لعل الجميع يذكر أنه في مثل هذا اليوم، كيف حقرت إسرائيل كالعادة كل الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية، وقامت بعملية قرصنة غير مسبوقة في التاريخ البشري والإنساني، وبتواطؤ أمريكي – بريطاني، وموقف مبهم وملتبس، وغير مفهوم من السلطة الفلسطينية السابقة، حيث اقتحمت عشرات الآليات الإسرائيلية سجن أريحا، وشرعت بهدمه على رأس الأمين العام للجبهة الشعبية المناضل احمد سعدات ورفاقه، المتهمين بقتل الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف "رحبئام زئيفي"، ردا على اغتيال الشهيد القائد الأمين العام السابق للجبهة الشعبية الرفيق أبو علي مصطفى، والرفيق المناضل أحمد سعدات واحد من أبرز قيادات العمل الوطني الفلسطيني وأحد عناوينه، عند الهجوم على السجن واقتحامه، لم يهن أو يضعف أو يستسلم، بل بقي كما عهده شعبه وثورته وحزبه، وفيا لمبادئه وقيمه وانتمائه، وحتى لحظة هدم السجن على رأسه، وهو يقول لن يكون خيارنا، إلا خيار شعبنا، وفي وصف هذه اللحظات يقول الرفيق المعلم المؤسس، حكيم الثورة الفلسطينية، جورج حبش " لم يكن أحمد سعدات مسلحا إلا بعنفوان ثوريته ونبع مبادئه وعدالة قضيته "، " لقد أحاطته أجهزة المخابرات الصهيونية بصدمة موقف يتزلزل لها الأقوياء، لكن جبلته المتفولذة أبت الهوان وحلقت روحه متحدية شروط اعتقاله، رافضا التجاوب مع ضغوط وأحابيل التحقيق".إذا مناضلا من هذا الطراز، وبهذه الروح الثورية المتقدة، وبهذه الصلابة والعناد، والثبات على المبدأ، حتما سيكون مستهدفا من الاحتلال، والاستهداف لأحمد سعدات ورفاقه، ليس استهدافا في الإطار الشخصي أو الثأري، كونهم مسؤولين عن قتل الوزير اليميني المتطرف،"رحبئام زئيفي"، أو كما يحاول البعض تصوير وتسطيح المسألة على أنها استغلال من حزب "كاديما" الإسرائيلي الذي أسسه شارون، ووقف على رأسه أولمرت من بعده بسبب مرضه وغيبوبته، لأغراض انتخابيه، حيث أن الفترة الفاصلة بين اقتحام سجن أريحا، واختطاف الأمين العام للجبهة الشعبية المناضل أحمد سعدات ورفاقه، لم تزد عن عشرة أيام، وإذا كان ذلك أحد المصوغات والمبررات للهجوم على سجن أريحا واقتحامه وتدميره، إلا أن الاحتلال أراد من هذه العملية، أن يوجه مجموعه من الرسائل السياسية، ولكي يحقق جملة من الأغراض والأهداف، يقف على رأسها الهدف الذي على أساسه جرى اغتيال الأمين العام السابق للجبهة الشعبية القائد الوطني أبو علي مصطفى، ألا وهو أنه يجب العمل على سحق وتدمير وإنهاء التنظيمات الثورية والمقاومة فلسطينيا، وقد رأت القيادتان العسكرية والسياسية الإسرائيليتين، أنه باعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية القائد أحمد سعدات ومن قبله نائبه القائد عبد الرحيم ملوح وعدد كبير من قيادات الصف الأول في الجبهة الشعبية، فإن الجبهة الشعبية ستتفكك وتتحلل تنظيميا، وبالتالي إما أن تنتهي، أو على الأقل تصبح قوة هامشيه وغير مؤثره وفاعلة سياسيا وعسكريا وجماهيريا، ومن جهة أخرى فالرسالة الموجهة للشعب الفلسطيني ولكل قواه السياسية، أنه لا حصانة لأي قيادة فلسطينية سياسية أو غير ذلك، وهي هدف مشروع للاحتلال، وكذلك القول ليس للفلسطينيين فقط، بل ولكل الأمة العربية، أنه لا يمكن لهم أن يحققوا أهدافهم عن طريق النضال والمقاومة، أي بث عوامل الإحباط واليأس في صفوف وأوساط الشعب الفلسطيني، وأن المقاومة لن تجدي نفعا، وبالتالي دفعه للبحث عن خيارات أخرى، من خلال فسح المجال لظهور رموز وقوى سياسية فلسطينية، تستجيب للشروط والإملاءات الإسرائيلية والأمريكية لأية تسوية سياسية محتملة. هذه الرؤى والتصورات والسيناريوهات الإسرائيلية، لم تدفع الشعب الفلسطيني إلى الاستسلام ورفع الراية البيضاء والرضوخ للشروط والإملاءات الإسرائيلية، بل