في الوقت الذي بدأت فيه حمى الانتخابات في الارتفاع وسط الأحزاب، أعلن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أن طبخة التعديل الحكومي دخلت أشواطها الأخيرة، حيث يُرتقب أن يعلن عنها قبل 11 أكتوبر المقبل، الذي يصادف افتتاح السنة التشريعية الجديدة. العثماني، وقبل سفره إلى نيويورك بأمريكا لحضور الأشغال السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام قليلة، أشار إلى إن الهيكلة الحكومية التي اقترحها تمت الموافقة عليها، وسيمر، بعد عودته، إلى المرحلة الأخيرة في جدول التعديل، تتعلق بالاتفاق حول الأسماء المرشحة لشغل المناصب الوزارية، مؤكدا أن لديه تعليمات بالتركيز على الكفاءات داخل الأحزاب السياسية. ولئن نفى العثماني وجود أي تعثر أو “بلوكاج” في إخراج النسخة الجديدة من حكومته، إلا أن هذا التعديل يطرح برمته تساؤلات عديدة حول الجدوى منه؛ خصوصا وأنه أتى مفاجئا في خطاب العرش الأخير، بعد أسابيع من قول العثماني في تصريحات صحافية إن الحديث عن أي تعديل حكومي “مجرد وهم”. فما الجدوى من التعديل الحكومي؟ وما الرهانات الثاوية خلف خطوة الإقدام عليه؟ وما صلته بانتخابات 2021 والتوازنات الحزبية الحالية؟ دوافع التعديل الحكومي تعرضت حكومة العثماني إلى أكثر من تعديل، أبرزها تعديل أكتوبر 2017، على خلفية حراك الريف وتقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تعثر تنفيذ برنامج “الحسيمة: منارة المتوسط”، قبل أن يطلب الملك محمد السادس مجددا تعديلا آخر مرتقبا قبل افتتاح السنة التشريعية الجديدة. وتشير غالبية التوقعات أن الحكومة المرتقبة ستضم أسماء جديدة، لكن الجوهري ليس في الأسماء، بل في موازين القوى التي ستكشف عنها الحكومة في نسختها الجديدة. عبدالحفيظ اليونسي يؤكد هذا الطرح، إذ يعتبر “التعديل الحكومي لا يمثل في حد ذاته تحولا جوهريا في الحقل السياسي المغربي، بل فقط، هو مجرد انعكاس لموازين قوى، حيث الملكية هي محور العملية السياسية بمدخلاتها ومخرجاتها”. يرى عبدالحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأول، أن التعديل الحكومي المقبل سيكون محددا بثلاثة معطيات أساسية: أولها، محدد دستوري يعطي رئيس الحكومة سلطة الاقتراح المبني على المشاورات مع مكونات الأغلبية الحالية، وثانيها، مرتبط بالإطار الذي وضعه الملك في خطاب العرش الأخير وحديثه عن الكفاءات، تماشيا مع الخطاب الملكي حول الحاجة إلى كفاءات جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة. ويعتبر اليونسي أن غالبية أحزاب التحالف الحكومي بمثابة آلة الصبغ السياسي للتكنوقراط، باستثناء العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، وإلى حد ما الاتحاد الاشتراكي. أما المحدد الثالث، وفق اليونسي، فهو “طبيعة مشاورات تشكيل الحكومة”، حيث يعد رئيس الحكومة بمثابة سلطة اقتراح، بينما الملك هو من يملك سلطة التعيين. وتشير غالبية التوقعات أن الحكومة المرتقبة ستضم أسماء جديدة، لكن الجوهري ليس في الأسماء، بل في موازين القوى التي ستكشف عنها الحكومة في نسختها الجديدة. عبدالحفيظ اليونسي يؤكد هذا الطرح، إذ يعتبر “التعديل الحكومي لا يمثل في حد ذاته تحولا جوهريا في الحقل السياسي المغربي، بل فقط، هو مجرد انعكاس لموازين قوى، حيث الملكية هي محور العملية السياسية بمدخلاتها ومخرجاتها”. الجدوى من