الحرب شنت لتغيير المعادلة في المنطقة، وهي حرب بين المعتدلين والمتشددين ولصالح ما سمته بالاعتدال في المنطقة، ثم أضافوا فيما بعد استرجاع الجندي الأسير لدى المقاومة جلعاد شاليط إلى بيته.. هذه هي الأهداف الستة أو السبعة التي وضعتها القيادة الإسرائيلية. - ماذا عن أهدافكم أنتم؟ < نستطيع الآن بعد أن انجلى غبار المعركة أن نتحدث بوضوح: الصواريخ لازالت تنطلق، ولم يتمكنوا من إغلاق الأنفاق رغم توقيع اتفاقية مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر لإغلاق الأنفاق بشكل شامل، بل تحدثوا عن شرط للتهدئة يتمثل في أن تأخذ حركة حماس نصيبا من المسؤولية في عملية إغلاق الأنفاق، فلم ينجحوا بعدوانهم على الأرض، ولا بالاتفاقيات السياسية، في إغلاق الأنفاق، كما أن جميع استطلاعات الرأي تؤكد أن عدوانهم لم يجلب الأمن لوسط وجنوب البلاد، وأن هذه الحرب لم تحقق أهدافها، وبالتالي شهدنا صعود نتانياهو وليبرمان إلى الصدارة، وليس باراك وليفني، كما أنهم لم يتمكنوا من تغيير المعادلة في المنطقة بل تعززت حماس وخيار المقاومة ككل، وإذا كان جمهور حماس قد كان في السابق داخل الشعب الفلسطيني وامتداده العربي، فقد أصبح الآن داخل أصقاع العالم المختلفة والبعيدة تأييدا ومناصرة وهتافا باسمها. وبالتالي فإنهم لم يغيروا المعادلة، بل كرسّوها وزيادة. حينما تفشل إسرائيل في تحقيق كل هذه الأهداف عن طريق الحرب، فمعنى ذلك أن فشل إسرائيل يقابله نجاح للطرف الآخر، وهو حماس التي وضعت لنفسها أهدافا: الصمود في المعركة وصمدت، عدم جعل إسرائيل تحتل أي حي أو مدينة من قطاع غزة ونجحت. الإبقاء على قوتها الصاروخية فاعلة و نجحت، أن تُبقي على تزويد القطاع بحاجياته وبما يُدافع به عن نفسه ونجحت، أن تبقى صلتها عميقة بشعبها ونجحت في ذلك، أن تعمق صلتها بأمتها وبأحرار العالم ونجحت. إذن هناك أهداف فشلت هناك وأهداف تحققت هنا، وهذه هي معالم النصر. ولكن أقول وبمنتهى الوضوح إن هذا النصر لم يُستكمل وأن المعركة لا تزال مفتوحة، لأن هناك أطرافا كثيرة أعطت غطاء للعدوان الإسرائيلي وأطرافا أخرى وقفت في صف العدوان بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي الأطراف التي لا تزال تراهن على إسقاط المقاومة وحركة حماس وإفراغ صمودها من مضمونه، بعد أن فشلت في ذلك بالقوة المسلحة، عن طريق إعادة الإعمار أو عن محاولة فرض شروط مُذلة في التهدئة، لذلك سياسة التضييق والملاحقة لحماس لا تزال قائمة. - من المعلوم أن كل معركة تنطوي على جانبين: الأول عسكري حربي، والثاني سياسي. وفي بعض التجارب التاريخية ما لم يحققه المحتل عن طريق الحرب قد يحققه عن طريق السياسة. كيف يمكن لحركة حماس وقوى المقاومة الأخرى أن تترجم النصر الذي تحدثتم عنه في الميدان، على الصعيد السياسي، بشكل يستثمر الصمود على الأرض أثناء المعركة؟ < من الواضح جدا أن المعادلة التي كانت موجودة في الحرب هي غير تلك الموجودة في عالم السياسة. في العالم الأخير هناك أطراف متعددة وهذه الأطراف تصطف تحت عنوان شرعيات إقليمية ودولية في مواجهة الحركة، وحماس في النهاية ليست طرفا في تلك المعادلات، بمعنى أنها غير موجودة في مجلس الجامعة العربية ولا في منظمة الأممالمتحدة أو المؤتمر الإسلامي ولا حتى في التحالفات الإقليمية، لأنها حركة تحرر وليست نظاما رسميا. ولذلك فالسياسة تديرها الأطراف الرسمية والمحاور الإقليمية، ونحن حركة، وموازين القوى يبدو فيها خلل كبير، وأعتقد أن هناك إصرارا كبيرا لدينا بأن ما لم يتحقق بالحرب لن يتحقق بالسياسة، وسنبقى نصبر ونحتمل ونصمد ونقاوم في السياسة، كما جاهدنا وصمدنا في الحرب، وبلا شك لن تتحقق في النهاية إلا أهداف شعبنا الفلسطيني وقواه الحية، وأعتقد أن المعركة وإن كنا قد دخلناها بحلفاء قليلين، فقد خرجنا منها بحلفاء