باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    دعوة وزيرة السياحة البنمية لزيارة الداخلة: خطوة نحو شراكة سياحية قوية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    الاحتيال على الراغبين في الهجرة السرية ينتهي باعتقال شخصين    حجز 230 كيلوغراما من الشيرا بوزان‬    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    ضمنهم طفل مغربي.. مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم بسكين بألمانيا والمشتبه به أفغاني    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    لا زال معتقلاً بألمانيا.. المحكمة الدستورية تجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    السكوري: نسخة "النواب" من مشروع قانون الإضراب لا تعكس تصور الحكومة    النصب على "الحراكة" في ورزازات    في درس تنصيب أفاية عضوا بأكاديمية المملكة .. نقد لخطابات "أزمة القيم"    ميناء طنجة المتوسط يكسر حاجز 10 ملايين حاوية في سنة واحدة    عامل إقليم الجديدة يستقبل رئيس وأعضاء المجلس الإقليمي للسياحة    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    المغرب يُحبط أكثر من 78 ألف محاولة هجرة غير نظامية في 2024    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستجدات الأزمة الرأسمالية العالمية والتطورات المرتقبة في منطقة الشرق الأوسط
نشر في بيان اليوم يوم 15 - 08 - 2010


والأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان
دأب الحزب الشيوعي اللبناني على إعداد تقارير منتظمة حول مستجدات الساحة السياسية الدولية في ارتباطها بلبنان ومنطقة الشرق الأوسط. وتنجز هذه التقارير من قبل كوادر حزبية محنكة ومطلعة ومتتبعة للشأن السياسي الوطني اللبناني في تفاعلاته مع المستجدات العالمية سياسيا واقتصاديا وعسكريا... ويشار أن هذه التقارير التي تدخل في صلب التقاليد السياسية للأحزاب الشيوعية التي ترنو الإعداد التكويني والتثقيفي للأطر الحزبية، تعمل لجنة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي اللبناني على تعميمها في أوساط المناضلين ليطلعوا بانتظام على مواقف وتحاليل حزبهم تجاه القضايا الأساسية لبلدهم.
وتعميما للفائدة، تنشر بيان اليوم تقريرا جديدا أعدته لجنة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي اللبناني، وتتوفر الجريدة على نسخة منه.
***
أولاً الأزمة الرأسمالية العالمية: المستجدات والانعكاسات
على الرغم من كل المحاولات التي بذلت منذ العام 2008 وحتى يومنا هذا، لا تزال الأزمة الرأسمالية العالمية تتجه صعوداً، وتشير كل الدراسات في هذا المجال إلى مجموعة من المؤشرات التي لا تنذر فقط باستمرار الأزمة، أو مراوحتها، بل باحتمالات انهيارات جديدة على غرار تلك التي جرت منذ عامين في الولايات المتحدة:
أ - لا يزال النمو المرتقب شبه معدوم، وما يحكى عن زيادات فيه (2,5% في الولايات المتحدة و1,5% في أوروبا) هو من قبيل الترقب أكثر مما هو من قبيل الواقع.
ب - لا يزال تحرك العجلة الاقتصادية بطيئا جداً. فلا المدخرات توقفت عن التراجع، ولم تتحسن كذلك مصاريف العائلات مع بداية هذا الصيف، حيث كان يرتقب (أو يؤمل) أن تتحسن السياحة، في الولايات المتحدة بشكل خاص، وأن يغطي هذا التحسن جزءا من العجز؛ الا أن الواقع حتى الآن يدل على العكس.
ج - بقيت معدلات التضخم على ثباتها، وبقي معها التأرجح في سعر صرف العملتين الأساسيتين: الدولار واليورو.
د - لا يزال سوق البناء في الولايات المتحدة يعاني من مشاكل كبيرة، أشّر لها الكتاب السنوي الصادر عن المصرف الفدرالي المركزي.
ه - يلاحظ عدم الثبات في بورصة وال ستريت الأميركية، وبالتحديد بالنسبة للمؤشرات الأساسية (داو جونز ونازداك). وهذا التأرجح ينعكس، بشكل عام، على بورصات أوروبا.
