عندما أتابع نشرات الأخبار وما تتناقلة الصحف من أنباء ، أحياناً تشعر بالاستفزاز ، وينتابني الغبن للحظات وأنا أتابع ضحالة التفكير من أبناء أمتنا من مشرقها إلى مغربها ، حيث أجد أمة تستنفر قواها وتحشد طاقاتها ، وتتمزق حناجرها ، وتثور أقلامها وأفواهها ككرة اللهب المتدحرجة وسرعان ما تتساقط في نهر التخدير وتطفأ نيرانها ، وتتحول لرماد تتناقلة الزوابع لتخلطه برمال الصحراء فلم يعد له وجود ، أو صوت هادر يتردد صداه في سماء الغضب.كلما أمسكت هذه الأمة بالبدايات الصحيحة ، ولمست الألم ، وشخصت المرض ، ألقوا لها بأحد الفضائياتبخبر ، أو بنبأ على أحد صفحات الصحف ، فتعود كرة الثلج لتتدحرج من جديد ، حتى يذوب جليدها وتتحول لقطرات ماء تصب في نهر اليأس ، ونعود من جديد عطشى ننتظر قطرة ماء أخرى .تارة يثيروا لنا قضية الحجاب ، وأخرى قضية ترقيع غشاء البكارة ، أو الإساءة إلي الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو الحرب الطائفية ، والعديد من الإبداعات والابتكارات ، فنثور ونثور ونستشيط غضبا ، وتنهض امة المائة مليون وتتفجر قنابلها وصواريخها فرقعات تتلاشي في فراغ لا صوت ولا صدى لها. كلما أثيرت قضية أتذكر سليمان رشدي الكاتب الإيراني الذي حوله الخميني لأسطورة ، وأتذكر الصحافة الدنمركية ، وأتذكر كتاب قول يا طير الذي افتخر بعض مراهقي الفكر بذبحه ، والعديد من القضايا الثانوية ، التي لا تثار سوى ليتلقفها الصغار ويمرروا مؤامرة يخطط ويُعد لها تحت جنح ثورات الغضب ، وصيحات الاستهجان ، فمن تريد الحجاب لا قانون يجبرها على عدم ارتدائه ، ومن تريد ترقيع غشاء البكارة لا تحتاج لفتوى لترقيعه لأنها لم تحتاج فتوى عندما فض غشاء بكارتها ، ولا يوجد طير لكي نذبحه سوي ببنان أحلامهم وأوهامهم وخزعبلاتهم ، ومستوى تفكيرهم .نعود لأصل الحكاية ، فهذه الأمة تحولت لدمية يتلاعبوا بها كيفما شاءوا وأرادوا ، دمية لا حول ولا قوة لها ، لا تملك سوي الصراخ بالساحات والمهرجانات ، والغناء على الأطلال ، فهذا مع الحجاب وذاك ضد فثوي شيخ الأزهر ، وآخر يلعن الصحافة ويتوعد الصحفيين ، وهذا ذبح الطير بقلمه الثائر ، ورابع شيعي ، وخامس سني وهكذا . نذبح ، ونتوعد ، ونلعن ، ونثور ، ونغضب وعندما نقف أمام القضايا المصيرية نبتلع ألستنا ونخشي على التكتيك السياسي ، أو التعارض مع المصالح السياسية ، والأرزاق ، وتخنع الأمة وتقول ما بيدي أفعل ، تعيش الأمة تحت وطأة أشرس المؤامرات وأكبرها وتمني النفس بالحجاب في فرنسا ، مؤامرات تهتك عرضنا في العراق وتقسمه ، ولا زلنا نبرر ونقول لم يكن بالإمكان أحسن مما كان ، تغزي الصحراء المغربية الجزائرية بالمد الأمريكي بحجج التنقيب عن البترول ، ونحن نبحث عن غشاء البكارة وترقيعه ، تذبح فلسطين وتختزل في تقسيم غزة ، ولا زلنا نفتخر بذبح قول يا طير ، تقسم السودان بين جنوب ودارفور والخرطوم ، ونلعن سليمان رشدي ، تحرق الصومال ويبتلعها المد الأثيوبي – الصهيوني ونترقب ماذا سنكتب غدا عن مظاهرة في الأزهر أو في أحد الساحات ، كل قضايانا اختزلت في قضايا الحجاب ، وغشاء البكارة ، فلم نعد نعاني من فقر ، وظلم ، واضطهاد ، ومؤامرات ، ولم يقتل أبناءنا في غوانتناموا ظلما. العصا لمن عصى هذا هو الشعار المرفوع لنا ، وهذا الشعار الذي استطاعوا تحويل مسار شعوبنا ، وتدمير هذه الأمة ، فأصبح أسمى أحلامها وأمانيها أن تلاحق حجاب هنا ، وغشاء بكارة هناك .. فمن قضايا التحرر والعبودية إلى قضايا ثانوية لا يمكن أن تمر على طفل صغير .فماذا تبقي لهذه الأمة تذرف الدموع عليه ؟!!سامي الأخرس4/5/2007