التعديل في خطاب العرش، حدد الملك محمد السادس مرامي التعديل الحكومي حين دعا الحكومة “إلى الشروع في إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى، تقوم على التكامل والانسجام، من شأنها أن تشكل عمادا للنموذج التنموي، في صيغته الجديدة”. مؤكدا أن هناك مرحلة جديدة، ستتسم بإطلاق “جيل جديد من المشاريع”، وهذا التوجه “يتطلب نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة”. وتابع قائلا: “في هذا الإطار، نكلف رئيس الحكومة بأن يرفع لنظرنا، في أفق الدخول المقبل، مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق”. وأضاف الخطاب الملكي موضحا أن هذا التوجه “لا يعني أن الحكومة الحالية والمرافق العمومية، لا تتوفر على بعض الكفاءات. ولكننا نريد أن نوفر أسباب النجاح لهذه المرحلة الجديدة، بعقليات جديدة، قادرة على الارتقاء بمستوى العمل، وعلى تحقيق التحول الجوهري الذي نريده”. ويلاحظ أن الدعوة إلى تعديل حكومي جوهري جاء في سياق الدعوة إلى بلورة نموذج تنموي جديد، يُراد منه بحسب الخطب الملكية المتتالية تحقيق العدالة الاجتماعية، والعدالة المجالية، وتحسين مستوى الخدمات الاجتماعية، وتعزيز مستوى الثقة في المؤسسات، وتسريع وتيرة الإقلاع الاقتصادي والنجاعة المؤسسية، وهو نموذج ستحدد خطوطه الكبرى لجنة ملكية يُرتقب تعيينها أيضا في أفق الدخول البرلماني المقبل. هكذا يظهر أن الدخول البرلماني المقبل سيكون موعدا لتغييرات شاملة ومتعددة في النخب الوزارية والإدارية في الدولة، لا نعرف بعد مداها وهل ستقتصر على الإدارة والمؤسسات العمومية التي يعيّن مسؤولوها في المجلس الحكومي، أم ستتسع لتشمل المؤسسات والمقاولات العمومية التي توصف بالاستراتيجية، والتي يعين مسؤولوها في المجلس الوزاري، لكن من المفترض أن تنجح تلك التغييرات في إحداث تحولات جوهرية في علاقة الإدارة بالمواطن، وتدشين “مرحلة جديدة”، كما أعلن ذلك الملك في خطابه للعرش. ويلاحظ، أيضا، أن التعديل الحكومي كان هو العنصر الجديد، وربما، المفاجئ، في خطاب العرش، إذ فاجأ الرأي العام بقدر ما فاجأ رئيس الحكومة نفسه، الذي كان، أسابيع قبل خطاب العرش، قد كذب تكهنات بعض وسائل الإعلام حول وجود قرار بإجراء تعديل حكومي، واعتبر العثماني في تصريح شهير أن “التعديل الحكومي مجرد وهم”. لذلك، أثار التساؤل حول خلفيات التعديل، خصوصا مع قرب موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2021، محللين كثر. النموذج التنموي أم انتخابات 2021 يستند التبرير الرسمي حول الحاجة إلى التعديل الحكومي بالخطاب حول “المرحلة الجديدة” التي تحدث عنها خطاب الملك بمناسبة عيد العرش، واعتبر أنها مرحلة قوامها “المسؤولية والإقلاع الشامل”. ولا يخفى أن الحديث عن مرحلة جديدة جاء في سياق مرور 20 سنة على حكم الملك محمد السادس، ما جعل الخطاب ينحو منحى التقييم، حين اعتبر أن المغرب خلال الفترة الماضية حقق “نقلة نوعية”، على مستوى البنيات التحتية، ومجال الطاقات المتجددة، ومجال التأهيل الحضري، وفي مسار ترسيخ الحريات والحقوق، وتوطيد الممارسة الديمقراطية، لكنه اعتبر أن ذلك “لا يكفي”، لأن الثروة التي تحققت لم يستفد منها الجميع، وأن المغرب لم يستطع تجاوز إشكالات العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية، معلنا أن النموذج التنموي الجديد سيوضع من أجل تجاوز