بعد مؤتمر أنابولس الذي عقد في الولاياتالمتحدة في نهاية شهر نوفمبر 2007 كثفت إسرائيل بشكل غير مسبوق هجماتها على قطاع غزة وحتى الضفة الغربية لتقتل أكثر من 110 فلسطينيا خلال أقل من شهرين، وشرعت في محاولة تدمير القطاع وتجويعه لإنهاء وجود المقاومة به، فيما اعتبر تكريسا للمكاسب التي حصل عليها الكيان الصهيوني من الاجتماع الذي اقتيد اليه الساسة العرب واهمين أن واشنطن عازمة على تسوية القضية الفلسطينية بشكل يخلص المنطقة من أزمة دامت أكثر من ستة عقود. وقد تبين بعد أيام قليلة من نهاية ما سمي بمؤتمر الخريف ان من عملوا على عقده أرادوا ان يكون نواة سايكس بيكو أو يالطا جديدة، ولكن هذه المرة لا يتعلق الأمر بتقسيم حدود سياسية وظهور كيانات جديدة فقط، وإنما بتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة وتطبيع علاقات الأقطار العربية مع الكيان الصهيوني، وتوزيع أدوار التحالفات حسب المخططات الغربية وتقسيم المصالح والنفوذ من أفغانستان إلى أقصى الشمال الأفريقي مرورا بإيران والعراق ولبنان وسوريا، وثروات المنطقة من الغاز والنفط، وحتى التحكم في مستقبل الأجيال القادمة وأنظمة الحكم في بعض دول المنطقة. كما أعطى مؤتمر أنابولس زخما للمخطط الإسرائيلي لضرب الفلسطينيين والضغط من أجل تصفية المقاومة والتخلص من حركات حماس والجهاد وغيرهما المتمسكين بمواصلة طريق الكفاح المسلح لتحرير الأرض، ينتظر ساسة تل أبيب أن تعطيهم زيارة الرئيس الأمريكي بوش دفعة جديدة لاستكمال برامجهم، ومن ضمنها تحييد قطاع غزة بأسلوب أو آخر حتى لا يعود يشكل شوكة في جنب إسرائيل. وزير الدفاع الإسرائيلي باراك ومن خلفه من يوصفون بصقور الجيش يريدون إعادة احتلال قطاع غزة بعد نهاية زيارة الرئيس بوش للمنطقة في 16 يناير، وهم لا يستمعون الى تحذيرات خبراء من أن تتحول مغامرة عسكرية هناك الى ستالينغراد أو انكسار للجيش الإسرائيلي كالذي واجهه خلال حرب ال34 يوما في جنوب لبنان صيف سنة 2006. وتفيد العديد من المصادر الإسرائيلية أن الإدارة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر لأولمرت للهجوم على غزة، والتخلص من سيطرة حركة حماس. وقد كشفت مصادر إعلامية أمريكية أن البنتاغون يرسل الى إسرائيل كميات كبيرة من المعدات العسكرية المخصصة لحرب المدن والشوارع. كما ذكرت مصادر إسرائيلية وفلسطينية متطابقة أنه تم استدعاء كبار ضباط الادارة المدنية السابقة في غزة وأن ذلك يدخل ضمن إطار التجهيزات الأمنية الإسرائيلية في حالة قيام جيش الحرب باحتلال غزة وللتعامل مع الاحتياجات في تلك المناطق. وكشف موقع صحيفة معاريف العبرية الإلكتروني النقاب عن أن قيادة جيش الاحتلال تدرس جديا توسيع العمليات وإعادة احتلال شمال القطاع وفصله عن باقي المناطق في القطاع، كحل مؤقت لمنع إطلاق الصواريخ الفلسطينية، خصوصا في أعقاب إطلاق صاروخ غراد الذي ضرب الساحل الشمالي لمدينة المجدل داخل فلسطينالمحتلة عام 48 والواقعة على بعد 20 كيلو مترا شمال القطاع. وأفادت نفس الصحيفة ان من بين خيارات الهجوم على غزة البدء باحتلال ممر فلادلفيا الذي يفصل القطاع عن سيناء بحيث لا يواجه الجيش الإسرائيلي عندما يقوم بهجومه الشامل خطر تزود غزة بالسلاح والمؤمن من مصر. وكان مركز المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلي قد قال في تقرير له مؤخرا أنه يجب تحييد التهديدات القادمة من غزة وخاصة القصف البعيد المدى لأن صواريخ القسام سلاح استراتيجي بيد الفلسطينيين لا تقاس أهميته بعدد ضحاياه إنما بقدرته على تخويف المستوطنين في سديروت والنقب الغربي لافتا إلى رغبة أغلبيتهم بالنزوح من مكان سكناهم بحسب استطلاعاته وكشف أن عدد هذه