بدا الملك محمد السادس، خلال خطابه بمناسبة الذكرى العشرين لجلوسه على عرش المملكة، مباشرا وواضحا أكثر من أي وقت آخر، حول إيمانه بأن المسؤوليات الكبرى، وعلى رأسها المسؤوليات الحكومية، يجب أن تذهب لذوي "الكفاءة والاستحقاق"، محولا الأمر هذه المرة لإجراء عملي، حيث طلب من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني اقتراح أسماء على هذا الأساس تمهيدا لتعديل حكومي. وتثير هذه الخطوة علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الكثير من "الخالدين في كراسيهم" وبعضهم منذ سنوات الحكم الأولى للملك محمد السادس، رغم أن منهم من شهدت القطاعات التي يتولون تدبيرها العديد من محطات الفشل، ومنهم أيضا من ظلوا بعيدا عن أي نوع من أنواع الرقابة أو المحاسبة. عزيز أخنوش وصل ابن العائلة السوسية الثرية المتحدرة من تافراوت إلى منصبه الحكومي لأول مرة قبل 12 عاما، حيث حصل على حقيبة الفلاحة والصيد البحري في الائتلاف الحكومي الذي كان يقوده الوزير الأول الاستقلالي عباس الفاسي، ومنذ ذلك اليوم "حُفِّظ" هذا المنصب لرئيس هولدينغ "آكوا" ومالك شركة المحروقات "إفريقيا غاز"، بل إن قطاعات أخرى أضيفت له. لم يفلح شيء في إبعاد أخنوش عن الوزارة، حتى عندما ابتعد حزبه عن الأغلبية الحكومية في النسخة الأولى لحكومة عبد الإله بنكيران سنة 2012، حينها جمد عضويته في حزب "الحمامة" وانضم إلى الفريق الحكومي بوصفه "تيكنوقراطيا"، غير أن مجموعة من التقارير تحدثت عن دور القصر في فرض الرجل على أول حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية. ورغم أن مخططات "المغرب الأخضر" و"المغرب الأزرق" التي أطلقها لم ترقَ نتائجها إلى ما سبق أن أعلنه هو نفسه، إلا أن أخنوش تمكن من الانفراد بتدبير صندوق جديد قيمته 50 مليار درهم، والذي سمي في ما بعد ببرنامج تقليص التفاوتات المجالية، وذلك بعد صراع مع بنكيران استسلم فيها الأخير للأمر الواقع، وكانت تلك بداية نهاية "زعيم البيجيدي"، الذي سيصطدم بحليفه الحكومي مرة أخرى في 2016، حين حاول أخنوش فرض إشراك جميع الأحزاب المتحالفة معه في الحكومة الجديدة. ورغم أن بنكيران صرح بعدها أن "37 لا يمكن أن تكون أكبر من 125"، في إشارة لمقاعد الحزبين، إلا أن "البلوكاج الحكومي" انتهى بإعفائه من مهام تشكيل الحكومة، واختار الملك سعد الدين العثماني بدلا منه، والذي لم يجد بدا من الانصياع لشروط أخنوش، بل ومنحه وزارة هي الأطول اسما والأكثر ضما للقطاعات، وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات. محمد ربيع الخليع يبدو أن محمد ربيع الخليع، المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، قد استفاد كثيرا من بركات "الولي الصالح سيدي أحمد بن عجيبة"، دفين منطقة الزميج بنواحي طنجة، التي تنتمي إليها عائلته، فليس من السهل أن يظل شخص على رأس القطاع السككي المليء بالفخاخ طيلة 13 عاما، خاصة إذا كانت سهام الانتقاد توجه إليه من كل حدب وصوب. وصل الخليع إلى منصبه بتعيين ملكي سنة 2004، بعدما قضى أزيد من 15 عاما في مختلف مناصب المسؤولية بالمكتب المذكور، ليشرع