تلك الإشكالات، بل إن الخطاب حدد أولويات المرحلة الجديدة التي سيكون هذا النموذج رافعتها الأساس. في هذا السياق، يرى بعض المحللين أن الغرض الأساسي من وراء التعديل الحكومي، هو “تعزيز التكنوقراط” على حساب السياسيين، وفي الجوهر “مزيد من تحجيم قوة حزب العدالة والتنمية، أساسا، ومعه حزب التقدم والاشتراكية”، حتى يصل الحزب الأول إلى انتخابات 2021 منهكا، أي غير قادر على الفوز للمرة الثالثة، ويبدو أن هذا هو الرهان الأكبر من وراء التعديل الحكومي، إلى جانب الرهانات الأخرى التي تبدو أقل أهمية من الناحية السياسية. في نهاية المطاف، وكما يقول مصطفى السحيمي ، محلل سياسي، فإن “جميع الوزراء الذين سيكونون جزءا من الحكومة الجديدة، ويستمرون إلى انتخابات 2021 سيطالبون بالالتزام بالنتائج”. مضيفا “سيكون عليهم تحقيق نجاحات. الملك هو الذي سيعينهم، بناء على اقتراح رئيس الحكومة الذي يشاور حلفائه. ومع نهاية ولايتهم خلال سنتين سيخضعون للمحاسبة ولتقديم الحصيلة، وسيتبين أن كل حزب سيحاول إبراز منجزات وزرائه، وسيكون صعبا على العثماني أن ينسب المنجزات لحكومته، بدعوى أنهم “وزراؤه”، وسنرى كيف أن وزراء الأحرار بقيادة عزيز أخنوش سيسعون لتبني منجزاتهم، خاصة أنه منذ ثلاث سنوات يزداد التنافس بين البيجيدي والأحرار”. من بين أهم المستجدات التي أتى بها دستور 2011، حصره للتعيينات التي تتم عبر المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، في المؤسسات والمناصب ذات البعد الاستراتيجي. تنزيل هذا المقتضى تجسّد في قانون تنظيمي خاص بالتعيين في هذه المناصب، عُرف إعلاميا باسم قانون “ما للملك وما لبنكيران”، باعتباره رسم الحدود الفاصلة بين المجال المحفوظ للملك، والتعيينات التي تباشرها الحكومة من خلال مجلسها الأسبوعي. المؤسسات ذات الطابع الاستراتيجي، شهدت منذ دخول الدستور الحالي تغييرات متتالية همّت تعيين المسؤولين عليها، وكان من أبرز من شملهم التغيير الملكي، المديران العامان السابقان لكل من المكتب الوطني للكهرباء، علي الفاسي الفهري، والشركة الوطنية للطرق السيارة عثمان الفاسي الفهري، فيما كان مصير المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات أسوأ، حيث جرت إحالته على المحاكمة بسبب اختلالات تدبيرية في منصبه السابق. في مقابل ذلك، استمرّت بعض الوجوه شبه الخالدة في مواقعها التدبيرية على رأس مؤسسات ومناصب استراتيجية، رغم أن بعضها صدرت في حقه تقارير تتضمن اختلالات وسوء تدبير. على رأس هؤلاء يوجد إمبراطور الإعلام العمومي، المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، فيصل العرايشي، ثم إمبراطور الاتصالات في المغرب، عبدالسلام أحيزون، الذي ورغم خوصصة شركة “اتصالات المغرب”، فإنه بقي متربعا على عرشها، ثم هناك المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط، مصطفى التراب، ونظيره المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية… فيما يعتبر خليهن ولد الرشيد، أحد أقدم المتربعين على قمة إحدى المؤسسات ذات الطابع السياسي، أي المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية. أما نورالدين بنسودة، فيستأثر بمنصب الخازن العام للمملكة من سنين، رغم ما تفجّر من حوله من قضايا كمثل “عطيني نعطيك” والمشروع السياحي قرب مراكش الذي حصل بموجبه على أرض مملوكة للدولة.