و – بالرغم من التصريحات التي صدرت في نهاية الفصل الأول من العام الحالي عن بداية تحسن في سوق العمل، وعن خلق فرص عمل جديدة. إلا أن العجلة، هنا أيضاً، تدور إلى الوراء، خاصة في الولايات المتحدة، بدءاً بالشرق (بوسطن) وامتداداً إلى المناطق البترولية (دالاس)، وإذا ما وجدت بعض فرص العمل الجديدة فهي نادرة، من جهة، ولا تتعدى كونها فرص غير ثابتة، من جهة أخرى. والحال نفسها تنطبق على الاتحاد الأوروبي حيث تجاوزت البطالة 10% من القوى العاملة، لتطال أكثر من 23 مليون رجل وامرأة؛ مع الإشارة إلى أن زيادة عدد العاطلين عن العمل ما بين أبريل من العام 2009 وهذا العام طالت حوالي 4 ملايين شخصاً جديداً.
ز - استمرار مشاكل التعثر في عدد من المصارف الأميركية الكبرى، وتخوفات من انهيارات جديدة أطلقها رئيس المصرف الفدرالي المركزي، بن برنانك، الذي أشار إلى “الرؤية الضبابية في الأفق الإقتصادي” لبلاده، وإن يكن قد حاول، في الوقت نفسه، إطلاق بعض الوعود المتعلقة باستعداد المصرف الفدرالي للتدخل عند الحاجة في العملية الإقتصادية.
وإذا ما أضفنا إلى كل ما تقدم التوقعات التي تشير إلى قرب بدايات التراجع في كميات النفط والغاز المنتجة، ابتداء من السنتين المقبلتين، لاستنتجنا أن الإستراتيجيات الإقتصادية الأميركية للعقد المقبل، أي توسيع رقعة المناطق التي تسيطر عليها واشنطن، لم تعد واقعية إلا في حال حدوث حروب استعمارية جديدة، فالعديد من البلدان الرأسمالية النامية قد بدأت تتخذ تدابير لإقفال أسواقها أمام البضائع الأميركية في محاولة وقائية لحماية منتجاتها. من هنا نفهم السعي المستمر من قبل الإمبريالية الأميركية لإعداد الخطط العدوانية : في هذا السياق يأتي التصعيد “الكولومبي” ضد فنزويلا، كما تستمر التوجهات العدوانية في الخليج العربي وأفغانستان، وكذلك في بعض أجزاء القارة الأفريقية (ومنها بعض بلدان القرن الأفريقي).
هذه المؤشرات وهذه التوقعات، مضاف إليها التضخم المطرد في ديون الولايات المتحدة وكل الدول الأوروبية، بدون استثناء وكذلك العجز المسجل في الميزان الجاري في كل بلد (يتوقع، مثلاً، أن يسجل العجز في الولايات المتحدة وحدها 722 مليار دولار في العام 2014 (أي ما نسبته 4,2 % من الناتج المحلي) تؤدي بنا إلى القول أن الإمبريالية الأميركية، ومعها دول الإتحاد الأوروبي، ستلجأ إلى تسعير الحروب المحلية في آسيا، خصوصاً، وفي كل مناطق جنوبي الكرة الأرضية، في محاولة لإعادة تنظيم وضع اليد على الأسواق التي تحاول الإفلات من قبضتها... دون أن ننسى أهمية الحروب هذه في تشغيل وإنتاج الأسلحة في الدول الرأسمالية الكبرى. هذا، عدا عما كنا قد أشرنا إليه من لجوء البرجوازية في دول المركز الرأسمالي إلى زيادة وتائر القمع لمنع الحركات الإجتماعية من السيطرة على الشارع.
ثانياً – التطورات المرتقبة في الشرق الأوسط والخليج
على ضوء ما تقدم من تحليل لمظاهر الأزمة الرأسمالية العالمية في مرحلتها الحالية، وانطلاقاً من الاستنتاج القائل بأن النفط والغاز سيكونان، أكثر من العقد السابق، محور الاهتمام، يتجه الوضع في منطقة الشرق الأوسط، امتدادا إلى إيران وأفغانستان وباكستان، نحو الخروج من الهدنة النسبية التي ميزته. وتتجه إدارة باراك أوباما إلى العمل على تسجيل انتصار ما، قبل الدخول في مرحلة الانتخابات النصفية في الكونغرس، بما يسمح لها أن تثبت أقدامها قليلا وتهيأ المناخ لبقاء الديمقراطيين في البيت الأبيض، خاصة وأن العثرات التي ميزت هذه الإدارة أكثر من أن تعد. من هنا باتت الاتجاهات الأساسية لتحركات الولايات المتحدة، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، أكثر وضوحاً، ونلخصها كالتالي:
- استعادة كل ما فقدته في أميركا اللاتينية من مناطق نفوذ، وعدم الاكتفاء بالتغيرات التي حصلت في هندوراس وكوستا ريكا، بالسعي للإمساك بالورقة الفنزويلية.
