حدد إسرائيل تحاول اخفاء هزيمتها في مزارع شبعا دانييل سوبلمان (مركز جافي للدراسات الاستراتيجية) الهدف الأول من دراسته «قواعد جديدة للعبة: إسرائيل وحزب الله بعد الانسحاب من لبنان» التي أشرف على ترجمتها من العبرية د. عماد فوزي شعيبي (مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية) ونشرت الترجمة العربية الدار العربية للعلوم سنة 1425 ه 2004 م، في تقديم وصف لحدود العمليات وقواعدها وما سماه بالخطوط الحمراء التي يواجهها حزب الله مما جعل الحدود بين اسرائيل ولبنان تبدو مختلفة تماما منذ ايار 2000 عما كانت إسرائيل قد توقعته قبل الانسحاب، يقدم هذا الكتاب مسحا شاملا لخلفيات انسحاب «قوات الدفاع الاسرائيلية» من الجنوب اللبناني، اضافة الى التطورات اللبنانية على المستوى الداخلي والإقليمي والتي أثرت على طريقة عمل حزب الله. ويتوخى المؤلف فهم الدوافع الداخلية لدى واضعي القرار في حزب الله التي شكلت تحديا صعبا للعديد من المحللين في اسرائيل والغرب والهدف الثاني من هذه الدراسة هو تحديد الظروف والحقائق التي يستخدمها حزب الله في تقديره عن أوان الكشف عن قدرات أحدث وأعنف ضد إسرائيل، ويحاول هذا البحث إلقاء الضوء على مجموعة من الحوادث في السنوات الأخيرة التي لها علاقة بحزب الله وصياغتها مع الاهتمام بالكيفية التي يطرح فيها حزب الله دوره وعملياته على الشعب اللبناني وعلى جنوده وأفراده، وتوضيح الأنماط التي يتبعها التنظيم في عملياته و«القواعد الجديدة للعبة» التي هيمنت على طول الحدود الاسرائيلية اللبنانية. وحسب الوصف الإسرائيلي في نهاية عام 2003، تشتمل مجموعة أسلحة حزب الله على أحد عشر ألفا من قذائف الكاتيوشا والصواريخ طويلة المدى على الأقل، ويتم ترويج الأسلحة الاستراتيجية لحزب الله في المناطق اللبنانية المحلية كقوة مصممة لحماية لبنان ولتمكين النمو الاقتصادي من خلال حماية التوازن مع اسرائيل. وهكذا لايكون حزب الله قد توارى عن المنطقة منذ انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان ويبدو أنه سيبقى يناوش إسرائيل ويطلق النيران المضادة للطائرات على طائرات القوات الجوية الإسرائيلية على طول الخط الشمالي. قدم المؤلف، في الفصل الثالث من هذا الكتاب، دوافع ومقتضيات نشاط حزب الله حسب رؤيته، ووصف في الفصل الرابع التطورات والأحداث الاقليمية التي حددت حدودا وحقائق وظروفا إضافية، «هذا الإطار للمطالب والمقتضيات كون قواعد حزب الله للعبة منذ الانسحاب حيث يواصل موقفه العقلي تجاه إسرائيل، وهذه القواعد تستند الى ثلاثة مبادئ: الاعتراف بالخط الأزرق الذي وضعته الأممالمتحدة والذي تقرر استنادا على قرار الأممالمتحدة رقم 425 الذي يحظر على حزب الله القيام بأي نشاط رسمي على طول الخط. اعتبار منطقة مزارع شبعا غير مقيدة بمنع اطلاق النيران من جانب حزب الله طالما أنها منطقة محتلة. مبدأ «العين بالعين» حيث ان التنظيم يرد بالمثل على أفعال الاسرائيليين» (ص 93). ويشير المؤلف الى أن سوريا بعد الانسحاب أحادي الجانب نظرت الى نشاط حزب الله المتواصل كقوة تحتفي بها للضغط على إسرائيل لإعادة مرتفعات الجولان. «تم تسجيل أول طلب لبناني لانسحاب اسرائيل من مزارع شبعا في 16 نيسان 2000 عندما أكد رئيس البرلمان «بنيه بري» أن المقاومة سوف تستمر طالما ترفض إسرائيل مغادرة المزارع الأربع عشرة في منطقة مزارع شبعا. وكان رد اسرائيل أنه طالما أن هذه المنطقة سورية في الأصل فإنه يمكن السعي لحل هذا الموضوع استنادا الى