بعد شهور من الأزمة والبرود في العلاقات بين الرباطوبرلين، كشف تقرير استخباراتي ألماني تناقلت تفاصيله الصحافة الألمانية في الأيام الأخيرة، الأسباب الحقيقية التي يُرجح بقوة أنها هي التي تقف وراء اتخاذ المغرب لقطع علاقاته مع السفارة الألمانية في الرباط واستدعاء سفيرته للتشاور، دون أي معالم في الأفق عن عودة العلاقات الثنائية إلى سابق عهدها. وحسب المعطيات الملتقطة من الصحافة الألمانية، فإن التقرير الاستخباراتي الذي أنجزته إيزابيل فيرينفيلس رئيسة مكتب المخابرات الألماني قسم شمال إفريقيا والشرق الأوسط، يحمل عنوان: "لا نريد تركيا جديد في غرب البحر الأبيض المتوسط"، ويضم العديد من المعلومات والمعطيات المأخوذة من أرشيف وتسجيلات المخابرات الألمانية، للأنشطة التي قامت بها الاستخبارات لعرقلة نمو وتقدم المغرب وتوسعه في إفريقيا ونسجه لعلاقات في أوروبا الشرقية، الأمر الذي يهدد المصالح الألمانية. ووفق ما جاء في التقرير، فإن إيزابيل فيرنفيلس اعترفت بأن الأجهزة الاستخباراتية الألمانية قامت بالعديد من الأنشطة والعمليات التي تهدف إلى تقويض تقدم المغرب وتعطيل توسعه في المجال الاقتصادي في القارة الإفريقية، حيث سعت إلى خلق مشاكل للمغرب لصالح أعدائه التقليديين والمنافسين له في المنطقة بهدف كبح طموحاته. كما اعترفت صاحبة التقرير الاستخباراتي، بناء على ما اطلعت عليه من أرشيف المخابرات الألمانية، أن الأخيرة، أي الأجهزة الاستخباراتية الألمانية، اصطدمت بجهاز استخباراتي مغربي قوي، و"منافس شرس" يملك العديد من الروابط والعلاقات، ليس فقط في أوروبا الغربية، بل حتى في أوروبا الشرقية. وقالت إيزابيل فيرينفيلس، أنها توصلت خلال إنجازها للتقرير المذكور، لاستنتاج "مفاده أن الخطة التي تم إنفاق الكثير من الأموال عليها من أموال دافعي الضرائب في ألمانيا، قد فشلت، وهناك تركيا جديدة في غرب البحر الأبيض المتوسط بدأت في النمو والظهور"، في إشارة إلى أن المساعي الألمانية لتقويض صعود المغرب لم تُكلل بالنجاح، ملمحة إلى احتمال صعود المغرب كقوة جديدة في المنطقة على غرار تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط. وتحدث التقرير الاستخباراتي الألماني إلى ما أسماه ب"التحالف المغربي الإسرائيلي" الأخير، حيث اعتبره أنه يشكل صدمة كبيرة للاتحاد الأوروبي وليس فقط لألمانيا، مشيرا إلى أنه يشكل تهديدًا لمصالح الاتحاد وتهديدًا له بشكل مباشر على المدى القصير والمتوسط، على اعتبار أن شمال إفريقيا منطقة خصبة للاتحاد الأوروبي لبيع منتجاته، وبوابة يمكن من خلالها دخول السوق الإفريقي الضخم. وأضاف التقرير في هذا السياق أن "الاتفاقية الإسرائيلية المغربية سترهقنا (أي ألمانيا) كثيرًا، لأن إسرائيل تتمتع بقوة صناعية وستبحث عن أسواق التعدين التي وضعنا استراتيجية لها منذ عام 2019، عندما توصلنا إلى اتفاق مع العديد من شركاتنا، لاتخاذ إجراءات على المستوى الأفريقي، وكنا على يقين من أنها ستبدأ بوضوح في دخول هذا السوق الكبير في عام 2020، لكن وباء كورونا أخر هذا المشروع". وأوضح التقرير بشأن هذا المشروع، أن ألمانيا خططت له وفكرت فيه جيدا، بعدما تبين أن علاقاتها التجارية مع إفريقيا لا تزال ضعيفة للغاية، وقد وعدت المستشارة السابقة ميركل "بتأسيس صندوق بمليار أورو لدعم و تأمين الاستثمارات في إفريقيا، حيث تحتل ألمانيا موقعًا متخلفًا في الاستثمار المباشر، يذهب 1٪ فقط من الاستثمار الأجنبي الألماني حاليًا إلى إفريقيا". واختتم التقرير بنصائح واستشارات موجهة للدولة الألمانية يقول فيه بأن "المغرب ليس متحمسا لفكرة فتح ملف جديد مع برلين، لذلك لا بد من التغلغل عبر الجزائر إلى إفريقيا، التي تقدم لألمانيا كل الامتيازات والتسهيلات في المجالات الاقتصادية وحتى السياسية"، مضيفا "إن دخول قوة اقتصادية مثل إسرائيل بالشراكة مع قوة ناشئة مثل المغرب لن يترك لنا (أي ألمانيا) مساحة للتوسع في منطقة غنية بالمعادن التي تحتاجها الصناعة الألمانية، لأن حركتنا لم تحدث مع السرعة اللازمة والمعلومات الألمانية التي يحتاجها المشهد".