- تنظيم الأوضاع الداخلية العراقية لناحية قيام حكومة تابعة تستطيع معها إعادة ترتيب انتشارها في هذا البلد، خاصة لحماية آبار النفط، دون أن تضطر لتقديم تنازلات كبرى لسوريا أو لإيران. من هذا المنطلق يفهم الانتشار الإسرائيلي الكثيف في بعض مناطق كردستان العراقية وكذلك تفهم عودة التفجيرات المذهبية والعمليات التي كانت متوقفة منذ فترة. فالتفجير المذهبي يجعل من بقاء القوات الأميركية أكثر من ضروري لحماية النفط والغاز.
- تشديد العقوبات على إيران، وصولاً إلى التلويح بالضربة العسكرية، ليس فقط انطلاقاً من احتمالات وصول هذا البلد إلى إنتاج القنبلة النووية، بل وكذلك للسيطرة على طرق نقل النفط والغاز باتجاه الهند (من خلال السيطرة على مشروع أنابيب الغاز المنطلقة من إيران عبر باكستان فالهند) ومنع روسيا من تنفيذ المخطط الذي وضع في العام 2008 والهادف إلى مشاركة إيران في هذا المشروع الحيوي.
- تمتين القبضة العسكرية الأميركية – الأطلسية على الخليج العربي ومحاولة السيطرة على باب المندب وعلى المحيط الهندي، عبر توسيع الانتشار العسكري الأميركي في هذه البقعة (إن في جيبوتي أم في اثيوبيا، أم كذلك حول جزيرة سقطرى وفي اليمن عموماً).
هذه الاتجاهات الأساسية الثلاث لمنطقة الشرق الأوسط تعني الكثير للولايات المتحدة: فهي، في حال نجاحها، تسهم في إعطائها السيطرة الكاملة على الاحتياطي العالمي الأساسي للمادتين اللتين ستظلان تشكلان مصدري الطاقة حتى أواسط القرن الواحد والعشرين، وإن تكن الكميات المنتجة ستتراجع في السنوات العشر القادمة. كما أنها تسهم في التحكم بطرق نقل الطاقة إلى الهند ومحيطها وكذلك إلى أوروبا التي، بالرغم من اعتمادها جزئياً على النفط والغاز الآتيين من روسيا، لا تزال تخضع للسيطرة الأميركية في هذا المجال.
لذا، وبدل التراجع عن حروب لم تؤت ثمارا حتى الآن (وبرأينا لن تؤت ثمارا في المستقبل)، توسع إدارة أوباما رقعة العدوان الذي حددته إدارة بوش والذي بات يطال ثلاثة محاور تشكل في الواقع عقدا أساسية للسيطرة على آسيا وأفريقيا.
1الحرب في أفغانستان وباكستان
في هذه الحرب الدائرة للسيطرة على الاقتصاد العالمي، عبر منابع الطاقة وطرق نقلها وكذلك عبر استثمار مواد أولية أساسية ومعادن ثمينة، ترتدي أفغانستان ومعها باكستان، على خاصرة إيران والخليج العربي، أهمية استثنائية من حيث الثروات بالنسبة للبلد الأول ومن حيث الموقع الجغرافي الاستراتيجي بالنسبة للبلدين معا.
لقد أحصت المؤسسات العلمية والشركات الأميركية، منذ العام 2007، وجود معادن ثمينة متنوعة في المناطق الواقعة شرق وجنوب-غرب أفغانستان حيث تتواجد (وليس عن طريق الصدفة) القواعد الأميركية الأساسية. وتقدر قيمتها الإجمالية بأكثر من 1000 مليار دولار، في الوقت الذي يعاني الشعب الأفغاني من الفقر المدقع. من هذه المواد الأولية والمعادن نذكر على سبيل المثال: الحديد والزئبق والنحاس والزمرد والذهب والياقوت والبوكسيت والميكا والرخام... إلا أن الأهم هو وجود بعض المعادن التي تستخدم في الصناعات الإلكترونية والتي لم تكن موجودة سابقا إلا في الصين، إضافة إلى مادة “الليثيوم” التي يقال أن أهمية وجودها في أفغانستان هي بمستوى أهمية البترول في السعودية.