الصواريخ منذ العام 2001 بلغ 2383 صاروخا. فيما يمضي باراك وأنصاره مدعومين بمساندة البيت الأبيض نحو حرب شاملة على قطاع غزة ينبري البعض من الإسرائيليين للتحذير من مخاطر المقامرة. رئيس كتلة السلام الإسرائيلية أوري أفنيري كشف انه لا يوجد إجماع داخل المؤسسة العسكرية حول نجاعة هجوم شامل على غزة وذكر ان بعض قادة جيش الدفاع الإسرائيلي الذين يبتهجون عادة في طريقهم إلى الحرب يخشون اجتياح غزة ويسعون لتحاشيه بكل ثمن تقريبا. وأشار أفنيري أن حركة حماس تدأب منذ شهور حسب بيانات الاستخبارات على تهريب السلاح والصواريخ المضادة للدروع، وكشف أن تقديرات الجيش تتحدث عن مقتل مائة جندي إسرائيلي وآلاف الفلسطينيين في حال خرج الاجتياح الواسع إلى حيز التنفيذ، مرجحا قيام ضجة عالمية كبيرة كما حصل عقب عملية الجدار الواقي في جنين. وأكد أفنيري أن أحدا لا يعرف كيف ستتطور المواجهة وقال إنه ربما تتراجع المقاومة الفلسطينية ولكن من الممكن أيضا أن تتحول غزة إلى ستالينغراد فلسطينية يلعب خلالها المقاتلون الفلسطينيون دور شمشون الجبار فيهدمون كل شيء على رؤوسنا ورؤوسهم. واعتبر أفنيري الاجتياح الواسع عملية عبثية وتساءل: ربما يتغلب جيش الدفاع على المقاومة وسط هدم أحياء كاملة ولكن ماذا بعد؟. وهل تتوقف عملية إطلاق صواريخ القسام؟. فإن بقيت إسرائيل هناك سيتحول جنودها لأهداف القناصة الفلسطينيين وفي حال خرجت سيجدد أولئك استهداف سديروت بالقسام. ودعا في حديث لموقع أوميدياش المختص بالسياسة والأمن الى الحذر من التسرع والرد الانفعالي ولضرورة التفكير بالخروج من غزة قبل الدخول إليها لافتا الى الفوارق الديموغرافية والتوبوغرافية بين جنين وغزة مكررا موقفه المؤيد للتحدث مع حركة حماس وصولا للهدنة بواسطة طرف ثالث. زيارة بوش لن تعطي فقط الضوء الأخضر لاجتياح غزة، فالرئيس الأمريكي سيحاول ان يستثمر التطورات الأخيرة التي تلت مؤتمر الخريف لتسجيل نصر دبلوماسي ما على المسار الفلسطيني الإسرائيلي قبل انتهاء ولايته الرئاسية، يعوض خيباته الكثيرة، بالإضافة الى تجديد التزامات واشنطن لحلفائها الخليجيين في مواجهة إيران، والتأكيد على دعم الديموقراطيين والإصلاحيين في بيروت وبغداد ودمشق وطهران بحسب قوله. وقد دعا سيد البيت الأبيض في مقابلة أجراها معه التلفزيون الإسرائيلي، الدولة العبرية والفلسطينيين إلى توقيع اتفاق سلام قبل انتهاء ولايته الرئاسة، مشيرا إلى أنه ربما لا يؤيد الشخص التالي أي الرئيس الأمريكي الجديد فكرة دولتين، ربما يريد الشخص التالي التوقف لفترة قبل التحرك . وأكد الرئيس الأمريكي تأييده بقاء المستعمرات، التي اعتبرها شرعية تحت السيادة الإسرائيلية، مطالبا بتفكيك البؤر الاستيطانية فقط، متبنيا بذلك الموقف الإسرائيلي بشكل حرفي. وقال بوش في حديث مطول مع صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن أحد أهداف زيارته للشرق الأوسط تقوية الدول العربية في مواجهة التهديدات وإقناعها بأن إسرائيل شريكة ل السلام . وكرر بوش أن بلاده ستدعم إسرائيل من دون تحفظ إذا هاجمتها إيران، مشيرا الى أنه سيستخدم جزءا من رحلته للضغط على حلفائه كي يساعدوا في إبقاء الطموحات العدوانية الإيرانية محل تدقيق. وشدد على أن مستقبل الشرق الأوسط، وكذلك الأمن في الولاياتالمتحدة، يعتمد على النتيجة التي سيؤول إليها هذا الصراع. والواضح كذلك إن بوش يريد أن يضع البصمات الأخيرة من ولايته وحياته السياسية بتجميل صورته وما يطلقه من وعود لن يحقق منها شيئا وهي سراب فمن عادة الرؤساء الأمريكيين حين تقترب نهاية ولايتهم الرئاسية إطلاق الوعود السرابية لتجميل صورتهم البشعة الناجمة عن الانحياز الكامل لصالح الاحتلال الصهيوني.