قرار الأممالمتحدة رقم 242 وليس الى القرار 425 الذي لا يتعلق بمرتفعات الجولان. فدحضت لبنان هذا الرد بأنها مسألة منطقة لبنانية كانت سورية قد نقلت ملكيتها الى لبنان في عام 1951. ومع اقتراب موعد الانسحاب في بداية أيار 2000 وجهت لبنان تحذيرا صريحا بأن وجود إسرائيل في المنطقة المتنازع عليها سوف يقود الى نشاط عسكري متواصل ضدها. وجاء إعلان وزير الإعلام «أنورالخليل»: «إن موقفنا واضح وقطعي.. سوف تستمر المقاومة حتى لو بقي سنتمتر واحد من التراب اللبناني تحت الاحتلال» وأكد الوزير أن أي انسحاب لايشمل مزارع شبعا «سوف يعتبر إعادة انتشار للقوات الإسرائيلية وليس انسحابا قائما على فحوى ومفهوم القرار رقم 425» (ص 95). وفي 14 حزيران أعلن الشيخ «نبيل قارووق» المسؤول في حزب الله عن جنوب لبنان أن النذير بإطلاق النيران المضادة للطائرات الاسرائيلية عقب انتهاك هذه للأجواء اللبنانية إنما هو «بداية مرحلة جديدة للتأكيد على موقف القوة لكل من حزب الله ولبنان». وفيما يتعلق بحادثة «بنت جبيل» أكد قاووق أن لبنان قد ناشد المجتمع الدولي لكي يوقف اختراق إسرائيل للمجال الجوي اللبناني دون جدوى. وبين قاوون أن إسرائيل كانت تحاول «إيجاد معادلة جديدة هدفها إخفاء هزيمتها في مزارع شبعا». وقال «محمد رعد» رئيس كتلة حزب الله في البرلمان إن تنظيمه يستخدم إطلاق النيران المضادة للطائرات لكي يقيم معادلة مقابلة «تماما كما حدث في الماضي سعيا لإقامة معادلة نيسان (ردا على عملية عناقيد الغضب) لكي نعيدالمواطنين الى أطراف محايدة، واليوم نعمل لإقامة معادلة بمقاومتنا المستمرة للعدو لردعه عن انتهاك سيادة المجال الجوي اللبناني عقوبة لإسرائيل وكسب لحزب الله . وحينما كان يتحدث حسن نصر الله أمام الطلاب في بيروت شرح لهم خلفيات قرار التنظيم لإطلاق النيران على الطائرات الإسرائيلية: فيما يخص الطائرات والمدافع المضادة للطائرات... فقد أصبح هذا أمرا مهما فالدبلوماسية الأمريكية تنشط حاليا حول هذه القضية وتبعث الرسائل الشفهية بشأنها. منذ الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان ولغاية الأيام القليلة الماضية حدثت آلاف الانتهاكات الاسرائيلية وأغلبها كان انتهاكا للمجال الجوي. كان بعض هذه الانتهاكات للمياه الاقليمية اللبنانية وبعضها الآخر للأراضي اللبنانية ولكن أغلبها كان انتهاكا للمجال الجوي ولانجد اننا بحاجة لتقديم الدليل على ذلك فسكان جنوب لبنان يشاهدون الطائرات وكذلك المقيمون في بيروت وطرابلس. إننا شعب متزن... فنحن في البداية لم نبدأ بإطلاق النيران على الطائرات. وعلى مدى عام أو نيف كنا نبدو مثل قوات الأممالمتحدة العاملة في جنوب لبنان أي كنا نحصي الانتهاكات الجوية والبحرية والأرضية وعممنا هذه الاحصائيات على وسائل الأبناء وتم تبليغ بعض المسؤولين عنها واستمر سلوكنا هذا شهورا عديدة طويلة. سوف أناقش النتائج الأمنية المرتبطة بهذا النشاط الجوي الإسرائيلي، وما ترافق معها من اغتيالات ومحاولات لنسف الاستقرار في البلاد (...) ولكن عندما أطلقت مدافع المقاومة الاسلامية في الجبهة نيرانها على الطائرات الاسرائيلية... سمع دوي القذائف المضادة للطائرات شعب الله المختار.. الشعب الراقي.. واحة الديمقراطية الذين لابد من حماية حقوقهم الإنسانية... النخبة المختارة من الشعب المرفه الذي يحيا حياة مريحة، اليهود الذين تم إحضارهم الى المستوطنات الشمالية من كل أنحاء العالم.. ولهذا السبب انزعجوا... هؤلاء انفسهم لم ينزعجوا عندما أطلقت