لذا تشكل الحرب الأميركية- الأطلسية الدائرة في تلك المنطقة أولوية جدية بالنسبة لإدارة أوباما، على الرغم من كلفتها الكبيرة ( التي ستتجاوز لهذا العام ، حسب تصريحات الأميرال ستيف ستانلي، كلفة الحرب في العراق، اذ أن التكاليف المطلوبة للعام القادم ستتجاوز 130 مليار دولار بينها 69 مليار لأفغانستان مقابل 61 مليار للعراق).
لقد أوجدت هذه الحرب الاستعمارية الجديدة، الهادفة في آن إلى نهب ثروات أفغانستان والسيطرة على المناطق المحيطة، شرخا حادا ظهر في أعلى قمة الهرم العسكري الأميركي وأدى إلى تغييرات جذرية لا بد وأن تظهر انعكاساتها قريباً، إذ أن قسما أساسيا من هذه القيادات يرى في مشروع باراك أوباما تعزيز الوجود العسكري الأميركي والحليف (حوالي 100 ألف جندي)، خدمة لمصالح الشركات الكبرى، سيزيد من المجازر دون أن يؤمن الانتصار ... والجدير ذكره أن المعارضة لم تعد تقتصر على القيادات العسكرية، بل تعدتها إلى بعض المسؤولين الأساسيين في الحزب الديمقراطي، الذين أعلنوا امتعاضهم من التوجه لزيادة الأعباء المالية للحرب؛ هذا، عدا عن الوعود المالية التي أغدقها باراك أوباما على حكومة باكستان تحت حجة مساعدتها على القضاء على تواجد مقاتلي القاعدة و”المتمردين الأفغان” داخل حدودها الغربية، بينما الهدف المستتر هو منع الهند من النجاح في المضاربة على الشركات الأميركية بالنسبة للصفقات التي أعدتها الحكومة الأفغانية والتي يتنافس في سبيلها كل من الصين والهند، إضافة إلى الولايات المتحدة.
2الحرب على فلسطين وحقوق شعبها
تحاول الولايات المتحدة، إذن، إعادة تنظيم وجودها في أفغانستان والعراق، والخليج العربي عموما. واذا كانت إدارتها تتحدث عن قرب تنفيذ الانسحاب من العراق، في أواخر غشت الحالي وأنها ستبقي فقط 50 ألفا من جنودها، الا أنها لم تلحظ ضمن هذا العدد كل المرتزقة الذبن استقدموا في إطار “بلاك ووتر” وغيرها مما يطلق عليه اسم الشركات الأمنية.
في كل حال، تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية، وبالرغم من تواجدها العسكري المباشر مع حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وبأكثر من 500 ألف جندي عدا عن البارجات والقواعد والطائرات الحربية، لم تتخل عن نقطة ارتكازها الأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والتي تتجسد في إسرائيل.
فبعد الهزائم المتتالية التي منيت بها إسرائيل، وبالرغم من انكشافها أكثر فأكثر أمام الرأي العام العالمي على وقع الجرائم المستمرة التي ارتكبها، ولا يزال، قادتها السياسيون والعسكريون ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، ومع وصول مسار أوسلو إلى الحائط المسدود، نتيجة الاعتقالات والتهويد والقمع، عادت إدارة باراك أوباما لتعطي دفعا جديدا لهذه الدولة المجرمة باتجاهين أساسيين وبالاستناد إلى الانقسام الوطني الفلسطيني وإلى السياسات التي ينفذها القادة العرب المرتبطون مصلحيا بها:
* الأول، ويكمن في منع المحاسبة الدولية لإسرائيل على الجرائم التي ترتكبها باستمرار، والتي كان آخرها إحراق عدة قرى فلسطينية، وتشريد أهلها، وهدم عشرات المنازل في القدس ومنطقتها والإعلان عن النية بجرف 30 قرية في صحراء النقب. كل ذلك إنفاذا للمخطط الذي طرحته حكومة نتنياهو- ليبرمان والقائل بالصفاء اليهودي في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، وبالتحديد في القدس.
