نورالدين بنسودة.. حارس الخزائن “ملف الخازن العام للمملكة يحتاج إلى وقت للبحث فيه والتأكد من المعطيات الواردة فيه”، هذا كل ما صدر عن رئاسة النيابة العامة، خلال اجتماع جمعها بمسؤولي الجمعية المغربية لحماية المال العام الذين عرضوا عليها ملف نور الدين بنسودة الذي ظهر اسمه من خلال أبنائه القاصرين، المشاركين في شركة سياحية تم إحداثها بناء على أرض مملوكة للدولة تم تفويتها لصالحهم قرب مدينة مراكش. هذا الحديث يعود إلى فبراير 2019، وإلى غاية اليوم، لم تعد رئاسة النيابة العامة لتقول للرأي العام الوقت الذي يكفيها لتتأكد من تورط الخازن العام للمملكة أو براءته. قضية مماثلة كانت قد تصدرت اهتمام الرأي العام قبل سنوات، حين تبيّن من خلال وثائق رسمية أن بنسودة يتبادل منحا مالية سخية مع وزير المالية السابق، رئيس الباطرونا الحالي، صلاح الدين مزوار، دون أن تطال المحاسبة أيا منهما. ويتعلّق الأمر بالرجل المتربّع على عرش الخزينة العامة للمملكة منذ أبريل 2010، وهو الموقع الذي انتقل إليه من منصب المدير العام للضرائب الذي شغله منذ سنة تربع الملك محمد السادس على العرش، أي 1999. عدا ملفات “عطيني نعطيك” والمشروع السياحي المشوب بشبهة استغلال النفوذ من أجل الحصول على أرض واستثمارها في مشروع سياحي، لا يكاد اسم نورالدين بنسودة يبرز إلا مرتبطا بالتأشير على صرف أجور وتعويضات بعض كبار المسؤولين، إما بالتعجيل بها أو تجميدها. وخارج مجال تخصصه المالي، لم تعرف لنورالدين بنسودة مساهمات في النقاش العام والسياسات العمومية، باستثناء خروجه في ماي 1914 لتقمّص دور المنظر السياسي والدستوري، في لقاء نظمته له المدرسة الوطنية للإدارة، حيث حاول إثبات توجّه المقتضيات الدستورية الحالية، نحو استلهام تقنيان وأساليب التدبير المتّبعة في القطاع الخاص، ونقلها إلى تسيير الشأن العام اقتصاديا وماليا. بنسودة، وهو في موقع مسؤولية محددة بنص القانون، لم يتردد يومها في التعبير عن مواقف خاصة، مثل معارضته فكرة الدعم المباشر لفائدة الفقراء، حيث قال إنه يفضّل الاستثمار في البنيات والخدمات الأساسية لأنها أفضل دعم للأسر، “فأنت حين تستيقظ صباحا تحتاج لأن تأكل وتتنقّل وتتعلّم… والاستثمار في توفير نقل جيّد بسعر منخفض مثل الطرامواي الذي لا يتعدّى 6 دراهم، هو نوع من المشاريع المهيكلة والأساسية التي تستفيد منها الأسر”. وفي معرض مقارنته بين السياسيين والأطر الإدارية والتكنوقراطية، قال بنسودة إن من الضروري احترام أجندة السياسي الذي يريد الحصول على نتائج فورية، “لكن، أيضا، يجب احترام أجندة الدولة والخبير والموظّف التكنوقراطي الذي يمثّل الكفاءة وليس البيروقراطية”. خليهن ولد الرشيد.. شيخ شيوخ الصحراء إذا كان داخل قيادة حزب الاستقلال رجل اسمه حمدي ولد الرشيد، هو بمثابة المتحكم الحقيقي في حزب علال الفاسي منذ موقعة “الصحون الطائرة” التي عرفها المؤتمر الأخير للحزب لانتخاب بديل لحميد شباط، فإن في الخلفية رجل آخر اسمه خليهن ولد الرشيد، الذي يعتبر الرجل الأقوى في الصحراء، إذ يتولى رئاسة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس) منذ العام 2006، حيث كانت هذه المؤسسة مرشحة لتدبير التنزيل العملي لمقترح الحكم الذاتي الذي عرضه المغرب لإنهاء النزاع. يلقب بالرجل الأول في الصحراء، والماسك بملفاتها لدى القصر الملكي بالرباط، والوجه الممثل لصحراء المغرب في المحافل الدولية. حافظ منذ عقود على مكانة خاصة في قلوب أبناء قبيلة الركيبات، عمل مع الإسبان وساعد