مدافع المقاومة الإسلامية نيرانها على الطائرات الإسرائيلية في منطقة الزهراني وصيدا أو على الخط الساحلي.. هل قتل أحدهم؟... لا.. لأن النيران المضادة للطائرات كانت موجهة نحو السماء.. ولكنهم انزعجوا.. لأنهم جبناء يكفيهم أن يسمعوا دوي النيران المضادة للطائرات ليهرعوا الى الملاجئ ويتوقفوا عن التسوق ويغلقوا متاجرهم وتصبح الحياة والسياحة في حالة توقف تام في المستوطنات الشمالية. وذكر نصر الله بأنه بفضل النيران المضادة للطائرات التي أطلقها حزب الله حتى يدرك العالم الآن منهجية انتهاكات إسرائيل لسيادة المجال الجوي اللبناني، وفيما يتعلق بحل هذه القضية أكد أن النيران المضادة للطائرات سوف تتوقف إذا توقف تحليق الطائرات «يوجد حل بسيط جدا وهذا الحل لاصلة له بالشرق الأوسط أو مزارع شبعا أو quote un quote أو السلام العادل والشامل أو أي شيء.. توجد معادلة بسيطة.. إذا لم تنتهك الطائرات الحربية الإسرائيلية المجال الجوي اللبناني فإن سلاح المدفعية الدفاعية لن يطلق النيران على الطائرات.. لماذا؟.. لأنه لن يكون هنالك شيء تطلق عليه النيران فهي تطلقها على الطائرات. إذا لم تنتهك الطائرات الحربية الاسرائيلية السيادة اللبنانية ولم تخترق المجال الجوي اللبناني فإن سلاح المدفعية للدفاع الجوي لن يطلق نيرانه... وهذا حل بسيط جدا ولذلك فالحل لايكمن هنا في لبنان». (ص 100 101) وهذا ماجعل المؤلف يعترف بأن النيران المضادة للطائرات هي عقوبة لإسرائيل وكسب لحزب الله بوصفه قوة رادعة. كما جعله يعترف بما يلي: «إذا أجرينا مقارنة بين بيانات حزب الله عن عدد الانتهاكات الاسرائيلية في عام 2002، مع بيانات قوات الدفاع الإسرائيلية عن عدد مرات إطلاق النيران المضادة للطائرات نجد أن عدد مرات إطلاق النيران المضادة للطائرات متفرق وانتقائي أي أن حزب الله اختار غالبا عدم الرد حتى لو حلقت طائرات القوى الجوية الإسرائيلية في سماء لبنان، والواقع أنه في أغلب الحالات آثر ضبط النفس. أما ذروة إطلاق النيران المضادة للطائرات فقد جاءت في تموز وآب 2002، ردا على مضاعفة القوى الجوية الاسرائيلية تحليق طائراتها في سماء لبنان (كان هنالك عموما عشرات الاختراقات في الأسبوع الواحد) وفي الفترات الفاصلة حينما كان هنالك حالات منفردة (بين 9 17 تموز مثلا كان هنالك خمس تحليقات فقط) .. توقف إطلاق النيران المضادة للطائرات» (ص 102 103). آثارالانتهاكات الاسرائيلية للأجواء اللبنانية ويحلل المؤلف آثار الانتهاكات الاسرائيلية للأجواء اللبنانية بقوله: «إن الانتهاكات الاسرائيلية المتزايدة للمجال لجوي اللبناني هي التي أطلقت العنان لردود أفعال حزب الله وفقا لقواعد اللعبة التي ذكرناها آنفا. في بداية فبراير 2003 صعدت قوات الجو الاسرائيلية من غارات فوق الأراضي اللبنانية معززة إياها بالهدير الصوتي والهجمات المختلفة وكان بعض هذه الغازات على مواقع سياحية مكللة بالثلج في مناطق جبل لبنان... فخلقت إسرائيل بذلك التقاء في المصالح بين الرأي العام اللبناني وحزب الله وهي نقطة الالتقاء التي نجح حزب الله في استغلالها تماما لتعزيز موقفه. وإضافة الى ذلك، نشر الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان «ستيفان ميستورا» بيانا خاصا دعا فيه اسرائيل للتوقف عن التحليق الجوي «إن الأممالمتحدة مهتمة جدا باستمرار بالانتهاكات الجوية الإسرائيلية عبر الخط الأزرق وهو الحد الذي عينته الأممالمتحدة ويبدو في الواقع أنها قد ازدادت في الأيام القليلة الماضية » (ص 107). ولم