* الثاني، ويتجسد في التراجع عن مبدأ وقف الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 وإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لمتابعة بناء المستعمرات داخل تلك المناطق، في وقت يأمر فيه أوباما الفلسطينيين بالانصياع لقرار العودة إلى المفاوضات المباشرة، بمباركة النظام الرسمي العربي الذي لم يحاول حتى أن يتحدث عن ضمانات أساسها إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة أو البت بمستقبل مدينة القدس، أو رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، أو خاصة التأكيد على حق العودة الذي لم يتورع نتنياهو عن رفض العمل بموجبه، خلافا للقرار الدولي 194، دون أن تحرك الأمم المتحدة ساكنا في هذا الخصوص.
إلى جانب الاهتمام الأميركي باستعادة إسرائيل موقعها ضمن المخطط الإمبريالي المسمى “الشرق الأوسط الكبير”، بل ووظيفتها كقوة مرادفة للإمبريالية في قمع طموحات الشعوب العربية نحو التقدم، لا بد من الإشارة إلى الاهتمام الأوروبي الواسع، بدءا من المواقف التي أطلقها الرئيس الفرنسي ووصولا إلى التحركات المؤيدة لإسرائيل في كل الدوائر الرسمية ضمن الاتحاد الأوروبي والتي منعت، حتى الآن، اتخاذ قرارات زجرية بحق الحكومة الصهيونية، إن بعد تقرير القاضي غولدستون حول غزة أم بعد الجريمة الموصوفة التي ارتكبتها البحرية الإسرائيلية ضد “أسطول الحرية”.
لذا، ركز اجتماع الأحزاب الشيوعية المنعقد في دمشق يوم 29 يوليوز الماضي على القرار الذي كان قد اتخذ إبان الاجتماع الاستثنائي للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية والقاضي بإعلان الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة من طرف واحد والعمل بكل الوسائل على تنفيذ قرار حق العودة، مع اتخاذ خطوات عملية لمتابعة الحملة العالمية الهادفة لكسر الحصار عن قطاع غزة.
3 الحرب “الثالثة” ضد لبنان ومقاومته؟
لقد اتفقت الولايات المتحدة مع إسرائيل على تحديد الهدف الثالث لبنان. فاسرائيل، التي منيت بهزائم موجعة، منذ العام 1982 وحتى 2006، من قبل المقاومة بأطيافها المختلفة، قد أعدت العدة مجددا للانتقام من هزائمها هذه، مستفيدة من الدعم الأميركي والأوروبي، وحتى مجلس الأمن، ومستندة إلى خلايا إرهابية واستخباراتية زرعتها في مواقع استراتيجية داخل لبنان، بدء بشبكات التجسس التي تم اكتشافها أخيرا في مجالات الاتصالات (الهاتف الخلوي) وفي مراكز سياسية في غاية الأهمبة.
ويقول المطلعون، وأولهم دانيال كارتزر المسؤول في الخارجية الأميركية، إن “حربا لبنانية ثالثة” قد أصبحت وشيكة الحدوث، انطلاقا من سيناريوهين، أولهما يستند الى “هجوم محتمل يقوم به حزب الله من على الحدود”، والثاني يرتكز إلى احتمال أن “تلجأ إسرائيل إلى الهجوم على حزب الله بهدف تدمير إمكانياته في تهديد أمن إسرائيل وبما يسهل لإسرائيل أن تستفيد من هذه الحرب من أجل توجيه ضربة ضد المواقع النووية الإيرانية”.
ثالثا- لبنان في مهب الفتنة الداخلية والعدوان الإسرائيلي
والملفت للنظر أن هذا التقرير الذي نشر في يوليوز الماضي قد ترافق مع مجموعة تطورات ومواقف وتصريحات تدل على أن الخطة قد أعدت باتجاه عمل إرهابي جديد ضد لبنان يمكن له أن يترافق مع إثارة للفتنة الداخلية كما جرى في بداية الحرب الأهلية في العام 1975، مع استبدال العامل الفلسطيني والانقسام المسيحي- المسلم، اللذين ميزا تلك المرحلة، بعامل جديد قديم مستوحى من الوضع العراقي الراهن والمتجسد في الفتنة المذهبية الشيعية-السنية، في محاولة لشل حركة المقاومة من الداخل، وهو العامل الأفعل لمصلحة إسرائيل، أو تعطيلها عبر التلويح بالقرار 1701 والوجود العسكري الدولي المناط به تنفيذه.
