مع استمرار المشاورات لتعديل حكومي موسع، أمر الملك محمد السادس بإجرائه قبل الأسبوع الثاني من أكتوبر المقبل، تتباين وجهات النظر بشأن تركيبة الحكومة المقبلة، وما يمكن أن تسفر عنه من تغيير في الوجوه والسياسات. خبير مغربي توقع أن يتميز التعديل الحكومي ب”إعادة النظر في عدد الوزراء، وحصول أحزاب الأغلبية الحكومية على وزارات جديدة”، فيما رأى آخر أنه لا يمكن استشراف أفق مستقبلي متفائل بحكومة (سعد الدين) العثماني، الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” . وعيّن الملك محمد السادس في 17 مارس 2017، العثماني رئيسًا للحكومة، خلفًا لعبد الإله بنكيران، وضمت حكومته أحزابًا كان بنكيران يرفض دخولها للتشكيلة الوزارية، ويعتبرها سبب “إفشال” تشكيل الحكومة بقيادته. ونهاية يوليوز الماضي، أعلن الملك خلال خطاب للشعب بمناسبة الذكرى العشرين لتوليه الحكم، أن الحكومة مقبلة على تعديل في تشكيلتها، قبل الجمعة الثانية من أكتوبر، تاريخ بداية السنة التشريعية في البرلمان. وكلّف الملك رئيس الحكومة بتقديم مقترحات ل”إغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى”. ويواصل العثماني مشاورات لتعديل الحكومة، لم تسفر حتى اللحظة عن جديد، وسط حديث عن وجود “بلوكاج” (عرقلة)، بحسب وسائل إعلام محلية. ونفى العثماني، الجمعة، وجود أي “بلوكاج” لمشاورات تعديل الحكومة، مشدداً على أن ما يروج بهذا الخصوص “غير صحيح”. 3 محددات التعديل عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأولبمدينة سطات ، يرى أن “التوقعات حول تركيبة الحكومة مع التعديل المقبل محددة بثلاث معطيات أساسية”. ويضيف اليونسي: “أولها محدد دستوري يعطي رئيس الحكومة سلطة الاقتراح المبني على المشاورات مع مكونات الأغلبية الحالية، وثانيها مرتبط بالإطار الذي وضعه الملك في خطاب العرش الأخير وحديثه عن الكفاءات”. وقال الملك في الخطاب إن المملكة مقبلة على مرحلة جديدة ستعرف “جيلًا جديدًا من المشاريع” تتطلب “نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة”. ويعتبر اليونسي أن “غالبية أحزاب التحالف الحكومي بمثابة آلة الصبغ السياسي للتكنوقراط (مسؤولون بلا انتماء سياسي)، باستثناء العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية وإلى حد ما الاتحاد الاشتراكي”. ويقصد بآلة الصبغ التحاق هؤلاء التكنوقراط بالأحزاب قبل تعيينهم في مناصب وزارية بأيام قليلة. ويضم الائتلاف الحكومي: حزب العدالة والتنمية (125 نائبًا من أصل 395)، التجمع الوطني للأحرار (37)، الحركة الشعبية (27)، الاتحاد الاشتراكي (20)، الاتحاد الدستوري (19)، والتقدم والاشتراكي (12). أما ثالث محددات التعديل الحكومي، وفق اليونسي، فهو “طبيعة مشاورات تشكيل الحكومة، حيث تلعب فيها الملكية دورًا مؤثرًا، باعتبار أن الملك يملك سلطة التعيين”. ويرى أن “الحكومة ستتميز بإعادة النظر في عدد الوزراء، وحصول أحزاب الأغلبية الحكومية على وزارات جديدة”. وتتشكل الحكومة الحالية من 39 وزيرًا وكاتب دولة، وهو بمثابة وزير، لكن صلاحياته أقل. ويعتقد أن “التعديل الحكومي لا يمثل في حد ذاته تحولًا جوهريًا في الحقل السياسي المغربي، بل فقط انعكاس لموازين قوى، حيث الملكية هي محور العملية السياسية بمدخلاتها ومخرجاتها”. خطيئة التأسيس ووفق سلمان بونعمان، رئيس مركز معارف للدراسات والأبحاث، فإن المطلوب هو أن يتجاوز التعديل الحكومي ما أسماه “خطيئة التأسيس الأولى المرتكبة على كافة المستويات، والتي أنتجت حكومة من دون رأي ولا هوية واضحة ولا تحالفات متماسكة”. ويتابع بونعمان، أن الحكومة الحالية تعاني من “غياب الانسجام السياسي والقدرة على الإنجاز، وتقلص فعالية الأثر الاجتماعي والسياسي لقراراتها”. ويستطرد: “كنا سابقًا أمام حكومة من دون وجهة ولا قدرة، والرهان الآن على تقوية البعد السياسي المؤسس على التعاقد الانتخابي في بنية الحكومة، مع استحضار معيار الكفاءة السياسية وعنصر القدرة التدبيرية والقيادة الفاعلة والقادرة على إبداع الحلول”. ويشير أن “المطلوب هو أن يستجيب التعديل الحكومي للتحولات ومواكبة البرامج والسياسات وتنزيلها بكل جرأة وشفافية ومصداقية بشكل يمكنها من اتخاذ القرار اللازم، الذي يراعي مصلحة الوطن والمواطن، ويضمن أثرًا إيجابيًا عمليًا يغير البيروقراطية القاتلة، ويؤثر في حياة المواطنين”. لكن بونعمان يستدرك معتبرًا أن “كل المؤشرات من الحقل الحزبي والسياسي لا تسعفنا بإمكانية استشراف أفق مستقبلي متفائل بحكومة العثماني.. نحن أمام أزمة سياسية عميقة تخترق النخب والأحزاب”.