يدع نصر الله الأمين العام لحزب الله مجالا للشك في ان تنظيمه لن يسمح للهدوء أن يسود طالما استمرت هذه التحليقات الاستفزازية قال نصر الله: «تبدو الهجمات الصورية المكثفة التي شهدناها مؤخرا ضد لبنان والشعب اللبناني وكأنها رسائل شفهية واضحة من شارون الى جميع اللبنانيين والأمة والمقاومة في لبنان... إنها رسائل تهديد وتخويف للبنان، ونحن نقول كما قلنا دوما آنفا بأن الحرب والقنابل والتدمير والقتل والمذابح التي نفذها آرييل شارون ومن سبقوه في لبنان لن تنجح في التسبب بهزيمة نفسية للمقاومة أولبنان وشعبه أو أن تزعزع إرادتنا وتوهن عزيمتنا.. لن تكون لهذه الهجمات المختلفة جدوى من أي نوع سوى أن تخلق بيئة جديدة في لبنان والمنطقة يمكن أن تجبر المقاومة للتفكير في طرائق جديدة للتعامل مع جارتها. وهذا الأسلوب يثير غضب شعبنا، وهذه قضية لا يمكننا البقاء صامتين حيالها أكثر من ذلك» (ص 107 108). ويشير المؤلف الى أن تنظيم حزب الله سعى الى تعزيز وضعه على الجانب العربي والدبلوماسي فحرصت شخصيات بارزة فيه على حضور الاجتماعات الدبلوماسية مع السفراء الأجانب في بيروت وفي البلدان العربية وفي الجامعة العربية في القاهرة لكي يوضح موقف التنظيم في حال حدوث هجوم إسرائيلي. وتحدث المؤلف، في الفصل السادس، عن ما سماه بترسانة حزب الله ووسائل الردع، وأكد أن التفكير الإسرائيلي يذهب الى أن النشاط الأول لحزب الله يتمحور حول تسلحه المتزايد والمتسارع بآلاف من الصواريخ. ومن ثم عالج، في هذا الفصل، الأوجه المتنوعة لتكوين بنية ترسانة حزب الله وقدم التفاصيل حول قدراته كقوة رادعة في مواجهة إسرائيل. يقول: «في الأشهر التي سبقت انسحاب قوات الدفاع الاسرائيلية سارعت إيران من خلال حراس الثورة الى تأمين شحن الأسلحة الى حزب الله بدرجة وصفتها الاستخبارات الإسرائيلية بأنها كميات ضخمة . مع بداية عام 2000، ازداد تزويد حزب الله بأسلحة حديثة كالصواريخ طويلة المدى التي كان بعضها حسب التقييمات الإسرائيلية مزودا برؤوس حربية ما يضاعف من أثر الضربة إلى حد كبير. (...) إن في إعادة تسليح حزب الله المتزايد بسرعة كبيرة بآلاف صواريخ الكاتيوشا رسالة ردع واضحة وصريحة لإسرائيل والأطراف الأخرى. يعتبر التعزيز الذي اكتسبه التنظيم من خلال امتلاكه قوة عسكرية حديثة عاملا هاما في وقاية الطائفة الشيعية في لبنان من نبذها الى حالة ركود سياسي لطالما ركنت إليه من قبل. وبهذا تكون السلطات اللبنانية مستهدفة أيضا بهذه القوة الهائلة حيث ستجد نزع الأسلحة من حزب الله أمرا مهولا وستتطلب موافقة التنظيم عليه ثمنا باهظا. إحدى المزايا الهامة التي تختص بها الأسلحة الاستراتيجية لحزب الله وهي صواريخ الكاتيوشا والصواريخ طويلة المدى هو أن انتشارها يمكن أن يؤدي الى نتائج بالغة الأهمية. ولذلك إضافة الى دورها كقوة رادعة فإن الاستخدام الفعلي لهذه الأسلحة سيكون ذا اشكالية كبيرة لحزب الله وهذا ما يدعوه حاليا للاحتفاظ بها لأسوأ الاحتمالات..»