ويلاحظ المراقب للتطورات المتسارعة دخول المواقف الخارجية متعددة الاتجاهات على خط الصراع الداخلي اللبناني في محاولة لتأجيجه وإطلاق نار الفتنة سريعا.
ولقد استفادت هذه المواقف، وكلها صدر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، من ثلاثة عوامل داخلية لبنانية لتبني عليها:
- العامل الأول: دخول قوات اليونيفيل على خط الصراع ومحاولتها تغيير قواعد الاشتباك المتضمنة في المادة 12 من القرار الدولي 1701، مما دفع بالجنوببين الذين استبيحت قراهم ومنازلهم أن يواجهوا الاختراقات ويعيدوا الأمور إلى نصابها.
- العامل الثاني: (المرتبط بما سبق ذكره) انكشاف وجود اتفاقيتين أمنيتين مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا تنقلان حرفيا إلى لبنان اتفاقات سابقة تمت مع إسرائيل حول ما يسمى “مكافحة الإرهاب”، وتؤسسان لتضييق الخناق على كل أشكال مقاومة العدوان والاحتلال ولمراقبة مناطق نفوذ المقاومة الوطنية وبالتحديد حزب الله.
- العامل الثالث: (المسهل للفتنة) الحديث عن قرب إعلان المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس اللبناني الأسبق رفيق الحريري لقرارها الظني وإعلان أن هذا القرار سيدين عناصر “غير منضبطة من حزب الله ومسؤولين إيرانيين” (؟)؛ وقد سبق لصحبفة “دير شبيغل” الألمانية أن سربت أخبارا من هذا النوع قبل فترة بهدف استثارة ردود فعل مذهبية تؤدي إلى الفتنة فالحرب الأهلية.
وترافقت هذه المواقف والسيناريوهات بتطورات مباشرة “على الأرض” دلت، من جهة، أن المخطط قد أصبح شبه جاهز وأن تطبيقه مرهون بالشكل الذي ستتخذه الفتنة.
من هذه التطورات، نذكر:
- أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أنه طلب إلى نتنياهو إبلاغه بموعد العدوان القادم، إفساحا في المجال أمام اتخاذ التدابير الآيلة لحماية جنوده المتواجدين في قوات اليونيفيل، مع طلب مباشر بتحييد هؤلاء الجنود؛ علما أن القوات الفرنسية التي كانت متواجدة إبان عدوان 2006 لم تكتف بحماية نفسها، بل سهلت يومها على إسرائيل ضرب أهالي مروحين عندما رفضت استقبالهم مما سهل على المعتدين قصف قافلتهم وقتل 28 مدنيا، بينهم 11 طفلا.
- في الفترة نفسها، حدد غابي اشكينازي رئيس أركان قوات العدوان الإسرائيلي أن الوضع الداخلي اللبناني سينفجر في سبتمبر على وقع إصدار المحكمة الدولية القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أي أنه أعلن ما سيصدر عن تلك المحكمة حتى قبل اتخاذها قرارا بذلك.
- ترافق ذلك تصريحات متعددة من قبل قادة العدو الإسرائيلي والتي كان آخرها تصريح وزير الحرب ايهود باراك الذي هدد بضرب المؤسسات الحكومية اللبنانية في حال تعرضت إسرائيل لهجوم من قبل حزب الله (؟)
- في أواخر شهر يوليوز الماضي، قال فيليب كراولي، الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية : “اذا ضرب صاروخ على إسرائيل فمن حقها الدفاع عن نفسها”. وقد أتى هذا التصريح، في وقت كان فيه مساعد وزير الدفاع الأميركي يزور قوات الطوارئ الدولية في الجنوب وقبل قليل من إعلان وزارة الدفاع الأميركية أن خطة العدوان على إيران قد أنجزت.
وكان آخر التطورات عقد عدد من القمم العربية السريعة، بدءا بقمة شرم الشيخ (28 يوليوز) ووصولا الى قمتي دمشق وبيروت، حيث كان القاسم المشترك التحرك السعودي الذي، على ما يبدو، لم يصل إلى نتيجة مع الأميركيين الذين يصرون، كما أصرت كوندوليسا رايس وجون بولتون إبان عدوان 2006، على جعل إسرائيل تحظى بفرصة جديدة تحاول فيها قهر المقاومة الوطنية اللبنانية، بالاستفادة من العوامل المذهبية اللبنانية وكذلك من إمكانية تحريك الوضع العسكري على الحدود اللبنانية الجنوبية في حال فشل الحل الأول.