في مخطط طويل الأمد لتجويد خدمات القطارات، انطلاقا من تجديد القاطرات المتهالكة وتمديد شبكة السكك وتحسين ظروف اشتغال العاملين بالقطاع، غير أنه خلال هذه المدة كان أيضا محط سخط الزبناء، بسبب التأخر المتكرر للرحلات وغياب النظافة والأمن وسوء التهوية وانقطاع الإنارة عن العربات. لكن من يعرفون الرجل يعلمون أنه يحسن تسويق "إنجازاته"، فنجاح مشروع القطار الفائق السرعة الرابط بين طنجة والدار البيضاء مثلا، والذي حظي بمتابعة ملكية، غطى على ما سبق ذلك من تأخر في المشروع ومشاكل قانونية مع ملاك الأراضي التي ستمر منها السكة، وقبلها استطاع النجاة بأعجوبة من مأساة "فاجعة بوقنادل"، بخطاب عاطفي مدروس جعله يبدو "رجل المرحلة" عوض أن يكون "المسؤول عما جرى". عبد اللطيف الجواهري لا ينطبق بيت زهير بن أبي سلمى "سئمت تكاليف الحياة ومن يعش.. ثمانين حولا لا أبا لك يسأم" على عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب، فبعد أيام على إتمامه الثمانين سنة كان الرجل يقف مرة أخرى أمام الملك محمد السادس، مقدما تقريره السنوي حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب. وأصبح ابن مدينة فاس، منذ 2003 رجل الثقة لدى الملك محمد السادس حول ما يتعلق بالأمور المالية والاقتصادية للبلاد، مستفيدا من خبرته الطويلة في بنك المغرب التي تعود لسنة 1962، إلى جانب تقلده حقيبة وزارة المالية ما بين 1981 و1986، وترؤسه المجموعة المهنية لبنوك المغرب عندما كان مديرا عاما للبنك المغربي للتجارة الخارجية في الثمانينات والتسعينات. ويبدو تأثير الأرقام والمعطيات التي يقدمها تقرير الجواهري، منعكسا على جل الخطابات الملكية التي تناقش الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب، وآخرها تقريره الذي تم عرضه قبل ساعات من خطاب العرش الأخير، والذي حمل نقدا صريحا حول تدبير قطاعات الصحة والتعليم وارتفاع معدلات المديونية. أحمد الحليمي عين أحمد الحليمي العلمي في منصب المندوب السامي للتخطيط منذ 2003، لكن علاقة حبه مع هذا القطاع بدأت أبكر من ذلك بكثير، وتحديدا سنة 1973 عندما عُين وزيرا للتخطيط والتنمية الإقليمية، لكنه سيختفي بعدها طويلا عن الحكومة إلى حدود سنة 1998. كان الحليمي، الاقتصادي اليساري، أحد الوجوه التي ضمتها حكومة التناوب التوافقي لسنة 1998 برئاسة عبد الرحمن اليوسفي الذي كان يضعه ضمن فريقه المقرب، حيث حظي بحقيبة الشؤون العامة للحكومة، وسرعان ما أضيف لها قطاع الاقتصاد التضامني والصناعة التقليدية. يصف الاتحاديون الذي عرفوا الحليمي عن قرب بأنه "عقل اقتصادي وازن"، لكن هؤلاء أنفسهم يعتبرون الرجل الآن "مجرد آلة أرقام"، جراء استمراره في منصبه "التيكنوقراطي" ل16 عاما، والذي فضل بعد توليه القطع نهائيا مع تاريخه السياسي. فيصل العرايشي كان فيصل العرايشي أول عنوان صدام بين القصر الملكي وحكومة عبد الرحمن اليوسفي في نونبر من سنة 1999، حين تلقى وزير العربي المساري، وزير الاتصال حينها، مكالمة من مدير ديوان الملك رشدي الشرايبي يخبره بإعفاء محمد الأيساري من منصبه كمدير للتلفزة المغربية