ولد خطري الجماني، ثم انتقل ليخدم قصر العلويين فوق كتبان صحرائهم المتحركة. يعتبر الرجل المنحدر من عائلة آل الرشيد العريقة، من أبرز المدافعين عن مشروع الحكم الذاتي، ينافح عنه في المحافل الدولية ويدعو أبناء عمومته في تندوف إلى القبول به والعودة لاقتسام السلطة المحلية في تدبير الإقليم الجنوبي للمملكة. بدأ مساره عندما بدأت ثورة جيش التحرير الصحراوي ضد الإسبان والفرنسيين. في سنة 1957 أصبحت هذه الحركة سيدة المناطق الصحراوية خارج مدن العيون والداخلة. وفي فبراير 1958 قام الجيشان الفرنسي والإسباني بعملية واسعة سميت، آنذاك، ب”أوكيوفيون” تمكنت من خلالها من القضاء على جيش التحرير، حيث قامت بغارات جوية على المجموعة القبلية التي كانت تضم خيام أهل الرشيد وأهل باباحمو وأهل ميارة وأهل السيد وأهل الركيبى. لكن أهل ولد الرشيد باتوا اليوم، يتربعون على حكم الصحراء ولو رمزيا، من خلال ترؤس خليهن للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وسيطرة إخوته وأبناء عمومته على عاصمة الصحراء، مدينة العيون، ومعها، حاليا، حزب الاستقلال. عبد السلام أحيزون.. جنرال الاتصالات اعتقد البعض أن الغضب المتصاعد في أوساط المستهلكين المغاربة من ضعف خدمات الاتصالات، ستعجّل برحيله من زمام الفاعل التاريخي في هذا القطاع بالمملكة، كما كانت النتائج المخيبة في مجال ألعاب القوى، مؤشرا عن قرب رحيله من رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لكن الرجل أعيد “انتخابه” في هذا المنصب، كما تجدد إمساكه بزمام شركة “اتصالات المغرب”، رغم الانتقادات الدولية الرسمية التي جرتها على المغرب، بسبب احتكارها للبنيات التحتية للاتصالات في المغرب وعرقلتها مسار التحرير وتوسيع المنافسة. سيرا على تقاليده منذ كانت الشركة عمومية، حافظ الرجل على عادة استدعائه جل وسائل الإعلام التي تعرفه جيدا من خلال ما يغدق به عليها من صفقات الإشهار، وينتصب أمام عدساتها وميكروفوناتها وآلات تسجيلها، ليستعرض حصيلته السنوية في تدبير إمبراطوريته التجارية المتخصصة في بيع الهواء للمغاربة، والتركيز على ما حققه من زيادات في رقم المعاملات وأرباح صافية بأرقام فلكية. ليرتبط اسمه حد التطابق بقطاع الاتصالات، لأنه عرف منذ البداية كيف يكبر مع قطاع آخذ في النمو والتطور، حتى أصبح قطاعا استراتيجيا بمد فروع الشركة نحو عدة دول إفريقية. أولى خطواته كانت إثر تخرجه مهندسا في الاتصالات من المدرسة العليا للاتصالات بباريس عام 1977، لتكون أولى خطواته في طريق المسؤولية بتوليه منصب مدير الاتصالات في وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية سنة 1983، حيث لم تكن المديرية تعني آنذاك، أكثر من بضع خطوط هاتفية توزع كما يوزع ريع باقي القطاعات، لكن المهندس أحيزون ساهم منذ البداية في كل التحولات التي عرفها قطاع الاتصالات، حيث ظل يراقبه عن كثب، ولم يمنعه تولي المنصب الوزاري كمسؤول عن حقيبة البريد والاتصالات بين 1992 و1995، من البقاء على رأس المكتب المغربي للبريد والاتصالات كمدير عام. قبل أن يعود ويتقلد من 1997 إلى 1998 منصب وزير الاتصالات، ليخرج منها إلى المولود الجديد، شركة اتصالات المغرب، التي تفرعت عن المكتب، وباتت مملكة خاصة لابن الأطلس، بنى صرحها بثبات، وبات بفضلها رقما وازنا في معادلات رجالات “العهد الجديد” وحساباتهم، ليضمنوا له ذات المركز في قمة المؤسسة حتى بعد تفويت أغلب أسهمها للفرنسيين، ثم الإماراتيين. فيصل العرايشي.. رجل قطب الإعلام المتجمد كشف الجزء