من هنا، لم يكن العدوان الذي قامت به إسرائيل ضد مواقع الجيش اللبناني في قرية العديسة الحدودية الجنوبية مفاجئا من حيث التوقيت ولا من حيث الأهداف: فما كانت تنتظره إسرائيل هو انزلاق حزب الله والمقاومة الوطنية عموما في الشرك للرد المباشر على العدوان وإطلاق الصواريخ على أصبع الجليل، بما يحول عدوانها إلى دفاع عن النفس ويفسح المجال أمامها لتوجيه ضربات جوية إلى أهداف مدنية محددة بحجة أن الصواريخ انطلقت من هناك. وهذا الجزء من الخطة سبق لإسرائيل أن نفذت مثله في العام 1996 يوم قصفت الأطفال والمدنيين داخل خيمة الأمم المتحدة في قانا.
أما بالنسبة لقوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة، فبدا موقفها وكأنها كانت على شبه علم بما يجري، فهي تراجعت عن الخط الأزرق ولم تحرك ساكنا إلا بعد فترة، كما أن مجلس الأمن، الذي تلقى “شكوى إسرائيلية” ضد رد الجيش اللبناني على عدوان طال أرضا لبنانية، قد طلب إلى اليونيفيل “إجراء تحقيقات ميدانية لمعرفة ملابسات الحادث على الأرض”.
كل هذه الأمور مجتمعة تجعلنا نتوقف عند نقاط أساسية نرى في إثارتها أهمية الحفاظ على وطننا ومقاومتنا، وكذلك ضمان السلم الأهلي لشعبنا وعدم تعريضه مرة جديدة إلى مؤامرات إسرائيل وعدوانيتها المدعومة من الولايات المتحدة والتي تلقى السكوت، حتى لا نقول التعاطف، من قبل الاتحاد الأوروبي الذي صرح قادته تباعا، بدءا بالرئيس ساركوزي ووصولا إلى المستشارة أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي برلوسكوني، بأنهم يدعمون كل المواقف الإسرائيلية في المنطقة...
• أولى هذه النقاط هي أن القرار1701، الذي كان الحزب الشيوعي اللبناني المتحفظ الوحيد على بنوده التي تعطي إسرائيل حق القيام بما سمي “عمليات دفاعية” في لبنان لم يحم لبنان من العدوان على أرضه ومائه وسمائه؛ لذا، فهو بحاجة إلى إعادة نظر جوهرية إن في هذا المجال أم في مجال الدور الذي يجب أن تلعبه قوات الطوارئ على الحدود وكذلك ابتعادها عن أي دور سياسي أو أمني داخلي.
• ثانية هذه النقاط تكمن في ضرورة تحصين المواجهة الوطنية ووضع خطة إستراتيجية وطنية لمقاومة خطر العدوان الإسرائيلي الدائم، من خلال إعادة تأهيل الجيش وإمداده بكل الأسلحة التي تمكنه من الدفاع عن الوطن في وجه المعتدين، مع ما يجب أن يرافق ذلك من دور للدولة في المناطق الحدودية، إن لجهة تأمين مقومات الصمود أم لجهة الدعوة إلى التعبئة الشعبية العامة بالتنسيق مع المقاومة الوطنية بكل أطيافها.
• ثالثة هذه النقاط تتعلق بتحصين الجبهة الداخلية بوضع خطة سياسية-اجتماعية متكاملة تمنع الفتنة وتواجه الداعين لها، مع التركيز في المرحلة القريبة القادمة على الجانب الأمني، لأن إسرائيل غالبا ما لجأت إلى التفجيرات الداخلية والاغتيالات لتمرير مشاريعها ضد وطننا.
• رابعة هذه النقاط ترتكز على التحرك باتجاه الرأي العام العالمي الذي يمكن أن يكون له دوره في دعم شعبنا بوجه العدوان الذي يحضر ضده من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. ونشير في هذا المجال إلى دور مميز لا بد وأن تلعبه الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية في تعبئة الرأي العام لمواجهة العدوان الجديد والمخططين له.
بيروت في 3 غشت 2010
لجنة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي اللبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.