بدار البريهي، دون إعطائه أي تفاصيل، باستثناء أنها "رغبة الملك"، وبينما كان المساري ينتظر إخباره بإجراءات التنصيب كما أوصاه الوزير الأول، سيشاهد حفل تعيين العرايشي على التلفاز، وهو الأمر الذي سيدفعه لطلب إعفائه من منصبه الحكومي. في 2005، سيتم إنشاء الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، وسيصبح العرايشي الرئيس المدير العام، لكن بعد نحو عقد ونصف من ذلك، ورغم الصلاحيات الواسعة التي يتوفر عليها، لم يستطع أن يحسن صورة الإعلام العمومي في ذهنية جل المغاربة، إذ لا يزال مستوى ما تقدمه محطات المؤسسات ضعيفا للغاية من ناحية المضمون والجودة التقنية، إذا ما قورن بما تقدمه مثلا قناة ميدي 1 تيفي أو قنوات جزائرية وتونسية، فإحرى إذا ما قورن ببرامج دول الخليج. فمنذ أن أصبح العرايشي مديرا عاما، ظلت الشركة الوطنية التي "أنجبت" العديد من القنوات التي توسف ب"المتخصصة"، تترنح بين الشبكة البرامجية الضعيفة لمختلف قنواتها التلفزيونية والإذاعية، وبين مطالب العاملين بتحسين ظروف العمل ماديا ولوجيستيا، حتى إن بعضهم اختاروا الخروج للإعلام للحديث عن تذمرهم مباشرة، أو الهجرة بكفاءاتهم نحو محطات عربية ودولية. لكن العرايشي لا يتحمل فقط نتائج فشل الإعلام العمومي، بما في ذلك القناة الرياضية التي أضحت وسيلة للسخرية، ولكن أيضا جزءا كبيرا من الفشل الرياضي، متمثلا في النتائج المخيبة لرياضة التنس الذي يرأس جامعته الملكية منذ 10 سنوات، فبعد أعوام من التألق والإنجازات وترديد اسم المغرب في مختلف البطولات الدولية، خسفت مرحلة العرايشي بكل ذلك الأرض، لكن الأغرب، في ظل ذلك، كان هو أيضا توليه رئاسة اللجنة الأولمبية الوطنية سنة 2017! مصطفى التراب يختلف مصطفى التراب، المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط، عن المسؤولين المذكورين آنفا في أنه خرج مباشرة من القصر الملكي لمواقع المسؤولية، فالرجل كان عضوا مكلفا بمهمة في الديوان الملكي سنة 1992، تم عضو في مجموعة التفكير التي أنشأها الملك الراحل الحسن الثاني من 1996 وإلى حين وفاته منتصف 1999، وهو أمر "طبيعي" بالنسبة لشخص سيتولى مسؤولية مؤسسة تحمل عبارة "الشريف" في اسمها. سنة 2006 عين التراب على رأس مؤسسة تشكل العمود الفقري للاقتصاد المغربي، وساعده مساره العلمي، كخريج لمعهد ماساشوسيتس للتيكنولوجيا بكامبريدج الأمريكية، ثم مساره المهني كأستاذ جامعي وباحث أكاديمي ومسؤول عن مجموعة من المشاريع والمؤسسات الاستراتيجية في العديد من دول العالم، في أن يكون الرجل الذي سيشرف عن النقلة الحاسمة للمكتب الشريف تمثلت في تحويلها من مؤسسة عمومية تملك الدولة الغالبية العظمى من أسهمها، إلى شركة مجهولة الاسم. غير أنه في مغرب ارتبطت فيه الكثير من الاحتجاجات الاجتماعية بسؤال "فين حقنا فالفوسفاط؟"، يبدو أن التراب بعيد عن أي مساءلة علنية عبر المؤسسات الدستورية حتى وإن كانت رقمية، فالمكتب الشريف الذي تبلغ عائداته السنوية أكثر من 4 ملايير دولار سنويا، لا يخضع مديره إلى مساءلة البرلمان ولا تخضع حساباته إلى تدقيق المجلس الأعلى للحسابات.