كثر، وإذا كنا قد دخلناها بجزء بسيط من العالم العربي كان واقفا إلى جوارنا، فقد خرجنا من الحرب وأكثر من نصف العالم العربي (الرسمي طبعا) يقف إلى جوارنا، وإذا دخلنا هذه الحرب ولم يكن إلى جانبنا الكثير من البلاد الأوروبية، فقد خرجنا منها ودخلنا إلى السياسة وإلى جانبنا تركيا والعديد من بلدان أوروبا التي أصبحت تتفهم منطقنا وتدعو إلى ضرورة فتح الحوار مع حماس والإنصات لمطالب المقاومة. توني بلير على سبيل المثال والكثير من الساسة الأوروبيين. لذلك نقول إننا سنتعامل بنفس القدر الذي شاهدتموه في أرض المعركة وسنتعامل بنفس الاقتدار في ميدان السياسة. - في هذا السياق وقع الاتفاق على تسليم ملف قطاع غزة والمفاوضات غير المباشرة حول التهدئة بين المقاومة والاحتلال الصهيوني لمصر. كيف تقومون الدور المصري؟ هل هو دور معاد لكم كمقاومة أم متضامن مع منطقكم أم وسيط محايد؟ ماذا؟ < بلا شك نحن لا نرضى أن تلعب مصر دور الوسيط بين المقاومة والكيان الصهيوني. هذا دور غريب نشهده في هذا الوقت، نحن نعتقد أن دور مصر إلى جانب الشعب الفلسطيني ويجب أن تكون معنا وليست وسيطا بيننا وبين المحتل الإسرائيلي. وأعتقد أن مصر لو غيرت سياساتها لتغير الوضع بشكل كبير. ولكن السياسات الرسمية المصرية لا تخدم بلا شك أهداف حماس أو المقاومة بشكل عام، وقد أصبحت ما يشبه الوكيل الرسمي للملف الفلسطيني بدعم من الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي ودول المنطقة في الجامعة العربية، لذا أرجو أن تكون هذه مسؤولية أكثر من كونها وضعا لترتيب ترتيبات ليست واقعية على أرض فلسطين. ونحن نرجو أن يكون هناك تعامل إيجابي ومسؤول تجاه الشعب الفلسطيني فيما يخص مختلف ملفاته التي أوكلت لمصر التعامل معها. - ماذا عن بقية الأدوار؟ الدور التركي الذي دخل على الخط، ثم الدور القطري؟ < بلا شك نحن رحبنا بالدور التركي، وأعتقد أنه ستكون له مكانة في المنطقة لما تعيشه هذه المنطقة من فراغ سياسي يتيح للكثير من الدول أن تلعب فيه وتملأه، وتركيا لم تكن مطلبا لحماس رحبنا به فحسب، بل إن وزير خارجية مصر قام بحث الأتراك على لعب هذا الدور، وقام رئيس الوزراء التركي بزيارة لمعظم الدول المحيطة بفلسطين ثم زار الكيان الصهيوني وبلور رؤية واضحة. وأعتقد أن غضبه الحالي من إسرائيل هو نتيجة عملية الخداع الذي مارسها يهود أولمرت فيما يتعلق بالحرب وفيما يتعلق بالوساطة التي شجع تركيا على القيام بها ثم بعد ذلك قام بشن عدوانه على غزة وكأنه يخدع أردوغان. وبعد دخول الأتراك على الخط وجدوا الكثير من الحقائق على الأرض، فكان انحيازهم نحو العدل والحق واضحا، وهذا ما يجعلني أؤكد على أن تركيا موضع ترحيب من الجميع، وخاصة مواقف رئيس وزرائها أردوغان مثلما حصل في منتدى دافوس. أما الموقف القطري، فأنت تعلم تماما أن قطر تقف إلى جوار الشعب الفلسطيني وقفة مسؤولة، ومنذ فوز حماس في الانتخابات قالت بوضوح إن حماس شرعية وجزء من العملية السياسية، ويجب أن تشرك وأن لا تعزل. وأعتقد أن هذا الرأي والرهان القطري هو تماما مثلما كان الرأي والرهان الروسي. وأعتقد أنه ثبت للعالم الآن أن هذا هو الرأي الذي يمثل الصواب. ومن هنا يتحدث الكثير من قادة أوروبا عن حكومة وحدة وطنية تشارك فيها حركة حماس وعدم مقاطعة حكومة تشارك فيها حركة حماس، واعترف توني بلير بخطئه كما اعترف الكثير من القادة الأوروبيين بخطئهم في مقاطعة حماس وعدم إعطائها الفرصة بعد الانتخابات التي جرت في يناير 2006. وقطر لم تقف فقط عند الرؤية والموقف السياسي بل دعمت الشعب الفلسطيني دعما واضحا في كل المجالات، وخاصة في قطاع التعليم والصحة حيث كانت تدفع مرتبات جميع موظفي التعليم والصحة في الضفة الغربية وقطاع غزة. لذلك أقول إن قطر دولة تستحق من الشعب الفلسطيني التقدير والتقدير الكبير لمواقفها العملية وكذا لموقفها السياسي المشرف. - فتحتم قنوات اتصال مع قوى كبرى في الساحة الدولية بعد معركة غزة مثل الصين وروسيا ودول أمريكا الجنوبية التي أصبحت تلعب أدوارا استراتيجية في الساحة العالمية؟ كيف تقاربون هذا الأمر في الحركة؟ وهل باشرتم حوارا مع هذه القوى؟ < المسألة لها علاقة بما يقع على الأرض، فحركة حماس حركة نجحت في الانتخابات وثبتت شرعيتها بالمقاومة وأضافت إلى شرعيتها شرعية أخرى ونجحت في صد العدوان الإسرائيلي لتضيف لسجلها شرعية ثالثة، هي شرعية الانتصار، وهو ما يعطي للحركة مدى واسعا للتعامل معها كحركة مسؤولة ذات شعبية ممتدة وذات جذور، وحركة قادرة في الميدان، مما جعل العديد من الدول تباشر الاتصال بالحركة، رغم أن الكثير منها لازال يخشى تأثير الهيمنة الأمريكية ويحتاط من الدعاية الصهيونية ويتعامل مع حركة حماس بشكل سري. وأستطيع القول الآن أن معظم الدول الأوروبية تتعامل مع الحركة بصورة أو بأخرى. - لننتقل إلى العلاقة الفلسطينية – الفلسطينية، كيف تم تدبير العلاقة مع باقي أطياف المقاومة الفلسطينية أثناء معركة غزة؟ وهل تعتبرون أن هذا التدبير كان ملائما؟ ثم ماذا عن العلاقة مع غرمائكم في رام الله، حكومة فياض وأبي مازن بالضفة؟ < لعلك تشعر بأن هناك تنسيقا في صفوف المقاومة أثناء صد العدوان، كما أن هناك تنسيقا مع قوى المقاومة فيما يرتبط بالسياسات تجاه الطرف الآخر، حيث إن هذا التنسيق ينال رضى هذه الأطراف بشكل عام. وهناك الكثير من الأفكار حول تأطير هذه العلاقة وتحويلها من مجرد علاقة تنسيق إلى علاقة تحالفية لتصبح هذه القوى كتلة واحدة وتصبح أولويتها هي استعادة منظمة التحرير لشرعيتها لمكانتها في الشعب الفلسطيني. وسيبقى الجميع خارج منظمة التحرير إلى حين تسوية وضعيتها ليصبح الجميع قادرا على ممارسة واجباته بكل حرية بعد تحويلها إلى مظلة لجميع الفلسطينيين بشكل واحد. وبلا شك فإننا كنا في المعركة الأخيرة نعمل على ثلاث جبهات: جبهة التصدي للعدو، وكانت هذه معركة جميع فصائل المقاومة في غزة، التي وقفت في خندق واحد، وجبهة مساعدة الشعب الفلسطيني وإغاثته وإسعاف جرحاه ودفن شهدائه وغيرها من القضايا التي أفرزها العدوان، وقد شاركت أطياف واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني في هذه الواجهة، والجبهة الثالثة التي برزت للعيان في هذه المعركة وتتعلق بطابور خامس يريد تبخيس صمودنا في معركة غزة ويريد أن يزعج حماس من قطاع غزة بأي طريقة بعد أن فشل العدوان الصهيوني في ذلك، وهي مجموعة من العملاء الذين كانوا يرشدون المعتدين ويرسلون لطائراتهم القبلات ويرسمون علامات على بيوت قادة المقاومة في كتائب القسام، والقادة السياسيين للحركة، وما إلى ذلك من أعمال يتعفف كل ذوي المروءة من القيام بها، وهو ما استدعى من الحركة التعامل معهl بحزم، وخاصة في فترة الحرب. - أخيرا ماذا عن تداعيات دعوة رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل إلى تشكيل مرجعية وطنية للشعب الفلسطيني؟ هل يتعلق الأمر عندكم بالاقتصار على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وفقا لاتفاق القاهرة سنة 2005؟ أم أن هناك حسابات أخرى؟ < لازالت اتفاقية القاهرة ملزمة لنا، ونتطلع إلى بناء منظمة التحرير كمرجعية فلسطينية شاملة، وهذا لا يعني أن نمتنع، في انتظار تحقيق ذلك، عن تطوير علاقات تحالفية بيننا وببن باقي فصائل المقاومة الأخرى وإقامة علاقات ذات مرجعية سياسية وعسكرية بيننا، وهذا لا يتنافى إطلاقا مع استمرار نضالنا السياسي من أجل تثبيت شرعية منظمة التحرير الفلسطينية وجعلها مظلة لكل أبناء الشعب الفلسطيني، وهو ما سنعمل على إنجازه في جولة للحوار تنظم بعد أيام بالقاهرة لتجاوز حالة الانقسام ووضع استراتيجية مشتركة لمواجهة تحديات ما بعد محرقة غزة الأخيرة.