المخصص للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون ضمن التقرير الجديد للمجلس الأعلى للحسابات، أن هذه المؤسسة التي توصف بكونها قطبا عموميا في مجال حيوي مثل الإعلام السمعي البصري، تشتغل عمليا خارج القانون. أولى الملاحظات التي سجلها التقرير تتمثل في غياب أي وثيقة رسمية تحدد توجهات هذه المؤسسة، أي أن القطب العمومي الذي يتربّع فيصل العرايشي على عرشه منذ عشرين عاما، يعمل دون توجّه أو تخطيط. منذ تعيينه في هذا المنصب استباقا لتحرير الإعلام السمعي البصري، راح هذا المكناسي المولد يفرخ القنوات واحدة تلو الأخرى، من الرابعة إلى السادسة، فالرياضية، ليصبح متربعا على قمة مجموعة إعلامية من عدة قنوات تلفزيونية، بالإضافة إلى شقيقاتها الإذاعية، مستبقا ما كان يجب حصوله بفعل التحرير وتزايد القنوات الخاصة، ب”إغراقه” السوق بقنوات الدولة في شتى المجالات. عين على رأس الإذاعة والتلفزيون المغربية مستهل حكم محمد السادس، وبقي هناك يهيكل دار البريهي ليجعل منها شركة عمومية. يعتبر من أبناء جيل الملك محمد السادس، حيث ولد سنة 1961، وحاز شهادة الباكالوريا في شعبة العلوم الرياضية من إحدى ثانويات الدارالبيضاء، ليشد الرحال نحو الجامعة الفرنسية ويلج المدرسة المتخصصة للأشغال العمومية بباريس، بعد ثانوية سان لويس التي عمق فيها معارفه في الرياضيات. وأعقب ذلك بماستر من جامعة ستانفورد للعلوم بكاليفورنيا. فيما تحمل سيرته الذاتية “سوابق” في خدمة المؤسسات الشريفة، حيث شغل ما بين 1987 و1988 منصب مدير مكلف بإعادة هيكلة وإعادة تنظيم الشركة الشريفة للأشغال الإفريقية. فيما أسس سنة 1989 شركة “سيكما” للإعلام السمعي البصري، وهي التجربة التكنولوجية التي يحاول نقلها إلى دار البريهي، بتركيزه على التجهيزات وتطوير الكفاءات الداخلية للشركة، حيث تمكن من بناء استوديوهاتها الحديثة بأيدي مغاربة، لكنه لم يتمكن من تغيير نظرة دافعي الضرائب إلى تلفزتهم العمومية. ربيع الخليع.. راكب لا يغادر القطار يعتبر المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، واحدا من أقدم المسؤولين المشرفين على مؤسسات ذات بعد استراتيجي، رغم أن الاحتجاجات وغضب الركاب لا يهدآن. وخلال أحد الاجتماعات الحديثة في البرلمان، قدم ربيع الخليع معطيات مفصلة عن استثمارات المكتب ومشكلة ديونه المتفاقمة، والتوجهات المستقبلية لهذه المؤسسة العمومية. وأقر لخليع أن الأشغال التي أنجزت على عدة محاور سككية، لتثليث بعض الخطوط أو تثنيتها، “كان لها انعكاس سلبي” على سير القطارات، لكنه اعتبر أنه من 26 نونبر 2018 “لوحظ تحسن في سير القطارات في جميع المحاور”. وبخصوص ديون المكتب، كشف لخليع في اجتماع انعقد بلجنة المراقبة المالية بمجلس النواب، أنها بلغت 35 مليار درهم سنة 2017، بعدما كانت في حدود 8 مليار درهم سنة 2010. وسجل أنه مع هذا المستوى المرتفع من المديونية، فإن الحاجة أصبحت ملحة، لإيجاد نموذج جديد، لتمويل الاستثمارات. وفي تقريره السنوي المنشور صيف 2017، كشف المجلس الأعلى للحسابات، عن بعض الأسباب التي تفسّر تدهور خدمات المكتب الوطني للسكك الحديدية، ومعاناة زبنائه الدائمة من تأخر القطارات واكتظاظها. التقرير قال إن ضعفا كبيرا في خدمات الصيانة وتقادما في المعديات يؤدي إلى حوادث واضطرابات تؤخر القطارات المغربية عن مواعيدها. تأخر قال التقرير إنه سجّل معدّلا سنويا في الفترة ما بين 2010 و2015، يناهز 20 ألف دقيقة، أي ما معدّله ساعة تأخير كل يوم يتحمّلها زبناء قطارات مكتب