- (ص 117 118) كما أشار المؤلف، في هذا السياق، الى النشاط السري لحزب الله وتعاونه مع الجماعات الفلسطينية: «يمنح التعاون في العمليات بين حزب الله والتنظيمات الفلسطينية في لبنان مثل الجهاد الاسلامي في فلسطين والجبهة الشعبية القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، التنظيم درجة من الاستقلالية في توجيه الهجمات ضد إسرائيل خارج قطاع مزارع شبعا. وهذه الحرية محدودة إذ أنها لاتتوافق مع معارضة لبنان للنشاط الفلسطيني ضد اسرائيل انطلاقا من أراضيها. يستطيع حزب الله إدارة هذا النشاط الفلسطيني المحدود تحت هذه الظروف. ولكن ما لم تغير لبنان من حساسيتها تجاه التنظيمات الفلسطينية التي تنفذ عملياتها من داخل الدولة فإن انطلاق الفرق الفلسطينية عبر الحدود سوف يشكل مخاطرة لحزب الله» (ص 121 122). ويضيف المؤلف: «إن الهدف المتواصل لحزب الله على جبل الشيخ هو إيصال رسالة وثيقة الصلة بالموضوع وبنشاط المقاومة الى جميع اللاعبين في المنطقة وللمحافظة على صورته كقوة ردع مقابل إسرائيل» (ص 124). «ضمن إطار ماتراه الاستخبارات الاسرائيلية على أنه نشاط عالمي لحزب الله يبدو أن التنظيم يحاول ان يكون لنفسه في لبنان «مركز المعلومات السري» مقابل «مركز المعلومات السري» في إسرائيل. يتضمن مركز المعلومات السري» لحزب الله بيانات استخباراتية عن البنية المحلية والعسكرية في اسرائيل. مع اقتراب موعد ضخ المياه من نهر الوزاني في جنوب لبنان حذر الأمين العام نصر الله أن تنظيمه قد هيأ «مركز المعلومات السري» داخل اسرائيل وأنه في حال حدوث هجوم على الوزاني وعلى الموقع فإنّ ردّ فعل حزب الله سيتم في غضون دقائق، حتى إن رئيس المجلس الجنوبي «قبلان قبلان» قال علنا إن الهدف الإسرائيلي قد تم تعيينه انتقاما وهو مصنع اسرائيلي محاذ للحدود.» (ص 124 125). الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لحزب الله في لبنان وحاول المؤلف، في الفصل السابع، التطرق للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لحزب الله داخل الساحة اللبنانية المحلية، بمثل قوله: «وإعلان حزب الله على الملأ عن اهتمامه بالسياحة والاقتصادية في لبنان هو تمثيل جزئي لإجمالي اهتماماته إذ أنه كحركة ذات أبعاد اجتماعية يحرص على الفوز بثقة لبنان اقتصاديا. وقد أعلن رئيس تكتل حزب الله في البرلمان «محمد رعد» أنه بالإضافة الى صراعهم مع إسرائيل فإن حزب الله ولبنان يواجهان حربا على المستوى الاقتصادي الاجتماعي «إننا نواجه مجابهة أخرى وصراعا في الميدان المحلي وهو تحديدا للحرب الاقتصادي، الخطر المفروض على التجارة، العجز في الميزانية، الركود الاقتصادي. نقص السيولة النقدية، ازدياد البطالة... وهذه الحرب تتطلب التخطيط وتعاون الجميع حيث إننا نحارب على جبهتين في آن واحد وخسارة إحداهما تعني خسارة الأخرى». السؤال المطروح هنا هو الى أي مدى تخدم القوة السياسية لحزب الله بسالته العسكرية وقدرته على الحفاظ على خيار الصراع المسلح ضد اسرائيل. من الواضح أنه بالارتكاز على جذوره في ميادين الاقتصاد والمجتمع والبرلمان في لبنان يكون حزب الله قد أنشأ لنفسه شبكة آمنة للشرعية التنظيمية مستقلة تماما عن بعده العسكري. يعتمد الحفاظ على شرعية حزب الله على درجة نجاحه في دعم عودة الاقتصاد الى وضعه السري وفي تأمين خدمات الانتعاش الاجتماعي لأنصاره وللمحتاجين عامة. وقد اشار نصر الله الى أن تأمين عائلات رفاق السلاح الذين يسقطون في ساحة القتال فيه «تأييد واستمرارية لخيار المقاومة» (ص 127 128). وفي هذا السياق، انهمك حزب الله حتى قبل الانسحاب الإسرائيلي بنشاط في تأمين خدمات الانتعاش الاجتماعي من خلال وكالاته مثل وكالة مؤسسة الشهيد، ومؤسسة الجريح، وجهاد البناء... وعلى سبيل المثال فقد ساعدت مؤسسة البناء المزارعين الفقراء بإعطائهم التعليمات والتوجيهات اللازمة حول وسائل الزراعة وتحسين التربة وتربية الماشية. ولكن العلاقة بين حزب الله وجمهور الناخبين كانت أعمق من ذلك بكثير كما شهد بذلك المؤلف.