تعزز وتجذر وتطور نهج المقاومة في الساحة الفلسطينية، حيث صعدت حماس إلى قيادة السلطة الفلسطينية عبر صناديق الاقتراع، وفي عملية ديمقراطية شهد لها القاصي والداني، والجبهة الشعبية رغم الخسارة الكبيرة والثمن الباهظ الذي دفعته وما زالت تدفعه ثمنا للمقاومة والنضال، وحماية وصون الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية، وتجنيبه مخاطر الاحتراب والاقتتال الداخلي، وهذا ليس بالنرجسية، بل ما أكد عليه القائد مروان البرغوثي من سجنه، حيث دعا إلى بذل مزيد من الجهد لضمان مشاركة الجبهة الشعبية في حكومة الوحدة الوطنية، وقال البرغوثي " أن الجبهة الشعبية شكلت وتشكل أحد أهم أعمدة م- ت- ف على مدار العقود الأربعة الماضية، كما أنها تميزت بانتمائها الوطني الفلسطيني وبالقرار الوطني المستقل "، بفقدان أمينها العام السابق القائد الوطني أبو علي مصطفى، واحتجاز وتعطيل طاقات وقدرات وإمكانيات قيادتها وعلى رأسهم الأمين العام القائد المناضل أحمد سعدات ونائبه الرفيق القائد عبد الرحيم ملوح، إلا أن هذا لم ينل من الجبهة الشعبية، لا على صعيد الموقف السياسي، أو الحضور والفاعلية الجماهيرية والكفاحية، بل أن أوضاع الجبهة الشعبية شهدت حراكا صاعدا، وأضحت رقما صعبا ومهما في النضال الوطني الفلسطيني، حيث أن أغلب قياداتها وكادراتها تفولذت وجبلت في معمعان النضال والمقاومة وفي المعتقلات، والرفيق المناضل أحمد سعدات، لم يهزمه لا السجن ولا السجان، فهو شخص عرف وخبر وجرب كل أشكال وصنوف المعاناة، من تحقيق واعتقال واختباء ومطاردة وزنازين، وبالتالي في المعتقل أسس لنهج وثقافة جديدتين، بعدم الاعتراف بشرعية المحاكم الإسرائيلية والوقوف لها، حيث قال في هذا الجانب " إن الجهاز القضائي الإسرائيلي المتفرع من هذه المحكمة وغيرها، هو أحد أدوات الاحتلال، والذي وظيفته إضفاء الشرعية على جرائم الاحتلال وممارساته المتناقضة مع منطق القانون الدولي وتشريع الاحتلال وتكريس مفاهيمه وفرضها بالقوة على شعبنا الفلسطيني، كما أنه لم يرتجف أو يتراجع عن مبادئه وانتمائه، فهو كما قال عنه الحكيم " صمد في أشد اللحظات حلكة، والرفيق الأفضل يكون حيث الظروف الأكثر صعوبة "، أما هو شخصيا فقد قال في مرافعته التي رفض فيها شرعية المحكمة " أفتخر بكوني مناضلا من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق الاستقلال الوطني للاجئي شعبنا وبناء المقومات الضرورية والمدخل لتحقيق الحل الديمقراطي الشامل للصراع في فلسطين، الحل الذي يحقق السلام الدائم لكل سكان فلسطين يهودا وعربا، الحل الذي يحقق المصالحة التاريخية والمساواة والتكافؤ في الحقوق والواجبات في دولة ديمقراطيه واحدة، دولة تستند إلى نظام سياسي ديمقراطي، ينبذ كل أشكال التميز على أساس الدين أو العرق أو الطبقة أو الدين أو الجنس ".إذا في الذكرى السنوية الأولى لاعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية القائد أحمد سعدات ورفاقه، مطلوب فلسطينيا وعربيا ودوليا القيام بأوسع عملية تحرك شعبي ورسمي وتضامن ومطالبه بإطلاق سراحه، كون اعتقاله يشكل انتهاكا صارخا وفظا لكل المعايير والمواثيق والأعراف الدولية، فعدا عن كونه أحد أبرز القيادات السياسية الفلسطينية، فهو أمين عام ثالث فصيل فلسطيني على الساحة الفلسطينية، وهو جاء بالانتخاب ليس على صعيد حزبه فقط، بل وفي الانتخابات التشريعية الفلسطينية، واختطافه من سجنه المحروس أمريكيا وبريطانيا، يعد بمثابة جريمة حرب، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم تجاه هذا القائد المناضل، رفاق وقيادات حزبه والسلطة الفلسطينية ومؤسسة الرئاسة تحديدا، كونها جزءا من الاتفاق، وكل محبي الحرية والاستقلال، وقوى التحرر والسلم في العالم. القدس – فلسطين