ربيع الخليع. هذا الرقم لا يتضمن فترات تأخير القطارات الخاصة بنقل البضائع، والتي سجّلت بدورها معدلا سنويا لفترات التأخير يناهز 6500 دقيقة، أي حوالي عشرين دقيقة كل يوم. اختلالات ردّ عليها المدير العام للمكتب حينها بالقول إنه أعطى الأولوية لتحقيق الأهداف المسطرة في عقد البرنامج، “الذي يرتكز على مخطط استثماري طموح واستثنائي في تاريخ السكك الحديدية الوطنية. ويشمل هذا المخطط إنجاز مشروع القطار فائق السرعة بين طنجةوالدارالبيضاء بكلفة تبلغ 20 مليار درهم، وكذلك برنامج تأهيل وعصرنة الشبكة السككية الكلاسيكية بكلفة تبلغ 13,8 مليار درهم”. في شهر ماي من سنة 2015، انتشر سؤال، هل حانت ساعة رحيل ربيع الخليع، إمبراطور السكك الحديدية في عهد محمد السادس؟ ذلك أن البلاغ الذي أصدره المكتب الوطني للسكك الحديدية حينها، وأعلن فيه اعتزامه تحسين جودة الخدمات والاستجابة لمطالب المسافرين، لم يوقف حملة الاحتجاجات الواسعة والمطالبة برحيل ربيع الخليع بعد 12 سنة قضاها على رأس مؤسسة استراتيجية. وتحدثت مصادر موثوقة عشية المجلس الوزاري، الذي انعقد في تلك المرحلة، عن كون الأنباء حول قرب إقالته، لم يكن محض إشاعات، بل تعبيرا عن قناعة باتت أطراف داخل هرم الدولة تتقاسمها مع غالبية مستعملي القطارات. هذه القناعات لم تتحوّل إلى تغيير على رأس المكتب بعد مرور أربع سنوات أخرى. مصطفى التراب.. مخصّب الفوسفاط منذ 2006 من الخطوات الجديدة التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات مؤخرا، كانت إقدامه على افتحاص مالية وتدبير المكتب الشريف للفوسفاط، بعدما ظلت هذه المؤسسة خارج أجندة قضاته. لكن النتيجة كانت مخيبة، حيث عمل المجلس إلى “حجب” القسم الأكبر من تقريره الخاص بهذه المؤسسة، مبررا ذلك بحساسية المعطيات التي تضمنها. وجاء في تقديم التقرير “وتجدر الإشارة إلى أنه نظرا إلى حساسية الجوانب التي تناولتها المهمة وطبيعة المعطيات التي تم استعمالها، والتي يمكن أن يؤدي نشرها إلى الإضرار بمصالح المجمع، وعلى غرار الممارسات السائدة على الصعيد الدولي والمعتمدة لدى الأجهزة العليا للرقابة، فقد قرر المجلس الاكتفاء بنشر خلاصة التقرير المتعلق بهذه المهمة”. التقرير السنوي الأخير للمجلس، قال بقدر كبير من الاحتشام، إن التخطيط لفتح مناجم جديدة في المواقع المنجمية من أجل الاستجابة إلى الأهداف المحددة في استراتيجية تنمية القدرات الإنتاجية التي شرع في العمل بها منذ سنة 2008 “عرف بعض القصور على مستوى الدراسات المنجمية”، كما “لم تتم دراسة الجدولة الزمنية للشروع في استغلال المناجم الجديدة بشكل كاف بالنظر إلى أهميته”، و”بالرغم من الأهمية القصوى التي يشكلها العتاد في أنشطة استخراج الفوسفاط، فإن تدبيره يشوبه بعض القصور”… يعود تولي مصطفى التراب قيادة المكتب الشريف للفوسفاط، إلى العام 2006، وفور تعيينه، اتجه المدير العام الجديد مباشرة نحو الجانب التدبيري المالي، وقام بإجراء افتحاص شامل استعان فيه بإحدى أكبر المؤسسات العالمية المتخصصة في الافتحاصات الدقيقة. فوضع الأصبع على جرح غائر وقديم في الجسم الفوسفاطي لم يسبق لغيره أن حاول علاجه، يتمثّل في ثقب كبير في مالية المؤسسة، يمسّ أساسا صندوق التقاعد الخاص بمستخدميها، حيث لم تكن مساهماتهم التي تُقتطع من أجورهم توضع في الصندوق الخاص بتقاعدهم، وظلّ العجز يتفاقم إلى أن وصل مستويات باتت تهدّد توازن المؤسسة، خاصة مع ظهور مشروع تأسيس صندوق خارجي للتقاعد، مع إمكانية إلحاقه بصندوق الإيداع والتدبير.